أخبار المركز
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)
  • د. أيمن سمير يكتب: (خمسة سيناريوهات للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران)
  • مهاب عادل يكتب: (رسائل الإصلاح: كيف انعكست أزمات الشرق الأوسط في الدورة الـ79 للأمم المتحدة؟)

ما بعد سباق الرئاسة الأمريكية.. استنتاجات مستقبلية

20 أغسطس، 2024


لفت انتباهي المشهد الاجتماعي والسياسي الأمريكي سريع التغير، والذي تميز بتحولات كبيرة، خلال السنوات القليلة الماضية. إن عدم وضوح السياسة الأمريكية، والاستقطاب الشديد بين المرشحين للرئاسة شجعني على التطرق إلى السباق الرئاسي لعام 2024، والذي سيصوت فيه الأمريكيون يوم الثلاثاء الموافق الخامس من نوفمبر، ويدلون بأصواتهم لصالح أحد المرشحين. 

على الرغم من التطورات بالغة الأهمية التي حدثت مؤخراً؛ فإنني أرجأت مراراً وتكراراً الكتابة عنها لعدة أسباب. باعتباري دبلوماسياً سابقاً، فأنا أفضل في العموم عدم الانخراط في تحليلات ما قبل الانتخابات الخاصة بالولايات المتحدة؛ لأن هذا الشأن يُعد شأناً داخلياً في المقام الأول. ومع ذلك، ونظراً لتصريحات الولايات المتحدة المتكررة العامة والخاصة بشأن الانتخابات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في بلدي، فقد شعرت بأنني مضطر إلى تجاوز هذا التفضيل والتعليق في نهاية المطاف؛ وخاصة في ضوء العواقب واسعة النطاق التي ستخلفها نتائج الانتخابات الأمريكية على السياسة العالمية.

مشهد معقد:

إن المسائل القانونية المعلقة والمحيطة بالمرشحين الرئاسيين الأساسيين، إلى جانب الوضع الذي لم يتم حله لبقية المرشحين، لم تؤد إلا إلى إطالة فترة مماطلتي في الجلوس بهدف الكتابة. أضف إلى ذلك أن ترشيح ترامب يأتي كمفاجأة محبطة. يواجه ترامب الآن -غير المتسامح والعدواني تجاه أي شيء لا يخدم مصالحه، بما في ذلك خسارته بالانتخابات الماضية أمام الرئيس جو بايدن- العديد من المشكلات القانونية، والتي لم يتم حلها إلى الآن، وقد نجا مؤخراً من محاولة اغتيال فاشلة. ورغم أن الجمهوريين في حقيقة الأمر لم يقبلوا به؛ فإنهم يدعمونه مدفوعين بالخوف من موجة الدعم الشعبي التي اكتسبها.

وفي الآونة الأخيرة، تم تأكيد فوز ترامب وكاد أن يتوج كمرشح للحزب الجمهوري. وقد اختار لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس، العضو الطموح عن ولاية أوهايو في مجلس الشيوخ، والذي كان في السابق أحد أشد منتقدي ترامب (من المعروف عن فانس معارضته الصارمة للمساعدات الخارجية، بما في ذلك تقديم المساعدات لأوكرانيا) ولكنه أصبح فيما بعد من أنصار ترامب ومؤيديه الجدد. باعتبار فانس متحدثاً لبقاً يتمتع بشخصية جذابة ومتعددة المهارات؛ فإن بإمكانه حمل راية "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (MAGA) بعد انقضاء فترة ترامب.

من المفارقات أن الحزب الديمقراطي لم يكن أحسن حظاً من نظيره الجمهوري؛ إذ واجه هو الآخر تحديات كبيرة في الالتفاف حول مرشحه -الرئيس الحالي بايدن- بعد أدائه الضعيف والمخزي ضد منافسه ترامب في المناظرة التي أقيمت بينهما في 28 يونيو الماضي. وقد تفاقم هذا الأداء الضعيف للرئيس بايدن أثناء المقابلات الباهتة التي أجراها قبل الإعلان عن إصابته بفيروس "كورونا". وعلى إثر ذلك، سرعان ما دعا عدد من الشخصيات الديمقراطية البارزة وجامعو التبرعات الرئيس بايدن للانسحاب. ورداً على ذلك أكد بايدن، ومجموعة قريبة من مستشاريه وأفراد عائلته، نيته للترشح ووضع نفسه ليس فقط كمرشح قادر ولكن أيضاً كمنافس لديه أفضل فرصة لهزيمة ترامب، الذي صوروه على أنه الشيطان، ثم قاموا بعد ذلك بالتخفيف من لهجتهم بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الأخير. 

وفي ظل هذه الظروف، تم النظر في الخيارات المختلفة لمن قد يكون بديلاً محتملاً وقوياً في السباق الرئاسي المقبل. وفي النهاية، تم اختيار نائبة الرئيس، كامالا هاريس، كبديل للرئيس بايدن، مع اعتبار حاكم ولاية مينيسوتا، تيم فالز، نائباً لها. وكان عدد كبير من الديمقراطيين قد امتنعوا في البداية عن التعليق علناً؛ آملين في حدوث الأفضل بينما كانوا قلقين بشأن السباق الرئاسي وتداعياته على مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس.

وعلى مدار أسابيع، ظلت استطلاعات الرأي متقلبة ما بين بايدن وترامب. ولكن بعد المناظرة ومحاولة اغتيال ترامب، بدا أن المشاعر تميل لصالحه. وفي الناحية الأخرى، استسلم بايدن في نهاية المطاف لضغوط زملائه الديمقراطيين وأعلن امتناعه عن الترشح لولاية ثانية، والآن تضع استطلاعات الرأي هاريس وترامب وجهاً لوجه. ومع ذلك، لا يزال من السابق لأوانه تقديم توقعات موثوقة ومبنية على الأدلة حول من سيكون الرئيس المقبل. 

نتائج مستقبلية:

بغض النظر عن نتائج الانتخابات وهوية المرشحين، هناك العديد من الاستنتاجات المثيرة للاهتمام، والتي ينبغي للشركاء والخصوم أن يضعوها في الاعتبار، ومن بينها النقاط التالية:

• إن الولايات المتحدة تبحث عن هويتها السياسية. فمن ناحية؛ تجسد بطاقة ترشيح ترامب/فانس شعاراً مناهضاً للمؤسسة وللنخبة. ومن ناحية أخرى؛ فإن بطاقة ترشيح هاريس/فالز تمثل العودة إلى السياسة الخارجية الراسخة التقليدية؛ خاصةً فيما يتعلق بحلفاء الولايات المتحدة.

• تمر الولايات المتحدة بمرحلة انتقالية؛ إذ يتزايد عدد الناخبين الشباب والناخبين من أصل إسباني؛ لذا فإنه في حالة انتخاب ترامب، فمن المرجح أن يخدم لفترة ولاية واحدة فقط مدتها أربع سنوات. أما بقية المرشحين الآخرين، مثل: كامالا هاريس وجي دي فانس؛ فإنهم ينتمون إلى جيل مختلف، فكلاهما تحت سن الستين؛ مما يشير إلى أن التحول في العقلية وطريقة التفكير ليس ببعيد.

• على الصعيد السياسي، أصبحت الولايات المتحدة تعتمد سياسة خارجية أقل تدخلاً، على الرغم من أنها تظل أكثر استعداداً للانخراط في الخارج مقارنةً بأغلب الدول الأخرى. وسواء فاز ترامب أم أي رئيس ديمقراطي آخر، فسيكون هناك إحجام عن تخصيص الموارد الأمريكية؛ وخاصة ما يتعلق بنشر القوات العسكرية خارج الحدود.

• ربما يكون ترامب أكثر انفتاحاً على التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هاريس. ومع ذلك فسيواجه أي من المتنافسين ضغوطاً كبيرة لتجنب التورط في حرب لا نهاية لها في أوكرانيا.

• من المرجح أن يرحب حلف شمال الأطلسي بأي مرشح ديمقراطي؛ إذ ينظر إلى ترامب وفانس الجمهوريين على أنهما مثيران للمشاكل بسبب إيمانهما بأن واشنطن تتحمل الكثير من الأعباء بينما يستفيد حلفاؤها.

• لا يستطيع الديمقراطيون ولا الجمهوريون الانفصال اقتصادياً عن الصين. ومع ذلك يبدو الديمقراطيون أكثر صرامة؛ إذ قاموا بالفعل بتنفيذ عقوبات اقتصادية مختلفة في حين ظلوا رسمياً ملتزمين بسياسة الصين الواحدة. ومن المتوقع أن يثير ترامب قضايا القدرة التنافسية الاقتصادية. وسوف يتمثل التحدي الحقيقي في رد الفعل الأمريكي تجاه التوترات المتعلقة بالصين في الفلبين، وتايوان، وبحر الصين الجنوبي. ومن الجدير بالذكر أن الصين قامت بتوسيع مدى نفوذها تدريجياً وبشكل متقن. 

• فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فإن مواقف الديمقراطيين والجمهوريين متشابهة حالياً إلى حد كبير؛ إذ يقدم كلا الحزبين التزاماً ثابتاً لإسرائيل، على الرغم من عدم ارتياح إدارة بايدن لنتنياهو. ورغم أن كلا الحزبين يفضل حل القضية الإسرائيلية الفلسطينية؛ فإن أياً منهما لن يتنازل عن موقفه من أجل الصواب والخطأ؛ ومن ثم فإن حل الدولتين سيظل بعيد المنال، بل وأكثر بعداً في عهد ترامب.

• التوجه العام للمرشح الديمقراطي سوف يتضمن الدبلوماسية الهادئة والناعمة لمنع المزيد من التدهور في الشرق الأوسط ولتجنب اندلاع صراعات أوسع نطاقاً، وخاصة فيما يتعلق بإيران. وبالمقابل فسوف يستخدم ترامب الدبلوماسية الصاخبة جنباً إلى جنب مع نهج ناعم لتحقيق أهداف مماثلة.

• سوف يتبنى كلا الجانبين -الديمقراطيون وترامب- موقفاً قائماً على الصفقات في التعامل مع شمال إفريقيا، والشام، والخليج العربي، ومناطق مثل: السودان، واليمن، والبحر الأحمر. وكذلك سيركز الديمقراطيون على مواجهة النفوذ الروسي والصيني، في حين سيركز ترامب بشكل أكبر على الصين.

• سوف يكون الديمقراطيون أكثر استعداداً للانخراط في الصفقات متعددة الأطراف، سواء من خلال الأمم المتحدة أم غيرها، مثل صفقة استئناف مفاوضات الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا أو الصين. أما ترامب فسيكون أقل ميلاً للمشاركة في مفاوضات ممتدة ومعقدة. ونظراً للطبيعة الانتقالية للإدارة الأمريكية المقبلة، فمن غير المتوقع حدوث تطورات مهمة في هذا الصدد.

في الختام، فمن الأفضل الآن أن تتواصل الدول المختلفة مع الولايات المتحدة، خاصةً وأنها تمر بمرحلة انتقالية مهمة؛ تتميز بظهور جيل أصغر سناً من القادة السياسيين الذين سيتعين على الجميع التعامل معهم مستقبلاً.