أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ما بعد التصدع:

هل يتحالف "داعش" و"القاعدة" بعد معركة الموصل؟

18 يوليو، 2017


عقب إعلان رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" في 10 يوليو الجاري النصر النهائي على تنظيم "داعش" في مدينة الموصل، ثارت بعض التساؤلات حول مدى احتمالية التنسيق بين هذا التنظيم من جهة و"القاعدة" من جهة أخرى لمعاودة الأنشطة الإرهابية مجددًا، وهو الأمر الذي يستدعي بحث فرضية التحالف بين التنظيمين.

وتنطلق أغلب الآراء التي تتحدث عن احتمالات التحالف بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" من حجم التقاطع الفكري بينهما، والمتمثل في الانتماء إلى الفكر الإرهابي المتطرف، والمقاربة التنظيمية والآلياتية، رغم التحولات التي شهدها الثاني في العراق منذ بداياته مع "أبو مصعب الزرقاوي" مرورًا بـ"أبو عمر البغدادي" وانتهاء بـ"أبو بكر البغدادي".

بيد أن معطيات المشهد تفرض واقعًا مغايرًا؛ حيث إن ظهور البغدادي ومطالبته جموع المسلمين وكل التنظيمات الإرهابية بمبايعته، مثّل زلزلة قوية أصابت المنظومة المتطرفة في صيغتها المعولمة -خاصة تنظيم "القاعدة"- بتصدع مستمر حتى وقتنا هذا، ونُظر إليه على أنه انقلاب من قبل التنظيم على الموروث الفكري لتنظيم القاعدة، الذي جعل من مبايعة الملا "محمد عمر" قبل مقتله، ثم الانقياد والتبعية لأوامر زعيم تنظيم "القاعدة" الحالي أيمن الظواهري، أمورًا مسلمًا بها، وهو ما لم يقبل به تنظيم "داعش"، بل حشد له على نطاق واسع أدبيًّا وعسكريًّا للحيلولة دون التأثير على خطه الفكري والتنظيمي، في الداخلين العراقي والسوري.

هل تنصاع القاعدة؟

ترتبط فرضية إمكانية التحالف بين التنظيمين بمدى انصياع تنظيم "القاعدة" لإملاءات تنظيم "داعش" حول الخلافة الإسلامية ومبايعته، إضافة إلى قدرته وجاهزيته العسكرية والقتالية، مما جعله من أقوى التنظيمات الإرهابية إقليميًّا وعالميًّا.

وعلى الرغم من الانحسار الجغرافي لداعش في الموصل والداخل العراقي، وقرب انتهاء المعركة في مدينة الرقة السورية؛ إلا أن امتدادات التنظيم الأفقية والرأسية في إفريقيا وآسيا وأوروبا، جعلته الأكثر تموضعًا في خريطة الإرهاب العالمي عن نظيره تنظيم "القاعدة"، ولهذا فإن فرص التحالف بين التنظيمين في الوقت الحالي تبدو ضعيفة، لكن التحولات التي تشهدها الظاهرة الإرهابية -بين فينة وأخرى- قد تساعد في تحقيقها.

التباين الأيديولوجي:

في ظل صعوبة التحالف بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في الوقت الحالي، فإن العلاقة بينهما سيكون محورها الصراع، وذلك لعدد من الأسباب الرئيسية التي تتمثل في التالي:

أولاً- اختلاف موقفيهما من استهداف الطوائف الأخرى: حيث كان استهداف الطائفة الشيعية والدولة الإيرانية نقطة الانطلاق الأولى لتوسع الخلاف بين التنظيمين؛ حيث تتلخص رؤية تنظيم "القاعدة" حيال الشيعة في كونهم طائفة لا يكفر عوامها، وذلك يعني عدم استحلالهم، في حين ينظر تنظيم "داعش" إليهم على أنهم كفار، تُستحل دماؤهم وأموالهم، وهم في ذلك لا يختلفون عن كل من لا يبايع التنظيم حتى لو كان من أهل السنة، لذا يعتبرهم على رأس قائمة استهدافه قبل الجنود الأمريكيين في العراق.

وهذا التباين في وجهات النظر ساهم في اتساع رقعة الخلاف الأيديولوجي بين التنظيمين، خاصة مع استهداف "داعش" لمساجد الشيعة وإنكار الظواهري لذلك؛ ما دفع المتحدث الرسمي للتنظيم "أبو محمد العدناني" قبل مقتله إلى اتهام الظواهري بأنه كان السبب وراء عدم استهداف إيران من قبل التنظيمات الجهادية، خاصة "القاعدة"، واعتبرها كانت مهادنة معها.

ثانيًا- الانضواء تحت الخلافة الداعشية: تذكر أدبيات تنظيم "داعش" أنه بظهوره قد عادت الخلافة بعد قرون من تغييبها، ليعاد تشكيل جماعة المسلمين من جديد، وهو الأمر الذي يعني أن التنظيم لن يقبل منازعة أحد في قيادته للأمة -على حسب اعتقاده- بعد أن قدم نفسه على أنه يُشكل الخلافة الإسلامية التي يجب على الجميع الخضوع لها، وأن لها إمامًا يجب اتباعه باعتباره ولي الأمر. وبالتالي وجهت "داعش" رسالة إلى التنظيمات المتطرفة بتنويعاتها بالانضواء تحت ظل الخلافة المزعومة وإلا تصبح من "الهالكين"، وبالتالي فالتنظيم لا يقبل شريكًا أو حليفًا إلا بعد الإعلان الكامل بالإيمان بهذه المسلمات.

وفي خضم الأحداث الأخيرة عقب النصر الذي تحقق بمدينة الموصل، واندحار تنظيم "داعش" هناك؛ تواردت الأخبار عن مقتل البغدادي، وهو ما سيكون له عميق الأثر على التنظيم في حال تأكيده، فمن شأنه إصابته بالإرباك الذي يمكن أن يعيقه لفترة قد تطول أو تقصر نظرًا لحجم الفراغ الذي سيتركه البغدادي إلى أن يأتي مَن يخلفه.

لكن تجربة التنظيم تكشف عن شيء آخر؛ حيث إنه لم يندثر مع مقتل مؤسسيه السابقين، متجاوزًا تلك الصعوبات ليعلن دولته في عام 2014، والانتشار في عدد من دول المنطقة. ومن المتوقع ألا يتأثر التنظيم كثيرًا بمقتل البغدادي، لأن التنظيمات المتطرفة لا تتراجع بمقتل قياداتها ورموزها؛ لأنهم فاعلون أساسيون في المعارك، وهو ما يجعل مقتلهم أمرًا طبيعيًّا وواردًا.

ولا يعني غياب "الخليفة القائد" للتنظيم أنه قد يذهب طواعية إلى التحالف مع "القاعدة"، لا سيما بعد نضوجه تنظيميًّا بهياكل ثابتة تؤهله لمواصلة خططه، حتى لو فقد رأس التنظيم ودعامته المرحلية "أبو بكر البغدادي".

بيد أن المعضلة الحقيقية الذي ستواجه تنظيم "داعش" في خضم التحولات القائمة، وما حدث له من تراجعات وانحسارات جغرافية؛ تكمن في عدم قدرته على إظهار خليفته الجديد بشكل مشابه لما ظهر به البغدادي، وربما قد يكتفي بإعلان مقتله وحسب لفترة قد تطول إلى أن يأتي سياق آخر وظروف مغايرة يراها مناسبة للإعلان عنه.

ثالثًا- منهج غير قابل للتفاوض أو المساومة عليه: تفرد الأدبيات الداعشية مساحات من التأكيد على عزمها عدم العدول عن منهجها مهما كانت المغريات والمحفزات أمامها. ورغم التحولات التي تشهدها الساحة العراقية وغيرها، أو تلك التي ترتبط بالحالة المتطرفة ذاتها؛ فإنها باقية على منهجها منذ أن وضع لبناتها "أبو مصعب الزرقاوي". وهو الملمح الذي حملته كلمات المتحدث الرسمي الأسبق للتنظيم قبيل مقتله "العدناني" بقوله: "لن نتوسل ليقبلوا دين الله والحكم بشرع الله، فمن رضي فهذا شرع الله، ومن كره وسخط فسنرغم أنفه، وهذا دين الله، سنكفر المرتدين، ونتبرأ منهم، ونعادي الكفار والمشركين ونبغضهم".

المواجهات مع تنظيمات موالية لـ"القاعدة":

يقوّض من فرضية التحالف بين تنظمي "داعش" و"القاعدة"، بعد أن فقد الأول مناطق نفوذه في العراق، والهجمات المتكررة على معاقله في سوريا، وفي مناطق أخرى ينتشر فيها، المواجهات بينه وبين التنظيمات العسكرية المحسوبة على تنظيم "القاعدة".

أولا- الموقف من حركة "طالبان": تعود العلاقة بين حركة "طالبان" الأفغانية وتنظيم "القاعدة" مع تأسيسه على يد أسامة بن لادن قبيل مقتله إلى أيام الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي. وقبل مقتله كان مبايعًا زعيم تنظيم "طالبان" الملا "عمر" حتى مقتله، ومطالبًا الجهاديين بمبايعة القيادي الأفغاني لما تتطلبه ضروريات المرحلة، وخلف الظواهري بن لادن، وسار على الدرب ذاته.

ومع ظهور تنظيم "داعش" في العراق والشام، وتدشين ما يسمى بالولايات، كشفت الحركة عن وجود ولاية "خراسان" التابعة لها، بعد مبايعة عدد من المقاتلين التنظيم و"أبو بكر البغدادي"، ما أثار حفيظة حركة "طالبان"، لا سيما في ظل التنافس بينهما، حيث تنظر "داعش" إلى الحركة باعتبارها مرتدة تتعامل مع إيران، ولها علاقات وطيدة معها، وهو ما يُخالف التوجه الفكري للتنظيم الذي يرى أن الحركة ليست لها علاقة بما تطلق عليه "الجهاد"، لما شهدته من تحولات قزّمت دورها نتيجة رغبتها في أن تنكفئ على واقعها الأفغاني، وفي سبيل ذلك لجأت إلى تحسين علاقاتها بالجوار على حساب مشروعها الجهادي.

ويُرجع تنظيم "داعش" رِدة طالبان لما حدث من تسلط المسئولين بالحركة، والمعنيين بإدارة المشهد الخارجي ورسم سياسات العلاقة مع محيطهم الإقليمي والدولي لسنوات كبيرة، والذين أوقعوا الملا "محمد عمر" في شراكهم، ووضعوه تحت الإقامة الجبرية لشهور عُزل خلالها عن العالم الخارجي، على حد زعمه، وعلى إثرها تناولت هذه المجموعة مقاليد الإدارة، ما دفعها إلى الدعوة لمقاتلة تنظيم "داعش"، وانطلاقًا من ذلك يرى التنظيم وجوب قتالها باعتبارها مرتدة. وهو ما يُفسر قيام "داعش" بعمليات ضد الحركة في أماكن متفرقة من أفغانستان، التي سارعت بالنفي والتأكيد على عدم تبنيها النهج الداعشي، وهو ما حدث في أعقاب استهداف جنود أمريكيين بالقرب من السفارة الأمريكية بكابول في الثالث من مايو الماضي، حيث سارعت "طالبان" إلى نفي صلتها بالعمل في الوقت الذي تبنت فيه ولاية "خراسان" العملية الإرهابية.

ثانيًا- العداء لحركة الشباب الصومالية: في الصومال ناصبت الحركة القاعدية العداء لتنظيم "داعش" الذي تحدث عن قيام الحركة بتصفية كل من يبايعه، وتذكر الأدبيات الداعشية أن أحد مؤسسي الحركة في الصومال، ويُدعى "أبو نعمان ينتاري"، قتلته حركة "الشباب" بعد مبايعته التنظيم، هذا إلى جانب أحد القادة الميدانيين، ويدعى "حسين عبدي جيدي"، الذي بايع البغدادي، ثم قتل نتيجة لمبايعته تلك.

ثالثًا- التنافس للسيطرة على اليمن رغم ما يتمتع به تنظيم "القاعدة" من تموضع في الداخل اليمني: يرى تنظيم "داعش" أن "القاعدة" تخسر معاقلها الرئيسية في الدولة، ويقدم التنظيم نفسه بديلاً للوجود القاعدي، ويقوم بتنفيذ ضربات ضد قوات الجيش المحسوبة على الرئيس الشرعي "عبد ربه منصور هادي" والحوثيين والقاعدة أيضًا؛ ما يعمق الخلاف العسكري بين التنظيمين.

وعندما استهدف التنظيم مركزًا للتجنيد بمدينة عدن في 29 أغسطس 2016، سارع تنظيم "أنصار الشريعة" (الفرع اليمني لتنظيم "القاعدة") إلى استنكار العمل، ونفى القيام به أو المشاركة فيه. وقد وصفت "القاعدة" تنظيم "داعش" بالجماعة المنحرفة على خلفية الهجوم.

حاصل القول، تشير الدلائل السابقة إلى أن فرضية التحالف المستقبلي بين تنظمي "داعش" و"القاعدة" تبقي ضعيفة جدًّا، خاصة أن التنازع حول الشرعية (شرعية الوجود والانقياد والمبايعة) تظل حجر الزاوية بين التنظيمين، ولهذا سعى تنظيم "داعش" لتأصيل أدبيات وآليات تعزز من فكرته الرامية للانفراد والتفرد بالمشهد المتطرف.

لكن الخطر الأكبر في تحولات ذلك المشهد بصيغته المعولمة لا يرتبط بالتحالف بين التنظيمات الإرهابية بقدر التنافسية على قيادة العالم المتطرف، في استهداف الخصوم. فعلى الرغم من التباينات الهيكلية والجذرية بين التنظيمين؛ إلا أن أهدافهما تكاد تكون واحدة ومنطلقاتهما ثابتة وعدوهما مشتركًا، وبالتالي فتنوع التنظيمات الإرهابية في أثوابها المعاصرة يمثل مشكلة كبرى في ظل حالة التشظي، والحديث عن جيل آخر يتمخض عنهما، يتوقع أن يكون أكثر شراسة وأكثر خبرة عن الجيلين السابقين.