أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

ما بعد إنهاء الانقلاب:

أربعة أسباب وراء فشل الانقلاب في تركيا

16 يوليو، 2016


أظهرت تركيا، حكومة ومعارضة، صلابة بارزة في مواجهة الانقلاب العسكري الذي قاده بعض القادة العسكريين من الدرجة الثانية، وهو انقلاب أعاد إلى الأذهان سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا خلال النصف الثاني من القرن الماضي، والتي كانت أبرزها: الانقلاب الذي قاده الجنرال جمال جورسيل في عام 1960 وانتهى بإعدام رئيس الوزراء حينها عدنان مندريس، ثم الانقلاب الذي قاده مجموعة من الضباط في عام 1971 ضد رئيس الوزراء حينها سليمان ديميريل، وبعدها الانقلاب الذي قاده الجنرال كنعان ايفرين في عام 1980 ضد الرئيس فخري كورتورك، وصولاً إلى "الانقلاب الأبيض" الذي قام به الجيش في عام 1997 ضد حكومة رئيس الوزراء نجم الدين أربكان.

في جميع هذه الانقلابات، كانت ثمة قاعدة تحكم المعادلة، وهي (الجيش يحمي الدستور، والدستور يحمي الجيش)، فالدساتير السابقة كانت تنص على مجموعة من المواد التي تجيز للجيش التدخل في الحياة السياسية عندما كان يرى أن ثمة خطراً يهدد المبادئ العلمانية التي أسست عليها الجمهورية التركية. فيما كانت هذه البنود نفسها تحمي الجيش من المحاكمة لاحقاً. وعليه وفقاً لهذه المعادلة، لم يكن الجيش الذي يعد من أهم وأقدم المؤسسات الوطنية التركية يجد حرجاً في التحرك في الوقت الذي كان يراه مناسباً، إلى أن جاء حزب العدلة والتنمية إلى الحكم في عام 2002 وغيَّر من المعادلة السابقة، بحيث بات الدستور بيد رجب طيب أردوغان في مواجهة الجيش، بعد أن قام أردوغان، خلال سنوات رئاسته للحكومة التركية، بسلسلة إصلاحات انتهت بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وإخراجها من الحياة السياسية في البلاد.

أسباب حدوث محاولة الانقلاب في تركيا

ثمة أسباب عديدة وراء محاولة الانقلاب الأخير في تركيا، ويمكن تلخيصها في الآتي:

1- أن الجيش التركي الذي كان يتمتع تاريخياً بمهمة الحفاظ على العلمانية والأسس الجمهورية للدولة التركية، بات يجد نفسه في السنوات الأخيرة غير قادر على تنفيذ هذه المهمة بعد أن أخرجه أردوغان من الحياة العامة، وعدَّل من هيكلة مجلس الأمن القومي الذي كان يتحكم به العسكر وكانت قراراته مُلزمة للحكومة، فيما باتت هذه القرارات في عهد أردوغان غير مُلزمة، ويترأس المجلس رئيس الحكومة بعدما كانت من حصة رئيس الأركان العامة. وبسبب كل ذلك، كانت بعض الأوساط العسكرية تتحين فرصة التحرك ضد أردوغان.

2- الإجراءات الأخيرة التي اتخذها أردوغان بعد اشتداد حدة الحرب مع حزب العمال الكردستاني، ولاسيما إعلان أحكام الطوارئ في معظم مناطق شرق البلاد وجنوبها، وإعطاء صلاحيات مُطلقة لقادة القطاعات العسكرية هناك، ومن ثم إعفاء العناصر العسكرية العاملة في هذه المناطق من المثول أمام المحاكم، كل هذه الإجراءات وغيرها ساهمت بطريقة غير مباشرة في عودة القادة العسكريين إلى ممارسة السلطة واتخاذ القرار من دون العودة إلى الحكومة، وهي معادلة أراد منها أردوغان الحكم العسكري المُطلق للجيش في المناطق الكردية مقابل السلطة السياسية المطلقة له في عموم البلاد، قبل أن يكتشف أن مثل هذا الأمر حرَّك المساعي لدى العسكر لاستعادة قاعدة الحكم التي تقوم على معادلة (حاضر يا أفندم) فيما لو نجح الانقلاب؛ أي قاعدة تبعية السياسي الكاملة للعسكر.

3- لا يُخفى على المتابع للشأن التركي أن الجيش غير راض عن الكثير من السياسات والمواقف الخارجية لأردوغان، إذ أنه في العمق يُحمل أردوغان تورط تركيا في الأزمة السورية وتداعيات هذه الأزمة على الداخل التركي، وكذلك توتر العلاقات مع إسرائيل طوال السنوات الماضية، وأيضاً توتر العلاقة مؤخراً مع روسيا والولايات المتحدة وأوروبا، وإن اختلفت الأسباب. ويبدو أن الذين قاموا بالانقلاب راهنوا على هذه الخلافات في كسب الدعم الخارجي لهم على قاعدة خلافاتهم مع أردوغان، بل ربما وجدوا في حديث بعض الصحف الأمريكية والبريطانية مؤخراً عن إمكانية حصول انقلاب في تركيا، والقول إنه لن يذرف أحداً الدموع على أردوغان إذا حدث الانقلاب، ربما وجدوا في ذلك ضوءاً أخضراً للقيام بانقلابهم.

لماذا فشل الانقلاب؟

في الواقع، إذا كانت ثمة أسباب كثيرة تقف وراء الانقلاب العسكري الأخير، فإن أسباب فشل الانقلاب أكثر، ولعل من أهم هذه الأسباب ما يلي:

1- الانقسام الكبير في صفوف المؤسسة العسكرية التركية، بين من يقف مع الرئيس أردوغان، ومن قام بالانقلاب ضده، وهو ما اتسم به انقلاب فجر يوم السادس عشر من يوليو، فالذين قادوا الانقلاب هم قادة من الدرجة الثانية في صفوف القوات الجوية والبرية، في حين الذين واجهوا الانقلاب كانوا بالدرجة الاولى من القوات التابعة لرئاسة الأركان وقوات الأمن الداخلي والشرطة.  

2– الإصلاحات العسكرية التي قام بها أردوغان خلال السنوات الأخيرة كانت سبباً في إفشال الانقلاب، إذ إن أردوغان، ومن خلال هذه الإصلاحات، نجح في إبعاد الجيش من داخل المدن وتسليم مهمة الأمن فيها إلى قوات الشرطة والأمن بعد أن أتبع قوات الشرطة والأمن إلى وزارة الداخلية خلافاً للمراحل السابقة عندما كانت هذه القوات تابعة لرئاسة الأركان أو وزارة الدفاع.     

3- قادة الانقلاب لم يكن لهم برنامج سياسي محدد وعمق شعبي، وعليه عندما حدث الانقلاب لم نجد قوى سياسية أو أحزاب تنزل إلى الشارع وتعلن تأييدها للانقلاب، بل حتى الانقلابيين أنفسهم لم يفصحوا عن برنامجهم السياسي رغم مُضي ساعات على بدء الانقلاب، خلافاً لأردوغان الذي استغل هذه النقطة في دعوة الجماهير للخروج إلى الشارع باسم الحفاظ على الديمقراطية، وهو ما أظهر الانقلابيين وكأنهم مجموعة من المغامرين دون غطاء سياسي أو شعبي، سرعان ما تمت محاصرتهم كما حدث في جسر البوسفور بإسطنبول.

4- إلى جانب تحرك حكومة حزب العدالة والتنمية ضد الانقلاب، وقفت الأحزاب التركية المعارضة سريعاً ضد هذا الانقلاب وأعلنت رفضها له، وهو ما ساهم في وحدة الموقف الدولي الرافض للانقلاب، لذا وجدنا سريعاً تحول المواقف الروسية والأمريكية والأوروبية المتحفظة إلى رفض مُطلق للانقلاب وتأييداً للحكومة التركية. وقد انطلقت هذه المواقف من الحرص على الحفاظ على الديمقراطية، وعدم انجرار تركيا إلى حالة من الفوضى والانقسام والدم، خاصةً وأن تركيا دولة أطلسية ومهمة لجميع هذه الأطراف.

تحديات ما بعد فشل الانقلاب

يتخوف البعض من مرحلة ما بعد فشل الانقلاب، خاصةً وأن أردوغان تعهد علناً بمحاسبة عسيرة لمن قام به، بل وجدد بقوة دعوته إلى تطهير جماعة الداعية فتح الله غولن من الدولة والمجتمع بعد أن اتهم غولن بالوقوف وراء الانقلاب، مع أنه من الصعوبة الاقتناع بأن الرجل ذو الثمانين عاماً والمريض والذي يعيش منذ نحو عقدين في الولايات المتحدة، يستطيع تدبير مثل هذا الانقلاب، ويحرك الجيوش في منتصف الليل. كما أنه من الصعب التصديق أن واشنطن دعمت غولن في تدبير الانقلاب؛ فالولايات المتحدة لو أرادت دعم هذا الانقلاب لوجدت طرق كثيرة لذلك، وليس عبر غولن، ولربما كان مصير الانقلاب مُختلفاً.

وبالتالي، يمكن فهم توجيه التهمة سريعاً لغولن من زاوية الحرب الإقصائية المستمرة التي أعلنها أردوغان ضد أنصار غولن منذ سنوات، لكن الأخطر من هذا هو أن يقوم أردوغان بما يشبه ما كان يقوم به الجيش عقب الانقلاب العسكرية السابقة من إجراءات إقصائية ضد الحياة السياسية. ولعل ما يدفع المرء على هذا الاعتقاد، هو الدعوات القوية لإعادة العمل بإحكام الإعدام بما يعني التخلص من آلاف العسكريين والأمنيين والمدنيين ولاسيما من أتباع غولن بتهمة الخيانة، وكذلك استغلال الانقلاب لشن أوسع حملات الاعتقال في صفوف العسكريين والمدنيين بتهمة التعاون مع الانقلابيين. كما أن من شأن ما حدث إطلاق يد أردوغان في إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية من جديد كي تكون في خدمة تطلعه إلى حكم رئاسي مُطلق الصلاحيات، خاصةً وأن موعد المؤتمر السنوي لمجلس الشورى العسكري هو الشهر المقبل، وعادةً ما يشهد هذا المؤتمر التغيرات الكبرى في قيادات الجيش واتخاذ قرارات جديدة على صعيد المهام والآليات بين المؤسسات الأمنية والعسكرية.  

يبقى القول إن محاولة الانقلاب الأخيرة قد تدفع بالرئيس التركي أردوغان إلى الحد من تدخلاته الخارجية ولاسيما في الأزمة السورية، والانكفاء نحو الداخل من أجل إعادة البيت الداخلي التركي من جديد خاصةً وأن هاجس الانقلاب سيظل يرافقه بعد كل ما حدث.