أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مشكلات ضاغطة:

لماذا تصاعدت أزمات "الأطباء" في الشرق الأوسط؟

04 أبريل، 2018


تزايدت حدة الأزمات التي يعاني منها الأطباء في عدة دول بالإقليم مثل تونس والجزائر والعراق وتركيا، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، لحزمة من العوامل، التي تتمثل في تأجيل الحصول على الشهادة العلمية، والهجرة المكثفة خارج البلاد، والعمل في الأماكن المعزولة جغرافيًا، والتعرض للاغتيال الممنهج، والتجريد من صفة المواطنة نتيجة الخلاف في الرؤى السياسية. وعلى الرغم من أن هذه المشكلات فئوية تخص قطاعًا معينًا داخل هذا المجتمع أو ذاك، إلا أنها تعبر عن أعراض مجتمعية عامة أيضًا.

فقد تعددت الأزمات أو المشكلات التي واجهها الأطباء في بعض دول الشرق الأوسط، خلال الفترة الماضية، لعدد من الأسباب، التي يمكن تناولها على النحو التالي:

إضراب متواصل:

1- تأجيل الحصول على الشهادات العلمية: وهو ما يفسر الاحتجاج الذي قام به الأطباء التونسيون أمام مقر وزارة الصحة على مدى الأشهر الأربعة الماضية، حيث رفعوا شعارات محددة منها "الدبلوم رهينة" و"الإضرار بالتدريب يعني تعريض المريض للخطر"، وطالب المحتجون بالاستمرار في منح دبلوم للطبيب بعد الانتهاء من دراسة الطب الأساسي التي تقارب السبع سنوات.

في حين أن الخطة الحكومية للإصلاح، التي تثير غضب شباب الأطباء، تؤجل منح دبلوم الطبيب إلى حين الانتهاء من الدراسة المتخصصة، أى ما يتراوح بين عشر سنوات إلى إحدى عشر سنة من الدراسة. ونتيجة لهذا الخلل في تطبيق برنامج الإصلاح الحكومي في القطاع الطبي، سيجد الأطباء الشباب، بحلول ديسمبر 2018، أنفسهم بدون دبلومات، وهو ما يجعلهم معرضين لشبح البطالة ويحرمهم من تلقي تدريب في الخارج.

وفي الإطار ذاته، من المرجح أن يواصل الأطباء الشباب الجزائريون توسيع الإضراب خلال المرحلة القادمة، باستثناء تأمين الحالات الطارئة والمناوبات، مع الأخذ في الاعتبار صدور حكم قضائي، في 24 يناير الماضي، أعلن أن إضرابهم غير قانوني. إلا أن ذلك لم يمنعهم من تحدي السلطات المعنية والتجمهر بأعداد تقترب من الألف في منتصف فبراير الماضي على الرغم من قرار الحكومة منع التظاهرات في العاصمة.

هجرة العقول:

2- الهجرة المكثفة خارج البلاد: على نحو يعاني منه الأطباء التونسيون، حيث تواجه المستشفيات العامة مشكلات تتعلق بفساد الإدارة ونقص الاستثمارات، وهو ما تشير إليه بعض الكتابات الإعلامية. ووفقًا لما هو صادر عن نقابة الأطباء، فإن ما يقرب من نصف الأطباء المسجلين لديها في عام 2017 حصلوا على الوثائق الضرورية لممارسة الطب خارج تونس، فيما عرف بظاهرة هجرة العقول.

ويكمن السبب الرئيسي الذي يدفع هؤلاء الأطباء الشباب إلى الهجرة في استمرار العمل في بعض التخصصات مثل العلاج الإشعاعي والطب النووي بأساليب تعود إلى عقد التسعينات من القرن الماضي. لذا تعكس مظاهر احتجاج الأطباء في تونس أزمات حادة في القطاع الصحي ومنها عدم التدريب وبناء القدرات في المؤسسات الصحية الحكومية والعمل بالأساليب القديمة المعتادة على نحو يخلق فجوة زمنية في التواصل مع تطورات الطب في دول العالم.

وفي ظل استمرار أزمة إضراب الأطباء الجزائريين، أصدرت الحكومة الفرنسية مرسومًا يلغي شهادة المطابقة (التأهيل) للأطباء الأجانب كشرط لممارسة الطب في فرنسا، على نحو يزيد من دوافعهم للهجرة، لا سيما أن ثمة تقديرات تشير إلى أن ما يقترب من 15 ألف طبيب جزائري يعملون في فرنسا، بخلاف عدد المغادرين لدول أوروبية أخرى والولايات المتحدة وكندا ودول الخليج.

على جانب آخر، أشارت بعض وسائل الإعلام إلى أنه جرى توقيع اتفاقية بين الجزائر وكوبا خلال زيارة وزير الصحة الجزائري مختار حسبلاوي إلى هافانا منذ عدة أسابيع، تقضي بجلب المزيد من الكوادر الطبية للجزائر مقابل المزيد من النفط لكوبا خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما يحقق منافع متبادلة للدولتين، إذ يخفف من حدة الإضراب بالجزائر من ناحية ويعالج ضغوط الإنتاج لدى فنزويلا المصدر الأول للنفط إلى كوبا من ناحية أخرى.

حراك الأطباء: 

3- العمل في الأماكن المعزولة جغرافيًا: يحتج "الأطباء الجزائريون المقيمون" (وهم الطلاب الذين يُتِمُّون فترة دراستهم بكلية الطب ويتبعونها بفترة من التدريب داخل المستشفيات التعليمية)، منذ 14 نوفمبر 2017، على قانون الخدمة المدنية التي تفرضها الحكومة على الأطباء بعد اجتيازهم فترة التخصص ويجبرون بمقتضاها على العمل ما بين سنتين إلى أربع سنوات في أماكن معزولة جغرافيًا في بعض الأحيان قبل أن يتمكنوا من العمل بالعيادات الخاصة أو العمل الدائم في المستشفيات الحكومية، إضافة إلى 12 شهرًا من الخدمة العسكرية الإجبارية. واعتبرت التنسيقية الوطنية المستقلة للأطباء المقيمين استثناء وزارة الدفاع الأطباء من الإعفاء من أداء الخدمة العسكرية بعد سن الثلاثين، بعكس كل الاختصاصات الأخرى، "مخالفًا للدستور لأنه لا يساوي بين الجزائريين".

وقد طلبت التنسيقية الوطنية، في سياق المفاوضات مع الحكومة في 12 مارس 2018، تأجيل دورة التدارك المقررة بين 18 مارس و12 إبريل 2018، لامتحانات شهادة دراسات الطب العليا التي تتوج دراسة التخصص، لا سيما بعد فشل جلسات تفاوض (أو بالأحرى استماع) متكررة مع ممثلي وزارة الصحة خلال الأسابيع الماضية، بحيث عادت "دورة الاحتجاج" مرة أخرى عبر تجمعات شبه يومية وفي محافظات عدة، وإن كانت أبرزها بمستشفى مصطفى باشا باعتبارها أكبر منشأة صحية بالعاصمة.

بعبارة أخرى، يلوح أطباء الجزائر بتعطيل برامج التخصص، حيث يحصل سنويًا في البلاد ما بين 1800 إلى 2000 طبيب مقيم، وفقًا لأحد التقديرات الحكومية السائدة، على شهادة التخصص، الأمر الذي دفع وزير الصحة مختار حسبلاوي إلى التحذير في تصريحات صحفية سابقة مما اعتبره "سنة بيضاء". وفي هذا السياق، يطالب شباب الأطباء بمراجعة الوضع القانوني للطبيب المقيم وإمكانية إعفائهم مثل باقي الجزائريين من الخدمة العسكرية لمن تجاوزوا سن الثلاثين.

غير أن الحكومة الجزائرية توحي، حسب اتجاهات عديدة، بالتفاوض مع ممثلي حراك الأطباء، وفي الوقت نفسه تسعى إلى فض أو إنهاء الإضراب، لا سيما بعد صدور حكم من المحكمة الإدارية، في 24 يناير الماضي، بعدم شرعية الاحتجاج والأمر بإخلاء المضربين للأماكن التي يعتصمون بها، في حين أن طول مدة الإضراب توجه رسالة محددة مفادها أن الأطباء المقيمين سيحتجون حتى يتم تلبية جميع مطالبهم.

استهداف متعمد:

4- التعرض للاغتيال الممنهج: وهو ما عاني منه أطباء عراقيون، سواء تخصص بشري أو أسنان، خلال عام 2017، حيث تعرض بعض الأطباء في عدد من المحافظات العراقية، وخاصة بغداد المعروفة بكثرة العيادات الطبية، لاعتداءات بالقتل أو التهديد بالاستهداف، على نحو انعكس في عمليات الاختطاف التي تعرض لها أطباء في مدينة الصدر ومنطقة المعامل والوشاش في منتصف عام 2017، والقبض على عصابات إجرامية متورطة في القيام بذلك.

وقد دفع ذلك عددًا من الأطباء إلى تبني آليات عدة منها ترك أعمالهم وإغلاق العيادات الخاصة وبيعها والانتقال لإقليم آخر داخل العراق مثل كردستان، أو التفكير في الهجرة ومغادرة البلاد، خاصة في ظل ظهور اتجاه يرى أن ثمة مخططًا لاستهداف الكفاءات العلمية والتخصصات النادرة ويعيد للأذهان مرحلة استهداف الأطباء والضباط والمهندسين وأساتذة الجامعات بعد مرحلة الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، فيما يعمل آخرون في السر بعيدًا عن الأنظار.

تهمة الخيانة: 

5-التجريد من صفة المواطنة: الأمر الذي ينطبق جليًا على "اتحاد أطباء تركيا" البالغ عدد أعضائه 83 ألف، ويمثل 80% من أطباء البلاد، بعد توجيه اتهامات له تتعلق بنشر دعاية إرهابية أو إثارة الرأى العام على مواقع التواصل الاجتماعي. ففي هذا السياق، اتهم الرئيس رجب طيب أردوغان، في 8 فبراير الماضي، الاتحاد بـ"الخيانة"، حينما قال: "هذه المؤسسة لا علاقة لها بالتركية ولا يستحق أى أمر يخصها صفة تركي".

وأضاف أردوغان: "إن قانونًا جديدًا سيضمن أن الاتحاد لن يتمكن من استخدام صفة تركي ولا اسم تركيا". وعلى الرغم من عدم وضوح تفاصيل التشريع الجديد، إلا أن غالبية الكتابات تشير إلى أن عضوية اتحاد الأطباء سوف تعد غير ضرورية لمزاولة مهنة الطب في العيادات الخاصة، وهو ما سبق أن تكرر مع نقابة المحامين، بما يؤدي إلى تقييد تحركات جماعات المعارضة  لسياسات حكم أردوغان.

وقد جاءت تلك التصريحات على خلفية المعارضة العلنية التي أبداها أعضاء اتحاد أطباء تركيا للحملة العسكرية التركية في منطقة عفرين شمال غرب سوريا التي انطلقت في 20 يناير الماضي، حيث أدان الاتحاد العملية قائلاً: "لا للحرب.. السلام على الفور"، وهو ما أثار السلطات الرسمية التي توعدت بمقاضاة من ينتقدون التوغل التركي الرامي لملاحقة عناصر وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تتهمها أنقرة بأنها "إرهابية".

وهنا، قال الاتحاد في بيان أخير صادر عنه: "إن حقه في إطلاق تركي على نفسه يكفله الدستور ويعكس خدمته المقدمة للصالح العام"، وأضاف: "تلقى أصحاب الضمير اليقظ والمتحضرون بالحزن والصدمة التصريحات التي أطلقت لوصم الاتحاد. نتمسك بموقفنا بالتحيز لصالح الحياة والسلام اليوم مثلما فعلنا في الماضي"، وهو ما عرّض بعض قيادات نقابة الأطباء للاعتقال من قبل القوات الأمنية. وقد أثار ذلك مخاوف الاتحاد الدولي للأطباء ومنظمة العفو الدولية، حيث طالبا بحماية أعضاء النقابة من العنف والتهديدات الموجهة لهم والإفراج الفوري عن قيادات الأطباء.

خلاصة القول، إن المشكلات السابق الحديث عنها بشأن فئة الأطباء في عدد من دول الإقليم تعبر عن تعثر إصلاح المنظومة الصحية، وفشل نظام الخدمة المدنية، وتناقص أعداد الكوادر الطبية سواء بسبب الاستهداف أو هجرة العقول للدول المتقدمة، وتسييس أداء عمل الخدمات الطبية، فضلاً عن إسهام الصراعات المسلحة في تغيير أساليب الرعاية الصحية في بعض دول الشرق الأوسط وغيرها.