أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

في أصول الأزمة التركية

20 أغسطس، 2018


الأزمة الراهنة للعلاقات التركية-الأميركية سببها المباشر احتجاز القس الأميركي بتهمة التورط في أعمال إرهابية. ولن يمكننا فصل هذا الفعل عن سياسات الحكومة التركية على الأقل منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، وما تبعها من إجراءات التخلص من عشرات الألوف من خصوم النظام التركي العسكريين والمدنيين. الخيط الأول في الأزمة الراهنة يبدأ بممارسات الحكومة التركية التي أعطت لترامب الفرصة كي يتخذ ما اتخذه من إجراءات بدا وكأنها أفضت إلى أزمة اقتصادية في تركيا، ولا شك في أن الإجراءات العقابية التي اتخذها ترامب بحق تركيا كانت لها آثار اقتصادية سلبية. لكن الأزمة لم تبدأ بالتأكيد بها وإنما تضرب بجذورها في النموذج السياسي الذي تبلور في تركيا خلال الآونة الأخيرة، حيث انتقل النظام السياسي التركي من الصيغة البرلمانية إلى الصيغة الرئاسية، ويمثل النظام الرئاسي إحدى الصيغ المستقرة لنظم الحكم الديمقراطية لكنه يتطلب مجموعة من المقومات كي لا يتحول إلى حالة غير ديمقراطية وهو ما شهده العديد من بلدان العالم الثالث، فإحدى سمات النظام البرلماني هي السلطة التشريعية المستقلة القوية وهو ما لم يتوفر في تلك البلدان، وهكذا فإن ما حدث فعلاً هو أن النظام التركي قد انتقل من الصيغة البرلمانية إلى صيغة رئاسية، بل إن هذه الحالة موجودة منذ ما قبل الاستفتاء الذي أقر التحول إلى نظام الحكم الرئاسي رغم الشكليات الديمقراطية.

ومكمن الخطر أن التدخل بوضع السياسات الاقتصادية وتنفيذها قد يفاقم الأزمة الاقتصادية بعد أن كان الاقتصاد التركي قد حقق قفزة وضعته ضمن أقوى عشرين اقتصادا في العالم.

غير أن الأمر لا يقف في تجربة أردوغان عند حد تغيير صيغة نظام الحكم وإنما امتد إلى نموذج السياسة الخارجية، فقد ارتضت تركيا حيناً من الوقت أن تكون جزءاً من التحالف الغربي الذي تربص بالنظام العربي، ومع وصول أردوغان إلى السلطة بدا وكأن هذه الحقبة قد انتهت وأن تركيا بسبيلها إلى العودة إلى محيطها الطبيعي، وتعزز هذا الاحتمال مع الفشل المتكرر لمحاولات تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سواء بسبب عدم تجذر الديمقراطية فيها أو انتماء شعبها إلى الإسلام في وقت بات الإسلام يوظَف فيه سياسياً أو مشكلاتها الكبرى كالمشكلة الكردية، وهكذا قوي عود «العثمانية الجديدة» وتعددت مؤشرات النزوع إليها. 

وفي البداية اختار النظام التركي أن يطرق أبواب الوطن العربي بالمزايدة على القضية الفلسطينية حتى خُدعت قطاعات من الجماهير العربية، وتصورت أن هذا النظام هو المنقذ، كذلك اعتمد على الأدوات الاقتصادية في محاولته التغلغل في النظام العربي، ثم جاءت انتفاضات ما عُرف ب«الربيع العربي» لكي تقدم للنظام التركي ما تصور أنه فرصته الذهبية برعاية حركات الإسلام السياسي خاصة جماعة «الإخوان المسلمين» التي استفادت من هذه الانتفاضات في الوصول إلى السلطة كلياً أو جزئياً في أكثر من بلد عربي، وثابر النظام التركي على الدفاع عنها حتى بعد أن لُفِظَت شعبياً كما حدث كلياً في مصر وجزئياً في بلدان أخرى، ولذلك دخل هذا النظام في صدامات مباشرة أساء فيها إلى النظام المصري وقيادته على سبيل المثال، واستنزف طاقاته في دعم حركات الإرهاب باسم الدين، وهكذا بعثر طاقاته بغير حساب وإن كان النظام القطري قد أمده دائماً بالعون، كما حدث في الأزمة الأخيرة على النحو الذي خفف من أزمته دون شك وإن كان لا يقدم بطبيعة الحال حلاً للمعضلة التي خلقها النظام التركي لنفسه خاصة أن لديه من المعضلات الأصيلة ما يكفيه وعلى رأسها المشاكل المرتبطة بأكراد تركيا. ليس ترامب إذن رغم التحفظ على العديد من سياساته هو السبب الأصيل في الأزمة الحالية وإنما تضرب بجذورها في معادلة النظام التركي الراهن وممارساته ومن إصلاح هذه المعادلة يبدأ الحل.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد