أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

إشراك المواطنين:

التعليم الأخضر.. اتجاه عالمي وأولوية إماراتية للتمكين البيئي

07 أغسطس، 2023


تُعد قضية التغيرات المناخية إحدى التحديات التي تواجه العالم الآن؛ لما لها من تأثيرات في شتى المناحي المختلفة، فبسبب التغيرات المناخية صرنا نواجه ظواهر لم نعتدها من قبل، ولذلك وجدت الدول أن هناك ضرورة ملحة لتوعية المواطنين بهذه الظواهر وكيفية التعامل معها، حتى نحد منها، بالإضافة إلى تعلم كيفية التعامل مع هذه الظواهر الجديدة. ومن هنا تأتي أهمية التعليم باعتباره أداة مهمة لتوعية أفراد المجتمع، وتعريفهم بتداعيات التغير المناخي وآليات التعامل مع الواقع الجديد بشكل صحيح. ومن ناحية أخرى فنشء اليوم هم صانعو القرار في المستقبل، فعلينا أن نضع نصب أعينهم التحديات التي وصل إليها المجتمع.

وبناءً على ذلك، فرضت التغيرات المناخية مفهوماً جديداً في التعليم يُطلق عليه التعليم الأخضر أو بالأدق المدرسة الخضراء، وكلها مصطلحات تشير إلى تأكيد ربط مخرجات العملية التعليمية بشتى المراحل الدراسية المختلفة بمقومات التنمية المستدامة ومواكبة التطور التكنولوجي وتوظيف تقنياته في شتى مجالات العملية التعليمية؛ استناداً لمجموعة معايير ومؤشرات صديقة للبيئة.

وقد نصت المادة 6 من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ، والتي يطلق عليها برنامج عمل نيودلهي (2002 - 2012)، على أن التعليم والتدريب والوعي العام جزء لا يتجزأ من الاستجابة لمواجهة تغير المناخ. 

وقد صار التعليم الأخضر اتجاهاً متنامياً لدى العديد من الدول ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث صارت الاستدامة وحماية البيئة من الأولويات الوطنية، وتهدف إلى تعزيز الممارسات المستدامة وإعداد الطلاب لشغل وظائف في المجالات المتعلقة بالاستدامة.

مفهوم بيئي وتنموي:

يُعد مفهوم التعليم الأخضر من المفاهيم الحديثة، وهو يتضمن شقين، الشق الأول يرتبط بالجانب البيئي والشق الثاني يركز على التنمية المستدامة، ولا يمكن فصل الشقين حيث يهدف التعليم الأخضر إلى زيادة الوعي البيئي لدى الطلاب، وتنمية وتحسين مهاراتهم العقلية والاجتماعية؛ لتوفير بيئة صحية ومستدامة، وتعزيز ممارسة أنشطة صديقة للبيئة.  

فالتعليم الأخضر، هو عملية تثقيف وتوعية للنشء لخلق جيل قادر على تحديد المشكلات البيئية التي يعاني منها الكوكب، ووضع حلول لها، وضوابط من شأنها ضمان عدم تصاعد مثل هذه المشكلات وتفاقمها. ويتم ذلك من خلال العديد من الأشكال، عن طريق مناهج المدارس الابتدائية والثانوية التي تُعلم الطلاب العلوم البيئية والحفاظ على البيئة، إلى البرامج الجامعية التي تُدرب المهنيين على الممارسات والتقنيات المستدامة.

ومن ثم يشير التعليم الأخضر إلى البرامج والمبادرات والممارسات التعليمية التي تركز على تعزيز الاستدامة البيئية والحفاظ عليها. وهي تشمل مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك الطاقة المتجددة، والحد من النفايات، والحفاظ على المياه، والزراعة المستدامة، والممارسات الصديقة للبيئة في صناعات مثل النقل والبناء. 

ويساعد التعليم الأخضر في توضيح معنى الاستدامة وفهمها، ويسعى لتدريب الطلاب على المشاركة في أنشطة وممارسات عملية بهدف تعزيز المهارات الحياتية التي تتسق مع الاستخدام الصحيح للموارد، وتوظيف التكنولوجيا المتطورة في خلق بيئة محفزة لبناء مهارات الإبداع والابتكار والمشاركة الاجتماعية وتنمية الثقافة الفكرية والتواصل الفعال بين جميع عناصر العملية التعليمية وفق معايير صديقة للبيئة.

ومن جانبها عرفت منظمة "اليونسكو"، التعليم الأخضر بأنه "عملية تثقيفية شاملة تتضمن عدة جوانب معرفية ومهارية ووجدانية، وتهدف إلى إعداد مواطن قادر على توقع المشكلات البيئية المستقبلية وتأهيله وتدريبه على سيناريوهات مواجهة تلك المشكلات، مما يساعد في الحد من تأثيرها".

وفي هذا الإطار يمكن القول إن الهدف النهائي للتعليم الأخضر هو بناء مستقبل أكثر استدامة لكوكبنا من خلال تعزيز الإشراف المسؤول على الموارد الطبيعية وتقليل الضرر الذي يلحق بالبيئة. وهذا يتطلب نهجاً شاملاً يتضمن المعرفة العلمية والاعتبارات الأخلاقية والحلول العملية للتحديات البيئية في العالم الحقيقي.  

أدوات تعليمية:

يستخدم التعليم الأخضر مجموعة متنوعة من الأدوات لإشراك المتعلمين وتعزيز الاستدامة. وتتضمن بعض الأدوات الرئيسية ما يلي:

1. المناهج الدراسية: غالباً ما يتضمن التعليم الأخضر دمج الموضوعات البيئية في المناهج التعليمية الرسمية، من المستويات الابتدائية إلى المرحلة الجامعية. ويمكن أن يشمل ذلك مناهج متعددة التخصصات تدمج الموضوعات البيئية في مجالات أخرى.

2. التعلم التجريبي: الخبرات العملية، مثل الرحلات الميدانية والأنشطة الخارجية ومشاريع التعلم والخدمات الطوعية، وتتيح هذه التجارب للمتعلمين التواصل مع الطبيعة ومراقبة الأنظمة البيئية أثناء العمل وتطوير المهارات العملية المتعلقة بالاستدامة.

3. التكنولوجيا: يمكن أن تكون التكنولوجيا أداة قوية في التعليم الأخضر، مما يسمح للمتعلمين بالوصول إلى المعلومات والبيانات والأدوات اللازمة للتحليل البيئي والعمل. ويمكن أن تساعد الأدوات الرقمية مثل المحاكاة والخرائط التفاعلية ومنصات التعلم عبر الإنترنت المتعلمين في التعامل مع القضايا البيئية المعقدة بطريقة تفاعلية.

4. إشراك المجتمع: غالباً ما يتضمن التعليم الأخضر العمل مع المجتمعات المحلية لتعزيز الممارسات والسلوكيات المستدامة. وقد يشمل ذلك المشاريع المجتمعية، مثل الحدائق المجتمعية، أو مبادرات إعادة التدوير، أو برامج الحفاظ على الطاقة، التي تشجع المتعلمين على التعاون مع أعضاء المجتمع لمواجهة التحديات البيئية المحلية.

5. تعزيز السياسات البيئية: يمكن أن يشمل التعليم الأخضر أيضاً مناصرة السياسات البيئية التي تعزز الاستدامة، مثل تسعير الكربون، أو تفويضات الطاقة المتجددة، أو اللوائح الخاصة بالحد من النفايات. من خلال إشراك المتعلمين في مناصرة السياسات، ويمكن أن يساعد التعليم الأخضر في بناء مواطنين أكثر وعياً بالبيئة يمكنهم قيادة التغيير على المستويات المحلية والوطنية والعالمية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد كشفت تقارير صادرة عن منظمة "اليونيسف" أن آثار التغيرات المناخية سوف تتجلى في عرقلة عملية التعليم بصفة عامة، بما يتضمنه ذلك من جهود لتعزيز التعليم الأخضر داخل العملية التعليمية بالمدارس، حيث توجد مجموعة من التحديات أمام التعليم منها: 

1- تحول فترات الحر الشديد والعواصف الرملية والسيول دون ذهاب الأطفال إلى المدارس، لأنها تتسبب في قطع الطرق مما يحول دون قدرة الطلاب على الوصول إلى المدارس. 

2- ينتج عن التغيرات المناخية انقطاع التيار الكهربائي، الذي يتسبب في تعطيل المدارس، ومن ثم عدم انتظام الطلاب في الحضور الذي يؤثر سلباً في نتائج العملية التعليمية.

3- أثبتت بعض الدراسات أن تغير المناخ على المدى الطويل يؤدي لارتفاع معدلات الفقر، مما يترتب عليه تردي الأحوال المعيشية، ومن ثم يؤثر بالسلب في مشاركة الأطفال في تعليم جيد ومناسب.

4- هناك تأثيرات غير مباشرة بسبب التغيرات المناخية التي تؤدي إلى زيادة الأمراض، مما يؤثر بالسلب في الأطفال بسبب معاناتهم من الأمراض بشكل مستمر، ويحول دون حضورهم إلى المدرسة بشكل منتظم.

التجربة الإماراتية:

تُعد تجربة دولة الإمارات في التعليم الأخضر من التجارب المهمة والمميزة فدائماً ما تسعى دولة الإمارات إلى تحقيق أفضل المبادرات في المجالات كافة، بالأخص عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، وتُجسد مبادرة شراكة التعليم الأخضر مع مؤسسة "اليونسكو" رؤية الدولة وجهودها في الحفاظ على البيئة وبناء جيل جديد قادر على تحديد المشكلات البيئية والمشاركة في وضع حلول لها والحد من تفاقمها، وتتضمن المبادرة أربع ركائز أساسية: (1) التعليم الأخضر، (2) بناء القدرات في التعليم الأخضر، (3) المدارس الخضراء (4) المجتمعات الخضراء.

وبالتأكيد حتى يتم ذلك هناك ضرورة واضحة لدور التعليم في خلق هذا الجيل الواعي حتى يُحدث تغييراً جذرياً في ثقافة المجتمع، لأن التعليم هو العامل الأساسي الذي يشكل الأفراد والمجتمعات.

بالنظر إلى تجربة دولة الإمارات نجد أنها تخطو خطوات كبيرة في مجال التعليم الأخضر كجزء من التزامها بالاستدامة. وتُعد مبادرة المدارس المستدامة إحدى التجارب البارزة في التعليم الأخضر في دولة الإمارات، وهي برنامج مشترك بين مجلس أبوظبي للتعليم ومجموعة أبوظبي للاستدامة. وتهدف مبادرة المدارس المستدامة إلى تعزيز الممارسات والسلوكيات المستدامة بين الطلاب والمعلمين وموظفي المدارس في أبوظبي. وتوفر التدريب والموارد للمدارس لمساعدتها على تقليل تأثيرها البيئي وتعزيز تعليم الاستدامة. على سبيل المثال، يتم تشجيع المدارس على تنفيذ أنظمة الإضاءة الموفرة للطاقة وأنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، وتركيب الألواح الشمسية، وتقليل النفايات من خلال برامج إعادة التدوير والتسميد.

ووفقاً لتوجيهات الدولة يتم طلاء مباني جميع المدارس بطلاء صديق للبيئة، كما أكدت الإمارات ضرورة تعزيز جودة مخرجات التعليم في كافة المراحل بما يتماشى مع الاستراتيجية المستقبلية لخفض البصمة الكربونية وتطبيق معايير الاستدامة في البنى التحتية للدولة، والتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدولة. ويتم استغلال أسطح المدارس في زراعة المحاصيل المختلفة من الخضروات والفواكه، إضافة إلى نباتات الزينة بهدف رفع الوعي البيئي لدى الطلبة وتنمية الحس الجمالي. كما عملت على ربط المناهج الدراسية بالبرامج البيئية وتوعية الطلاب بالممارسات البيئية الإيجابية، بالإضافة إلى تنظيم مسابقة تحت اسم "جائزة المدرسة الخضراء" تسلم في نهاية كل عام دراسي.

كما يوجد أيضاً برنامج "القادة الخضر" التابع لمعهد "مصدر"، وهو مخيم صيفي لطلاب المدارس الثانوية يركز على الاستدامة والعلوم البيئية. ويجمع البرنامج طلاباً من جميع أنحاء دولة الإمارات للتعرف إلى الاستدامة من خلال الأنشطة العملية والرحلات الميدانية والمحاضرات من الخبراء في هذا المجال.

بالإضافة إلى هذه البرامج، أطلقت حكومة الإمارات العربية المتحدة مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز التعليم الأخضر والاستدامة في جميع أنحاء الدولة. فقد أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة استراتيجية وطنية للتثقيف والتوعية البيئية، تهدف إلى دمج التثقيف البيئي في جميع مستويات نظام التعليم.

وإلى جانب البرامج الأكاديمية، نفذت حكومة الإمارات العربية المتحدة أيضاً العديد من المبادرات الخضراء التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة وحماية البيئة. فأطلقت الحكومة الأجندة الخضراء لدولة الإمارات العربية المتحدة 2030، وهي خطة شاملة تهدف إلى تقليل البصمة الكربونية للدولة وتعزيز التنمية المستدامة. وتتضمن مبادرات مثل تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز النقل المستدام، وتنفيذ معايير المباني الخضراء.

وبناءً على هذه الخلفية، تساعد هذه التجارب في التعليم الأخضر في الإمارات العربية المتحدة في إعداد الجيل القادم من القادة والمهنيين لمواجهة التحديات البيئية في القرن الحادي والعشرين. من خلال تزويد المتعلمين بالمعرفة والمهارات التي يحتاجون إليها لاتخاذ خيارات مستدامة، فتقوم دولة الإمارات العربية المتحدة ببناء مواطنين أكثر وعياً بالبيئة يمكنهم قيادة التغيير على المستويين المحلي والعالمي.