أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الوحدة العربية بين زمنين

06 فبراير، 2018


في مثل هذا الشهر منذ ستين عاماً أُعلنت الوحدة المصرية- السورية وتم الاستفتاء عليها وولدت للمرة الأولى دولة تجمع بين مصر وسوريا اللتين اضطلعتا بأدوار بالغة الأهمية في التاريخ العربي. ولم يكن هذا التطور مفاجئاً فقد كان واضحاً أن نهج مطاردة الاستعمار والأحلاف الغربية وتعزيز استقلال الإرادة العربية قد جمع بينهما، وهو ما تجلى إبان العدوان البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي على مصر في 1956 عندما فجر الضباط السوريون خط أنابيب التابلاين الذي كان ينقل البترول العراقي إلى أوروبا مما كان له أثر كبير على تفاقم المعارضة الأوروبية للعدوان، واستضافت إذاعة دمشق إذاعة القاهرة بعد أن طالها العدوان. وفي 1957 أرسل جمال عبدالناصر وحدات عسكرية إلى سوريا للمشاركة في التصدي للتهديدات التركية في أول عمل من نوعه يجسد الأمن العربي الواحد في تاريخ العرب المعاصر. وعلى رغم تحفظ عبدالناصر على مبدأ الوحدة الفورية على أساس أن إنجازها يحتاج فترة انتقالية إلا أنه وافق في النهاية على وجهة نظر الوفد السوري المطالب بالوحدة، والمتمثلة في أن سوريا بدون الوحدة ستتعرض لخطر جسيم ينتهي بسقوطها إما في براثن الغرب الاستعماري أو الشرق الشيوعي.

وبعد قيام الوحدة راجت الآمال بأن تكون بداية لوحدة عربية شاملة، ولكن الأمور جرت على نحو معاكس، فقد كان واضحاً أن الوحدة بدأت تعاني على رغم شعبيتها من مشاكل داخلية نتيجة التمايز بين مصر وسوريا على النحو الذي كان يرجح الوحدة الفيدرالية كصيغة للوحدة وليس الاندماجية كما أصر الضباط القوميون في سوريا. وعانت الوحدة نتيجة لذلك من ارتباك في صيغة الحكم من حكومة مركزية واحدة إلى مجلس تنفيذي لكل من الإقليمين المصري والسوري ناهيك عن عدم ملاءمة إلغاء الأحزاب في سوريا أسوة بمصر، وعدم كفاءة صيغة التنظيم السياسي الواحد التي عرفتها مصر قبل الوحدة، وصعوبات الاندماج بين المؤسستين العسكريتين في مصر وسوريا، وانسلاخ الرأسمالية السورية الكبيرة من قاعدة قوة الوحدة بعد القرارات الاشتراكية في 1961.

ويضاف إلى هذا كله أن المحيط الخارجي للوحدة كان معادياً لها بامتياز، فقد كانت كل من إسرائيل وتركيا وإيران متضررة من الوحدة بقدر ما أنشأت دولة عربية قوية يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في تفاعلات المنطقة. وقد كانت هذه الدول الثلاث آنذاك مخلب قط بيد الولايات المتحدة التي ناصبت الوحدة العداء منذ الوهلة الأولى خوفاً من تداعياتها على مصالحها في المنطقة. غير أن المفارقة أن الاتحاد السوفييتي بدوره ناصب هو أيضاً الوحدة العداء توهماً أنها وقفت حائلاً أمام تحول سوريا إلى الشيوعية. ومن تراكم العوامل الداخلية والخارجية وقع انقلاب الانفصال في سبتمبر 1961، ورفض عبدالناصر استخدام القوة ضده بعد أن أعلنت وحدات الجيش السوري تأييد الانقلاب، على أساس أن الوحدة نشأت بالأسلوب السلمي ويجب أن تبقى كذلك.

وبعد انتهاء التجربة ظل الأمل قائماً في تحقيق هدف الوحدة العربية فجَرَت محاولة ثلاثية في 1963 بين مصر وسوريا والعراق بدا أنها استفادت من دروس الوحدة المصرية- السورية باعتماد الصيغة الفيدرالية، ولكن الخلاف بين الفصائل القومية العربية وقد تمثلت في عبدالناصر وحزب «البعث» الحاكم في كل من سوريا والعراق تكفّل هذه المرة بإفشال التجربة. وبعد هذا الفشل تراجعت محاولات تحقيق الوحدة العربية إلى أن نجح المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح منذ ذلك الوقت وحتى الآن هي التجربة الوحدوية العربية الناجحة الوحيدة، بعد أن تمكن بقيادته الاستثنائية من التوصل إلى الصيغة المثلى للوحدة. والغريب أن تكرر تجربة الوحدة اليمنية بعد ذلك بعقدين تقريباً خطأ وحدة مصر وسوريا فتأخذ بالصيغة الاندماجية وتتعرض لمحاولة انفصالية مسلحة في 1994، صحيح أنه قد تم الانتصار عليها ولكن الممارسات التي لحقت هذا الانتصار أوجدت شرخاً ظاهراً في الوحدة أخذ في التصاعد فيما عرف بالحراك الجنوبي الذي تحول من حركة مطلبية إلى حركة انفصالية ما زالت قائمة حتى الآن. ولم يقتصر الأمر على عدم التقدم على طريق الوحدة العربية، باستثناء تجربة الإمارات، وإنما وصلت الأمور إلى أن أصبحت الدولة الوطنية العربية ذاتها تواجه خطراً حقيقياً على وحدة كيانها في عدد من البلدان العربية المهمة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد