أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

احتمالات متشابكة:

هل يتجه تنظيم "أنصار الإسلام" لتصعيد عملياته بغرب إفريقيا؟

17 أبريل، 2017


بدأت بعض دول غرب إفريقيا تشهد ظهور عدد من التنظيمات العرقية والقبلية التي تسعى إلى تحقيق أهداف محلية خاصة بها عبر تبني توجهات وشعارات جهادية، بما يمكنها من الحصول على دعم مادي وبشري. ويعد تنظيم "أنصار الإسلام" في بوركينافاسو أحدث هذه التنظيمات، حيث بدأ في تصعيد عملياته الإرهابية في 22 سبتمبر 2016، من خلال بيان أصدره يعلن فيه مسئوليته عن العملية التي وقعت في منطقة "ناسومبو" بشمال البلاد، وأدت إلى مقتل 12 جنديًّا.

وبعد توقف عدة أشهر، واصل التنظيم عملياته مرة أخرى في بداية عام 2017، حيث أعلن مسئوليته عن الهجوم على مقرين للشرطة في "بارابولي" و"تونغوماييل" في 27 يناير 2017. كما بدأ في استهداف قوات من دول الجوار، حيث نفذ بعض عناصره هجومًا على قاعدة "بوليكيسي" العسكرية قرب الحدود بين مالي وبوركينا فاسو، في 5 مارس 2017، وهو ما أسفر عن مقتل 11 جنديًا ماليًا.

امتداد لـ"ماسينا":

يُعد تنظيم "أنصار الإسلام" الذي يتزعمه إبراهيم مالم جيكو أحد التنظيمات التي تُمثل ما يمكن تسميته بـ"الإرهاب العرقي"، والتي تمارس العنف وتنفذ العمليات الإرهابية تحت شعار ديني، حيث ينتمي أغلبية عناصر التنظيم إلى عرقية "الفولاني" التي تطالب بإحياء ما تطلق عليه "الإمبراطورية الفولانية". ومن هنا أشارت اتجاهات عديدة إلى أن هذا التنظيم الجديد يمثل امتدادًا لـ"حركة تحرير ماسينا" في مالي، والتي تدعي بدورها الدفاع عن حقوق عرقية "الفولاني".

ويتركز تواجد التنظيم بشكل أساسي في شمال بوركينافاسو، حيث يسعى إلى استغلال بعض المشكلات التي تعاني منها عرقية "الفولاني"، من أجل استقطاب أكبر عدد من العناصر التي يمكن أن تقوم بتنفيذ عملياته الإرهابية داخل وخارج بوركينافاسو.

توجهات "قاعدية":

يُعتبر تنظيم "أنصار الإسلام" من الناحية الفكرية أقرب إلى توجهات تنظيم "القاعدة"، والتي تتبناها تنظيمات إرهابية عديدة في منطقة شمال وغرب إفريقيا، لكنه يختلف عن تلك التنظيمات في أنه يقوم بتطويع هذه التوجهات بما يناسب واقعه وأهدافه وبيئته المحلية، لا سيما أن مثل هذا النمط من التنظيمات الإرهابية الصغيرة ليست لديه القدرة على تكوين منظومة فكرية مستقلة، لذا فهو يتبنى الأفكار المتطرفة العابرة للحدود، وهو ما يجعله أحد التنظيمات التي تنضوي تحت ما يمكن تسميته بـ"الإطار الفكري القاعدي" الذي يضم عددًا من المجموعات الإرهابية غير المنخرطة تنظيميًّا في صفوف تنظيم "القاعدة"، ولكنها قريبة منه فكريًّا ومتحالفة معه عسكريًّا، مثل حركة "تحرير ماسينا" وجماعة "أنصار الدين" اللتين دخلتا في تحالف صريح وعلني مع مجموعتين "قاعديتين" هما "إمارة الصحراء" و"كتيبة المرابطون"، في 2 مارس 2017، أطلق عليه "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، تحت قيادة إياد أغا غالي، زعيم جماعة "أنصار الدين"، بشكل اعتبرت اتجاهات عديدة أنه يؤشر إلى النفوذ "القاعدي" في المنطقة.

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن تلك الاتجاهات باتت تشير إلى أنه رغم أن تنظيم "القاعدة" بدأ يدرك أن بعض تلك الجماعات الصغيرة تسعى إلى تطويع أفكاره لتحقيق أهداف محلية خاصة بها، إلا أنه لم يسع إلى عرقلة ذلك، باعتبار أن هذا التوجه في حد ذاته يمكن أن يساعد في دعم نفوذ التنظيم في تلك المناطق، وتقليص قدرة التنظيمات المنافسة، على غرار تنظيم "داعش" على تكوين بؤر إرهابية خاصة بها، وهو المسار الذي يمكن أن يتصاعد خلال المرحلة القادمة، لا سيما مع اقتراب انتهاء معركة الموصل بإخراج عناصره منها وبدء معركة الرقة التي تمثل معقله الرئيسي. 

تأثيرات محتملة:

على الرغم من أن عدد عناصر تنظيم "أنصار الإسلام" لا يتعدى بضع مئات، ونشاطه ما زال محدودًا في شمال بوركينافاسو باستثناء العملية التي استهدف من خلالها القوات المالية على الحدود في مارس 2017، إلا أن اتجاهه إلى تصعيد عملياته الإرهابية خلال المرحلة القادمة سوف يفرض تداعيات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- اتساع نطاق عدم الاستقرار الداخلي: سوف يؤدي تصاعد نشاط التنظيم الجديد إلى تأجيج حالة عدم الاستقرار داخل بوركينافاسو، التي ربما تمتد إلى بعض دول الجوار، خاصة أن التنظيم يستهدف بعملياته قوات الشرطة والجيش، في الوقت الذي تبذل فيه تلك القوات جهودًا حثيثة من أجل تقليص حدة التهديدات التي تفرضها التنظيمات الإرهابية الأخرى، والتي تمكنت من تنفيذ عمليات داخل العاصمة واجادوجو، على غرار "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" الذي أعلن مسئوليته عن الهجوم الذي استهدف فندق "سبلنديد" في العاصمة، في 15 يناير 2016، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا وإصابة 56 آخرين.

2- استهداف عابر للحدود: ربما يؤدي التشابك العرقي مع دول الجوار إلى اتجاه التنظيم نحو فتح قنوات تواصل مع بعض التنظيمات الإرهابية الموجودة في تلك الدول، أو العمل على استهداف أمنها ومصالحها، على غرار العملية الأخيرة التي قام بها التنظيم وأسفرت عن مقتل 11 جنديًا ماليًا. ومن دون شك، فإن هذه التهديدات سوف تتفاقم في حالة ما إذا تمكنت تلك التنظيمات من الحصول على دعم من جانب بعض الجماعات الإرهابية الأكثر نفوذًا، على غرار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي أشار زعيمها إياد أغا غالي إلى إمكانية استهداف دول تلك المنطقة خلال المرحلة القادمة.

3- تأسيس تنظيمات إرهابية متنافسة: ربما يدفع ظهور تنظيم "أنصار الإسلام" في بوركينافاسو كأحد التنظيمات العرقية التي تمارس العنف والإرهاب من أجل تحقيق أهداف ومصالح خاصة بها، بعض القوميات العرقية الأخرى إلى تأسيس تنظيمات إرهابية ومسلحة خاصة بها لمواجهة عمليات التنظيم، خاصة أنه لم يكن التنظيم العرقي الأول الذي تأسس داخل قومية "الفولاني"، حيث ظهر بعد تكوين حركة "ماسينا" التي تحالفت مع تنظيم "القاعدة" في الفترة الأخيرة.

ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال تصاعد حدة التنافس حتى بين التنظيمات التي تنتمي إلى تلك العرقية، وبالتحديد بين التنظيم الجديد و"حركة تحرير ماسينا"، لا سيما أن مثل هذه النوعية من التنظيمات تتبنى توجهات متقاربة وتسعى إلى تحقيق أهداف متشابهة، فضلا عن أنها تستمد مواردها المالية والبشرية من مصدر واحد هو قومية "الفولاني"، التي ربما لن تستطيع، على المدى الطويل، الاستمرار في تقديم هذا الدعم، بشكل يمكن أن يتسبب في إضعاف وتراجع قدرات تلك التنظيمات تدريجيًا.