أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

رجل الشعب:

دلالات فوز روتو في الانتخابات الرئاسية الكينية

23 أغسطس، 2022


أعلن رئيس مفوضية الانتخابات الكينية، في 15 اغسطس 2022، فوز المرشح، وليام روتو، نائب الرئيس المنتهية ولايته، أوهورو كينياتا، في الانتخابات الرئاسية التي شهدت منافسة حادة مع زعيم قوى المعارضة، رايلا أودينجا، وأدت الخلافات التي تمخضت عن هذه الانتخابات إلى زيادة التخوفات بشأن احتمالية اندلاع أعمال عنف جديدة على أثر التنازع على نتائجها على غرار الانتخابات السابقة.

معركة لا يمكن التنبؤ بها:

أعلن رئيس مفوضية الانتخابات الكينية فوز ويليام روتو، بعد نحو أسبوع من تصويت ملايين الكينيين على الانتخابات التي جرت في 9 أغسطس الجاري، لينهي بذلك معركة لا يزال يصعب التنبؤ بمآلاتها، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- فوز روتو بهامش ضئيل: تمكن ويليام روتو من التغلب على خصمه المعارض المخضرم، رايلا أودينجا، بهامش ضئيل، فقد أعلن رئيس اللجنة المستقلة لشؤون الانتخابات والحدود، وافولا شيبوكاتي، حصول روتو على 50.5% (7.18 مليون صوت) من إجمالي الأصوات مقابل 48.85% (6.94 مليون صوت) لمنافسه أودينجا.

ورحب روتو بهذه النتيجة، وألمح إلى الحاجة إلى تكاتف الأطراف كافة للمضي قدماً، وعبر عن تطلعه إلى العمل مع السياسيين كافة وتجنب الانتقام، في رسائل ضمنية لمنافسه وحليفه السابق كينياتا. وفي المقابل ألتزم رايلا أودينجا الصمت، ولم يعلق، حتى الآن، على نتائج الانتخابات، فيما أعلن مسؤولو الحملة الانتخابية لأودينجا رفضهم نتائج الانتخابات وأن الأمر لم يحسم بعد. كما شهد مؤتمر الإعلان عن نتائج الانتخابات اقتحام أنصار أودينجا المنصة والاشتباك مع عناصر الأمن ولجنة الانتخابات.

2- انقسام داخل لجنة الانتخابات: أعلنت نائبة رئيس مفوضية الانتخابات، جوليانا شيريرا، أنها وثلاثة آخرين داخل المفوضية التي تتشكل من سبعة أعضاء، يتنصلون من نتائج هذه الانتخابات التي وصفوها بالغامضة، وهو ما أثار حالة من الجدل بشأن احتمالية وجود شبهات تزوير، غير أن ثمة تقديرات أخرى أشارت إلى أن هؤلاء الأربعة كان قد تم تعيينهم من قبل كينياتا، حليف أودينجا، ولذلك، فإنهم قد يكونون تصرفوا على هذا النحو بإيعاز من الأول. 

واتسمت عملية فرز الأصوات بالتعقيد، وهو ما انعكس في تأخر إعلان النتيجة لمدة تقارب الأسبوع منذ إجراء الاقتراع، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات الكثيرين حول أسباب التأخير، ودعم من مزاعم وجود تزوير. وفي المقابل، فإن عملية الفرز شهدت مراقبة مكثفة من قبل العديد من المراقبين المحليين والإقليميين والدوليين، وهو ما يحد من هذه الاتهامات. 

3- اندلاع احتجاجات رافضة للنتائج: اندلعت احتجاجات واسعة رافضة لنتائج الانتخابات في معاقل أودينجا على ضفاف نهر كيسومو، فيما حدث أعمال شغب في حي كيبيرا بالعاصمة نيروبي، وهو ما دفع الشرطة للتعامل مع هذه الأعمال بالعنف، الأمر الذي ينذر بتأجيج المشهد الداخلي.

4- تراجع نسبة المشاركة: قدرت لجنة الانتخابات نسبة المشاركة في عملية التصويت بحوالي 65% من إجمالي عدد الناخبين البالغ عدده حوالي 22 مليون ناخب، في تراجع ملحوظ في نسبة المشاركة في التصويت مقارنة بالانتخابات السابقة في 2017 و2013، والتي شهدت مشاركة بلغت 78% و86% على التوالي، وهو ما عزته بعض التقديرات إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية، بسبب تداعيات وباء كورونا والحرب الأوكرانية، فضلاً عن تراجع الثقة في النخبة السياسية بسبب تصاعد معدلات الفساد.

انتخابات رئاسية وبرلمانية:

تدفق ملايين الكينيين، في 9 أغسطس الجاري، للتصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، فضلاً عن انتخاب رؤساء المقاطعات الـ 47 ونوابهم، ويمكن توضيح دلالات ذلك على النحو التالي:

1- تنافس ثنائي: انحصرت المنافسة بين مرشحين اثنين من إجمالي أربعة مرشحين على منصب الرئيس، وهما رايلا أودينجا، زعيم المعارضة، ووليام روتو، نائب الرئيس المنتهية ولايته كينياتا. 

ويعد أودينجا زعيماً لـ"حركة الديمقراطية البرتقالية" المعارضة، والذي يترشح للمرة الخامسة للانتخابات الرئاسية، غير أن ترشحه هذه المرة في إطار تحالف "الصمود في الوحدة" (Azimio la Umoja)، والذي يتشكل من سبعة أحزاب رئيسة، يأتي في مقدمتها حزب "اليوبيل" بقيادة كينياتا، و"الحركة الديمقراطية البرتقالية" برئاسة أودينجا. أما روتو، فقد ترشح في إطار تحالف حزبي عرف باسم "كينيا كوانزا"، والتي تعني "كينيا أولاً"، والذي يضم تسعة أحزاب.

2- توظيف الخطاب الشعبوي: مثّل البعد الطبقي، وليس القبلي، العامل الحاسم في هذه الانتخابات، نظراً لعدم وجود مرشح لعرقية الكيكويو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد، والأقوى سياسياً واقتصادياً، فضلاً عن تراجع الأوضاع الاقتصادية في البلاد وتصاعد معدلات الفساد. 

وعمد روتو إلى توظيف الورقة الاقتصادية واستخدم خطاباً شعبوياً استهدف الشباب والنساء، إذ قدم نفسه على أنه المدافع عن الطبقة الفقيرة العاملة، والذين سماهم "أمة المكافحين"، وذلك في مقابل النخب السياسية المسيطرة على الثروة، والتي سماها روتو "بالعائلات الحاكمة". وساعده على ذلك أنه ينحدر من أسرة فقيرة، كما كان يعمل في بيع الدجاج. 

ورفض "اليوبيل" في عام 2021 ترشيح روتو في انتخابات 2022. ومثلت هذه الخطوة محدداً مهماً في تعزيز فرص روتو، حيث وجهت عرقية الكيكويو، أكبر العرقيات في البلاد، والتي ينتمي لها كينياتا، انتقادات كبيرة للأخير لتخليه عن حليفه القديم، وهو ما أدى إلى حصول روتو على أغلبية داخل منطقة "جبل كينيا"، معقل الرئيس كينياتا ذاته.

3- برلمان منقسم: لم تختلف نتائج الانتخابات البرلمانية كثيراً عن الرئاسية، ففيما يتعلق بمجلس الشيوخ، فقد تمكن تحالف كونزا الذي يقوده روتو من حصد 33 مقعداً مقابل 32 مقعداً لتحالف "الصمود في الوحدة" الذي يقوده أودينجا، من إجمالي 67 مقعداً يتشكل منها المجلس، فيما تمكن الأخير من التقدم في انتخابات الجمعية الوطنية بالحصول على 162 مقعداً مقابل 158 مقعداً لتحالف كونزا، من إجمالي 349 مقعداً تتشكل منها الجمعية، فيما حصلت بقية الأحزاب الصغيرة والمستقلون على 18 مقعداً.

وأفرز ما سبق، برلماناً مفتتاً، بين تحالفين متنافسين، ولذا من المرجح أن تشهد الفترة المقبلة محاولة صياغة تحالفات لتشكيل أغلبية، خاصة من جانب تحالف روتو، وذلك عبر استقطاب بعض الأحزاب الأصغر والمستقلين.

ارتدادات داخلية محتملة:

تثار مخاوف من أن تشهد كينيا أعمال عنف في أعقاب الانتخابات الأخيرة، على غرار الانتخابات السابقة، ويمكن توضيح فرص حدوث ذلك على النحو التالي:

1- تحوّل المعركة نحو القضاء: يرجح أن تشهد الفترة المقبلة صراعاً كبيراً داخل أروقة المحاكم، مع قيام الرئيس كينياتا بتحركات للطعن على النتيجة أمام المحاكم، وهناك مخاوف من احتمالية تكرار سيناريو انتخابات 2017، والتي تمت إعادتها، لاسيما أن الأسابيع الأخيرة كانت قد شهدت اتهامات من قبل كل من أودينجا وروتو للجنة الانتخابات بالتحيز، ساعد على ذلك تولي أفولا تشيبوكاتي رئاسة اللجنة، والذي سبق وأن وجهت المحكمة العليا في كينيا انتقادات له في عام 2018 لعدم التزامه بالقواعد الدستورية.

2- تخوفات من تصاعد العنف: شهدت كينيا صراعات مريرة بعد انتخابات عامي 2007 و2017، ولذا، فإن هناك مخاوف من تكرار هذا السيناريو، فقد أفضت الاحتجاجات التي شهدتها نيروبي بعد انتخابات 2007، والتي خسرها أودينجا أيضاً، عن مقتل نحو 1200 شخص ونزوح أكثر من 600 ألف آخرين، جراء العنف العرقي الذي شهدته البلاد. كما شهدت نيروبي احتجاجات واسعة عقب انتخابات 2017، قبل أن تقضي المحكمة بإعادة الانتخابات.

وفي إطار الاحتجاجات التي شهدتها بعض المناطق في أعقاب الإعلان عن فوز روتو، حذرت بعض التقديرات من احتمالية تأجيج الصراع الداخلي مرة أخرى، لاسيما أن الفترة المقبلة ربما تشهد تصعيداً للاحتجاجات المؤيدة لأودينجا في نيروبي وكيسومو، وهو ما قد تنتج عنه احتجاجات مضادة في ناكورو وإلدوريت.

3- عوامل كابحة للعنف: قد تشهد الفترة المقبلة انخراطاً دولياً واسعاً لتجنب تفاقم الأوضاع في كينيا، خاصة أن أودينجا وروتو سبق وأن أعلنا أنهما سيحترمان اختيار الشعب ويرفضان العنف. كما يعول الكثيرون على استقلالية السلطة القضائية، في ظل وجود محكمة عليا قوية ومستقلة قادرة على حسم الجدل حول نتائج الانتخابات، على غرار دورها في إعادة انتخابات 2017.

ومن جهة أخرى، أقرت بعض التقارير الدولية بنزاهة عملية فرز الأصوات، وأن اللجنة عمدت إلى تحميل النتائج إلكترونياً بحيث تتم مراقبتها من الجميع، وبالتالي رجحت هذه التقديرات أن تسهم شفافية عملية الفرز في الحد من الاضطرابات. 

وربما يكون أحد أبرز العوامل التي تسهم في خفض التوتر هو تراجع أهمية عامل العرق في الانتخابات الأخيرة، فالتحالفات الرئيسية تتضمن شخصيات من مختلف المجموعات العرقية، مع تحول العامل الاقتصادي لمحدد حاسم في الوقت الراهن، وهو ما يجعل سيناريو العنف الموسع مستبعداً.

4- إعادة هيكلة التحالفات السياسية: قد تطرأ تغيرات على خريطة التحالفات السياسية في البلاد بعد الانتخابات الأخيرة، إذ إن تحالف "الوحدة في الصمود"، والمشكل من حزب "الحركة الديمقراطية البرتقالية" وحزب الرئيس كينياتا "اليوبيل" قد يشهد تصدعات محتملة، لاسيما أن حزب كينياتا كان قد خسر شريحة كبيرة من داعميه التقليديين بسبب تحالفه مع أودينجا.

وفي حالة حدوث ذلك، فإنه من المرجح أن يتوصل روتو وأودينجا إلى تفاهمات في مرحلة ما بعد الانتخابات، إذا ما تمكنا من تجاوز الخلافات الحادة بينهما، والتي عكستها الانتخابات الأخيرة.

‏تداعيات محدودة على السياسة الخارجية: 

يلاحظ أن حجم التغير المتوقع في السياسة الخارجية لنيروبي يبدو محدوداً، باعتبار أن روتو كان جزءاً من النظام الكيني الحالي، ولذا قد تتمثل أبرز ملامح سياسته الخارجية في التالي:

1- تعزيز التقارب مع الغرب: تعد كينيا أحد النماذج الديمقراطية في أفريقيا، على الرغم من بعض العيوب في نظامها السياسي، كما تحظى بدعم غربي واسع. وعكست التصريحات السابقة لروتو أنه سيعمل على تعزيز تقاربه مع الغرب على حساب الصين، التي كان قد وجه لها انتقادات بشأن سياسة الديون، فضلاً عن انتقاده لزيادة أعداد العمالة الصينية في كينيا، والتي وعد بتقليصها.

2- مواصلة الدور في شرق أفريقيا: لا يتوقع أن تشهد سياسة نيروبي تجاه محيطها الإقليمي أي تحولات جذرية، باستثناء ترجيح اتجاه روتو إلى زيادة تعزيز علاقاته بدول المنطقة، وحلحلة أي خلافات سابقة مع بعض الأطراف، على غرار تنزانيا أو الصومال، والتعاون مع إثيوبيا التي لطالما اعتبرت المنافس التقليدي لنيروبي في المنطقة، فقد بادر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى تهنئة روتو بالفوز في الانتخابات، وهو ما قد يعزز التعاون بين البلدين خلال الفترة المقبلة.

وتعد نيروبي مركزاً اقتصادياً إقليمياً، فضلاً عن كونها فاعلاً محورياً في تسوية النزاعات في منطقة شرق أفريقيا. ومن المرجح أن يواصل روتو دوره الدبلوماسي ومبادراته لتسوية النزاعات في شرق أفريقيا، ناهيك عن دوره في قيادة مجموعة شرق أفريقيا، ومواصلة الجهود المتعلقة بتفعيل مبادئ السوق المشتركة للمجموعة، خاصةً بين كينيا وأوغندا وتنزانيا.

وتعتمد الدول غير الساحلية في المنطقة على ميناء كينيا البحري في عملية الاستيراد، حيث يمثل ميناء مومباسا البحري أهمية كبيرة بالنسبة لتانزانيا وبوروندي والكونغو الديمقراطية ورواندا وأوغندا وجنوب السودان، وهو ما دفع أوغندا إلى زيادة مخزونها الوقائي من الوقود إلى 100 مليون لتر، قبل بدء عملية التصويت في الانتخابات الكينية، لتجنب أي انقطاعات محتملة للطاقة على غرار ما حدث في 2007.

وفي الختام، تقف كينيا حالياً عند نقطة فاصلة، إما أن تعزز من خلالها صورتها التقليدية كنموذج ديمقراطي ناجح في شرق أفريقيا، أو تنجرف نحو حالة من الفوضى والصراع، بيد أن السيناريو الأول يبقى هو المرجح حتى الآن، في ظل دعم دولي واسع للحفاظ على الاستقرار هناك، باعتباره ركيزة مهمة لهذه المنطقة الحيوية.