أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الحرب في اليمن:

صعود الفاعلين الإقليميين على حساب الدوليين

30 مارس، 2015


تذهب تفسيرات عدة إلى أن تفاقم الأزمة في اليمن في الآونة الأخيرة، وبشكل خاص منذ تمدد الحوثيين السريع في أرجاء البلاد، إنما يرتبط في جانب مهم منه بطبيعة مواقف الفاعلين الرئيسيين في المجتمع الدولي، لاسيما في ظل تراجع المواقف الدولية ضد هذا التمرد الحوثي وعدم دعم الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي.

ويمكن من خلال مراجعة تطورات مواقف الأطراف المختلفة الجزم بأن موقف دول الخليج العربية، ممثلة في مجلس التعاون الخليجي، كان هو الموقف الثابت الوحيد المطالب بضرورة دعم الرئيس هادي والعودة إلى طاولة الحوار، فيما كان الموقف الحذر الذي ميز الدول الغربية في الملف اليمني يرتبط إلى حد بعيد بتطورات المفاوضات الجارية حول ملف إيران النووي، والذي جعل غالبية الدول الغربية تعزف عن الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران التي تدعم الحوثيين بشكل واضح، تجنباً لإفشال أي تقدم يمكن إحرازه في هذا الملف النووي.

ومع استمرار تفاقم الأوضاع، وقيام الحوثيين بضرب عدن، تبنت المملكة العربية السعودية عملية عاصفة الحزم ضد ميليشيات الحوثيين في اليمن، استجابة لاستغاثة من حكومة الرئيس اليمني هادي الذي دعا المجتمع الدولي للتدخل لحماية الشرعية. وسرعان ما اتسعت قائمة الدول المشاركة في هذه العملية لتشمل عشر دول إلى جانب السعودية.

القوى الكبرى والتخلي عن زمام المبادرة

تؤشر التطورات الأخيرة في الملف اليمني على بداية حقبة مختلفة في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط، ربما يكون عنوانها الرئيسي تخلي القوى الكبرى عن زمام المبادرة في تفاعلات المنطقة، وهو ما يفسح المجال أمام الفاعلين الإقليميين الرئيسيين لتسيير دفة الأمور. ولعل المؤشر الأكثر دلالة في هذا السياق هو ما أعلنته بعض المصادر الدبلوماسية طوال الفترة الماضية من أن مجلس الأمن الدولي لا يخطط حالياً لاتخاذ أية قرارات بشأن العملية العسكرية في اليمن.

وكما يتضح من تفاعلات الأحداث - حتى اللحظة الراهنة - اكتفت القوى الكبرى بلعب دور المساند لتحركات الفاعلين الإقليميين المعنيين بالأزمة اليمنية؛ فبعد البداية الفعلية لعملية عاصفة الحزم رحب البيت الأبيض بالعملية، معلناً أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أجاز تقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية لدعم العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن لدحر مقاتلي جماعة الحوثي. مع التأكيد على أن القوات الأمريكية لا تشارك بعمل عسكري مباشر في اليمن، وإن اتجهت واشنطن للعمل على إنشاء "خلية تخطيط مشتركة" مع السعودية للتنسيق بشأن الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي للعمليات العسكرية.

وجاء الموقف البريطاني مشابهاً، إذ أعلنت بريطانيا تأييدها لعملية عاصفة الحزم، كما جاء على لسان وزير الخارجية فيليب هاموند، والذي أكد أن "بلاده ستقدم مساعدة تقنية إلى السعودية في تدخلها العسكري في اليمن في إطار العلاقات العسكرية الوثيقة بين البلدين"، مؤكداً أن بريطانيا "ستقدم كل ما يمكنها لعملية السعوديين ومجلس التعاون الخليجي، لكننا لن نشارك في عمل عسكري".

وكذلك فعلت فرنسا التي أيدت العملية، وأعلنت وقوفها إلى جانب شركائها في المنطقة حتى استعادة اليمن استقراره ووحدته. مع التذكير بأن عملية عاصفة الحزم تأتي استجابة لطلب السلطات الشرعية اليمنية. ولم يختلف موقف ألمانيا حيث أعرب وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، عن تفهمه للعملية العسكرية السعودية في اليمن، مؤكداً أنه جاء استجابة لدعوة الرئيس اليمني.

حدود الاتفاق بين القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين

يحمل الحدث اليمني كذلك عدداً من الدلالات فيما يخص حدود الاتفاق/الاختلاف بين القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين بشأن الوضع في اليمن حالياً ومستقبلاً.  فمن ناحية أولى، حرصت الكثير من العواصم الغربية على تأكيد مساحة التوافق مع الفاعلين الإقليميين بشأن اليمن، إذ أكد المتحدث باسم الخارجية الألمانية، أن برلين ليس لديها شك حول شرعية التدخل السعودي من حيث القانون الدولي، في ظل دعوة الرئيس اليمني لتدخل عسكري، وثمن وزير الخارجية البريطاني هاموند من قيمة التوافق بين بلاده والسعودية من الناحية العسكرية، مشيراً إلى صلات قوية تربط بريطانيا بالقوات الجوية السعودية، في حين أكدت واشنطن على عرى العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

ورغم ذلك، يبدو أن هناك مساحات لم يتم الاتفاق عليها بعد بين مختلف الأطراف المعنية بالوضع في اليمن، فعلى سبيل المثال أعلنت المفوضة العليا للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية "فيديريكا موجيريني" أن العمليات العسكرية ليست حلا للأزمة اليمنية، مؤكدة الدعم الأوروبي للعودة إلى طاولة المفاوضات. فيما أكدت المتحدثة باسم رئيس الوزراء البريطاني أن ما يحتاجه اليمن اليوم لاستعادة الاستقرار هو عملية سياسية، مضيفة أن الجزء الأهم في هذه العملية هو عدم تقديم الدعم للمتمردين الحوثيين وتشجيع الأطراف المختلفة للعودة إلى طاولة المفاوضات.

وفي السياق ذاته أكدت واشنطن أنها لا تريد حرباً مفتوحة الأمد تقودها السعودية ضد الحوثيين داخل اليمن، إلا أن المسؤولين الأمريكيين تجنبوا رفض الحديث عما إذا كانت السعودية تشاطرهم نفس الرؤى في هذا الموضوع.

روسيا والصين.. معارضة حذرة

على الرغم من اختلاف بعض القوى الدولية غير الغربية بشكل كامل مع التحركات التي قام بها الفاعلون الإقليميون بشأن اليمن، فإن حدة معارضتهم لاتزال تتسم بقدر كبير من الحذر  والترقب. فمن جانبها أكدت الخارجية الصينية قلقها بعد بدء عملية عاصفة الحزم، مؤكدة أن الصين تحث كل الأطراف على الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن وحل النزاع عن طريق الحوار.

أما روسيا فتبنت موقفاً أكثر وضوحاً، حيث شددت على ضرورة إيقاف الحلول العسكرية الجارية حالياً داخل اليمن لفتح الطريق أمام الأمم المتحدة والطرق السياسية والدبلوماسية كي تحل محلها، من أجل الوصول إلى صيغة اتفاق بشأن الصراع الدائر هناك، مؤكدة أهمية وقف جميع العمليات القتالية فوراً من قبل كافة أطراف النزاع في اليمن وحلفائها الخارجيين وتخليهم عن محاولات تحقيق أغراضهم بالسلاح.

كما كانت موسكو حريصة على الإعلان الواضح والمتكرر عن قيامها بالتباحث مع بعض القوى الإقليمية المعارضة للعملية العسكرية عاصفة الحزم، وتحديداً إيران؛ إذ أكد بيان صادر عن الكرملين على أن هناك اتصالاً هاتفياً جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني حسن روحاني بشأن تفاقم الوضع في اليمن والتدخل العربي على الأراضي هناك.

 ومع تأكيد موسكو المستمر على أنه لا يمكن تسوية الخلافات الموجودة في اليمن إلا عن طريق الحوار الوطني الواسع، يبدو أن هناك استعداداً روسياً للقيام بجهود وساطة لإنهاء الوضع القائم؛ حيث أعلنت موسكو أنها "ستتواصل مع كافة الأطراف التي انجرت إلى أحداث اليمن، وستعمل على تكثيف الجهود الدولية المبذولة، بما في ذلك في الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى خيارات لتسوية النزاع المسلح في البلاد بالوسائل السلمية في أقرب وقت ممكن".

هل تشعل اليمن حرباً إقليمية؟

يرى البعض أن التحركات غير المحسوبة العواقب من قبل بعض الأطراف فيما يتعلق بالملف اليمني، يمكن أن تكون إيذاناً ببدء حرب إقليمية شاملة، لاسيما مع المصالح الحيوية التي تزخر بها المنطقة، والتي ربما من أهمها النفط، فضلا عن مضيق باب المندب الاستراتيجي، الذي تتخوف القوى الكبرى من سيطرة الحوثيين عليه بسبب ارتباطهم بإيران التي تسيطر بدورها على مضيق هرمز، وهو المضيق الاستراتيجي الآخر الذي يربط بين الخليج وبحر العرب.

ولعله من الممكن في هذا السياق لفت الانتباه إلى تحذيرات إيران لدول الخليج من أن الضربات الجوية العسكرية على الحوثيين ستجر المنطقة لحرب إقليمية، وأن إيران ستعمل حالياً على غلق خط الملاحة البحرية في مضيق باب المندب، وأن أي قصف للسفن الحربية الإيرانية سيجعل من إيران الدخول مباشرة في هذه الحرب، وأن الصواريخ الإيرانية ستكون في مرمى السعودية والدول المشاركة في العملية العسكرية؛ وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية بالمقابل إلى تحذير روسيا وإيران من التدخل في اليمن، مع التأكيد على إن إغلاق مضيق باب المندب من قبل القطع الحربية الإيرانية سيعد إعلان حرب، ومن ثم فلن تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي في حال تضرر خطوط حركة النقل البحري وحدوث خسائر في الاقتصاد العالمي.

وتزداد المخاوف في هذا السياق مع تلميحات الرئيس السوري بشار الأسد حول دخول متوقع للدب القطبي إلى أراضي سوريا، حيث أكد في حديث له على قناة زفيزدا الروسية أنه ينتظر بفارغ الصبر تقديم طلب روسي لبناء قاعدة عسكرية في سوريا، وأنه سوف يوافق على الفور من أجل منح المنطقة نوعاً من التوازن الذي فقدته منذ تفتت الاتحاد السوفيتي.

بيد أن هذه التهديدات الإيرانية، المدعومة من روسيا بطبيعة الحال، هي مجرد حديث لا يتوافر لإيران مقومات حقيقية لتطبيقه على أرض الواقع، وهو ما ثبت مع تصاعد عملية عاصفة الحزم، ليتأكد أن الرد الإيراني لن يكون على أراضي اليمن بشكل رئيسي، لكنها ستحاول الرد في اماكن أخرى، وتحديداً سوريا موضع الاتفاق الكامل بينها وبين روسيا حالياً.

من جانب آخر، فإن عملية عاصفة الحزم تشير بوضوح إلى أن خارطة التحالفات الإقليمية أصبحت أكثر وضوحاً عن ذي قبل، وتحديداً منذ الثورات العربية، وأن ثمة "تحالف" عربي يجد أن مصلحته الوطنية والقومية أن يتحرك دون تنسيق، أو بأدنى قدر منه، مع بعض الحلفاء الدوليين، وهو مؤشر مهم على طريق تغيير النظرة التقليدية التي سادت طوال الخمسين عاماً الماضية من أن قوى الشرق الأوسط الإقليمية الأساسية إنما تتحرك فقط وفق ما تراه القوى الكبرى، وهو ما يعتبر مؤشراً مهماً على أن قوى الاستقرار العربي، وقوى المعسكر المضاد قد يتحركان لحماية ما يعتقدانه من مصالح دون الاعتماد على مساندة كبيرة من القوى الدولية الرئيسية في النظام الدولي.