أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مرتزقة أوروبيون:

هل تستعين الكونغو بفاغنر في إطار صراعها مع رواندا؟

01 فبراير، 2023


تجددت التوترات بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، في يناير 2023، على خلفية اتهامات متبادلة بين الجانبين بعدم الالتزام ببنود اتفاق السلام المبرم بينهما في العاصمة الأنجولية، لواندا، في نوفمبر 2022، بالتزامن مع إعلان كينشاسا استعانتها بشركات عسكرية خاصة لدعمها في مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة، في خطوة اعتبرتها كيغالي بمثابة إعلان حرب.
اتهامات متبادلة
على الرغم من الجهود الدبلوماسية ومساعي الوساطة الإقليمية، لاسيما الكينية والأنغولية، لحلحة التوترات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، فإن الآونة الأخيرة شهدت تجدد التصعيد بين الجانبين، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- اتهامات كونغولية لرواندا و"23 مارس": اتهم وزير خارجية الكونغو، كريستوف لوتندولا، رواندا وحركة 23 مارس المتمردة، والمدعومة من كيجالي، بعدم الالتزام ببنود الاتفاق الذي تم توقيعه في العاصمة الأنغولية، لواندا، في نوفمبر 2022، إذ أشار لوتندولا إلى أن الحركة المتمردة لم تلتزم بالانسحاب المتفق عليه، في 15 يناير 2023، من المناطق التي تسيطر عليها في شرق الكونغو، من أجل السماح للقوات الإقليمية لمجموعة شرق إفريقيا والقوات الكونغولية بالتموضع في هذه المناطق، كما حذر لوتندولا من أن بلاده ستتخذ كافة الوسائل بغية الحفاظ على وحدة أراضيها. 
في المقابل، كانت حركة 23 مارس أعلنت انسحابها من كيبومبا في نهاية ديسمبر 2022، قبل أن تنسحب من روماغامبو مطلع يناير 2023، ملوحة إلى استعدادها لتسليم مناطق أخرى، كما وجهت الحركة اتهامات لكينشاسا بعدم الالتزام بنصوص اتفاق لواندا، لاسيما فيما يتعلق بنزع أسلحة الجماعات المسلحة والأجنبية، بينما شكك الرئيس الكونغولي في هذا الرواية، معتبراً أن الحركة تتظاهر فقط بالانسحاب، لكنها تعيد الانتشار والتموضع في مناطق أخرى.
ووجهت الكونغو كذلك اتهامات حادة للرئيس الرواندي، بول كاغامي، بمحاولة استغلال ملف اللاجئين والنازحين الكونغوليين لأغراض سياسية، وذلك على خلفية إعلان كاغامي مؤخراً بأن بلاده لن تتحمل مزيد من النازحين الكونغوليين، حيث اعتبرت كينشاسا أن تصريحات الرئيس الرواندي تستهدف صرف انتباه المجتمع الدولي بعيداً عن تورط كيغالي وحركة 23 مارس المتمردة في انتهاكات شرق الكونغو، والتي كان آخرها المذبحة التي شهدتها قرية كيشيش، نهاية نوفمبر 2022، حيث أسفرت عن مقتل أكثر من 130 مدنياً.
2- انتقادات رواندية لاستعانة الكونغو بمرتزقة أجانب: عبرت رواندا عن إدانتها لاستعانة الكونغو بمرتزقة أجانب لدعمها في الصراع الراهن بشرق البلاد، معتبرة أن هذه التحركات تشكل تهديداً مباشراً لكيغالي، وذلك من خلال بيان رسمي، اتهم كينشاسا بالتلويح بالحرب وعدم الاستعداد لتحقيق السلام في المنطقة، والاتجاه للخروج من الاتفاقيات الإقليمية التي تم التوصل إليها مؤخراً بوساطة أنغولية وكينية. كما لفت البيان الرواندي إلى أن استعانة الكونغو بمرتزقة أجانب يُعد بمثابة إعلان حرب.
وفي تصعيد جديد بين الجانبين، أعلنت وزارة الدفاع الرواندية، في 25 يناير 2023، إطلاق النار على مقاتلة كونغولية، من طراز "سوخوي – 25"، بدعوى اختراقها للمجال الجوي الرواندي، فيما لفت المتحدث باسم الحكومة في كيغالي أن هذه تعد المرة الثالثة خلال الأشهر الأخيرة الماضية التي يتم فيها اختراق المجال الجوي الرواندي من قبل طائرات كونغولية. 
وفي المقابل نفت الكونغو هذه الاتهامات، بل واتهمت رواندا باستهداف طائرتها الحربية أثناء اتجاهها للهبوط في مطار غوما الدولي داخل أراضي الكونغو، وهو ما اعتبرته عملاً عدوانياً متعمداً يرقى لمرتبة العمل الحربي. 
دلالات مهمة 
عكس تجدد التصعيد بين رواندا وجمهورية الكونغو جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- الاستعانة بشركات عسكرية أوروبية: أعلن رئيس جمهورية الكونغو، فيليكس تشسيكيدي، في 20 يناير 2022، على هامش منتدى دافوس أن بلاده لجأت إلى شركة عسكرية بلغارية تسمى "أجيميرا" للاستعانة بخدماتها في دعم الجهود الحكومية في فرض الأمن والاستقرار بمنطقة شرق الكونغو. وأوضح المتحدث باسم الحكومة الكونغولية، باتريك مويايا، إلى أن الشركة البلغارية تعد إحدى شركتين عسكريتين أوروبيتين تتوليان مهام صيانة الطائرات وتقديم التدريبات للجيش الكونغولي.
ورصدت تقارير غربية وصول المئات من العناصر الرومانية والبلغارية المسلحة والذين يرتدون الأزياء العسكرية الكونغولية إلى فندق "مبيزا"، بمدينة غوما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، منذ ديسمبر الماضي. فيما أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة، نهاية العام الماضي 2022، إلى وجود مرتزقة أجانب من رومانيا وبلغاريا وجورجيا وبيلاروسيا في الكونغو.
2- تخوفات من وجود فاغنر الروسية: تثار تخوفات غربية من احتمالية اتجاه جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الاستعانة بشركة فاغنر الروسية شبه العسكرية، لتعزيز موقفها في مواجهة التهديدات الإرهابية وحركة 23 مارس، وترجع هذه التخوفات إلى اعتقاد خاطئ لدى العديد من المحللين بأن المرتزقة من شرق أوروبا ما هم إلا عناصر فاغنر. 
وأخفق تقرير أعدته قناة دويتشه فيله الألمانية في تأكيد وجود عناصر من مرتزقة فاغنر في الكونغو. وتنبع هذه التخوفات من تعزيز كينشاسا علاقتها بموسكو منذ عام 2022. ففي أغسطس 2022، تمت دعوة وزير الدفاع الكونغولي، جيلبرت كاباندا، إلى مؤتمر أمني بالعاصمة الروسية، حيث امتدح خلاله الدعم الروسي، كما يلاحظ أن أغلب مقاتلات الجيش الكونغولي هي طائرات روسية قديمة. 
3- قلق رواندا من ملف اللاجئين: يعكس التصعيد الراهن بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا قلقاً متنامياً من قبل الأخيرة من التداعيات المحتملة لملف اللاجئين، في ظل الضغوط المتزايدة التي تتمخض عن استضافة كيغالي لأكثر من 75 ألف لاجئ كونغولي، على خلفية الصراع الدائر في شرق الكونغو، فضلاً عن استمرار وصول المزيد من النازحين بشكل يومي إلى رواندا، وذلك في الوقت الذي تلتزم فيه الكونغو الصمت حيال هذا الملف، ولا تعترف حتى الآن بوضعية هؤلاء اللاجئين، كما أنها غير مستعدة في الوقت الحالي لفتح المجال أمام عودتهم إليها.
تدخلات إقليمية ودولية 
يبدو أن مآلات الصراع بين التصعيد والتهدئة ترتبط في جانب منها بالتدخلات الأجنبية، والتي يمكن تفصيلها في التالي:
1- وساطة أمريكية قطرية محتملة: أعلنت قطر، في 26 يناير 2023، أنها تعمل على عقد لقاء مباشر بين الرئيسين الكونغولي والرواندي، في محاولة لإيجاد اتفاق سلام شامل ينهي التصعيد الراهن بين الجانبين. وتأتي هذه التحركات القطرية على الرغم من تعثر استضافتها للرجلين، في 23 يناير 2023، إذ اعتذر الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسكيدي، عن حضور القمة. ويعتقد أن الدوحة تبذل جهوداً لتحديد موعد جديد لهذه القمة.
وأشارت تقارير غربية إلى أن تحركات الدوحة تأتي في إطار وساطة أمريكية قطرية مشتركة لتجديد الالتزام الخاصة باتفاق لواندا، إذ أن البلدين عقدا خلال الفترة الماضية محادثات متعددة مع طرفي الصراع لمحاولة التوصل إلى تسوية بينهما. كما عمدت الدوحة إلى دعوة كل من أنغولا وبوروندي وكينيا لحضور قمة 23 يناير، التي أخفقت الأولى في ترتيبها. ومن المتوقع أن يتم دعوة هذه الدول أيضاً في أي قمة مقبلة ستستضيفها الدوحة، في محاولة للتوصل إلى اتفاق شامل بمشاركة إقليمية واسعة تعزز من فرص نجاحه.
2- انخراط عسكري تركي: وصلت طائرة عسكرية تركية، في 20 ديسمبر 2022، إلى مدينة غوما، حاملة شحنة أسلحة كتبرع من أنقرة لدعم الجيش الكونغولي ضد الجماعات المسلحة والمتمردين، وهو ما يأتي في إطار مساعي أنقرة للبحث عن أسواق خارجية إضافية لصناعتها العسكرية، بل أن هناك تقارير غربية لم تستبعد إمكانية أن تكون أنقرة أرسلت مقاتلين أجانب لدعم الجيش الكونغولي، كأحد أدوات أنقرة لتعزيز حضورها في كينشاسا.
3- تمهيد الكونغو لطرد القوات الإفريقية: شهدت مدن عدة في الداخل الكونغولي تظاهرات واسعة ضد القوة الإقليمية لمجموعة شرق إفريقيا، والتي تم نشرها في شرق الكونغو للمساعدة في فرض الأمن والاستقرار هناك، بيد أن المحتجين نددوا بدور هذه القوات، ملوحين إلى تجربة البعثة الأممية لتحقيق الاستقرار في الكونغو "مونوسكو"، والتي فشلت سابقاً في تحقيق أي تقدم حقيقي في هذا الشأن. 
لذا يطالب المحتجون بخروج قوات شرق إفريقيا من الكونغو. ووجهت رواندا اتهامات للحكومة الكونغولية بالتورط في تحريك هذه التظاهرات بشكل مفتعل، للتنصل من عمليتي السلام في لواندا ونيروبي، وهو ما ينذر بمزيد من التعقيد للتوترات القائمة.
وفي الختام، ثمة تخوفات متزايدة من احتمالية تفاقم التوتر الراهن بين رواندا والكونغو بعد استعانة الأخيرة بمرتزقة أجانب، وهو الأمر الذي ربما تسعى المجموعات الإرهابية إلى محاولة توظيفه لتعزيز تموضعها في المنطقة الغنية بمواردها الطبيعية في شرق الكونغو، خاصة مع تصاعد وتيرة هجمات "القوات الديمقراطية المتحالفة"، المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، خلال الفترة الأخيرة، وبالتالي تبدو الأوضاع مرشحة للتصعيد، ما لم تسفر الجهود الدبلوماسية عن اختراق حقيقي، يمهد الطريق نحو اتفاق شامل بين الكونغو ورواندا.