أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

قيود الجائحة:

لماذا أضعفت أزمة كورونا دور إيران في العراق؟

05 يوليو، 2020


لم يكن لفيروس "كورونا" تداعيات صحية فحسب على دول العالم، بل أنه أثر على علاقات الدول ببعضها البعض وأعاد ترتيب خرائط التحالفات بين بعض القوى، وفي هذا السياق فإنه على الرغم من أنه قد يبدو أن الدور الإيراني في العراق لم يتأثر بكورونا، إلا أنه في حقيقة الأمر قد أدي إلى انقطاع الاتصال المباشر بين طهران وأذرعها في العراق لأول مرة منذ سنوات طويلة، وهو الأمر الذي كان له دلالة رمزية لاسيما أنه ارتبط بمطالبات العراق بإيقاف التعاملات مع إيران واتهامها بأنها المسؤول الرئيسي عن نشر الفيروس بين صفوف العراقيين، وحتى مع فتح المعابر في الوقت الحالي، والسماح لوفود الزائرين بالسفر براً إلى العراق لزيارة الأماكن الدينية فإن هذا لا يعني انتهاء القلق والتخوفات الشعبية من إيران وصعود خطاب جديد يؤكد على ضرورة الحد من الدور الإيراني في العراق.

تأثيرات الجائحة:

على الرغم من ادعاء بعض المحللين عدم وجود تداعيات مباشرة لكورونا على العلاقات بين إيران والعراق، إلا أنه بالرجوع إلى الواقع يمكن القول أن كورونا أدي إلى ما يلي:

 1- تقييد التواصل: اعتادت إيران منذ عام 2003 فتح قنوات التواصل المباشر مع العراق سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، وأصبحت المنافذ الحدودية البرية والجوية العراقية مفتوحة أمام الإيرانيين -على المستويين الرسمي والشعبي- من دون أي معوقات؛ إلا أن أزمة انتشار كورونا قد جاءت لتفرض قيودًا ومحددات على هذا التواصل بين البلدين، فعندما أعلنت إيران في 20 فبراير 2020 عن وجود إصابات بفيروس كورونا، أصدرت الحكومة العراقية في 22 من الشهر نفسه قرارها بإغلاق كافة المنافذ الحدودية مع إيران على طول الحدود التي يبلغ طولها 1485 كم، وتعليق الرحلات الجوية مع إيران. وطالبت اللجنة العراقية الخاصة بمكافحة فيروس كورونا - لجنة الأمر الديواني (55) لسنة 2020، بمنع العراقيين من السفر إلى إيران، ومنع الوافدين الإيرانيين من دخول الأراضي العراقية باستثناء الوفود الدبلوماسية التي أوجبت إخضاعها للفحص الطبي.

 وكان هذا الإجراءُ بعد يومين من إعلان وزارة الداخلية العراقية موافقتها على منح الوافدين الإيرانيين تأشيرات الدخول عند وصولهم إلى المنافذ الحدودية العراقية أو المطارات العراقية بدلًا من الحصول على التأشيرات عن طريق السفارة العراقية في طهران. فكان قرار غلق المنافذ بمثابة إجراء سريع ومعاكس بالضد من تسيير التواصل المباشر بين إيران والعراق. فضلًا عن أن قرار غلق الحدود العراقية أمام إيران كان مدفوعًا بمطالبات من محافظات البصرة وميسان وواسط ذات الحدود مع إيران، ناهيك عن حملة قادها ناشطون عراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي أطلقت وسم "أغلقوا الحدود"، والمقصود بها الحدود مع إيران.

ولم يكن تقييد تواصل إيران مع العراق ليتوقف عند هذا الحد، بل جاء في ظروف تحتاج إيران فيها لفاعلية تواصلها مع أطراف الساحة العراقية في ظل تصاعد الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية في الساحة العراقية والسعي الإيراني لتقوية حلفائها العراقيين وكسب المزيد من أوراق الضغط لصالحها من جهة أخرى، 

وفي هذا الإطار شعرت إيران بأن فقدان تواصلها المباشر مع العراق، وغلق المنافذ الحدودية معها؛ مؤشر ليس بسيطًا على تراجع دورها في العراق. ومن هنا صدر تصريح مستغرب لرئيس منظمة الحج والزيارة في إيران "علي رضا رشيديان"، في مطلع أبريل، عبّر من خلاله عن تخطيط إيران لاستئناف زيارات مواطنيها إلى الأماكن الدينية في العراق وسوريا، وأن البروتوكولات الخاصة بتلك الزيارات تم إعدادها، وأن السفر المتبادل بين إيران والعراق سيتم استئنافه قريبًا، إلا أنه على سبيل المثال لم يتم افتتاح معبر مهران بين البلدين سوي في يونيو 2020، كما سمح لوفود الزائرين بالسفر براً إلى العراق لزيارة الأماكن الدينية.

2- الخسائر الاقتصادية: يحتل العراق أهمية كبيرة في المجال الاقتصادي بالنسبة لإيران، ويُعد بمثابة الرئة أو المتنفس الاقتصادي لها في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وعملت إيران على أن تربط العراق اقتصاديًّا بها، ويكون اعتماده عليها بشكل كبير دون غيرها، وبخاصة في مجالي الغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية. وتُمثل إيران ثاني أكبر المصدّرين للعراق لمختلف السلع والبضائع، والتي يأتي في مقدمتها السيارات ومواد البناء والمواد الغذائية وغيرها التي تصل قيمتها إلى ما يقرب من 9 مليارات دولار سنويًّا يميل فيها الميزان التجاري لصالح إيران بشكل كامل، فضلًا عن باقي جوانب الدور الاقتصادي الإيراني في العراق. ولكن في ظل أزمة كورونا أغلق العراق حدوده مع إيران، وأعلنت لجنة الأمر الديواني (55) إيقاف التبادل التجاري مع إيران ابتداءً من 8 مارس إلى إشعار آخر. فوجدت إيران -التي تهيمن على ربع احتياجات السوق العراقية- أنّ اقتصادها في وضع حرجٍ بعد إغلاق الحدود العراقية، لأن هذا الإيقاف يُصيب الاقتصاد الإيراني بكساد حاد، ويُفقد إيران سوقًا حيوية تُدر لها العملات الأجنبية التي هي في أمسّ الحاجة إليها لتحفظ بها أسعار الصرف في أسواقها المالية.

كما تضررت الشركات والمصارف الإيرانية المنتشرة في مختلف أنحاء العراق، وتوقفت الفنادق الإيرانية (الموجودة في مدينتي النجف وكربلاء الدينيتين) عن العمل بسبب إجراءات حظر التجوال المفروضة لمكافحة انتشار الوباء. ومن جانب آخر، فإن قرار إيقاف سفر العراقيين إلى إيران الذي اتّخذته لجنة الأمر الديواني (55) قد أثّر بشكل كامل على قطاع السياحة الإيراني، لا سيما وأن ما يقرب من ربع مليون عراقي يدخلون إيران سنويًّا للسياحة الدينية والعلاجية، وأن هذا القطاع هو من أكثر القطاعات الاقتصادية تضررًا في إيران، مثلما ستقل فرصة إيران في التحايل على العقوبات الأمريكية وبيع نفطها عبر المنافذ العراقية لبيع النفط في ظل تراجع أسعار النفط بسبب أزمة كورونا، وحاجة العراق للاستفادة من بيع نفطه بشكل أكبر لمعالجة ما يمكن أن يصيبه من أزمة مالية.

تداعيات ما بعد "كورونا":

ترتكز إيران على حاضنة شعبية في العراق بحكم العوامل المذهبية والأيديولوجية، وكثيرًا ما تراهن على هذه الشعبية التي أصابتها انتكاسة كبيرة ظهرت بوادرها من خلال الاحتجاجات الشعبية في الأعوام 2017 و2018، واتضحت بصورة جليّة خلال الحراك الشعبي في أكتوبر 2019 الذي رفع شعار "إيران بره بره" بهدف إنهاء النفوذ الإيراني في العراق، وشعار "لا مقتدى ولا هادي"، بما يُعتبر إشارة لإبعاد حلفاء إيران من القوى السياسية العراقية عن المشهد السياسي في العراق، وتم حرق القنصليات الإيرانية في أهم مدينتين شيعيتين هما كربلاء والنجف من قبل المحتجين، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن "الحاضنة الشعبية" لإيران في العراق بدأت في الاضمحلال والتراجع.

ثم جاءت أزمة كورونا لتُساهم في هذا التراجع، عندما أعلنت الحكومة العراقية عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في مدينة النجف لطالب إيراني يوم 24 فبراير، ثم توالت الإصابات حتى وصل العدد في الشهر نفسه إلى 47 حالة في عشر محافظات عراقية، جميعهم أشخاص عائدون من إيران.

وبعد ظهور فيروس كورونا في إيران ووصوله إلى العراق من خلالها في ظل موجة الاحتجاجات المستمرة في العراق، أثار الأمر موجة غضب شعبية جديدة ضد إيران، وتبلورت رؤية لدى الشارع العراقي بأن إيران هي سبب انتقال العدوى بالفيروس إلى العراق، حتى إن هنالك من يعتقد أن إيران "تصدر الفيروسات إلى العراق"، وأن إيران التي أخفت وجود إصابات لديها على شعبها من أجل تمرير الانتخابات لن يهمها انتقال الفيروس إلى العراق من أجل استمرار تجارتها معه. وظهرت مواقف شعبية وسياسية طالبت بغلق الحدود وقطع التواصل مع إيران، وأُطلق وسم على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "أغلقوا الحدود"، في إشارة إلى المنافذ الحدودية مع إيران. وقد ترافق ذلك مع مظاهر الاستياء الشعبي من إيران والجهات العراقية المتعاونة معها.

كما ظهرت مطالبات سياسية من أعضاء مجلس النواب العراقي بغلق الحدود مع إيران منذ إعلان وانتشار الوباء فيها، وفي ظل تقارير عن عدم ضبط الحدود والمنافذ الحدودية بين العراق وإيران، وأنه لا يزال هناك عبور للعديد من الأشخاص من إيران إلى العراق، سواء بشكل رسمي أو عن طريق التهريب؛ فقد طالبت النائبة "يسرا رجب" -عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي- الحكومة العراقية ورئاسة مجلس النواب بتشكيل لجنة مشتركة من أجل التحقق من الغلق الكامل لجميع المنافذ الحدودية مع إيران، وذكرت أن "طلبها ومطالبتها لرئاسة مجلس النواب تأتي بعد تصريحات صحفية لمسؤولين إيرانيين عن أن المنافذ الحدودية مع العراق مفتوحة، ويستمر فيها تدفق البضائع والمواد الغذائية من إيران التي أعلن مسؤولوها عن تفشي فيروس كورونا في جميع أنحاء إيران"، وقالت إن "دخول أشخاص إلى العراق من إيران بشكل غير رسمي لأسباب مختلفة، دون إجراء فحوص طبية في المنافذ الحدودية؛ يشكل سببًا كبيرًا وخطيرًا في نقل الوباء إلى العراق"، ويشكل هذا التصريح نقطة تحول في  طبيعة الخطاب الموجه ضد إيران.

وفي الوقت الذي ظهرت فيه عدة مؤشرات على تراجع دور إيران في العراق جراء أزمة كورونا، يأتي التوجه الأمريكي ليضيف مظهرًا آخر لهذا التراجع عبّر عن نفسه من خلال عقوبات جديدة فرضتها على إيران في يونيو 2020 تبتغي من خلالها إدارة "ترامب" في توظيف تداعيات أزمة كورونا لصالح عزل الدور الإيراني في العراق خاصة، وفي المنطقة بشكل عام، لا سيما وأن العقوبات شملت عددًا من العراقيين ذوي الارتباط الوثيق مع المصالح الإيرانية. 

من جهة أخرى، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعملية إعادة انتشار لقواتها في العراق عبر الانسحاب من عددٍ من القواعد، والتمركز في عددٍ أقل منها، مثل "قاعدة عين الأسد" في محافظة الأنبار و"قاعدة حرير" في محافظة أربيل، وهما القاعدتان اللتان تم نشر أنظمة باتريوت فيهما بنهاية شهر مارس المنصرم، وذلك في الوقت الذي أشارت فيه تقارير إلى أن البنتاجون قد أصدر تعليماته لقيادة القوات المسلحة الأمريكية من أجل إعداد خطة عسكرية للقضاء على الجماعات المسلحة التابعة لإيران في العراق. 

ختامًا، يمكن القول إن كلّ ما سبق يُشير إلى أن العديد من مؤشرات ومظاهر التراجع قد شهدها الدور الإيراني في العراق في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا في العراق وإيران وبقية دول المنطقة في العالم، بالتزامن مع تداعيات العقوبات الأمريكية على إيران داخليًّا وخارجيًّا، ولكن ذلك لا يعني أن إيران من الممكن أن تستسلم لإضعاف دورها في العراق، ولا سيما أن العراق هو الورقة الأهم من بين أوراقها الأخرى في المنطقة التي تحقق منها مكاسب اقتصادية وسياسية وأيديولوجية، وليس من السهل عليها أن تراه يخرج عن سيطرتها من دون أن تتخذ أي إجراءات لمنع ذلك مستقبلًا.