أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ترمب في السعودية: تحالف المستقبل

21 مايو، 2017


الحديث عن المستقبل يكون مقنعاً حين يكون حديثاً واقعياً يلتمس الحقائق ويستحضر التاريخ، ويسعى للقراءة والاستيعاب مع صدق التوصيف دون الجنوح خلف العواطف أو الأحلام، لأنه بهذه الطريقة تنجح الرؤى وتتحقق الأحلام.

قمم الرياض الثلاث هي إعلانٌ واضحٌ لمن لم يحسن قراءة التاريخ وتطورات الواقع وتشكل المستقبل. باختصار، أميركا عادت لنفسها وللعالم. والمملكة العربية السعودية قائدة العالم العربي والإسلامي، وعلى تنظيمات الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي أن تتخلى نهائياً عن أوهامها وآيديولوجياتها، وعلى الدول الراعية لها في المنطقة أن تراجع سياساتها.

دولياً، المشهد اليوم ينبئ بإعادة صياغة فاعلة لنفوذ الدول الكبرى في العالم، ويسعى لإعادة التوازنات التي اختلت كثيراً في السنوات الأخيرة، هذه هي إحدى مهام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يحلّ ضيفاً كبيراً على السعودية. وقد بدأها بالفعل ونجح فيما شرع فيه إلى حدٍ معقول وبخاصة في السياسة الخارجية.

إقليمياً، السعودية لاعب إقليمي مهمٌ، منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة وإلى اليوم، والجديد هو أن السعودية لم تكن تستخدم قوتها بشكلٍ فاعلٍ لأسبابٍ متعددة، ولكنها اليوم تفعل.

لم تشارك السعودية في الحرب العالمية الأولى لأنها لم تتوحد كدولة في ذلك العهد، ولم تشارك في الحرب العالمية الثانية بشكلٍ فاعلٍ، بل رصدها الملك عبد العزيز واقتنص اللحظة المناسبة ليعلن في لقائه الشهير مع روزفلت 1945 سعودية جديدة ترى المستقبل وتوازنات القوى فيه بعيونٍ مختلفة رصدت التغيير وتماشت معه.

بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية قامت الحرب الباردة وتشكل شيئاً فشيئاً معسكران في العالم، المعسكر الغربي بقيادة أميركا والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وحدث تقسيم حادٌ للعالم على هذا الأساس وقامت حروب في القارات الخمس.

شهد العالم العربي حقبة جديدة من تاريخه مطلع الخمسينيات وذلك بانتشار الانقلابات العسكرية التي سمّيت لاحقاً بالثورات، وأسقط العسكر الملكيات في عددٍ من الدول العربية، وانحازوا للمعسكر الشرقي وتمنّعت عليهم السعودية ودول الخليج العربي والأردن والمغرب، والتي انحازت للمعسكر الغربي.

فكان تحدّي القومية العربية تحدياً سياسيا هائلاً تجاوزته السعودية بصدق الرؤية وقوة التحالفات ومرونة السياسات، وتزامن معه واختلط به تحدي الشيوعية واليسار، كمعسكرٍ معادٍ، يمتد عبر «أوراسيا» أو أوروبا الشرقية وآسيا حيث روسيا والصين، وأتباعهما حول العالم.

ومع هبوطٍ في حدة التهديدات القومية في المنطقة العربية قامت ثورة الخميني في إيران 1979 التي كانت تعبيراً عن تحالفٍ آيديولوجي برز للسطح بين القوميين بأصنافهم واليسار بتياراته، والصعود الإسلاموي المؤدلج لا السياسي، الذي كان يعتمل تحت السطح، وكان لا بد من تحديد الأولويات حينذاك، وكان لا بدّ من مواجهة العدو الدولي الخطير والقوي والمتمكن المتمثل في المعسكر الشرقي، والسوفياتي تحديداً، وقد كان.

قامت إحدى أسخن الحروب في أفغانستان، بعد اجتياح السوفييت لها، من نهاية السبعينيات وعلى طول الثمانينات، كانت الحرب شرسة هناك، اتفق فيها الحليفان السعودية وأميركا على دعم أفغانستان كما قامت ثورة دينية آيديولوجية في إيران لم تلبث أن انحازت للسوفييت، وبدأت تبرز مشكلة صعود الآيديولوجيات وبالتحديد مع دخول مجموعة مسلحة مؤدلجة للحرم المكي الشريف بقوة السلاح المؤدلج.

في مطلع التسعينيات سقط الاتحاد السوفياتي، وتمّ تقسيمه، وانتصر المعسكر الغربي والسعودية، ولكن ذلك لم يكن بلا ثمنٍ، فقد دفعت أميركا والسعودية الثمن بصعودٍ لم يكن متنبأ به للتيارات الإسلاموية المؤدلجة، التي عملت تحت غطاء التحالفات السابقة سواء في مواجهة القوميين إقليمياً أو في مواجهة المعسكر الشرقي دولياً، وظهر الإرهاب الديني المنتسب للإسلام على المشهد الدولي.

السعودية دولة كبيرة في المنطقة باعتراف الجميع، الأصدقاء والأعداء، الحلفاء والخصوم، وفي السعودية تياراتٌ واختلافاتٌ، وتوجهات متعددة في الرأي والرؤية، ولكن السعوديين يحبون - في المجمل - أميركا والغرب ويحسون بنفرة دائمة من المعسكر الشرقي وكل امتداداته، لا بسبب التوجه السياسي للدولة فحسب، بل بسبب حب دفين للتحضر والتقدم، إنهم يفرحون حين يتعلم أبناؤهم في الغرب، ويسعدون حين يتحضر أولادهم، ويتمكنون من العلم والمعرفة بشكلها العلمي بعيداً عن الشعارات، فهم قد جربوا الخيبة في بعض أبنائهم الذين تعبوا في تعليمهم، ثم أصبحوا قوميين أو يساريين أو إسلامويين تخلوا عن الإسلام وصاروا إرهابيين.

فالشعب السعودي الذي يرحب بزيارة الرئيس ترمب هو يعبر حقيقة عن هذه المشاعر بكل صدقٍ، والسعودية تستقبل ترمب وهي تخوض معارك الإصلاح في الداخل، فالمرأة تمكّن كل يومٍ من حقوقها أكثر فأكثر، وعمليات الإصلاح الواسعة تشمل كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها الكثير، وهي تحاصر خطاب التطرف وتحارب الإرهاب بكل ما أوتيت من قوة، ولديها «رؤية السعودية 2030» التي أطلقها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهي لا تألو جهداً في سرعة تنفيذها مع كل ما يتطلبه الإصلاح الحقيقي من جهدٍ وألم.

القمم الثلاث هي بالترتيب، قمة سعودية أميركية، وقمة خليجية أميركية، وقمة عربية إسلامية أميركية، وهي قمم لها ما بعدها في مستقبل المنطقة والعالم، فلا يمكن للدول المارقة كإيران أو الجماعات المؤدلجة المصنفة إرهابية كجماعة الإخوان المسلمين أو تنظيمات الإرهاب كـ«القاعدة» و«داعش» أن تواجه تجمعاتٍ سياسية بهذه القوة والمكانة.

حاولت إيران استباق الزيارة بإعادة تنشيط تنظيم «القاعدة» الذي تؤوي غالب قياداته بتسجيل لحمزة بن أسامة بن لادن قائد التنظيم الهالك، وبتسجيل آخر لـ«داعش» نشر عنهما موقع العربية نت تقريراً مفصلاً، يدعوان فيه - كلٌ بطريقته - إلى استهداف الأبرياء في الدول الغربية بكل طريقة غادرة وكل همجية ممكنة، ونشاط الإرهاب بدأ من جديد ويجب أن تعلم إيران كم أن اللعب بورقة الإرهاب خطير.

في مسار عملية السلام في الشرق الأوسط السعودية هي صاحبة المبادرة العربية الموضوعة على الطاولة كحلٍ سياسي عمليٍ، يمكن أن يمثل انفراجاً حقيقياً وهي تحظى بإجماعٍ عربي ودعمٍ إسلاميٍ، ويبقى على الطرف الآخر أن يعيد التفكير في الرفض الدائم لها.

أخيراً، وصل الرئيس ترمب للرياض أقوى العواصم عربياً وإسلامياً، عاصمة هي الدولة الثانية في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وهي تقود تحالفاً عسكرياً عربياً لضرب المشروع الإيراني في اليمن وإعادة الشرعية، وهي تقود تحالفاً للدول المسلمة للحرب على الإرهاب من أكثر من أربعين دولة، وهي قبل هذا وذاك بلد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي وقبلة المسلمين.

*نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"