أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قراءة في خطاب أمير قطر

25 يوليو، 2017


ألقى أمير قطر خطاباً يوم الجمعة الماضي عرض فيه لوجهة نظره في الأزمة الراهنة وسبل الحل التي يتصورها، ومن المهم إمعان النظر في هذا الخطاب تقييماً لما ورد فيه على ألا نتوقف في هذا التقييم عند بعض الجزئيات كما في قول الأمير، إن قطر لها خلافات مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي بينما الخلاف مع نصف دول المجلس فضلاً عن كون عدم انحياز الكويت وعُمان لا يعني تأييدهما للمسلك القطري. وكذلك ليس مهماً التوقف عند بعض العبارات الطريفة كما في القول إن قطر تكافح الإرهاب بلا هوادة ودون حلول وسط! وإنما أود التركيز على نقطتين رئيسيتين أولاهما عن مفهوم الإرهاب في الخطاب، والثانية عن آفاق حل الأزمة كما يتصورها.

وبالنسبة لمفهوم الإرهاب ورد في الخطاب ما يفيد أن الدول المقاطعة لقطر قد انطلقت من مجرد وجود خلاف سياسي والأهم أنه حاول أن يصوره باعتباره خلافاً على الموقف من تطلعات الشعوب العربية! والأخطر من ذلك أن الخطاب اعتبر الخلاف أيضاً حول التمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال والإرهاب، وهو قول قد ينسحب على حالة «حماس» فقط أما باقي اتهامات التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية فهي تتعلق برعاية حركات تعتبرها الدول المقاطعة إرهابية ولديها براهينها على ذلك. ثم يواصل الخطاب الحديث عن الإرهاب بالإشارة إلى الخلاف بين قطر والدول المقاطعة لها حول مصادر الإرهاب، فقد ورد في الخطاب أن ثمة خلافاً مع «البعض» بشأن مصادر الإرهاب «فالدين وازع أخلاقي وليس مصدر الإرهاب»، وكأن الدول التي تقاطع قطر تعتبر أن الدين مصدر الإرهاب وليس الفهم الخاطئ للدين، بل إن الخطاب قد أعفى حتى ما أسماه بالأيديولوجيات المتشددة من مسؤولية الإرهاب، فهذه الأيديولوجيات لا تنتج الإرهاب وفقاً له إلا في «بيئة معينة»، وهو ما يعني أن البلاد التي تعاني من الإرهاب هي المسؤولة عن ذلك بسبب الاستبداد أو الظلم الاجتماعي وما إلى ذلك، والرد على هذا المنطق المغلوط أن أكثر الدول تقدماً وديموقراطية يعاني حالياً من الإرهاب.

ويلاحظ أن الخطاب تجاهل تماماً مسألة التدخل في الشؤون الداخلية للدول وأنشطة التخريب السياسي التي يقوم بها النظام القطري وهي لا تقل خطورة عن دعم الإرهاب، فبمَ نسمي التآمر على اغتيال حكام أو لتفكيك دولة، وهي أنشطة قد لا ينطبق عليها مفهوم الإرهاب، ولكنها تدخل بامتياز في باب التخريب السياسي؟ ولذلك فإن محاولة الخطاب تصوير الخلاف بين قطر والدول المقاطعة لها على أنه خلاف حول السياسة الخارجية لقطر هو نوع من المراوغة السياسية المكشوفة، فقطر حرة في اتباع ما تشاء من سياسات في مواجهة دول العالم وشعبها هو الأقدر على تقييم هذه السياسات ولكن الدول المقاطعة تتحدث تحديداً عن سياسات خارجية تخريبية يتبناها النظام القطري في مواجهتها، وهي بذلك صاحبة حق أصيل في رفض هذه السياسات والمطالبة بتغييرها، وليس في هذا أدنى مساس بالسيادة القطرية وإنما النظام القطري هو الذي ينتهك سيادة هذه الدول. وتستمر المراوغة في الخطاب فيما يتعلق بقناة «الجزيرة» إذ إنه لما كان معلوماً أن بعداً أصيلاً من أبعاد التخريب السياسي يتمثل في الدعاية المغرضة التي تقوم بها هذه القناة فقد حاول الخطاب أن يُلبس المسألة ثوباً «نضالياً» بأن يُظهر أن ما تقوم به ليس سوى كسر لاحتكار المعلومة سعياً لحرية التعبير! وهو تكييف لدور القناة يعلم كل من اكتوى بنارها أنه تكييف مغلوط إذ لا تكسر «الجزيرة» احتكار المعلومة وإنما تكسر المعلومة ذاتها وتزيّف الحقائق وتشوهها سعياً لتحقيق الإخلال بالاستقرار السياسي في الدول التي تعاديها، والحديث يطول في هذا المقام والأدلة عليه ثابتة بالصوت والصورة.

أما النقطة المحورية الثانية في خطاب أمير قطر والمتعلقة بآفاق حل الأزمة فأكتفي فيها بالإشارة إلى أنه بنى الحل على أساسين، هما احترام السيادة وألا يتضمن إملاءات، والواقع أن الدول المقاطعة هي التي تطلب من قطر احترام سيادتها كما أن ما يُسميه الأمير إملاءات ليس سوى متطلبات هذا الاحترام وقد أعود إلى هذا الموضوع المهم لاحقاً.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد