أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تحولات متباينة:

رؤية التيارات المتطرفة للدول المتحالفة مع قطر

17 يوليو، 2017


تطورت الأزمة القطرية بشكل كبير ومتلاحق، بعد دخول كل من تركيا وإيران على خط الأزمة، وإعلانهما التضامن مع الدوحة في مواجهة دول المقاطعة، حيث سارع البرلمان التركي، بالموافقة على نشر قوات تركية عسكرية في قطر، وفتح قاعدة عسكرية لها هناك، في حين سبقتها إيران بالإعلان عن تزويد قطر بما تحتاجه من سلع غذائية، حيث قامت بإرسال خمس طائرات، محملة بالمواد الغذائية.

فتاوى الدعم:

وقد حرصت الدولتان على إظهار المساندة، في أحد جوانبها، كأنه من منظور إسلامي، استناداً إلى عدد من الفتاوى الدينية من بعض الدعاة المؤيدين لقطر، والتي تدور حول حرمة حصارها، وأن مساندتها والوقوف إلى جانبها واجب شرعي، الأمر الذي سيطرح تساؤلاً مهماً حول، مدى تأثير هذا التحالف، من هذا المنطلق على رؤية التيارات المتطرفة تجاه كل من تركيا وإيران، في ظل تأييد العديد منها لقطر في هذه الأزمة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن تحديد موقف التيارات الدينية الرئيسية، من تركيا وإيران حالياً، بعد تحالفهما مع قطر، قبل إلقاء الضوء على رؤيتهم لكل من الدولتين قبل هذا التحالف، ويمكن تحديد مواقف أهم هذه التيارات في الآتي: 

1- جماعة الإخوان المسلمين: تعد التنظيم الوحيد التي يمتلك علاقات قوية مع كل من "إيران" و"تركيا"، على الرغم من الخلاف العقائدي مع الأولى، والخلاف الأيديولوجي مع الثانية، ويعود ذلك إلى الطبيعة الفكرية للجماعة، التي تتسم بالنفعية والقفز على الثوابت من أجل تحقيق المصالح. 

وبالنسبة لإيران، فإن الجماعة لاتزال تتمتع بعلاقة قوية معها، نظراً لعمق العلاقة بين الطرفين، منذ عهد الخوميني، الذي وصفته عند وفاته، بأنه "القائد الذي فجّر الثورة الإسلامية ضد الطغاة"، ولم يتوقف عند قادة الجماعة في مصر، بل تعداه إلى قادة الفروع، حيث صرح "فتحي يكن"، أحد قادة الإخوان في لبنان، عام 2009، بأن "مدارس الصحوة الإسلامية تنحصر في 3 مدارس هي "مدرسة حسن البنا ومدرسة سيد قطب ومدرسة الإمام الخميني"، ولاتزال العلاقة قوية حتى الآن، وهو ما يفسر صمت الجماعة تجاه الأفعال التخريبية والإرهابية لإيران، مثل الاعتداء على السفارة السعودية في طهران في يناير 2016، وما تقوم به في العراق وسوريا واليمن.

حصان طروادة:

أما بالنسبة لتركيا، فإن العلاقة معها تتصاعد يوماً بعد يوم، منذ تولى "أردوغان" الحكم في تركيا في عام 2002، ثم تطورت بقوة في أعقاب الثورات العربية، حيث دعمت تركيا صعود فروع الإخوان في دول الثورات، اعتقاداً منها بأنهم يمكن أن يكونوا "حصان طروادة" الذي يعيدون من خلاله المجد العثماني، ومن جانبها تقوم الجماعة عبر قادتها بتأييد تركيا في كل مواقفها، ومنحها الصبغة الشرعية، والتي كان آخرها تصريح "راشد الغنوشي" الداعم لتركيا، في مساندتها لقطر في هذه الأزمة، وبالتالي يمكن وصف العلاقة بأنها أقرب إلى التحالف الاستراتيجي.

2- تنظيم القاعدة: على الرغم من أن كل التنظيمات الجهادية تكن العداء لإيران، بسبب الاختلاف العقائدي، فإن تنظيم القاعدة، خالف هذا النهج، وأقام علاقات جيدة مع إيران، حتى أصبحت إيران إحدى أهم الدول المفضلة لقادة التنظيم، من أمثال سيف العدل وياسين السوري ومحمد المصري، الذين لجأوا إليها في أواخر عام 2001، بعد انهيار نظام طالبان في أفغانستان، ومن جانبها كانت إيران حريصة على هذه العلاقة، لاستخدامها كورقة ضغط في مواجهة بعض دول المنطقة، وهو ما جعل القاعدة تكف عن استهداف إيران ومصالحها المختلفة، حيث إن وثائق "أبوت أباد"، الخاصة بزعيم القاعدة أسامة بن لادن، والتي كشفت عنها الولايات المتحدة الأميركية بعد مقتله، تشير إلى وجود رسائل بين "ابن لادن"، وبعض قادة التنظيم، يطالبهم فيها بعدم استهداف إيران.

عين الريبة:

أما عن العلاقة مع تركيا، فإن التنظيم كان ينظر إليها، مثل سائر التنظيمات الجهادية، على أنها دولة علمانية، وأن ما يزعمه أردوغان، بأن تركيا تدافع عن الإسلام، لا أساس له من الصحة، لذلك لم يسع تنظيم القاعدة إلى إقامة علاقات مع تركيا، كما فعل مع إيران. 

وعلى الرغم من أنه كانت هناك خطوط اتصال مفتوحة، مع فرع التنظيم في سوريا، فإنه ينظر بعين الريبة والقلق تجاه تلك العلاقة، نظراً لعدم وجود أي نوع من الثقة في الحكومة التركية، وربما هذا ما دفع مؤخراً هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقاً" في 26 يونيو 2017، إلى الإعلان عن رفضها دخول قوات تركية إلى "إدلب"، على الرغم من قرارات مؤتمرات أستانة وجنيف، التي دعت إلى ذلك.

3- التيارات السلفية المتشددة: فالمنظومة الفكرية التي تحكم هذا التيار، جعلته ينظر إلى إيران نظرة عدائية طوال الوقت، بسبب العداء العقائدي، لذا فهي لم تسع إلى التقارب معها فحسب، بل إنها دائماً ما تشن عليها هجوماً فكرياً وإعلامياً بشكل مستمر، وإيران تدرك ذلك جيداً، لذا دائماً ما تهاجم هذا التيار.

الكره المتبادل:

أما عن علاقة التيار السلفي بتركيا، فهي سيئة إلى حد كبير، لأنها ترى أن تركيا دولة علمانية حتى لو زعم قادتها الحاليون مناصرتهم للقدس والقضايا الإسلامية، وبالتالي ليس هناك لها علاقة معها، وفي المقابل تنظر تركيا إلى التيارات السلفية على أنها تمثل خطراً على النموذج الإسلامي التركي، وبالتالي فهي ترفض وجود أي علاقات معها، الأمر الذي يجعل العلاقة بين الطرفين، يمكن وصفها بالكره المتبادل.

4- تنظيم "داعش": تحتل إيران مكانة متميزة في منظومة العداء الداعشي، نظراً للعداء العقائدي من قبل التنظيم، فكما أن الفكر القاعدي قائم على العداء للولايات المتحدة الأمريكية، فإن الفكر الداعشي قائم على العداء لإيران، وضرورة استهداف الشيعة والمصالح الإيرانية، وهذا ما أدى إلى انفصال "أبي مصعب الزرقاوي" الأب الروحي لداعش عن تنظيم "القاعدة"، لرفض قادة التنظيم هذا الأمر. 

وهو ما كشف عنه، المتحدث السابق باسم "داعش" "أبو محمد العدناني" قبل مقتله في أغسطس 2016، بأنهم كانوا قبل إعلان "الدولة"، يبتعدون تماماً عن استهداف إيران، امتثالاً لأوامر القاعدة، وذلك للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران"، وعلى الرغم من هذا العداء القوي، فإنه لم يترجم لعمليات إرهابية، إلا في يونيو 2017، عندما تم استهداف مقر البرلمان وضريح الخوميني، وبالتالي فإن العلاقة بين الطرفين تبدو عدائية للغاية.

أما بالنسبة لتركيا، فقد كانت العلاقة عند بدايتها جيدة للغاية، نظراً لأن تركيا كانت تمثل شريان حياة مهم بالنسبة للتنظيم، لتسهيلها عبور المقاتلين الأجانب، والإمداد بالأسلحة، وتقديم الخدمات الطبية على الحدود، فضلاً عن شراء النفط، ومع كشف العلاقة بين الطرفين، وتزايد الضغوط الدولية، على تركيا لقطع هذه العلاقة في أواخر عام 2014، تحولت العلاقة إلى العداء الشديد، خاصة مع أواخر يوليو 2015، عندما بدأت المواجهات العسكرية بين الطرفين، والتي تبعتها عمليات إرهابية من قبل التنظيم داخل الأراضي التركية، والتي كان من أشهرها الهجوم على الملهى الليلي في اسطنبول، في ليلة رأس السنة 2017، ولايزال العداء متصاعداً إلى الآن، حتى أن بيانات "داعش" دائماً ما تصف الجنود الأتراك بالمرتدين.

تأثيرات انتشارية:

يبدو أن التحالف بين من "تركيا" و"إيران" مع قطر، سينعكس على الرؤية السابقة للتنظيمات المتطرفة، تجاه كل من الدولتين، لاسيما في ظل الدعم الذي تحظى به قطر، من قبل عدد من التيارات المتطرفة، وبالتالي يمكن تحديد أهم ملامح التحولات في رؤية هذه التيارات في الآتي:

1- تصاعد علاقات الإخوان مع أنقرة: يمكن القول إن هذا التحالف سيؤدي غالباً إلى تقوية علاقة الإخوان المسلمين بكل من تركيا وإيران، خاصة في ظل الدعم الإخواني لقطر، لاسيما أن الجماعة تعمل على تصويره على أنه تحالف الحق في مواجهة الباطل، وذلك عبر الاستناد إلى بعض الفتاوى الصادرة عن بعض الأفراد والمؤسسات المؤيدة للجماعة، مثل "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الذي يترأسه "يوسف القرضاوي"، والذي أصدر فتوى في 8 يونيو 2017،  يحرم فيها مقاطعة قطر من الناحية الشرعية، وأن مساندتها وفك الحصار عنها واجب شرعي، وبالتالي فإنه في ظل هذا التحالف يمكن القول إن جماعة الإخوان ستعمل على تطوير علاقاتها مع كل من الدولتين من أجل الحصول على مزيد من الدعم والمساندة، في ذلك التوقيت الذي تعانى فيه الجماعة تصنيفها جماعة إرهابية.

2- تطور الموقف القاعدي في اليمن: في ظل الموقف القاعدي الداعم لقطر بقوة في أزمتها الحالية، والذي تمثل في موقف العديد من قادتها ورموزها، مثل عبدالله المحسيني وأبي حفص المورتياني وعبدالحكيم بلحاج وغيرهم، إضافة إلى دعم فرع تنظيم "القاعدة" في اليمن، والذي أعلن عنه عبر مجلة "المسرى" الأسبوعية، في 6 يونيو 2017، يمكن القول إن هذا التأييد يمكن أن يؤثر في الموقف القاعدي من الدولتين، حيث من المحتمل أن يؤدي إلى تطوير العلاقة مع إيران، وإحياء التعاون القديم على نطاق واسع، لاسيما في ظل وجود جذور قديمة لهذا التعاون، ومن جهة ثانية فإن هذا التحالف يمكن أن يؤدي إلى تخفيف حدة التشدد القاعدي تجاه تركيا.

3- عدم تغير الموقف السلفي: في الغالب لا يكون هناك أي تغير في الموقف السلفي تجاه إيران وتركيا، جراء تحالفهما مع قطر، على الرغم من وجود تعاطف من بعض المجموعات السلفية معها خلال تلك الأزمة، نظراً لأن الغالبية العظمى من التيار السلفي، إما أنها مؤيدة لدول المقاطعة، خاصة "المدخلية" و"الدعوية"، أو أنها غير معنية بتلك الأزمة، لأنها تنظر إليها على أنها فتنة بين المسلمين يجب تجنبها والابتعاد عنها، الأمر الذي يشير إلى أن هذه التحالفات لن تؤدي إلى تغيرات في موقف التيار السلفي تجاه الدولتين.

4- ثبات العداء الداعشي: على الرغم أن تحالف كل من "تركيا" و"إيران" مع "قطر"، يتم تصويره على أنه تحالف من أجل مناصرة القضايا الإسلامية، مما أدى إلى تحول في رؤية بعض التيارات تجاه الدولتين، فإن ذلك لا يغير من العداء الداعشي تجاه الدولتين، وسيظل موقف العداء ثابتاً دون زيادة أو نقصان، نظراً لاعتقاده أن تلك الأزمة، ما هي إلا خلاف بين الكفار، وهو غير معني بها على الإطلاق، لأنه لن يضيره شيء جراء تلك التحالفات أو الانقسامات.

تغيرات سائلة:

وعلى ضوء ما سبق يمكن القول إن تحالف كل من "تركيا" و"إيران" مع قطر، في مواجهة دول المقاطعة، يمكن أن يؤدي إلى حدوث بعض التغيرات في مواقف عدد من التيارات تجاه كل منهم، إلا أن هذه التغيرات لن تكون جذرية، وبالتالي لن تكون لها تداعيات كبيرة، على المدى القريب، لكن على المدى البعيد يمكن أن تخلق شبكة علاقات بين الدولتين والتنظيمات المؤيدة لقطر، تحصل من خلالها على دعم متزايد من الدولتين، مما يمكن أن ينذر بتصاعد العمليات الإرهابية في المستقبل، ومن جهة ثانية سيجعل من الصعب القضاء على هذه التنظيمات، والحد من نشاطها الإرهابي.