أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

آليات محدودة:

كيف يسعى تنظيم "داعش" لاستعادة نشاطه الإعلامي؟

24 يونيو، 2018


تعرض تنظيم "داعش" خلال الفترة الماضية لضربات قوية في مناطق نفوذه، التي تقلصت، إلى حد كبير، بعد فقدانه الإمكانيات المادية والبنى التحتية الإعلامية، التي اعتمد عليها في دعم تمدده وفرض سيطرته على العديد من المدن في سوريا والعراق وليبيا خلال الأعوام الماضية، بالتوازي مع اتساع نطاق تأثير عوامل الضعف الداخلية والتي يتمثل أبرزها في تصاعد حالات الانشقاق بين كوادره وعناصره.

لكن ذلك لا ينفي أن التنظيم يبذل جهودًا في الوقت الحالي من أجل استعادة نفوذه ونشاطه مرة أخرى، خاصة على الساحة الإعلامية، وإن كان ذلك عبر إمكانيات متواضعة بالمقارنة بفترة "الوهج الإعلامي" الذي صاحب ظهور وصعود التنظيم بداية من عام 2014.

مؤشرات التراجع:

رصدت تقارير إعلامية عديدة مؤشرات تراجع نشاط التنظيم، حيث كشفت أن أهم هذه المؤشرات يرتبط بتحول الخطاب الموجه للمؤيدين والجماهير من الحديث على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالتنظيم عن جهود بناء الدولة والعمران وتسهيل سبل العيش في مناطق نفوذه وسيطرته، إلى التركيز على المعارك التي يخوضها التنظيم مع قوات التحالف الدولي والقوى الأخرى المناوئة له، إلى جانب الإجراءات العقابية التي يتخذها ضد العناصر التي تحاول الانشقاق أو التي يتهمها بالتجسس لصالح أطراف أخرى.

وقد شهد عام 2017 تراجعًا واضحًا لوجود تنظيم "داعش" إعلاميًا، غير أن تراجع المحتوى الإعلامي الكمي لم يكن المؤشر الوحيد لذلك، حيث ضعف، إلى حد كبير، تأثير تقنيات وجودة الإصدارات الصوتية والمصورة، بعد أن خسر التنظيم في العراق وسوريا أغلب بنيته التحتية الإعلامية، بالتوازي مع مقتل واعتقال بعض كوادره الإعلاميين، من خلال استهداف منشآته الإعلامية ومقراته من قبل القوات العراقية وقوى التحالف الدولي وبعض الأطراف الأخرى. ومثلت خسارة التنظيم للرقة، في أكتوبر 2017، نقطة تحول فارقة في تراجعه إعلاميًا، حيث كانت الرقة بمثابة المقر الرئيسي لأهم المؤسسات الإعلامية التابعة له.

واللافت للانتباه في هذا السياق، أن التنظيم حرص على أن تكون محاولات عودته إلى مناطق نفوذه بعيدة عن الصخب الإعلامي الذي كان يمارسه سابقًا، بسبب ضعف إمكانياته الإعلامية من جانب، وتركيزه على هدف العودة في حد ذاته دون تشتيت الجهود من جانب آخر، وهو ما يتضح من خلال العملية الإرهابية التي قام بها في مدينة الموصل، في 24 مارس 2018، والتي أسفرت عن مقتل عدد من جنود الجيش والشرطة العراقية وعناصر من  ميليشيا "الحشد الشعبي" والتي لم يقدم التنظيم علي توثيقها إعلاميًا بالتصوير كما اعتاد في السابق، بينما جاءت اللقطات المسربة للعملية على مواقع التواصل الاجتماعي مصورة من قبل بعض الجنود العراقيين، قبل أن تمنع هذه المقاطع من التداول، عقب تحذير رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لوسائل الإعلام المحلية من تناول مثل هذه الأحداث "التي يمكن أن تعيد العراق إلى ما قبل تحرير أراضيه من قبضة التنظيم" حسب تصريحاته.

عودة تدريجية:

تبنى "داعش" آليتين رئيسيتين من أجل استعادة نشاطه الإعلامي هما:

1- الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي: عمل التنظيم منذ ظهوره على توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لدعم انتشاره إعلاميًا، من خلال نشر مقاطع الفيديو الخاصة به على حسابات أعضائه ومؤيديه، غير أن فقدان التنظيم لقدرته على إنتاج مواد إعلامية جديدة خلال الفترة الماضية ساهم في تراجع تداول مواد التنظيم الإعلامية على هذه المواقع، إلا أن نشاطًا آخر لم ينقطع للتنظيم على هذه المواقع، ويتمثل في الحشد والتجنيد.

فقد أشارت تقارير عديدة إلى أن بعض وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى آليات استغلتها التنظيمات الإرهابية من أجل التواصل مع الإرهابيين والمتعاطفين، بشكل ساعد الأخيرة على استقطاب عدد كبير منهم وتعويض خسائرها البشرية التي فرضها تعدد المواجهات التي انخرطت فيها داخل المناطق التي سيطرت عليها.

2- إعادة بناء الصورة الذهنية: أدى نجاح القوى المنخرطة في الحرب ضد التنظيم في إجباره على الخروج من أهم وأكبر مناطق سيطرته داخل كل من العراق وسوريا، إلى إسقاط الصورة الذهنية للتنظيم التي حرص على رسمها في الأذهان، لا سيما عقب لجوءه إلى تغيير خطابه المعلن لعناصره ومؤيديه، ودعوته أعضاءه لـ"الصبر" و"المرابطة" في التعامل مع الضربات المتتالية التي تعرض لها في تلك المناطق، وهو الخطاب الذي أدى- حسب بعض التقارير- إلى تراجع عدد من المؤيدين وهروب عدد من عناصره.

وفي هذا السياق يسعي التنظيم حاليًا إلى الاستفادة مما تبقى من وسائل إعلامية له على الأرض، لا سيما في مناطق الحسكة ودير الزور وحماة، حيث عمد إلى تصوير عدة عمليات انتقامية ضد عناصر من الجيش السوري، كان آخرها صور تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، في مايو 2018، بعد نشرها في صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، لعملية تفجير لأسير لدى التنظيم من جنود الجيش السوري، وهو ما يعد بمثابة عودة لأسلوب "الترويع الممنهج" السابق للتنظيم، عقب اعتماده خلال الفترة الماضية على آلية "الذئاب المنفردة" وتجنيد عناصر للقيام بعمليات متسلسلة منفردة في العديد من المدن الغربية، والاكتفاء بإعلان مسئوليته عنها، أو ترك دليل على تورطه فيها.

في النهاية، يمكن القول إن محاولات تنظيم "داعش" تعزيز حضوره الإعلامي مجددًا بنفس الزخم السابق، تعتمد في الأساس على قدرته على استعادة مواقعه وممارسة نشاطه على الأرض من خلال استعادة بعض المناطق المحررة، أو السيطرة على المناطق التي فر عناصره إليها، وهى خطوات لا تستبعدها تقارير ودراسات دولية تشير إلى أن التنظيم يعمل على استغلال خلافات خصومه وانشغالهم بمعارك فرعية في كل من العراق وسوريا، بالتوازي مع تكوينه خلايا نائمة قادرة علي استعادة النشاط مجددًا في ظروف مواتية، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من تداعيات على أمن واستقرار الدول التي ينشط فيها.