أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

المصري اليوم:

محمد حسان فلفل يكتب: الطقس الجامح: دروس استباقية لمواجهة مخاطر «النينو» على الاقتصاد العالمى

05 أغسطس، 2023


ينتظر العالم مزيدًا من ارتفاعات درجة الحرارة وتغيرات حادة فى أنماط الطقس خلال الأعوام الخمسة المقبلة؛ بسبب ظاهرة مناخية قوية تُسمى «النينو» (El Niño)، فقد أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقريرًا بشأن حالة المناخ العالمية، فى مايو 2023، حذرت فيه من تزايد احتمالات حدوث ظاهرة «النينو» خلال النصف الثانى من العام الجارى، ما ستكون له تأثيرات عكسية فى أنماط الطقس والمناخ فى العديد من المناطق حول العالم، ومن المُرجَّح أن تؤدى الظاهرة إلى مزيد من الارتفاع فى درجات الحرارة العالمية.

ماهية «النينو»:

تُعرف «النينو» بأنها تغير عنيف فى درجة حرارة الجزء الشرقى من المحيط الهادى على طول خط الاستواء، وهى تحدث بشكل روتينى نتيجة لتغير مؤقت فى مناخ المنطقة الاستوائية بالمحيط الهادى. وهذا ما يُحدِث بدوره تأثيرات متباينة فى مناطق كثيرة فى أنحاء العالم، ويزيد من ارتفاع درجات الحرارة، فضلًا عن حدوث موجات من الجفاف وحرائق الغابات فى بعض المناطق، وأمطار غزيرة وسيول وفيضانات فى مناطق أخرى.

وعادةً ما تستمر نوبات «النينو» من 9 أشهر إلى 12 شهرًا، وتمتد تأثيراتها إلى فترات زمنية أطول بعد تلك المدة، وتميل إلى التطور خلال فصل الربيع (مارس- يونيو)، وتصل إلى ذروة الشدة خلال أواخر الخريف والشتاء (نوفمبر- فبراير). وهناك فرصة لتطور الظاهرة بنسبة احتمالية 94% خلال الفترة (سبتمبر- نوفمبر)، وتستمر هذه الاحتمالية حتى بداية عام 2024.

وعلى الرغم من أن نوبات «النينو» ظاهرة طبيعية متكررة الحدوث منذ آلاف السنين، فقد صارت أكثر تواترًا وكثافة نتيجة تغير المناخ، الذى يؤثر فى الظواهر المُصاحبة لها، فتزداد حدة نوبات الطقس المتطرفة/ الجامحة (Extreme Weather Events)، ما يؤثر فى مختلف الأنشطة البشرية

موجة عنيفة:

شهدت العقود القليلة الماضية نوبات عنيفة من ظاهرة «النينو» خلال سنوات (1972/ 1973)، و(1982/ 1983)، و(1997/ 1998)، وكان آخرها عام (2015/ 2016)، حيث سجل حينها عام 2016 أعلى مستويات لدرجة حرارة الأرض؛ بسبب مزيج من ظاهرة «النينو» القوية وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى وتغير المناخ. ومن ثَمَّ، فإن الاحتمالات المتزايدة لحدوث الظاهرة خلال نهاية العام الجارى ستظهر آثارها فى 2024. وعلى الرغم من تباين شدة «النينو» والظواهر المصاحبة لها من موجة إلى أخرى، فإن تأثيراتها فى توزيعات سقوط الأمطار حول العالم تبقى شبه ثابتة.

وأكد تقرير حالة المناخ العالمية الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فى مايو الماضى، ارتفاع المتوسط السنوى لدرجة الحرارة العالمية للفترة (2023- 2027) عن المعدلات السابقة، وأنه من المتوقع بنسبة (98%) أن تشهد تلك الفترة تسجيل رقم جديد لأعلى مستويات لدرجة حرارة الأرض يفوق الرقم المُسجل عام 2016، ومن المحتمل أيضًا أن يكون متوسط السنوات الخمس للفترة (2023- 2027) أعلى من نظيرتها الخمس الماضية (2018- 2022)، وأن تكون مستويات درجة حرارة القطب الشمالى أعلى بثلاث مرات من المتوسط العالمى خلال العقد الماضى.

وبالفعل شهد العالم أسخن يوم فى درجات الحرارة يُسجل على الإطلاق فى شهر يوليو 2023، وهو ما حطم الرقم القياسى العالمى لمتوسط درجة الحرارة الذى سُجل عام 2016، إذ ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية عن 17 درجة مئوية لأول مرة، ليصل إلى 17.8 درجة مئوية فى 6 يوليو الماضى، وذلك وفقًا لخدمة رصد المناخ فى الاتحاد الأوروبى «كوبرنيكوس».

خسائر كبيرة:

يتوقع العلماء أن تكون هذه النوبة من «النينو» من أقوى وأشد نوبات الظاهرة، والتى تُكلِّف الاقتصاد العالمى الكثير من الخسائر الفادحة بسبب نوبات الطقس الجامحة التى تعقب «النينو» وتمتد آثارها لسنوات، إذ تُقدِّر دراسة حديثة صادرة فى 18 مايو 2023 عن «كلية دارتموث بجامعة نيو هامبشاير الأمريكية» تحت عنوان: «التأثير المستمر لظاهرة النينو فى النمو الاقتصادى العالمى»، أن الظاهرة التى تبدأ خلال النصف الثانى من العام الجارى قد تُكلِّف الاقتصاد العالمى ما يصل إلى 3.4 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة (من 2024 حتى 2029)، وذلك على غرار ما شهده العالم بعد حدثين سابقين قويين لـ«النينو» فى (1982/ 1983)، حيث شهدت السنوات الخمس اللاحقة آنذاك خسائر للاقتصاد العالمى قُدِّرت بنحو 4.1 تريليون دولار. وتكرَّر هذا السيناريو أيضًا فى (1997- 1998)، حيث شهدت السنوات الخمس اللاحقة لها خسائر للاقتصاد العالمى قُدِّرت حينها بنحو 5.7 تريليون دولار.

ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن ارتفاع درجات الحرارة من شأنه أن يتسبب فى الحد من سلامة الأغذية من خلال زيادة الأمراض المنقولة عبر الأغذية والمياه، ونقل الآفات النباتية إلى مناطق جديدة، ما قد يؤدى إلى فرط فى استخدام مبيدات الآفات، وزيادة امتصاص المعادن الثقيلة السامة فى المحاصيل الأساسية، والإضرار بسلامة الأغذية البحرية على نطاق واسع، وانتشار الإصابات الفطرية فى النباتات.

كما أصدرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة «الإيكونوميست» أخيرًا تقريرًا حذرت فيه من تفاقم ضغوط الأمن الغذائى فى إفريقيا بسبب ظاهرة «النينو»، حيث تواجه العديد من الدول الإفريقية- بالفعل- مخاطر انعدام الأمن الغذائى المتزايد، وتزِيد الظاهرة القوية من المخاطر السلبية الكبيرة على الإمدادات الغذائية الإقليمية، ومن ثَمَّ تؤثر فى التضخم والنزوح والاستقرار الاجتماعى. وأشار التقرير إلى ازدياد احتمالات مخاطر الجفاف؛ نتيجة انخفاض معدلات هطول الأمطار، خاصة على دول غرب وجنوب إفريقيا وأجزاء من وسط وشرق إفريقيا، وتعتمد تلك الدول- بشكل كبير- على الأمطار فى الإنتاج الزراعى والحيوانى. بينما ترتفع فرص سقوط الأمطار الغزيرة فى مناطق شرق إفريقيا (الصومال وجيبوتى وكينيا وتنزانيا)، وقد تكون تلك الأمطار الغزيرة مفيدة للآفاق الزراعية فى تلك المنطقة، خاصة بعد تفاقم أزمة الجفاف منذ عام 2020، إلا أن حدة نوبات الطقس الجامحة قد تزيد من مخاطر الفيضانات وما يُمكن أن تُسبِّبه من خسائر ودمار وتلف المحاصيل الزراعية فى تلك الدول.

وتتوقع الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوى (NOAA) أن تكون ظاهرة «النينو» القادمة من الموجات القوية (بنسبة احتمالية 84%)، حيث صارت الظاهرة أكثر تواترًا وحدةً نتيجة تغير المناخ، وشهد عاما (2015/ 2016) آخر موجة قوية لـ«النينو»، وكانت منطقة جنوب وجنوب غرب إفريقيا أكثر المناطق تضررًا فى إفريقيا، خاصة سكان الريف. كما تتوقع أن تكون ذروة تأثيرات «النينو» خلال شهرى نوفمبر وديسمبر 2023، بالتزامن مع زراعة المحاصيل وبداية الرياح الموسمية فى منطقة الجنوب الإفريقى، وقياسًا على ما حدث فى (2015/ 2016)؛ إذ تعرضت المنطقة فى نوفمبر 2015 لأسوأ موجة جفاف منذ أكثر من ثلاثة عقود، ما جعلها تعانى عجزًا فى الحبوب بلغ نحو 9.3 مليون طن بعد الحصاد الرئيسى خلال الفترة اللاحقة (إبريل ومايو 2016)، وهو ما أدى إلى تضاعف عدد السكان الذين يعانون انعدام الأمن الغذائى إلى أكثر من 40 مليونًا بحلول منتصف عام 2016.

وتعانى منطقة الجنوب الإفريقى- بالفعل- من أوضاع هشة نتيجة انخفاض إنتاج الحبوب؛ بسبب نقص الأمطار خلال موسم (2021- 2022)، وارتفاع التضخم وأسعار الغذاء العام الماضى. وتُقدِّر منظمة «الفاو» أن حوالى 15.9 مليون شخص فى جميع أنحاء المنطقة (باستثناء دولة جنوب إفريقيا) واجهوا انعدام الأمن الغذائى خلال الفترة من يناير إلى مارس 2023، ومع وجود نقاط ضعف موجودة مسبقاً، فإن دول تلك المنطقة ستكون فى وضع ضعيف بشكل خاص يحد من قدرتها على التخفيف من صدمة «النينو» القوية المحتملة.

تجارب استباقية:

لا تزال تدابير التخفيف للتغلب على خطر ظاهرة «النينو» غائبة إلى حد كبير فى الكثير من الدول المتأثرة، خاصة فى القارة الإفريقية، فى الوقت الذى تشهد فيه دول آسيوية (مثل إندونيسيا والفلبين والهند) الإعلان عن تدابير تخفيف استباقية وتوسيع نطاق برامج المساعدة الإنسانية؛ بهدف الحد من خسائر المحاصيل والثروة الحيوانية فى الأشهر المقبلة.

ففى إندونيسيا- التى عانت تأثيرات ظاهرة «النينو» القوية عام 2015 وما أعقبها من حرائق غابات وحرائق فى الأراضى الزراعية- حذر الرئيس الإندونيسى، جوكو ويدودو، من التداعيات المحتملة للظاهرة، مؤكدًا ضرورة الأخذ فى الاعتبار الدروس المستفادة من الكارثة السابقة، وجاء ذلك خلال اجتماعه بمجلس الوزراء فى مطلع شهر يوليو الجارى. كما حددت وكالة الأرصاد الجوية وعلوم المناخ والجيوفيزياء الإندونيسية مواقع البؤر الساخنة (Hotspots)، التى تُمثل نقاط مخاطر عالية بالنسبة للحرائق بسبب ارتفاع درجات الحرارة. كذلك وضعت إدارات الشرطة الإقليمية لوحات إرشادية تحذر المزارعين، واتخذت إجراءات رقابية صارمة لمنعهم من القيام بإزالة الغطاء النباتى- بعد الحصاد- باستخدام أسلوب الحرق من أجل تهيئة الأرض للزراعة، والذى يُعد عاملًا لتسريع وتيرة حرائق الغابات والأراضى الزراعية فى ظل المناخ الجاف والحرارة المرتفعة.

وفى الهند، تُحدث نوبات «النينو» القوية والمتوسطة خسائر كبيرة فى إنتاج الحبوب الغذائية؛ نتيجة انخفاض معدلات وكميات مياه الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. وعليه، فقد أطلقت الهند برنامجًا للابتكار الوطنى فى مجال الزراعة المقاومة للمناخ، حيث يتم عرض التقنيات المقاومة للمناخ فى 151 منطقة مُعرضة للمخاطر فى البلاد، ويتم تحديد التقنيات الواعدة لكل منطقة، ونجحت تلك التقنيات فى الحد من تأثير الموجات الحارة والجفاف فى المحاصيل الاستراتيجية، خاصة القمح والأرز.

كما أعلنت الفلبين تبنى منهج «الأمة بأكملها» (Whole-of-nation) من أجل الاستعداد لمواجهة مخاطر ظاهرة «النينو»، وأعادت الحكومة تشكيل فريق الاستجابة لـ«النينو» بقيادة وزارة الداخلية والحكومة المحلية مع الوكالات الأعضاء الأخرى. وهذا الفريق مُكلف بصياغة خطة شاملة للتأهب للكوارث وإعادة التأهيل لمواجهة ظاهرة «النينو»، ورصد ومتابعة تنفيذ الخطة، وإطلاق حملة إعلامية واسعة النطاق، وكذلك تحديث خارطة الطريق الموسعة لمعالجة تأثير الظاهرة وللتركيز على مجالات الاهتمام مثل الأمن الغذائى والأمن المائى وأمن الطاقة والصحة والسلامة العامة.

استجابة محدودة:

تمثل المخاطر المناخية تهديدًا مستمرًّا منذ سنوات، ومازالت تتصدر قائمة المخاطر التى يرصدها تقرير المخاطر العالمية (The Global Risks Report)، والذى أوضح- فى نسخته الثامنة عشرة الصادرة عن المنتدى الاقتصادى العالمى فى بداية 2023- أن الكوارث الطبيعية وموجات الطقس الجامحة وفشل التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه تأتى فى مقدمة المخاطر والتهديدات العالمية للسنوات العشر المقبلة.

وعلى الرغم من وجود خطط لهدف عالمى يتعلق بالتكيف مع تغير المناخ- سيتم الاتفاق عليها فى قمة المناخ القادمة بدولة الإمارات العربية المتحدة (كوب 28)- فإن التقدم نحو توفير الدعم المطلوب للسكان والبنى التحتية المتأثرة بالفعل بالتداعيات الناجمة عن تغير المناخ يُعد محدودًا، كما أن تمويل أنشطة التكيف مع التغيرات المناخية غير كافٍ، فالتمويل لمعالجة أزمة الأمن الغذائى لا يزال أقل بكثير من المستويات المطلوبة بالرغم من التعهدات والالتزامات الدولية.

ختامًا، صارت الظواهر المناخية، مثل «النينو»، أشد شراسة وحدة، وتهدد الحياة البشرية والاقتصاد العالمى. وتُبرهن الخبرات الدولية الناجحة على أنه يمكن- وبشكل فعَّال- التقليل من تأثير التهديدات المناخية من خلال بناء نظم فعالة وناجحة للإنذار المبكر وبناء قدرات الاستعداد والاستجابة من خلال التركيز على نهج الحد من المخاطر وإدارتها.

* خبير فى إدارة مخاطر الأزمات والكوارث والتغيرات المناخية

*لينك المقال في المصري اليوم*