تعتبر الموارد المالية الوفيرة لدى حركة طالبان إحدى الركائز الرئيسية التي ساعدتها على تقوية موقفها العسكري، وبسط سيطرتها على الأراضي الأفغانية تدريجياً في السنوات الأخيرة، حتى سقوط العاصمة كابول ومعظم البلاد في أيديها يوم 15 أغسطس 2021. وتتعدد مصادر تمويل طالبان بين عائدات تجارة المخدرات، وفرض الضرائب والإتاوات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بالإضافة إلى تلقي التبرعات الخارجية وغيرها من المصادر الأخرى، وهي تصل في مجموعها إلى ما يقارب المليار ونصف مليون دولار سنوياً.
موارد وفيرة:
ثمة صعوبة في الحصول على بيانات دقيقة بشأن الموارد المالية لحركة طالبان في أفغانستان سنوياً، إذ تتفاوت تقديراتها من مؤسسة لأخرى تبعاً لتباين حسابات مصادر التمويل المختلفة، ومدى رصدها على مدار السنة، كما أنها بطبيعة الحال تتفاوت من عام إلى آخر. ويُقدر مجلس الأمن الدولي، في تقرير صادر عنه في مايو 2020، أن أدنى مستوى لإيرادات طالبان وصل إلى نحو 300 مليون دولار، فيما أعلى مستوى لها كان 1.5 مليار دولار.
وفي العام المالي المنتهي في مارس 2020، حققت حركة طالبان، وفق بعض التقديرات، عائدات مالية تُقدر بنحو 1.6 مليار دولار، أي ما يمثل حوالي خُمس الإيرادات الحكومية البالغة نحو 5.5 مليار دولار خلال نفس العام، وعلى نحو يعكس النفوذ الاقتصادي الواسع للحركة داخل أفغانستان.
وتأتي التدفقات المالية الكبيرة لطالبان بفضل تنوع مصادر التمويل، والتي تعتمد على استغلال ما توفره الأراضي الأفغانية من موارد طبيعية مثل المعادن، بالإضافة إلى التجارة بالمخدرات، وكذلك التبرعات الخارجية. وتقوم الحركة بتوظيف هذه العوائد في تعزيز عتادها العسكري، من خلال شراء السلاح والذخيرة، وكذلك دفع رواتب مقاتليها، والتي تشير تقديرات إلى أن عددهم يتراوح بين 60 و65 ألف مقاتل، وبراتب شهري يبلغ أدناه 150 دولاراً.
مصادر التمويل:
تتعدد مصادر تمويل حركة طالبان بين استغلال موارد المعادن، وتجارة المخدرات، والتبرعات وغيرها، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- عائدات التعدين: يمثل نشاط التعدين أحد مصادر التمويل الرئيسية لطالبان، وتجني الحركة عائدات منه بطريقتين؛ الأولى من خلال القيام بعمليات استخراج المعادن بنفسها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ويتم ذلك في العادة على نطاق محدود؛ نظراً لنقص الخبرات الفنية لدى الحركة. والطريقة الثانية عبر فرض رسوم وإتاوات على الشركات العاملة في مجال تعدين خام الحديد والنحاس والذهب وغيرها من المعادن في أنحاء أفغانستان. ووفقاً لمجلس الأمن الدولي، فرضت طالبان، على سبيل المثال، رسوماً على شركات تعدين الذهب في مقاطعة راغستان فقط بنحو 200 ألف دولار شهرياً، أي تحصل على عائدات منها بنحو 2.4 مليون دولار سنوياً.
المصدر: وزارة المعادن والبترول الأفغانية.
2- تجارة المخدرات: تمثل هذه التجارة أهم مصادر تمويل طالبان، حيث إنها توفر ما يصل إلى ربع الإيرادات المالية للحركة، وتصل في بعض السنوات الأخرى إلى ما يتعدى نصف الإيرادات مع تراجع المصادر الأخرى. وتسيطر طالبان على سلسلة توريد مخدر الأفيون للعالم، والتي تبدأ بزراعة الخشخاش ثم تصنيعه وتهريبه إلى الأسواق الدولية عبر وسطاء آخرين. وقُدرت المساحة المزروعة بخشخاش الأفيون في أفغانستان بحوالي 224 ألف هكتار عام 2020، وبزيادة قدرها 37% أو 61 ألف هكتار مقارنة بعام 2019، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. كما تشارك طالبان أيضاً في إنتاج وتصنيع مخدر الميثامفيتامين والذي يُعد أكثر ربحية من الأفيون؛ لانخفاض تكلفة إنتاجه.
3- فرض الضرائب والإتاوات: عملت حركة طالبان على توسيع تدفقات الإيرادات من خلال فرض الضرائب والرسوم على الطرق والمرافق والبنية التحتية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. كما فرضت الحركة زكاة على الزروع والثمار، والتي تبلغ 10% من قيمة المحصول. وفي السنوات الأخيرة، قادت طالبان حملات ابتزاز ضد شركات خدمات الهاتف المحمول والكهرباء للحصول على الأموال، نظير عدم إلحاق الضرر بمواقعهم وموظفيهم.
4- مصادر أخرى: هناك مصادر تمويل أخرى لحركة طالبان، تشمل المساهمات المالية من بعض الجهات والأشخاص المؤيدين لها في الخارج، بالإضافة إلى تجارة بعض السلع الاستهلاكية على طول الحدود مع الدول المجاورة، وكذلك العائدات المالية من العقارات التي تمتلكها الحركة في أفغانستان وباكستان وبعض الدول الأخرى، وعلى نحو يدر عليها تدفقات مالية شهرية.
اتجاهات مُحتملة:
بعد سيطرة حركة طالبان على معظم أفغانستان، يُتوقع أن تتسم إدارة الشؤون المالية للحركة بعدة خصائص، يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- عدم الفصل بين الأموال العامة والخاصة لطالبان: ستعمل حركة طالبان في الفترة المقبلة، من دون شك، على حشد الموارد المالية اللازمة من أجل تقوية وضعها العسكري، وفرض الأمن على أنحاء أفغانستان كافة. وستحاول الحركة تحقيق ذلك بكافة السُبل، سواء من خلال التوسع في استغلال موارد الدولة الأفغانية، وما يوجد لدى البنوك من أرصدة، وكذلك الاستفادة من الموارد الطبيعية الوفيرة مثل المعادن.
2- بسط السيطرة على المؤسسات الرسمية: ستحرص طالبان على تعيين أشخاص تابعين لها على رأس المؤسسات الاقتصادية الأفغانية لإحكام السيطرة على النشاط الاقتصادي والموارد المالية للدولة. وفي هذا الصدد، عيّنت طالبان، في 23 أغسطس 2021، حاجي محمد إدريس قائماً بأعمال محافظ البنك المركزي الأفغاني بدلاً من المحافظ السابق.
وهنا تتعين الإشارة إلى أنه من غير المرجح أن تتمكن طالبان من إدارة الاقتصاد الأفغاني بطريقة احترافية، لأنه يُتوقع أن يبقى عدد قليل فقط من البيروقراطيين الأكفاء في أفغانستان، ومن ثم يتمثل التحدي الاقتصادي لطالبان في النقص الهائل في المهارات والخبرات في الوزارات والإدارات الحكومية، وصعوبة الوصول إلى وزراء وإداريين يمكن أن تثق بهم الدول المانحة للمساعدات، وكذلك المستثمرين الأجانب أيضاً.
3- نقص في الإيرادات الضريبية والإتاوات: من المحتمل أن يتأثر النشاط الاقتصادي في أفغانستان سلباً في ظل عدم اليقين السياسي والأمني في البلاد. فمن المتوقع أن يفقد الاقتصاد الأفغاني نحو 20% من حجمه البالغ حوالي 19.8 مليار دولار عام 2020، وفقاً لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني.
وأحد الأسباب الرئيسية للتردي الاقتصادي المتوقع، هو أنه بمجرد سيطرة طالبان على البلاد، جمدت كثير من دول العالم والمؤسسات الدولية المساعدات التنموية لأفغانستان، والتي تشكل أهمية كبيرة للاقتصاد الأفغاني، حيث بلغت قيمتها نحو 4.2 مليار دولار عام 2019، أي ما يشكل حوالي ربع الناتج المحلي في ذلك العام.
كما حظرت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وصول طالبان إلى أصول أفغانية بالولايات المتحدة تُقدر بنحو 9.5 مليار دولار. وعلق صندوق النقد الدولي وصول أفغانستان إلى حقوق السحب الخاصة، وجمد البنك الدولي مشروعاته في البلاد. وفي المجمل، سيكون مردود ذلك سلبياً على قطاع واسع من الأفراد والأعمال في أفغانستان، وسيضعف بالتبيعة حصيلة طالبان من الضرائب والإتاوات المفروضة على النشاط الاقتصادي.
4- استمرار التجارة غير المشروعة: من المتوقع أن تستمر طالبان في تعزيز إيراداتها من تجارة المخدرات. فعلى الرغم من تأكيد مسؤولي الحركة، بمجرد السيطرة على العاصمة كابول، وقف إنتاج الأفيون، فإن التقديرات تشير إلى صعوبة التزامها بهذا الأمر؛ نظراً لحاجتها لدعم مواردها المالية وتقوية نفوذها، خاصة في ظل شح موارد التمويل الأخرى بالتزامن مع الاضراب الاقتصادي بالبلاد.
5- التوسع في مشاريع التعدين: على الأرجح أن تسعى طالبان لبناء شراكات خارجية مع بعض الدول، مثل الصين أو تركيا، واللتين تتمتعان بعلاقات طيبة مع الحركة، من أجل مساعدتها على إدارة مؤسسات الدولة، وجذب الاستثمارات في مجال الثروات المعدنية والبنية التحتية اللازمة لاستخراجها؛ وذلك بهدف تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الثروات الأفغانية وتعزيز إيرادات الحركة بعد سيطرتها على مقاليد الحكم.
بيد أن بناء تلك الشراكات لن يكون سريعاً وسهلاً، حيث ستحرص القوى التي رحبت بصعود طالبان، على التريث، وعدم مساندتها، سواء من خلال المساعدات الفنية أو ضخ استثمارات في أفغانستان، إلا في حالة ضمان القدرة على تأمين استثماراتها ومصالحها الاقتصادية، ونجاح طالبان في تحقيق الاستقرار الأمني في البلاد.
ختاماً، يمكن القول إن عودة طالبان للسيطرة على أفغانستان قد يُمكنها من زيادة إيراداتها من مصادر تمويلها المعتادة، بيد أنها في المدى القصير لن تتمكن من تحقيق أقصى استفادة من موارد الاقتصاد الافغاني، الذي أصبح يفتقد لأهم موارده وهي المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى حذر دول العالم والمستثمرين الدوليين أيضاً من التعاون مع أفغانستان؛ نظراً لحالة الغموض التي تحيط بالمشهد السياسي والأمني في أفغانستان.