أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

صحيفة الشروق:

محددات استعادة النشاط الاقتصادى فى ظل «كورونا»

31 مايو، 2020


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا للكاتب «يوسف داوود»، تحدث فيه عما يجب على الدول فعله إذا أرادت استعادة حياتها الاقتصادية فى ظل تفشى الفيروس وما دوافعها الملحة لعودة النشاط الاقتصادى فى أسرع وقت.... جاء فيه ما يلى:

أضحى «استعادة النشاط الاقتصادى» العنوان الرئيسى الأبرز لإجراءات دول العالم فى مواجهة جائحة كورونا، فعقب فترة تصل إلى أشهر من تبنى إجراءات الإغلاق والحظر؛ رفعت العديد من الدول تباعا القيود على الأنشطة الاقتصادية مع تبنى تدابير احترازية لمواجهة احتمالات «الارتداد الوبائى» وظهور موجة ثانية من تفشى الفيروس. فعلى سبيل المثال، بدأت ألمانيا فى 21 إبريل فى فتح بعض المحال التجارية مع تطبيق إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعى.

وأعلن رئيس الوزراء البريطانى «بوريس جونسون» أن بريطانيا ستُعيد فتح الآلاف من متاجر الشوارع الرئيسية والمتاجر الكبرى والمراكز التجارية خلال شهر يونيو المقبل. وفى سياق متصل، أعلنت اليابان خلال شهر مايو الجارى عن رفع حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد. وفى هذا السياق، توقعت محافظة طوكيو «يوريكو كويكى» أن «العاصمة ستدخل بسرعة إلى المرحلة الأولى من رفع القيود إذا أنهت الحكومة حالة الطوارئ، وسيسمح ذلك للمكتبات والمتاحف باستئناف نشاطها، وستظل المطاعم مفتوحة لفترات أطول فى المساء، وستتضمن المراحل التالية إعادة فتح المسارح ودور السينما وأرض المعارض». وفى هذا الإطار، يُناقش هذا التحليل محدِدات استعادة النشاط فى ظل جائحة كورونا.

1 ــ صعود «الذعر الاستهلاكى»:

تُدرك الحكومات جيدا أن انتشار الأوبئة ــخاصة سريع العدوى منها مثل فيروس كورونا ــ من شأنه أن يولد حالة من الخوف لدى المستهلكين والتى تجعل التنبؤ برد الفعل الاستهلاكى أمرا صعبا للغاية. فالانخفاض الحاد فى معدلات الاستهلاك لا يتناسب تماما مع معدلات انتشار المر Morbidity Rate. بمعنى آخر، فإن كل إصابة جديدة لا يقابلها قيام مستهلك واحد بخفض استهلاكه بل العشرات منهم، فيما يُعرف بالمرونة السلوكية للانتشار Prevalenceــelastic Behavior.

وهذا السلوك المرن الناتج عن شعور الخوف يسبب انخفاضا حادا فى الطلب الكلى، ويؤثر سلبا على نمو الناتج المحلى الإجمالى بغض النظر عما إذا كانت العدوى تنتشر بنفس معدلات الانخفاض فى الاستهلاك من عدمه. فى تلك الحالة، يكون سلوك حكومات البلدان التى لم يتفشَ فيها الفيروس بشكل كبير ميالا إلى التعليق الجزئى للنشاط الاقتصادى مع الإبقاء على الخدمات الحيوية، وذلك للتخفيف من آثار الذعر الاستهلاكى المتوقعة طالما سمح الوضع الصحى بذلك، فى حين تميل الدول ذات معدلات الإصابة المرتفعة جدا إلى حظر شبه كلى للنشاط الاقتصادى طالما أن الوضع الصحى أصلا لا يسمح بالتعامل مع الحالات الموجودة بالفعل. من ثم، تكون قرارات عودة النشاط الاقتصادى متناسبة صعودا وهبوطا مع المرونة السلوكية للمستهلكين، أخذا فى الاعتبار أن شعور الخوف كما ساهم اقتصاديا فى خفض حاد وسريع فى معدلات الطلب فإنه قد يسبب صعودا بطيئا نسبيا فى هذه المعدلات فى حالة إعادة فتح عدد من أنشطة السوق. لذلك فإن الإعلان عن عودة جزئية للنشاط الاقتصادى من شأنها أن تلعب دور «بالونة الاختبار» لما وصل إليه شعور الخوف بالنسبة للمستهلكين، خاصة وأن هناك فترة إبطاء (Slow down period) بين اتخاذ القرار الاقتصادى وظهور آثاره، وهى قد تطول إذا ظلت معدلات الذعر الاستهلاكى فى مستويات مرتفعة رغم الانحسار الرقمى فى معدلات الإصابة.

2 ــ تفادى وضع «الكساد»:

رغم اتفاق الدول على الإجراءات الاحترازية المتبعة إلا أن الأداء الاقتصادى وتأثير غلق النشاط على مؤشرات الاقتصاد يتباين من دولة لأخرى. ففى الهند ــ على سبيل المثال ــ بما أن القطاع الغذائى ــ وخاصة الزراعى ــ يجذب أكثر من 50% من القوة العاملة فى الهند؛ فإن تعطيل هذا القطاع الاقتصادى قد يعُجل من تحول حالة الركود Recession إلى كساد Depression، مما سيؤثر على قطاعات الاقتصاد الأخرى، ومنها القطاع الصحى، وهو ما تسعى الدول لتفاديه.

وبالتالى، فإن قرار تعليق قطاعات اقتصادية واستمرار قطاعات أخرى يتوقف على مساهمة هذه القطاعات فى الناتج المحلى الإجمالى، ومدى التأثير المباشر لقطاع معين على تدهور المؤشرات الاقتصادية بشكل جذرى، وذلك للحيلولة دون الوصول لمرحلة الكساد. هذا، ولا ينطبق ذلك المنطق فقط على السلع الأساسية مثل الأغذية، ولكن يمتد أيضا لقطاعات تكميلية تحتل نصيبا كبيرا فى الناتج المحلى الإجمالى للدول، مثل قطاع صناعة السيارات فى ألمانيا، والعقارات والإنشاءات فى فرنسا وكوريا الجنوبية.

3 ــ فاعلية النظام الصحى:

يُفترض فى الحكومات أن تضع احتمالية لعودة نسب الإصابة فى الارتفاع فى حالة تخفيف بعض القيود على النشاط الاقتصادى، ومن ثم فإنه من المفترض أن تكون الحكومات قد عملت على زيادة قدرات القطاع الصحى فى الفترة الماضية، تمهيدا لصدور قرارات باستعادة النشاط تدريجيا. وبالتالى فإن قرارات عودة النشاط الاقتصادى ومداها ستكون مرهونة بما استطاعت الدول تحقيقه فى مجال رفع قدرات قطاعاتها الصحية، وهو ما عملت عليه ألمانيا على سبيل المثال لا الحصر عندما نجحت فى رفع عدد أسرة العناية المركزة من 28 ألف سرير إلى 40 ألف سرير.

4 ــ معدل «سعر الفائدة»:

يؤكد المحللون المتخصصون فى السياسة المالية أن مرور الاقتصاد بحالة ركود اقتصادى يستوجب تخفيض نسبة الفائدة على الودائع والإقراض لتوفير سيولة مالية فى الأسواق، وذلك لأنه فى حالة تخفيض الفائدة يفضل المواطنون أن يسحبوا ودائعهم ويقوموا بشراء سلع أو عقارات تحتفظ بقيمة أموالهم بدلا من وضعها فى البنوك بنسبة فائدة ضعيفة، وكذلك المقترضون يفضلون الاقتراض من البنوك فى ظل انخفاض الفائدة مما يجعل تكلفة قروضهم أقل من أوقات ارتفاع الفائدة، وهو ما من شأنه أيضا توفير سيولة فى السوق للتغلب على حالة الركود.

ولكن هذه السياسة تكون ذات مفعول فى الدول ذات نسب الفائدة العالية (تصل فى مصر مثلا إلى 15% على الودائع)، بينما تكون ذات أثر لا يذكر فى الدول ذات نسب الفائدة التى تقترب من صفر (مثل فرنسا تتراوح الفوائد على الودائع بين 0.2% و0.5%). لذا فإن إجراءات عودة النشاط الاقتصادى تكون أكثر إلحاحا من الناحية الاقتصادية لدى الدول التى تعتمد على الاستهلاك بشكل كبير، وتقل نسب الفوائد بها، حيث تكون أدوات السياسة المالية فى أضيق تأثيراتها فى مقابل زيادة دور الشركات والقطاع الخاص.

ولذلك اتجهت الدول الغربية إلى التسريع بعودة النشاط الاقتصادى رغم عدم القضاء على الفيروس نهائيا. وبالنسبة للدول ذات نسب الفوائد العالية؛ فإن زيادة السيولة فى الاقتصاد تقتضى وجود أنشطة اقتصادية متاحة لصرف تلك النقود المتوفرة على السلع والخدمات تفاديا لارتفاع نسب التضخم بشكل كبير، ولذلك مهما كانت تلك الإجراءات مؤثرة فإن تلك الدول تميل أيضا بعد حين لزيادة حجم النشاط الاقتصادى المتوافر لتصريف السيولة.

5 ــ توفير «تعويضات البطالة»:

تصاعدت نسبة البطالة فى العديد من دول العالم، وتكمن المشكلة الحقيقية فى فقدان عدد كبير من المواطنين وظائفهم دون وجود أى آليات مالية تصحيحية فى هذا الخصوص. من هنا، تكون سرعة الدول فى إعادة النشاط الاقتصادى رغم عدم القضاء على المرض نهائيا مرهونة بمدى قدرتها على تعويض من فقدوا وظائفهم.

وفى هذا السياق، قامت العديد من الدول بتعويض العمالة غير المنتظمة، حيث رفعت كل من فرنسا وإسبانيا إعانات البطالة. ومن ثم، فإن ارتفاع معدلات البطالة سيدفع الدول فى وقت معين لبدء فتح النشاط الاقتصادى، لأنه فى تلك الحالة لن يكون من المنطقى إجبار الناس على التزام منازلها دون تعويضها بالحد الأدنى من الدخل، حيث يفاضل الفرد بين الإفلاس الاقتصادى أو التعرض للمرض. ولذلك مهما كبر حجم وقوة الاقتصاد، فإن معدل الزيادة فى معدلات البطالة وسرعة تفاقمه متغير حيوى فى سرعة الإعلان عن استعادة النشاط الاقتصادى كليا أو جزئيا.

ختاما، تساهم المتغيرات السابق ذكرها فى دفع الدول لتخفيف القيود على النشاط الاقتصادى. وعلى الرغم من قوة اقتصادات الدول المتقدمة، إلا أن هيكل تلك الاقتصادات يحوى بداخله العوامل الهيكلية التى تشجع على التعجيل باستعادة أنشطته فى أسرع وقت. ويتخوف المحللون الاقتصاديون المهتمون باقتصادات الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، من حدوث فترة انكماش ثانية فى حالة عودة الإصابات، ومن ثم حدوث فترة انكماش ثانية قد تؤخر من استعادة النمو الاقتصادى المعتاد لمدة تصل إلى ثلاث سنوات بدلا من سنة ونصف فى حالة عدم حدوث أى تراجعات جديدة.

*المصدر: صحيفة الشروق