أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

رغم المعاناة.. العالم يتغير للأفضل

28 أبريل، 2019


تغمرنا يومياً مجموعة هائلة ومثيرة من الأهوال الفظيعة والمآسي المؤلمة التي تحدث في الولايات المتحدة وفي الخارج. وهناك تقارير عن: الأسر التي مزقتها الحرب، أو النزاعات الداخلية أو السلطات عديمة الرحمة، أرواح بريئة تذهب ضحايا لأعمال إرهابية قاسية أو إجراءات حكومية عديمة الإحساس بشكل وحشي، وحريات الأفراد والجماعات المسلوبة من قبل أنظمة قمعية أو سياسات تمييزية.

ومع الكثير من الألم والمعاناة المتراكمة، يصبح من الصعب في كثير من الأحيان الحفاظ على الثقة في غد أفضل وفي انتصار النوايا الحسنة على الشر. وفي الأوقات التي أشعر فيها أنني يطغى عليّ ما يبدو أنه جبال من الشر التي تواجه الإنسانية، أتحول إلى رؤية بسيطة استخلصتها من عالِم اللاهوت والفيلسوف المفضل لديّ «تيلار دي شاردان». قد يشير شاردان إلى أنه ليس هناك المزيد من الشر في عالم اليوم، ولكننا أكثر إدراكاً بالشر الموجود. وهذا تحديداً لأننا أصبحنا أكثر وعياً، وأننا أكثر قدرة على الاستجابة للمعاناة والعمل على تحسين الظروف التي أدت إليها.

قبل قرن من الزمان، وقعت أهوال لا توصف في كل قارة، وكانت معروفة فقط للضحايا والجناة. والأمر ليس كذلك اليوم. فنتيجة للتقدم في وسائل الاتصالات – من التلغراف والإذاعة إلى القنوات الفضائية والإنترنت – نتعرف على ألم وخسارة المآسي العالمية لحظة وقوعها.

وبسبب زيادة الوعي، شهدت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية صعود زعماء متبصرين ومولد منظمات لا حصر لها مكرسة لتخفيف المعاناة وإبراز قضايا السلام وحقوق الإنسان والتسامح بين الشعوب. وبشكل فردي وجماعي، كان هؤلاء الزعماء يدافعون عن حقوق الشعوب في المناطق النائية من العالم، والتي لم يكن بعضها معروف من قبل لهؤلاء الذين يدافعون عنها. كما حارب نفس هؤلاء القادة والجماعات من أجل الحقوق المدنية ومن أجل العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية في بلدانهم

ورؤية استجابتنا المتزايدة للشر يمنحنا الأمل ويلهمنا لبذل المزيد. وخلاصة القول هي إنه على الرغم من كل ما هو خطأ في العالم الآن، فإن الإنسانية، في الواقع، هي أفضل حالاً اليوم أكثر من أي وقت مضى في التاريخ. وهناك بعض الأمثلة على ذلك:

قرأنا تعليقات تشير إلى أن عدم الاستقرار والإرهاب والحروب المندلعة في العالم العربي لم يسبق لها مثيل، ويشير محللون إلى أن كل هذا نتيجة الوحشية المستوطنة أو الاختلال الوظيفي في الثقافة أو المجتمع العربي. ورداً على ذلك، فإنني أطلب من هؤلاء «العلماء» أن يتذكروا أنه في خلال فترة قصيرة من التاريخ مدتها 30 عاماً، خاضت الدول في تلك القارة حربين نجم عنهما الذبح المروع لأكثر من 50 مليون شخص. وعلاوة على ذلك، كان هناك عشرات الملايين من العرب والأفارقة والآسيويين الذين كانوا، خلال نفس هذا الإطار الزمني، ضحايا للحكم الاستعماري القمعي والعنيف في أوروبا.

ومعظم هؤلاء ماتوا دون إثارة أي شك -آنذاك أو الآن – فيما هو خطأ في المجتمع الأوروبي أو الثقافة المسيحية. وبينما فقد أرمن وأوكرانيون وهنود وجزائريون حياتهم بقسوة، لم تُعرف مآسيهم إلا بعد مرور عقود.

ونحن اليوم، من ناحية أخرى، نقوم بتنظيم الاحتجاجات دفاعاً عن مسلمي الروهنجيا، أو شعوب دارفور أو تيمور الشرقية أو غزة، أو اليزيديين والمسيحيين في العراق. ولدينا منظمات غير حكومية دولية تشن حملات من أجل الإنصاف للشعوب المضطهدة في الجانب الآخر من العالم، وتعبئة الاحتجاجات نيابة عن ضحايا التعذيب، أو جمع المليارات من الدولارات لإيواء النازحين بسبب الحرب أو لإنقاذ ضحايا الكوارث الطبيعية أو المجاعة.

وبالنسبة لبلدي، قبل ما يزيد قليلاً عن خمسة عقود، كان الملايين من الأميركيين الأفارقة يعيشون في ظل نظام تمييزي قمعي حرمهم من حقوق الإنسان الأساسية والعدالة. وخلال الحرب العالمية الثانية، فقد أكثر من مئة ألف مواطن أميركي من أصل ياباني أعمالهم وممتلكاتهم وحريتهم أثناء وجودهم في معسكرات الاعتقال طوال فترة الحرب.

واليوم، تمكن الأميركيون من أصل أفريقي- على الرغم من أنهم ما زالوا يعانون عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية وما زالوا ضحايا للعنف على أيدي السلطات- من تحقيق تقدم ملحوظ بسبب صعود الحركات القوية التي نظمها قادتهم من ذوي البصيرة النافذة وبدعم من آخرين من أصحاب الضمائر، التي طالبت بتحقيق العدالة ومارست ضغوطاً من أجل التغيير. وبينما خاف الكثيرون في فترة ما بعد 11 سبتمبر من أن يعاني العرب والمسلمون في أميركا من نفس المصير الذي عانى منه الأميركيون اليابانيون، احتشد تحالف يضم العشرات من جمعيات حقوق الإنسان والمجتمعات الدينية والعرقية للدفاع عنهم. ونفس التحالف اجتمع، بشكل تلقائي تقريباً، في المطارات الأميركية للترحيب بالمسلمين القادمين إلى أميركا بعد أن أعلن الرئيس ترامب عن «حظر المسلمين».

والدروس واضحة. لقد تغير العالم –للأفضل. ورغم أن الشر لا يزال موجوداً، لكن الوعي بالشر والإرادة والقدرة عل مقاومته تمكننا الآن من التغيير.

وفي هذا الإطار، يستضيف المعهد العربي الأميركي هذا الأسبوع حفل العشاء السنوي بمناسبة توزيع جوائز «خليل جبران». ونحن نقيم هذا الاحتفال لتكريم الأفراد والمجموعات التي ساعدت على زيادة وعينا الجماعي بمعاناة العالم وتعمل على تخفيف هذا الألم.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد