أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مرآة عاكسة:

كيف تؤثر"قضايا الحدود" على تفاعلات إقليم الشرق الأوسط؟

09 سبتمبر، 2019


تمثل التطورات المتعلقة بقضايا الحدود بين دول الإقليم تجسيدًا لتفاعلات الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، على نحو ما انعكس في الاشتباك المحدود على الحدود الإسرائيلية- اللبنانية، وتهديدات الإرهاب على الحدود التونسية- الجزائرية، وتأسيس وحدات المراقبة الجوية الجديدة على السواحل التونسية، والخلافات القانونية بين العراق والكويت حول قضايا حدودية، و"المنطقة الآمنة" على الحدود التركية- السورية. وتتباين الأهداف من وراء كل ذلك ما بين توظيف الأزمات العسكرية الخارجية لخدمة أهداف سياسية داخلية، والحد من مخاطر التنظيمات الإرهابية، ومنع تسلل جماعات الهجرة غير النظامية، وتوسع بعض القوى الإقليمية إلى خارج حدودها الوطنية.

وعلى الرغم من أن قضايا الحدود كانت محددًا رئيسيًا لتفاعلات الإقليم منذ عام 2011، بشكل خاص، إلا أن حدتها تزايدت خلال عام 2019، بفعل اشتباكات الخصوم الإقليميين سواء دول أو فواعل مسلحة ما دون الدولة، وتهديدات جيوش القطاع الخاص لأمن دول "الجوار" و"جوار الجوار"، وتصاعد الخلافات حول قانونية "الحدود البحرية" بين بعض الدول، وترسيم المناطق الآمنة في إحدى بؤر الصراعات المسلحة العربية. وقد تمثلت تلك القضايا فيما يلي:

تصعيد محكوم:

1- الاشتباك المحدود على الحدود الإسرائيلية- اللبنانية: شهدت الفترة القليلة الماضية توترًا بين إسرائيل وحزب الله على الحدود الجنوبية اللبنانية، تمثل في استهداف الأولى بعض المناطق الجنوبية من خلال إرسال طائرتين مسيرتين محملتين بمتفجرات إلى معقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية، وهو ما رد عليه الأخير باستهداف آلية عسكرية إسرائيلية بصواريخ موجهة.

ولا تشير تفاعلات الطرفين إلى تطور المواجهات إلى حرب، لا سيما أن القصف المتبادل لم يصل إلى العمق، بما جعله "تحت السيطرة"، ويسود الهدوء على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، حيث تتواجد قوات "اليونيفيل". وثمة تفسيرات عديدة تبرر ذلك منها الانشغال الإسرائيلي بإجراء الانتخابات البرلمانية خلال سبتمبر الجاري، وعدم رغبة الحزب في زيادة الخسائر البشرية والمادية التي يتعرض لها من بقاء قواته في سوريا، وتخوف الأطراف الإقليمية من توسع المواجهات بحيث تضم أطرافًا أخرى، لا سيما في ظل "الفوضى الإقليمية".

خطر الإرهاب:

2- تهديدات الإرهاب على الحدود التونسية- الجزائرية: على نحو ما أبرزته العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت دورية أمنية في منطقة حيدرة بولاية القصرين على الحدود بين تونس والجزائر في 2 سبتمبر 2019، والتي نتج عنها مقتل رئيس مركز الأمن العمومي للحرس الوطني، في حين قتل ثلاثة من الإرهابيين من بينهم قياديين جزائريين (هما الطاهر الجيجلي والباي العكروف) وتونسي هو صلاح القاسمي، الذي كانت تبحث عنه وحدات مكافحة الإرهاب منذ عام 2013، بسبب تورطه في الاستيلاء على الأغذية والأغطية والأموال ليلاً من سكان المناطق الريفية النائية لمعرفته الجيدة بالمسالك الجبلية. 

وترجح اتجاهات عديدة أن يكون الإرهابيون الثلاثة من كتيبة "عقبة بن نافع" المنتمية إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وتأتي تلك العملية ردًا على الحملات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التونسية لملاحقة الجماعات الإرهابية على الحدود الغربية. ولم تكن هذه العملية هى الأولى من نوعها بل سبق أن شهدت ولاية سيدي بوزيد عمليات أخرى في الأعوام الماضية نظرًا لوجود العديد من الخلايا الإرهابية "النائمة" المنتشرة بعدد من الأحياء السكنية الشعبية، والتي لا ترتبط تنظيميًا بجماعة إرهابية وإن كانت محددات الارتباط هى "الفكرة"، ضمن ما يطلق عليه "الذئاب المنفردة".

مراقبة الهجرة:

3- تأسيس وحدات المراقبة الجوية الجديدة عبر السواحل التونسية: أعلنت وزارة الداخلية التونسية، في 22 أغسطس الماضي، عن تشكيل وحدة جوية جديدة معززة بثلاث طائرات عمودية من نوع "بيل 429"، ستُوكَّل إليها مهام مراقبة السواحل ومنع تسلل العناصر الإرهابية إلى المناطق السياحية، علاوة على مراقبة الهجرة غير النظامية نحو السواحل الإيطالية بشكل خاص. وقد سبق أن أعلنت تونس منطقة عسكرية مغلقة بولايات محافظة (القصرين وسيدي بوزيد) ومنطقة عسكرية عازلة على طول الحدود الشرقية مع ليبيا، فضلاً عن إنشاء ساتر ترابي وسياج إلكتروني لمحاصرة التسللات المتكررة للعناصر الإرهابية الوافدة من معسكرات الإرهاب في ليبيا.

وقد بقيت السواحل التونسية غير خاضعة لمراقبة محكمة من جانب قوات حرس الحدود، وخاصة بعد عام 2011، مما استوجب تشكيل تلك الوحدة الجوية المعززة بطائرات عالية الدقة والتي يمكن من خلالها رفع مستوى المراقبة على نحو يقلص المخاطر القادمة عبر البحر. ولعل ما دفع الحكومة التونسية إلى اللجوء لمثل تلك الآلية هو العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة سوسة في 26 يونيو 2015، إذ تم استهداف أحد الفنادق السياحية، ونجح القائم بتلك العملية التونسي سيف الدين الرزقي في التسلل عبر السواحل المواجهة لمدينة تونس. وقد أسفرت تلك العملية عن مقتل ما يقرب من 39 سائحًا أغلبهم من البريطانيين.

وقد دفع ذلك الحكومة إلى الانخراط في برنامج الأمم المتحدة المتعلق بملاحقة تنقل الإرهابيين عبر الحدود ومنع الجرائم الإرهابية، حيث قال رئيس اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب مختار بن نصر، في 9 يونيو 2019: "إن هذا البرنامج له القدرة على تحليل بيانات السفر بناءً على مخاطر محددة وسيساعد على رصد وتتبع من يشتبه في أنهم إرهابيون ويلاحق تحركاتهم عبر الحدود، وهذا ما سيساعد تونس على الحد من المخاطر الإرهابية المتصلة بحدودها الشرقية مع ليبيا وحدودها الغربية مع الجزائر علاوة على مراقبة التحركات المشبوهة في مجموع الموانئ والمطارات التونسية التي قد تكون منطلقًا لتسلل الإرهابيين عبر جوازات سفر مزيفة أو هويات مخفية".

جغرافيا بحرية: 

4- خلافات بين العراق والكويت حول قضايا حدودية: ظلت المسائل الخلافية على الحدود بين العراق والكويت أحد الملامح الحاكمة للعلاقات الثنائية على مدى العقود الماضية، وكان آخرها وجود خلاف قانوني في تفسير مسألة تتعلق بالحدود البحرية بين الدولتين.

فقد أشارت تقارير صحفية، نقلاً عن مصادر دبلوماسية في 2 سبتمبر الجاري، إلى أن محمد بحر العلوم المندوب العراقي لدى الأمم المتحدة في مجلس الأمن سلم في أغسطس الماضي رسالة إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة لتعميمها وإصدارها باعتبارها وثيقة رسمية للمجلس مفادها: "طلب الحكومة العراقية من الأمم المتحدة توثيق احتجاجها الرسمي على ما سمته قيام الحكومة الكويتية بإحداث تغييرات جغرافية في المنطقة البحرية الواقعة بعد العلامة 162 في خور عبدالله من خلال تدعيم منطقة ضحلة (فشت العيج) وإقامة منشأ مرفئي عليها من طرف واحد دون علم وموافقة العراق".

وقد ردت الكويت على لسان مصدر مسئول بوزارة الخارجية، في 2 سبتمبر 2019، بالقول: "إن المياه الإقليمية تم تحديدها بموجب المرسوم الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 1967 بشأن عرض البحر الإقليمي لدولة الكويت، وتم تحديثه بتاريخ 19 أكتوبر 2014 بشأن تحديد المناطق البحرية، وذلك وفق ما نصت عليه المادة 15 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982"، مضيفًا: "إن فشت العيج هى مساحة من الأرض مكونة طبيعية فوق سطح البحر وتقع في المياه الإقليمية الكويتية وعليه فإن بناء المنصة حق سيادي للكويت في إقليمها وبحرها الإقليمي".

وأشار المصدر إلى أنه "تم بناء المنصة لأغراض الملاحة البحرية في خور عبدالله بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات الأمنية لهذه المنطقة، وأنه تم إخطار العراق من خلال محضر الاجتماع السادس للجنة الكويتية- العراقية باعتزام إقامة المنصة، وتم توجيه مذكرة للسفارة العراقية لديها بهذا الشأن بتاريخ 8 فبراير 2017"، مؤكدًا على "أن الكويت استمرت في مطالبة الجانب العراقي منذ عام 2005 إلى آخر اجتماع في مايو الماضي بأن يباشر الخبراء القانونيون في البلدين بالبدء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المرسمة وتم ذلك عبر اجتماعات اللجان الوزارية المشتركة والرسائل الوزارية بهذا الشأن". 

واختتم المصدر حديثه بتأكيد أن "بلاده دعت الأشقاء في العراق إلى حسم هذا الموضوع باللجوء إلى المحكمة الدولية بقانون البحار المنشأ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وأن الكويت إذ تستعرض هذه الوقائع فإنها تؤكد حرصها على العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين الشقيقين ومواصلتها التنسيق مع الأشقاء لحسم جميع الملفات العالقة حتى لا تتعرض علاقة البلدين لأى شوائب". وتكمن أهمية هذا التصريح في أنه يحافظ على التطور في العلاقات الثنائية بعد استضافة الكويت مؤتمرًا للمانحين والداعمين لاستقرار العراق في فبراير 2018، وافتتاحها قنصلية في النجف في يوليو 2019، وإيعاز أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد ببناء مجمعات سكنية في محافظة صلاح الدين العراقية.  

خلاف النقاط:

5- المشاورات بشأن إقامة المنطقة الآمنة على الحدود التركية- السورية: أجرت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية مباحثات عديدة بشأن المنطقة الآمنة في شمال سوريا وإجلاء وحدات "حماية الشعب الكردية" من منطقة شرق الفرات، حيث تشكل الأخيرة المكون الأساسي لتحالف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعوم من واشنطن، في ظل الدور الذي قامت به في الحرب على تنظيم "داعش"، بينما تصنفها أنقرة على أنها "منظمة إرهابية". 

وتسعى أنقرة إلى الانفراد بالسيطرة على منطقة آمنة بعمق نحو 32 كم وبطول 460 كم خالية تمامًا من عناصر الوحدات الكردية، لكن واشنطن ترفض ذلك وترى أنه يمكن إنشاء المنطقة بعمق يتراوح بين 3 أو 7 كم وبطول 140 كم، وتعمل على صيغة تلبي الاحتياجات الأمنية للأولى وتضمن في الوقت ذاته وضع الوحدات الكردية الحليفة. ومن ثم، تقرر تأسيس مركز عمليات مشتركة شبيه بمركز عمليات حول مدينة منبج الواقعة غرب الفرات الذي أقيم في غازي عنتاب جنوب تركيا عقب الاتفاق التركي- الأمريكي على خريطة الطريق حول منبج في 4 يونيو 2018. 

الأمن الحدودي:

خلاصة القول، لقد صارت الحدود المشتركة بين دول الإقليم مرآة عاكسة لما يجري في الشرق الأوسط وخاصة ما يتعلق بتعزيز الجهود الأمنية والاستخباراتية الحدودية في ضوء تزايد المخاوف من عودة بثوب جديد لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق وإعادة تنشيط تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتقريب وجهات النظر بين واشنطن وأنقرة بشأن "المنطقة الآمنة" في شمال سوريا، والتوصل إلى تسوية ما للخلافات القانونية بشأن الحدود البحرية بين العراق والكويت، وغيرها من القضايا التي تتعلق في مجملها بتصاعد تأثير الأمن الحدودي، على الصعيدين المحلي والإقليمي.