أخبار المركز
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)
  • د. أيمن سمير يكتب: (خمسة سيناريوهات للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران)
  • مهاب عادل يكتب: (رسائل الإصلاح: كيف انعكست أزمات الشرق الأوسط في الدورة الـ79 للأمم المتحدة؟)

تعاون عابر للحدود:

مقارنة النموذجين الصيني والروسي لشركات الأمن في إفريقيا

08 أكتوبر، 2024


عرض: دينا محمود

شهد قطاع خدمات الأمن والدفاع (ESSD) توسعاً كبيراً في العقود الأخيرة، خاصة في السوق الإفريقية؛ إذ إن تفاقم الأزمات الأمنية في القارة، بالتزامن مع الصعوبات التي تواجهها بعض الحكومات الإفريقية في التعامل معها، قد برر الاستخدام المتزايد لشركات خدمات الأمن والدفاع. فبالإضافة إلى الشركات المحلية، انخرطت العديد من شركات الأمن والدفاع الأجنبية في القارة، بمهام تتراوح بين حماية المواطنين ودعم العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة المحلية. وفي هذا السياق، تبدو الشركات الروسية والصينية نشطة بشكل خاص في إفريقيا، فمنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رسخت موسكو وبكين نفسيهما كفاعلين رئيسيين في الأمن الدولي، وطورتا نفوذهما بشكل كبير في القارة الإفريقية.

وفي هذا السياق، نشرت "مؤسسة البحوث الاستراتيجية" (FRS) في فرنسا دراسة في العام 2024؛ لتحليل النموذجين الروسي والصيني في قطاع خدمات الأمن والدفاع، ودورهما في القارة الإفريقية، خاصةً في إفريقيا؛ إذ تناولت تصنيف شركات الخدمات الأمنية والدفاعية، فضلاً عن تحليل الأطر التاريخية والقانونية لشركات الأمن والدفاع الروسية والصينية، واستراتيجياتهما وارتباطاتهما بأجهزة السلطة، مع التركيز على مقارنة النموذجين لمعرفة أوجه الاختلاف، وأبعاد التعاون والتكامل بينهما.

تصنيف شركات الأمن: 

يؤدي عدم وجود تعريف متفق عليه لشركات الخدمات الأمنية والدفاعية والشركات العسكرية الخاصة إلى العديد من عمليات الدمج والتداخل بين كيانات مختلفة للغاية. وفي هذا الإطار وضع أودي توماس، وفنسنت توريت وفيليب غروس تصنيفاً من أربع فئات لهذه الشركات على النحو الآتي:

1) الشركات الاستشارية: وهي متخصصة في الاستشارات والتدقيق والبحث والتدريب، من خلال توفير المعرفة المنهجية أو التقنية، ولا تستطيع هذه الشركات نشر وحدات أو قدرات أو معدات قتالية.

2) شركات الخدمات المتخصصة: يمكن لهذه الشركات تقديم خدمات تجارية، سواء للمعدات (بما في ذلك الأسلحة) أم الموارد البشرية المتخصصة، كما يمكنها أيضاً تشكيل فرق ميدانية وضمان الخدمات اللوجستية.

3) الشركات ذات القدرة التشغيلية: وهي الشركات القادرة على تنفيذ مهارات تشغيلية فائقة نيابة عن العميل، وتتميز عن فئة شركات الخدمات المتخصصة بالقدرة على تقديم الوظائف التشغيلية وضمان عملها بشكل سليم في بيئة المشاركة، وهذه الشركات قادرة على ضمان وظائف القيادة والسيطرة (C2) والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) والحرب الإلكترونية وغيرها.

4) الشركات المتجاوزة للخدمات الأمنية: تتمتع هذه الشركات بقدرات تشغيلية متطورة للغاية قادرة على الجمع بين تنفيذ أنشطة سياسية واستراتيجية تتجاوز المجال الأمني، كالأنشطة الإعلامية، والنفوذ السياسي، واستغلال الموارد، وما إلى ذلك؛ ونتيجة لذلك، تتمتع هذه الشركات بقدر كبير من الاستقلالية ومساحة للمناورة؛ مما يسمح لها بالاستجابة لمصالح مؤسسيها ومصالح النظام.

وتنتمي أغلبية شركات الخدمات الأمنية والدفاعية الصينية الموجودة في إفريقيا إلى فئة الشركات المتخصصة، في حين أن نظيرتها الروسية، التي تسمى تقليدياً "الشركات العسكرية الخاصة" (PMC) مثل: (Convoy) أو (Patriot) أو (Redut) أو (Wagner)، تُعتبر من فئة الشركات ذات القدرة التشغيلية والمتجاوزة للخدمات الأمنية، وتُعد فاغنر (فيلق إفريقيا حالياً) هي أكثر الشركات التي تتميز بتنوع أنشطتها. 

نموذج الشركات الصينية: 

على النقيض من الشركات الغربية أو الروسية، فقد تم تدويل شركات خدمات الأمن والدفاع الصينية في وقت متأخر نسبياً؛ استجابة للحوادث المتزايدة التي أثرت في مشروعات بكين في إفريقيا. وعلى الرغم من هذا التأخير؛ فإن شركات الأمن الصينية تحتل مكانة متزايدة في السوق الإفريقية، وترتكز أولوية هذه الشركات على حماية المصالح الصينية في المنطقة، ومن أبرز ملامح تلك الشركات ما يلي:

- تدويل متأخر ولكن متزايد: تمتلك الصين إحدى أكبر أسواق الخدمات الأمنية في العالم، فهناك نحو 16 ألف شركة خدمات أمنية في البلاد، توظف أكثر من 6.4 مليون موظف، مقارنةً بنحو 5700 شركة في فرنسا وما يقرب من 134 ألف موظف في عام 2019. تأسست أول شركة خدمات أمنية في الصين عام 1984. ولأكثر من ثلاثة عقود، ظلت شركات (ESSD) الصينية تحت سيطرة أجهزة الأمن العام الصينية، قبل أن تبدأ صناعة الخدمات الأمنية في الصين الانفصال تدريجياً عن الحكومة بداية من عام 2006؛ إذ بدأت شركات الأمن الخاصة في الظهور؛ مما مهد الطريق لتوسع قوي في هذا القطاع. وتركز سوق الأمن الخاصة الصينية إلى حد كبير على الطلب المحلي، فمن بين عشرات الآلاف من الشركات في هذا القطاع، كانت 57 شركة فقط نشطة في الخارج.

- اتساع الحضور في إفريقيا: ظهرت أولى شركات الأمن الخاصة الصينية في إفريقيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ لحماية مشروعات التعدين والشركات الصينية في مواجهة العنف الإجرامي والسياسي؛ ومع ذلك، كانت هذه في الغالب شركات أو مليشيات مسلحة أنشأها مواطنون صينيون، وليست شركات تابعة أو فروعاً لشركات أمن ودفاع مقرها في الصين. وفي إطار التوسع الهائل في الوجود الصيني خلال السنوات الأخيرة، تم نشر العشرات من شركات (ESSD) الصينية في إفريقيا.  

ويقدر عدد شركات الخدمات الأمنية والدفاعية الصينية الموجودة حالياً في إفريقيا بأكثر من 20 شركة تنشط الآن فيما يقرب من ثلاثين دولة إفريقية. وتنتمي غالبية شركات الخدمات الأمنية والدفاعية الصينية الموجودة في إفريقيا بشكل أساسي إلى فئة الشركات المتخصصة؛ إذ إنها توفر خدمات تجارية تشمل تقييم المخاطر والتدريب والمرافقة والحماية (مسلحة أو غير مسلحة) للمواقع. كذلك، ينتمي عدد من الشركات الصينية النشطة في سوق الأمن الخاصة في إفريقيا إلى فئة الشركات الاستشارية، فهي توفر تحليل المخاطر وإدارتها ولا تنشر وحدات في الميدان. أخيراً، يبدو أن مجموعة (FSG) (Frontier Services Group) هي شركة (ESSD) الصينية الوحيدة الموجودة في إفريقيا، التي تنتمي إلى فئة الشركات ذات القدرات التشغيلية، وهي توجد في أكثر من 15 دولة عبر القارة.

- توزيع جغرافي مرتبط بمصالح بكين: لا تعمل شركات (ESSD) الصينية في البلدان عالية المخاطر مثل: مالي أو جمهورية إفريقيا الوسطى أو ليبيا، ويرجع ذلك إلى نقص الخبرة بين الشركات الصينية، التي اعتادت العمل في الصين؛ حيث تقل التهديدات الأمنية؛ ولذلك قد تجد صعوبة في حماية موظفيها (وعملائها) في مواجهة التدهور المفاجئ في الوضع الأمني. وتتبع شركات (ESSD) الصينية قبل كل شيء الوجود الاقتصادي الصيني؛ لترسيخ وجودها في القارة. وتُعد نيجيريا وجنوب إفريقيا؛ حيث يشكل الشتات الصيني أكبر عدد، موطناً لأكبر عدد من شركات (ESSD) الصينية. وتنشط هذه الأخيرة بشكل خاص في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا بالنظر إلى المصالح الصينية في المنطقة، وموقعها الاستراتيجي والمخاطر الأمنية. كما توجد شركات الأمن الصينية في وسط إفريقيا لحماية مصالح التعدين الصينية. وتنشط بعض (ESSD) الصينية في بيئات عالية المخاطر مثل: منطقة الساحل وليبيا وجنوب السودان، لكن ذلك لا يزال هامشياً. ورغم إصلاحات عام 2009؛ فإن وزارة الأمن العام الصينية لا تزال تشرف على الشركات الأمنية وتوجيه تدويلها. 

- ثغرات رئيسية في النموذج الصيني: رغم أن صناعة الأمن الصينية تمتلك قوة عاملة ضخمة؛ فإن المعروض من الموظفين القادرين على العمل في الخارج غير كافٍ. فغالبية الموظفين ليس لديهم اللغة أو المهارات التقنية المطلوبة، ويُنظر إلى تدريبهم على الأسلحة النارية على أنه غير كافٍ ويفتقرون عموماً إلى الخبرة في القتال أو التفاوض أو إدارة الأزمات. وثمة أشكالية أخرى تتعلق بالحدود المؤسسية والقانونية لشركات الأمن الخاصة الصينية، فلا تزال اللوائح الحالية، التي تم تحديثها آخر مرة منذ خمسة عشر عاماً، غير واضحة بشأن تقديم الخدمات الأمنية في الخارج، وتظهر التناقضات أيضاً فيما يتعلق بتشريعات استخدام الأسلحة النارية. إضافة إلى ذلك، تعاني الشركات الصينية من المنافسة المتزايدة والقوية في الخارج. وتكافح للتنافس مع نظيراتها الغربية من حيث العرض وجودة الخدمات.

نموذج الشركات الروسية: 

منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شهد الوجود الروسي في إفريقيا نمواً قوياً، وبالاستفادة بشكلٍ خاص من الروابط التي أقيمت خلال الحرب الباردة مع العديد من البلدان الإفريقية؛ إذ طورت موسكو استراتيجية شراكة تخدم أهداف سياستها الخارجية ومصالحها الجيوستراتيجية. وفي تطبيق هذه الاستراتيجية، تستخدم روسيا أدوات غير تقليدية، أبرزها استخدام شركات الأمن والدفاع، كمجموعة فاغنر، التي أنشأها يفغيني بريغوجين.

وفي تسعينيات القرن العشرين، أدت تداعيات تفكك الاتحاد السوفيتي إلى ظهور "الشركات العسكرية الخاصة" الروسية. ومع بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد هذا القطاع توسعاً ملحوظاً. وبرغم الاعتراف بالشركات الأمنية الخاصة بموجب القانون الروسي؛ فإن الشركات العسكرية الخاصة، التي تقوم بأنشطة قتالية، تعتبر غير قانونية وفقاً للدستور الروسي، ويبدو أن هذه النصوص الدستورية والقانونية تم وضعها لمنع إنشاء مليشيات خاصة مناهضة للدولة. وقد تم رصد ما لا يقل عن عشر شركات (ESSD) روسية موجودة في القارة الإفريقية، أبرزها: (Anti-Terror Orel)، (Convoy)، (DShRG Redut)، (Patriot)، (Russian Imperial Legion)، و(Wagner). ويبدو أن غالبية هذه الشركات هي جزء من الفئتين 2 و3 من (ESSD)، وهي منتشرة في نحو عشرين دولة إفريقية. 

وقد تمكنت شركة فاغنر من تطوير تأثير قوي في القارة الإفريقية، وبات لها وجود مؤكد في خمس دول، مع شكوك بشأن وجودها في سبع دول أخرى، ونطاق من الأنشطة يتراوح بين الدعم العسكري وحماية النظام والتأثير المعلوماتي. وتستهدف فاغنر في المقام الأول البلدان التي بها مصالح لموسكو، والتي حدثت فيها أزمة سياسية أو أمنية، على غرار ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وموزمبيق. 

على الجانب الآخر، تمكن الكرملين من توظيف نموذج فاغنر لفترة طويلة، إلا أن التمرد المسلح الذي أعقبته وفاة يفغيني بريغوجين، وديميتري أوتكين، في صيف عام 2023؛ مَثل نقطة تحول رئيسية؛ وهو ما أكد هشاشة النموذج الروسي القديم في اللجوء إلى شركات (ESSD)، ومهد الطريق إلى إعادة تشكيل الوجود الروسي في إفريقيا. وأدى تمرد فاغنر إلى إحكام الكرملين سيطرته على كافة الشركات العسكرية الخاصة، بما في ذلك فاغنر. 

وفي نهاية عام 2023، أطلقت موسكو "فيلق إفريقيا"، وهي مجموعة جديدة تهدف إلى تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق في القارة الإفريقية؛ لدعم البلدان التي تسعى إلى التخلص نهائياً من الوجود الغربي. وأصبح الفيلق الإفريقي جزءاً من هيكل وزارة الدفاع الروسية. وبدايةً من يناير 2024، بدأت موسكو في نشر فيلق إفريقيا رسمياً في بوركينا فاسو، ثم النيجر في وقت لاحق.

حدود الاختلاف والاتفاق:

يختلف النموذجان الروسي والصيني للأمن الخاص بشكل كبير جداً، فبينما تركز استراتيجية شركات (ESSD) الروسية على الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، تتبع استراتيجيات نظيرتها الصينية أولاً منطقاً اقتصادياً موجهاً نحو حماية المواطنين الصينيين والأصول الصينية في إفريقيا. وفي حين تفضل مجموعات مثل فاغنر البيئات غير المستقرة؛ تتجنب الشركات الصينية العمل في المناطق المحفوفة بالمخاطر. وعندما تفعل ذلك؛ فإنها تعتمد إلى حد كبير على قوات الأمن المحلية لتأمين المحيط الخارجي. وفي حين قدمت بعض الشركات الروسية نفسها على أنها شركات عسكرية خاصة؛ فإن الموظفين الصينيين يفتقرون إلى الخبرة القتالية، كما أن مجال المناورة لديهم محدود أيضاً؛ بسبب التشريعات المعمول بها في الصين، والتي تنظم استخدام الأسلحة النارية بشكل صارم.

ورغم هذه الاختلافات، تتعاون الصين وروسيا بنشاط في مجال الأمن الخاص، ففي عام 2023، كشفت بعض التقارير أن شركة فاغنر تعاونت مع شركات صينية لتعزيز قدراتها الفضائية؛ إذ اعتمدت فاغنر على وسيط، (TerraTech)، للحصول على صور من القمرين الاصطناعيين (Hisea-1) و(Tianxian-1) التابعين لشركة (Spacety). كذلك، واصلت الكيانات المرتبطة بمجموعة فاغنر استيراد المعدات اللازمة لعملياتها، خاصة في إفريقيا، من شركات صينية.  

إضافة إلى ذلك، رصدت بعض التقارير وجود شراكات استراتيجية بين شركات (ESSD) الروسية والصينية، لكن يبدو أن هذا التعاون لا يزال يركز حتى الآن على داخل البلدين؛ ومع ذلك فمن الممكن أن يتوسع هذا النطاق في نهاية المطاف ليشمل مناطق أخرى مثل إفريقيا. فمن الممكن أن تستعين بكين بشركات (ESSD) الروسية لحماية المصالح الصينية في البلدان عالية المخاطر مثل: السودان أو جمهورية إفريقيا الوسطى، وتسلط ديناميكية التعاون الصيني الروسي الضوء على التكامل بين النموذجين.

ختاماً، تشكل شركات الأمن والدفاع الروسية الخاصة في إفريقيا تهديداً مباشراً للمصالح الفرنسية؛ إذ تسعى موسكو إلى تقليص نفوذ باريس في غرب إفريقيا. في المقابل، لا تشكل الشركات الصينية في هذا المجال حتى الآن تهديداً مباشراً للمصالح الفرنسية؛ ومع ذلك؛ فإن استقلال بعض الشركات الصينية المحلية أثار مخاوف من زيادة انتهاكات حقوق الإنسان؛ لذلك، توصي الدراسة في الأخير بأهمية تطوير نموذج جديد لشركات الأمن والدفاع الفرنسية أكثر قدرة على المنافسة مع بكين وموسكو. ويجب أن يصاحب ذلك تعزيز الجهود في مجال المعلومات لتعزيز النفوذ الفرنسي في القارة ومحاربة استراتيجيات التلاعب بالمعلومات.

المصدر:

Djenabou Cisse, et autres, Entreprises de services de sécurité et de défense russes et chinoises en Afrique: deux modèles concurrents? Fondation pour la Recherche Stratégique (FRS), juin 2024.