أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

ضغوط متزايدة:

لماذا تهتم إيران بمفاوضات واشنطن وبيونج يانج؟

20 يونيو، 2018


تراقب إيران بدقة المسارات المحتملة للمفاوضات التي تجري في الوقت الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، من أجل الوصول إلى تسوية للأزمات العديدة العالقة بين الطرفين، وعلى رأسها البرنامجين النووي والصاروخي لبيونج يانج، والتي توجت بلقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون في سنغافورة في 12 يونيو الجاري.

ورغم أن ذلك لا يتصل مباشرة بالتصعيد الحالي بين واشنطن وطهران، بعد انسحاب الأولى من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات أمريكية جديدة على الثانية، إلا أنه من المتوقع أن تنعكس نتائج تلك المفاوضات على المسارات المحتملة للمواجهة بين الطرفين، لا سيما بعد اتساع نطاق الخلافات لتتجاوز الاتفاق النووي وتمتد إلى الدور الإقليمي.

حذر واضح:

حرصت إيران على توجيه تحذيرات إلى كوريا الشمالية من تداعيات "الثقة" في نتائج المفاوضات مع الولايات المتحدة، حيث قال محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، في اليوم نفسه الذي عقدت فيه قمة سنغافورة، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمكن أن يلغي الاتفاق خلال ساعات، مضيفًا: "لا نعرف مع من يتفاوض زعيم كوريا الشمالية.. من الواضح أنه قد يلغي الاتفاق قبل أن يعود إلى بلاده".

ويمكن تفسير اهتمام إيران بتحذير كوريا الشمالية من التفاوض مع الولايات المتحدة، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- دعم سياسات واشنطن: ربما يؤدي التقدم الملحوظ في المحادثات التي تجري حاليًا بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، إلى دفع الأولى نحو التمسك بالسياسة التي تتبناها تجاه إيران وعدم تقديم تنازلات، حتى لو كانت محدودة، لاستيعاب ضغوط الدول الأوروبية الساعية إلى الحصول على إعفاءات أمريكية للشركات الأوروبية التي تستثمر في إيران.

وبمعنى آخر، فإن جهات عديدة داخل إيران باتت ترى أن نجاح السياسة الأمريكية الحالية في تعزيز احتمالات الوصول إلى تسوية مع كوريا الشمالية، رغم العقبات التي ما زالت قائمة وربما تحول دون ذلك في النهاية حتى بعد انعقاد قمة سنغافورة، سوف يعطي إشارة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن سياستها الحالية هى الأنسب للتعامل مع الأزمات الدولية التي تحظى باهتمام خاص من جانب واشنطن، خاصة الأزمتين الكورية الشمالية والإيرانية، باعتبار أن السياسات المرنة التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لم تؤد، في رؤية الإدارة الحالية، إلى تفاقم الأزمتين فحسب، وإنما وجهت "رسائل خاطئة" للدولتين للإمعان في سياستهما المتشددة تجاه الولايات المتحدة.

وقد بدأت شركات أوروبية عديدة تستبق الرفض الأمريكي المتوقع لمنح أية إعفاءات لها لمواصلة أعمالها داخل إيران، بإعلانها الانسحاب من السوق الإيرانية، رغم الخسائر التي ستتعرض لها في هذا السياق، حيث منحت الأولوية لمصالحها واستثمارتها داخل السوق الأمريكية.

2- تركيز الضغوط على طهران: قد يساهم نجاح الجهود الحالية في الوصول إلى تسوية للأزمة الكورية الشمالية في تصعيد حدة الضغوط الأمريكية على إيران، خاصة أن واشنطن سوف تتمكن، في هذه الحالية، من تركيز اهتماماتها على تحقيق "اختراق" في الأزمة الإيرانية، من خلال العمل على دفع إيران إلى تبني مرونة في التعامل مع التحفظات الأمريكية تجاه الاتفاق النووي الحالي والأدوار التخريبية التي تقوم بها في دول الأزمات على غرار سوريا واليمن.

ويمكن القول إن تسوية الأزمة الكورية الشمالية يعني تقلص عدد "الجبهات المشتعلة" التي تنخرط فيها الولايات المتحدة على الساحة الدولية، بشكل سيفاقم من تأثير الخطوات التي سوف تتخذها تباعًا تجاه إيران خلال المرحلة القادمة، خاصة أنها لن تكون منشغلة، في تلك الفترة، بالانخراط في أكثر من أزمة والاشتباك مع أكثر من طرف إقليمي ودولي.

وبعبارة أخرى، فإن إيران لا تريد أن تبقى وحيدة في مواجهة التصعيد الحالي من جانب الولايات المتحدة، التي لم تعد تستبعد أى خيار في التعامل مع الأزمات العالقة معها، حيث كانت اتجاهات عديدة داخلها ترى أن اندلاع أكثر من أزمة دولية في وقت واحد سوف يضع خيارات محدودة أمام الإدارة الأمريكية وسيقلص من قدرتها على حسمها أو تحقيق اختراق فيها، وهو ما لم يحدث حتى الآن، باعتبار أن السياسة الأمريكية كان لها دور، ضمن عوامل أخرى، في تقليص حدة الأزمة مع كوريا الشمالية، التي تبدي انفتاحًا ملحوظًا على تسوية الخلافات مع واشنطن ودول الجوار، خاصة كوريا الجنوبية.

3- وقف التعاون بين طهران وبيونج يانج: خاصة على المستوى العسكري، حيث اكتسبت العلاقات مع الأخيرة اهتمامًا خاصًا من جانب القيادة العليا في طهران، ممثلة في المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي كان قد أجرى زيارة بارزة لبيونج يانج، خلال فترة رئاسته للجمهورية، وتحديدًا في عام 1989، وقبيل أن يتم تنصيبه في منصب المرشد بعد وفاة الخميني في يونيو من العام نفسه. كما كان هناك اهتمام من جانب بيونج يانج بتطوير العلاقات مع طهران، وانعكس ذلك بشكل واضح في الفترة الأخيرة، حيث قام رئيس مجلس الشعب الكوري الشمالي كيم يونج نام بزيارة طهران في 31 يوليو 2017 واستمرت الزيارة عشرة أيام تخللتها مشاركته في مراسم أداء الرئيس حسن روحاني اليمين الدستورية في 5 أغسطس من العام نفسه، وهو ما يؤشر إلى أن التعاون بين الطرفين في المجالات المختلفة، لا سيما المجال العسكري، كان محور مباحثات مطولة أجراها مسئولو الدولتين خلال تلك الزيارة.

وتتمثل أهم مجالات التعاون في تطوير برنامج الصواريخ الإيرانية، حيث كانت التكنولوجية الكورية الشمالية مكونًا أساسيًا من مكونات هذا البرنامج، وقد دفع ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى توجيه انتقادات إلى طهران، في 24 سبتمبر 2017، عقب إجراءها تجربة لإطلاق صاروخ "خرمشهر" الباليستي، مشيرًا إلى أنها تتعاون مع كوريا الشمالية في هذا الإطار.

4- تصفية حسابات: لا سيما مع تيار المحافظين الأصوليين الذي كان يستند، في فترة سابقة، إلى نموذج كوريا الشمالية، في ممارسة ضغوط أقوى على حكومة الرئيس روحاني وتيار المعتدلين، بسبب تعويلها على الاتفاق النووي والحوار مع الولايات المتحدة، حيث كان يدعو إلى "الاحتذاء" بالسياسة المتشددة التي تتبناها كوريا الشمالية في التعامل مع الضغوط الأمريكية.  

وهنا، فإن تيار المعتدلين رأى أن دخول بيونج يانج في حوار مع واشنطن وتبنيها سياسة أكثر مرونة، يمنحه الفرصة للرد على انتقادات المحافظين وممارسة ضغوط مقابلة عليه، باعتبار أن الأولى اتجهت في النهاية إلى اتباع السياسة نفسها التي يتبناها، رغم كل التوتر والتصعيد الذي اتسمت به العلاقات بين الطرفين خلال العقود الماضية.

من هنا، يمكن القول في النهاية إن الخطوات المقبلة التي سوف تتخذها كل من واشنطن وبيونج يانج، بعد نجاح قمة سنغافورة، ستكون محط متابعة ودراسة دقيقة من جانب إيران، التي ترى أنها أصبحت إحدى الأطراف المعنية بنتائجها، في ظل التصعيد المستمر في العلاقات مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي والدور الإقليمي.