أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"قمة جدة" بين استقلالية القرار العربي ومتطلبات تعزيز الفاعلية

23 مايو، 2023


ينطوي هذا المقال على محاولة لبلورة رؤية شاملة لنتائج القمة العربية الـ32 التي عُقدت في مدينة جدة السعودية يوم 19 مايو 2023، وذلك من خلال أربع نقاط تحلل أولاها الدلالات المهمة لانعقاد القمة، وتشرح الثانية مواقفها من قضايا الصراع في منطقة الشرق الأوسط، أما الثالثة فتقدم نظرة نقدية لموقف القمة من القضايا الدولية، وتشير الرابعة إلى قضايا جديدة طرحها البيان الختامي للقمة. ويعتمد التحليل بطبيعة الحال أساساً على هذا البيان، بالإضافة إلى القرارات التفصيلية للقمة التي يربو عدد صفحاتها عادة على المئة صفحة، وجرى العرف على أن تتضمن متابعة تفصيلية للقضايا المعتادة الموجودة على جداول أعمال القمم العربية.

دلالات انعقاد القمة:

ثمة دلالتان مهمتان لانعقاد قمة جدة، تتمثل أولاهما في دلالة الانعقاد بالنسبة لانتظام عقد القمم العربية، والثانية في أنها مثلت قمة جمع الشمل العربي لأول مرة منذ أن قرر مجلس وزراء الخارجية العرب في عام 2011 حرمان النظام السوري من تمثيل بلاده في الجامعة العربية.

1- بالنسبة للدلالة الأولى المتعلقة بانتظام عقد القمم العربية، يُلاحظ أن قمة جدة قد انعقدت بعد أقل من سبعة شهور على انعقاد قمة الجزائر في مطلع نوفمبر 2022، وهو ما يشير إلى تأكيد حل أزمة انتظام عقد القمم العربية. فمن المعروف أن بروتوكول الانعقاد الدوري للقمم العربية الذي أقرته قمة القاهرة 2000 قد نص على الانعقاد السنوي للقمة في مارس من كل عام، وأن تطبيق هذا البروتوكول قد انتظم منذ انعقاد قمة عَمان 2001 وحتى قمة تونس 2019. ولم يحدث استثناء لهذا الانتظام إلا في أمرين، أولهما أن القمة لم تنعقد في عام 2011 بسبب أحداث ما عُرف بـ"الربيع العربي"، والثاني أن الالتزام بانعقاد القمة في مارس من كل عام قد اهتز مرات قليلة لأسباب رأتها الدولة المُضيفة، كما في قرار تونس تأجيل قمة 2004 إلى مايو من نفس العام لأسباب ترتبط في الأغلب بزلزال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتأجيل قمة 2016 إلى يوليو لاعتذار المغرب عن استضافتها وعقدها في موريتانيا في ذلك التاريخ.

وبدءاً من قمة تونس 2019، بدا أن مؤسسة القمة تواجه تحدياً حقيقياً، فلم تُعقد قمة لا في عام 2020 ولا في 2021، كما أن قمة 2022 لم تُعقد في مارس، وإنما عُقدت في الجزائر في نوفمبر من هذا العام، وقِيل في البداية إن جائحة "كوفيد19" هي السبب، غير أن معظم اللقاءات الدولية المهمة كانت تُعقد بسلاسة بتقنية "الزوم" (عن بُعد)، ولم يكن هناك مفر من الاعتراف بأن ثمة خلافات حقيقية حول قضايا أساسية مثل عودة الحكومة السورية لتمثيل دمشق في الجامعة العربية وغير ذلك. وفي النهاية تمكنت الجزائر من عقد القمة في نوفمبر 2022، وإن لم تتمكن من حل معضلة عودة النظام السوري للجامعة، وساد مع انعقاد تلك القمة نوع من الاطمئنان لعودة الانتظام إلى انعقاد القمم العربية، وهو ما تأكد بانعقاد قمة جدة بعد أقل من سبعة شهور، والتزام ملك البحرين في كلمته أمام القمة بعقد قمة 2024 في بلاده، بل ومبادرة رئيس وزراء العراق في كلمته بطلب استضافة قمة 2025، وهو ما يعني بكل المعايير أن مؤسسة القمة قد رُد إليها اعتبارها، وزال عنها الخطر الذي كان يهددها، وبقي أن يفضي هذا التطور الإيجابي إلى المزيد من الفاعلية العربية في مواجهة التحديات الراهنة للنظام العربي.

2- الدلالة الثانية هي استكمال حل معضلة عودة سوريا إلى أسرتها العربية، ولهذه العودة بدورها أكثر من دلالة أتخير منها ثلاثاً، وهي كالتالي:

أ- أنها أكدت عجز منطق المقاطعة وفرض العقوبات عن حل المشكلات، وهو عجز سبق إثباته عربياً وإقليمياً ودولياً. ففي السياق العربي مثلاً، عُلقت عضوية مصر في الجامعة العربية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، وظل هذا التعليق لعقد من الزمان تم فيه تبني نهج التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي رسمياً بموافقة قمة فاس 1982 على مبادرة ولي العهد السعودي آنذاك، واتضحت كذلك الانعكاسات الاستراتيجية السلبية لعزل مصر مع تطورات الحرب العراقية الإيرانية. وهكذا فتحت قمة عمَان 1987 (بقرارها اعتبار إعادة العلاقات مع مصر عملاً سيادياً بعد أن كان الموقف العربي الرسمي أنها تحتاج قراراً جماعياً) الباب لعودة مصر للصف العربي، ومع عامي 1989 و1990 اكتملت عودة مصر لمحيطها العربي بحضور رئيسها قمة الدار البيضاء 1989، وعودة مقر الجامعة لمصر عام 1990 دون أن يتحقق أي من شروط رفع التعليق، بل تأكد انخراط النظام العربي في عملية التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي أولاً بمبادرة فاس 1982 كما سبقت الإشارة، ثم المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت 2002. وها هي سوريا تعود للجامعة العربية دون أن يتغير الوضع الذي فُرِضت المقاطعة بسببه، ولذلك آن الأوان لإسقاط هذا الأسلوب من السياسة العربية، على أساس أن الأسلوب الأكثر فاعلية هو إدارة الخلاف داخل الأسرة العربية، وهو أسلوب لا يمنع الاختلاف وإنما يُيسر إدارته نحو التوصل إلى رؤى مشتركة.

ب- تتمثل الدلالة الثانية لعودة سوريا للجامعة العربية في عجز أسلوب التدخل في الشؤون الداخلية عن تحقيق الأهداف التي يُفترض أنه يتم من أجل تحقيقها. والمعروف أن المواثيق الدولية لا تُقر هذا التدخل كما هو الحال في ميثاقي الأمم المتحدة والجامعة العربية على سبيل المثال، لكن دعاوى انتهاك هذا المبدأ تتذرع بالاعتبارات الإنسانية، بمعنى أن التدخل يمكن أن يتم لحماية شعب من ممارسات نظامه، وهو هدف يمكن أن يكون مشروعاً، بيد أن الخبرة العملية أثبتت أنه كان في أحوال كثيرة كلمة حق يُراد بها باطل. ويكفي في هذا الصدد الاستشهاد بالمثال الشهير للغزو الأمريكي للعراق بحجة إنقاذ شعبه من نظام صدام حسين، ولقد كان ذلك النظام غير ديمقراطي بكل تأكيد، لكن ما فعله الاحتلال الأمريكي بالعراق دولةً ومجتمعاً كان أسوأ بكثير بما لا يدع مجالاً لأي شك، فقد فُتت العراق دولةً ومجتمعاً وشُرعت أبوابه للإرهاب والنفوذ الخارجي على نحو غير مسبوق. ويجب أن يكون واضحاً أن عدم التدخل لا يعني ألا يكون للخارج أي شأن بما يجري في الداخل ومحاولة تقويمه، ولكن المقصود هو إسقاط الأساليب الإكراهية للتدخل كالغزو والتخريب وما إلى ذلك، وقد أحسن بيان قمة جدة صنعاً بالتشديد في بنده السادس على "وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والمليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة".

ج- تتمثل الدلالة الثالثة لعودة سوريا للجامعة في كونها إثباتاً جلياً لاستقلالية القرار العربي. فمن المعروف أن قوى دولية بعينها، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تُعارض هذه العودة، وهو سلوك غريب طالما أن القرار يخص النظام العربي. وقد مر هذا القرار بتفاعلات صحية بدأت بعد أن اتضحت الآثار السلبية لاستمرار بقاء سوريا خارج الجامعة، وبدأت بعض الممارسات تتحفظ على هذا الاستمرار، وتتصرف على نحو مغاير، كما اتضح في سلوك عدد من الدول العربية كانت الإمارات على رأسها، حيث أُعيد افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق في ديسمبر 2018، وتهاتف الرئيسان الإماراتي والسوري في مارس 2020 بمناسبة جائحة "كورونا"، وزار سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، دمشق والتقى الرئيس السوري في نوفمبر 2021، ثم زار الرئيس بشار الأسد دولة الإمارات في مارس 2022، وكانت أول رحلة خارجية له إلى بلد عربي منذ اندلاع أحداث 2011 في سوريا. كما بذلت الجزائر جهوداً حثيثة وجادة قبل قمة نوفمبر 2022، وإن لم تكلل بالنجاح، إلى أن حدث التوافق العربي على عودة سوريا. وهنا يصبح الاعتراض الخارجي على هذا القرار غير ذي موضوع، ويُعْد تدخلاً مرفوضاً في الشأن العربي، ويكون القرار تأكيداً لاستقلال القرار العربي الذي يُرجى أن يفضي إلى المزيد من الفاعلية العربية في مواجهة التحديات.

ولعل من المهم الإشارة إلى أن قمة جدة انتصرت للشرعية القائمة في دول الصراعات والنزاعات، بغض النظر عن الخلافات الموجودة داخلها والفصائل المعارضة لهذه الشرعية. فقد مُثلت سوريا بحكومتها الشرعية بغض النظر عن استمرار وجود فصائل أو قوى أو قطاعات معارضة، ومُثل اليمن بمجلس قيادته الرئاسي الشرعي بالرغم من وجود سلطة الحوثيين غير الشرعية في صنعاء، ومُثلت ليبيا برئيس مجلسها الرئاسي محمد المنفي، ومُثل السودان بمبعوث قائد الجيش بالرغم من الانشقاق الحاصل مع قوات الدعم السريع وقيادتها، وهو إرساء لمبدأ محمود طالما بقي الاعتراف بأن هناك مشكلات داخلية واجبة الحل عن طريق التفاهم والحوار.

القمة وقضايا الصراع:

تبنت قمة جدة مواقف سليمة من قضايا الصراع وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، سواءً كانت تدور داخل الدول العربية، أو بين دول عربية ومحيطها الإقليمي. وأبدأ هنا بالقضية الفلسطينية التي أكد "إعلان جدة" مركزيتها للدول العربية، وأدان بأشد العبارات الممارسات والانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين في ممتلكاتهم وأرواحهم بل ووجودهم، كما أكد التمسك بخيار التسوية الشاملة والعادلة على أساس حل الدولتين وفقاً للقرارات الدولية والمبادرة العربية، ودعا المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال ووقف اعتداءاته وانتهاكاته المتكررة التي تعرقل الحلول السياسية، وحماية القدس المحتلة ومقدساتها. 

أما باقي القوى الإقليمية، فقد وردت مواقف القمة بشأنها في القرارات التفصيلية وليس في البيان. فعلى سبيل المثال، فإن الموقف المؤيد لمصر والسودان في قضية سد النهضة الإثيوبي ورد في القرار الخامس عشر، وكذلك وردت القرارات المتعلقة بالتدخلات الإيرانية والتركية في الشؤون العربية (القرارات من 11 - 14)، ومعظمها وافقت القمة بشأنها على مشاريع قرارات قدمتها الدول العربية ذات الصلة.

وفيما يتعلق بالأوضاع داخل بعض الدول العربية، أعطى البيان الختامي للقمة الأولوية لتطورات السودان، وأبدى القلق من تداعياتها على أمن الدول العربية واستقرار شعوبها، وأكد ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار ورفع المعاناة عن الشعب السوداني والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية والحيلولة دون أي تدخل خارجي في الشأن السوداني، واعتبار اجتماعات جدة التي بدأت في 6 مايو الجاري بين الفرقاء السودانيين خطوة مهمة يمكن البناء عليها. ورحب بطبيعة الحال باستئناف مشاركة الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، وأعرب عن أهمية مواصلة الجهود العربية وتكثيفها لمساعدة سوريا على تجاوز أزمتها. 

وفي الشأن اليمني، جدد "إعلان جدة" تأكيد دعم كل ما يضمن أمن الجمهورية اليمنية واستقرارها، وكذلك دعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية للتوصل لحل سياسي شامل استناداً إلى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، كما جدد الإعلان دعم مجلس القيادة الرئاسي. وأخيراً، أعرب الإعلان عن التضامن مع لبنان، وحث الأطراف اللبنانية كافة على التحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يُرضي طموحات اللبنانيين، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة.

وثمة ملاحظتان على هذه التوجهات السليمة التي تبنتها قمة جدة، وهي كالتالي:

1- أن نصوص "إعلان جدة" خلت مما يفيد متابعة القرارات الماضية، وآخرها قرارات قمة الجزائر 2022، وهو أمر ربما تكرر في قرارات القمم. فعلى سبيل المثال، أقرت تلك القمة إعلاناً مهماً للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية وقّعت عليه هذه الفصائل، ولم يُنفذ منه شيء كما جرت العادة في محاولات سابقة عديدة للمصالحة، وكانت متابعة تنفيذ هذا الإعلان واجبة لأهمية المصالحة في تحقيق الأهداف التي دعا إليها البيان، بل إن "إعلان جدة" لم يُشِر إلى موضوع المصالحة أصلاً. 

2- اكتفاء الإعلان بالتوجهات السليمة دون الآليات المطلوبة لتجسيد هذه التوجهات في الواقع العملي، كالإشارة مثلاً إلى سُبل دعم المطالب الفلسطينية القانونية تجاه المنظومة الدولية. وتنسحب الملاحظة نفسها على المواقف من كل من سد النهضة الإثيوبي والتدخلات الإيرانية والتركية. كذلك تصح الملاحظة على مستوى النزاعات الداخلية، فلا حديث مثلاً عن سُبل مساعدة الحكومة السورية على حل المعضلات المعقدة التي تواجهها، أو تقديم مقترحات بآليات محددة لدعم الحوار الوطني في الدول ذات الصلة مثل لبنان واليمن والسودان، بل غابت الإشارة في الإعلان إلى ليبيا أصلاً، وحتى لو عددنا بنده السادس الذي تضمن الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والمليشيات المسلحة الخارجة عن الدولة إشارة لما يجري في ليبيا، فلماذا التلميح دون التصريح؟ خاصة وأن ظاهرة المليشيات ليست خاصة بليبيا وحدها بطبيعة الحال. 

القمة والقضايا الدولية:

كان إعلان قمة الجزائر 2022 قد أولى اهتماماً خاصاً بالتطورات الدولية الراهنة، وبلور بشأنها رؤية متكاملة يمكن أن يُبنى عليها دور عربي فاعل في إعادة تشكيل النظام الدولي. فقد رأى أن التوترات الدولية المتصاعدة تُسلط الضوء على الاختلالات الهيكلية في آليات الحوكمة العالمية، وعلى الحاجة المُلحة لمعالجتها ضمن مقاربة تكفل التكافؤ والمساواة بين جميع الدول، وتضع حداً لتهميش الدول النامية، وأكد ضرورة مشاركة الدول العربية في صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة كمجموعة منسجمة وموحدة، وكطرف فاعل لا تعوزه الإرادة والإمكانات والكفاءات لتقديم مساهمة فعلية إيجابية في هذا المجال. كما أكد هذا الإعلان الالتزام بمبادئ عدم الانحياز كأساس للموقف العربي من الحرب في أوكرانيا الذي يقوم على نبذ استخدام القوة والسعي لتفضيل خيار السلام عبر الانخراط الفعلي لمجموعة الاتصال الوزارية العربية في الجهود الدولية الرامية لبلورة حل سياسي لهذه الأزمة يتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويراعي الشواغل الأمنية للأطراف كافة. وفي هذا السياق، ثمّن إعلان قمة الجزائر قرارات "أوبك+" التي أدت فيها كبريات الدول العربية المُصدرة للنفط دوراً رائداً باعتبارها قرارات ضامنة لاستقرار الأسواق العالمية للطاقة، وكانت هذه القرارات باعثة للأمل في إمكان بلورة دور عربي موحد تجاه تلك التطورات وعملية إعادة تشكيل النظام الدولي يعزز مكانة الدول العربية في هذا النظام.

غير أنه لُوحظ خلو البيان الختامي لقمة جدة وكذلك القرارات التفصيلية للقمة، من أي إشارة لهذه التطورات الدولية والموقف العربي منها، وهو ما يحتاج تفسيراً، خاصة بالنظر إلى دعوة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لحضور القمة وإلقاء كلمة أمامها. 

قضايا جديدة:

تتميز القمم العربية عادة بطرح كل قمة لقضايا جديدة، وتضمن "إعلان جدة" عدداً من هذه القضايا، أتخير منها المبادرات الثلاث التي وردت في البند 11 من الإعلان، وأولاها مبادرة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، والتي تستهدف تحديداً أبناء الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين العرب، وأحسب أن هذه المبادرة شديدة الأهمية لاتصالها بتعزيز الحضور العربي في بلدان المهجر وربطه بالثقافة والوجدان العربيين، ما من شأنه أن يعود بفائدة جمة على المصالح العربية إذا تحقق النجاح في تكوين لوبي عربي في بلدان المهجر يدافع عن القضايا العربية العادلة. أما المبادرة الثانية فهي مبادرة استدامة سلاسل إمداد السلع الغذائية الأساسية للدول العربية، بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي للدول العربية. وأخيراً مبادرة البحث والتميز في صناعة تحلية المياه بغرض تحفيز البحث العلمي والتطبيقي والابتكار في إنتاج المياه المحلاة، والإسهام في تحسين اقتصاديات هذه الصناعة، لخفض التكلفة، وتوفير المقومات اللازمة لجعلها صناعة استراتيجية للدول العربية. كما تضمن البند 12 من "إعلان جدة" مبادرة رابعة لإنشاء "حاوية فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية"، وذلك لتعزيز التوجهات والأفكار الجديدة في مجال التنمية المستدامة.

ولا تخفى بطبيعة الحال الأهمية الفائقة للمبادرات السابقة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة للدول العربية، وبالذات في مجال شح المياه والأمن الغذائي. ويُرجى أن تسير هذه المبادرات جنباً إلى جنب مع جهود تحقيق الأمن الغذائي العربي، وأن تكون مرتبطة بآليات تنفيذية، وأن يتم التنسيق في هذا الصدد مع القمة التنموية الخامسة التي من المقرر أن تُعقد في موريتانيا لاحقاً هذا العام. والأهم من هذا كله أن تحظى تلك المبادرات بمتابعة جادة، بحيث لا تكون مجرد بنودٍ في إعلان، وإنما يتم تجسيدها على أرض الواقع، والحقيقة أن هذه النقطة بالغة الأهمية بسبب ما يُلاحظ أحياناً من محدودية الفاعلية في متابعة قرارات القمم العربية.