أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الشروق:

خصائص «الحمائية الجديدة».. وتأثيراتها في الاقتصاد العالمي

21 أغسطس، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا مطولا ــ تم اختصاره ــ للخبير الاقتصادى محمود فتح الله، تناول فيه أهم خصائص الحمائية الجديدة، والتداعيات المحتملة لهذه السياسات على النظام التجارى الدولى متعدد الأطراف.. نعرض من المقال ما يلى.

لجأت عدة دول فى العالم إلى اتخاذ إجراءات احترازية للحفاظ على مخزون السلع الأساسية فى ظل أزمة غذاء عالمية، بسبب تأثر سلاسل الإمدادات على إثر اندلاع الحرب الروسية ــ الأوكرانية منذ فبراير 2022، ولعل أبرزها أخيرا قيام الهند فى 20 يوليو 2023 بحظر تصدير الأرز الأبيض «غير البسمتى» فى مسعى منها للحد من ارتفاع الأسعار المحلية. وقد أعادت مثل هذه الإجراءات الحديث مرة أخرى عن الحمائية وتأثيرها فى النظام الاقتصادى العالمى.

ظهرت الحمائية الجديدة من خلال تبنى عدد كبير من السياسات يمكن توضيح أهمها فيما يلى:

أولا: تقوم الدول بحماية صناعاتها من خلال توجيه المشتريات الحكومية نحو السلع المنتجة محليا، وكان ذلك سببا فى وضع اتفاقية للمشتريات الحكومية

Government Procurement Agreement (GPA) فى منظمة التجارة العالمية لضمان ألا تكون سياسة المشتريات الحكومية أداة حمائية.

ب ــ دعم الصناعات المحلية: تقدم الدول دعما لصناعاتها المحلية، إما بهدف تخفيض سعر منتجاتها فى مواجهة المنتجات المستوردة للتأثير فى المنافسة فى السوق المحلية، أو دعم الصادرات للتأثير فى تنافسيتها فى السوق الخارجية خلافا لواقع القدرة التنافسية للصناعات المحلية.

ج ــ معايير الصحة والسلامة: قد تفرض الدول معايير متشددة للصحة والسلامة كشرط لدخول الواردات من بعض السلع، فى الوقت الذى قد لا تستوفى فيه السلع المثيلة المصنعة محليا نفس هذه الشروط، وبالتالى فإن المعايير تستخدم كحماية مستترة للصناعات المحلية أمام منافستها الأجنبية.

دــ معايير الجودة والمواصفات والمقاييس: تستخدم هذه المعايير أيضا كحماية مستترة أمام الواردات، خاصة عندما تكون السلع المحلية لا تستوفى نفس المواصفات.

هـ ــ تطبيق إجراءات بيروقراطية متعمدة لتعطيل الإفراج عن سلع بعينها.

وــ تطبيق سياسات نقدية تؤدى إلى تخفيض متعمد لسعر صرف العملة بهدف التأثير فى القدرة التنافسية لمنتجاتها فى الأسواق العالمية أو الحد من وارداتها.

تشهد الحياة التجارية الحديثة العديد من السياسات الحمائية التى يمكن تصنيفها كشكل من أشكال الحمائية الجديدة. ونتناول هنا حالتين؛ وهما: السياسات التجارية أثناء جائحة «كورونا»، وقانون الحد من التضخم الأمريكى.

أولا: السياسات التجارية أثناء جائحة «كورونا»: أحدثت جائحة «كورونا» صدمة للاقتصاد العالمى فى جانبى العرض والطلب، ومعها حدث اضطراب فى سلاسل الإمداد وتعطل النشاط الاقتصادى، ودفع ذلك الدول المصدرة، وخاصة الصادرات الغذائية والصحية، لتقييد صادراتها؛ خوفا من شح السلع فى السوق المحلية أو لمواجهة النقص المحتمل فى الواردات، وهو ما يعد تغييرا جوهريا فى حركة التجارة الخارجية وتقييدا لها.

بصفة عامة، تعددت أشكال استجابة الحكومات لوباء «كورونا»، وشملت الإجراءات؛ فرض رسوم جمركية، واتباع سياسات تمييزية وصلت أولا إلى القطاع الصحى الذى كان يمر بأزمة حرجة فى تلبية الطلب على اللقاحات فظهرت سياسة «قومية اللقاحات»، حيث وضعت الحكومات تدابير تجارية مؤقتة تهدف إلى تقييد صادرات الإمدادات الطبية الحيوية وتم تطبيق تقييد فورى على المكونات الأساسية والمكونات الطبية ومعدات الحماية الشخصية وأجهزة التنفس الصناعى.

ثانيا: قانون التضخم الأمريكى: أقر الكونجرس الأمريكى قانون خفض التضخم فى أغسطس من العام الماضى، بحوافز إجمالية تتجاوز 430 مليار دولار، ويهدف القانون إلى الاستثمار فى إنتاج الطاقة محليا ودعم التصنيع، والحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة 40% تقريبا بحلول عام 2030. ووفقا للقانون الأمريكى، سيتم ضخ 370 مليار دولار فى برامج أمن الطاقة وتغير المناخ، عبر تقديم إعفاءات ضريبية للشركات التى تستثمر فى الطاقة النظيفة، ودعم كبير للسيارات الكهربائية والبطاريات ومشروعات الطاقة المتجددة، طالما كانت المكونات المستخدمة فى هذه المشروعات مصنوعة داخل الولايات المتحدة.

ويمنح إقرار هذا القانون مزايا ضريبية ضخمة وإعانات أخرى لتوطين سلاسل توريد البطاريات، ومن ثم تعزيز استخدام المركبات الكهربائية، إذ يهدف القانون إلى كبح التضخم بتقليل العجز التجارى، وخفض أسعار الأدوية، إلى جانب الاستثمار فى إنتاج الطاقة محليا وخاصة الطاقة النظيفة.

وتهدف واشنطن من خلال الحوافز الكبيرة التى طرحها ذلك القانون، إلى خفض اعتمادها على الواردات الصينية عن طريق تقليل ربط سلاسل الإمداد بالصين، وإن كان هذا الهدف يعد صعبا حيث تسيطر الشركات الصينية على ما يقدر بـ80% من سلسلة التوريد العالمية لتصنيع الطاقة الشمسية، وتنتج ما يقرب من نصف المعدات اللازمة لتصنيع الألواح الشمسية ومكوناتها، وذلك وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، وتأتى نسبة 97% من السبائك فى العالم من الصين. وكنتيجة لتلك المزايا التحفيزية الضخمة لتقوية الصناعات المحلية وزيادة النفوذ الأمريكى على سلاسل الإمداد، فإنها تثير مخاطر زيادة السياسات الحمائية والحروب التجارية بين الدول وظهور نتائج عكسية على النظام التجارى العالمى.

تؤدى حرية التجارة والتكامل الاقتصادى بين دول العالم إلى زيادة المنافع على مستوى دول العالم نتيجة تدفق السلع والخدمات والتمويل، بينما يؤدى تزايد القيود المفروضة على التجارة الدولية والتمويل إلى انكماش حجم التجارة ومن ثم الناتج الإجمالى المتولد عنها وبالتالى تراجع رفاهية المجتمعات. وقد تراجع التأييد العام للانفتاح الاقتصادى فى العديد من دول العالم، كما أن التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين فى العالم أخذت تتزايد وسط طفرة عالمية من القيود التجارية الجديدة. علاوة على أن الحرب الروسية ــ الأوكرانية لم تتسبب فى معاناة إنسانية وحسب، وإنما أفضت كذلك إلى اضطرابات هائلة فى التدفقات المالية والمتعلقة بالغذاء والطاقة فى أنحاء العالم.

وفى أكتوبر 2022، حذر صندوق النقد الدولى من خفض توقعات النمو لعام 2023، حيث توقع نموا فى العام الحالى يبلغ نحو 2.7%، بعد توقعه نموا يصل إلى 2.9%، ويرجع ذلك بالأساس إلى التطورات التى شهدتها السياسات التجارية فى الآونة الأخيرة، حيث شهدت عددا من التحولات التى أدت إلى تلاشى التكامل الاقتصادى والدفع نحو النمو البطىء للتجارة. وتشير بيانات «Global Trade Alert» إلى ارتفاع عدد الإجراءات التمييزية الجديدة التى أعلنتها اقتصادات مجموعة العشرين بشكل متزايد منذ عام 2012، كما تشير البيانات إلى أن التعريفات الجمركية على الواردات هى الأداة الأكثر استخداما، حيث تمثل نحو 30% من جميع الإجراءات المفروضة. أيضا، زاد استخدام التدابير غير المباشرة بشكل تدريجى؛ مثل القروض الحكومية للشركات المصدرة. إلى جانب هذه التدابير الحمائية، انخفض الدعم العام للانفتاح التجارى، بينما زادت الحمائية على مستوى العالم، حيث يعتقد البعض أن التجارة الحرة جعلت دول العالم أكثر عرضة للأزمات الدولية والآثار غير المباشرة من الخارج.

ختاما، يمكن القول إن الحمائية التقليدية باستخدام تعريفات جمركية مرتفعة على سلع بعينها، يكون لها آثار متساوية وحيادية على جميع دول العالم ويمكن التنبؤ بآثارها مستقبلا. أما الحمائية الجديدة التى ظهرت أواخر القرن الماضى وترتبط بنزعة الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، للحفاظ على هيمنتها، فلها آثار أشد ضراوة على النظام التجارى الدولى؛ إذ تستخدم أدوات تؤثر بشكل غير متماثل فى دول العالم ولا يمكن التيقن مسبقا من نوع الأداة المستخدمة للحمائية أو فترة تطبيقها أو آثارها. كما أن استخدامها تجاه دول تسيطر على حصة ضخمة من الإنتاج والتجارة، مثل الصين، يدفع إلى حروب تجارية بين الطرفين، تؤدى إلى تقلص حجم التجارة العالمية، وتؤثر فى النمو والتنمية فى مختلف دول العالم، وتكون الدول النامية هى الخاسر الأكبر.

*لينك المقال في الشروق*