أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تنويع الشراكات:

دلالات الجولة السادسة للحوار الاستراتيجي الروسي الخليجي

20 يوليو، 2023


عُقدت في موسكو يوم 10 يوليو 2023 النسخة السادسة من الحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي، الذي عاد للانعقاد سنوياً بعد توقف دام نحو خمس سنوات. ويطرح توقيت انعقاد هذه النسخة من الحوار مجموعة من الدلالات التي تأتي متسقة مع مسعى خليجي منذ جائحة "كورونا"، وتمت بلورته بعد الحرب الروسية الأوكرانية بتنويع الشراكات الدولية.

أهداف استراتيجية:

يُعبر استئناف جولات الحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا عن رغبة مشتركة من كلا الطرفين لتعزيز التشاور بينهما إزاء مختلف قضايا التعاون الثنائي من جهة، والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك من جانب آخر، وذلك لما يحققه هذا الحوار من أهداف لكلا الجانبين، تتمثل في التالي:

1- التنويع الخليجي: وفر تعاظم الأهمية الجيوسياسية لدول الخليج الفرصة لدول مجلس التعاون الخليجي لتنويع شراكاتها وخياراتها الاستراتيجية والدبلوماسية، مع تحول النظام الدولي من نظام أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة، إلى نظام متعدد الأقطاب، مما يعزز ثقل وحضور دول الخليج العربية، وقدرتها على الانخراط في علاقات متنامية مع أطراف شتى حتى وإن كانت تقف على النقيض من المواقف الأمريكية والغربية. 

وبناءً على ذلك كله، يأتي انفتاح دول مجلس التعاون الخليجي على القوى الكبرى بوجه عام، وروسيا على وجه الخصوص، على المستويين الجماعي والثنائي؛ بهدف تعزيز الحضور في التوازن الدولي للقوى والاستفادة المثلى من التغيرات الجيوسياسية العالمية على المستويين السياسي والاقتصادي.

2- الانفتاح الروسي: فرضت الحرب الروسية الأوكرانية مجموعة من الضغوط واسعة النطاق على موسكو جراء العقوبات الغربية المتنامية من جانب، والإدانات الدولية التي وجهت إليها لقيامها بشن عملية عسكرية ضد أوكرانيا بالشكل الذي عبرت عنه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وغيرهما.

ولذلك حرصت روسيا منذ بدء الحرب على أن تظهر للمجتمع الغربي عدم تأثرها بأوجه الضغط الغربي والعقوبات المفروضة عليها، ويظهر ذلك في إقامة مجموعة من اللقاءات والتجمعات التي تكتسب الصفة الدولية التي توصل بها رسائل بأن العالم لم يقف عند حدود القرار الغربي، وأنها أمامها خيارات واسعة في مختلف مناطق العالم لتعزيز التعاون والشراكات، وذلك من خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، في يونيو 2023، وقمة روسيا – إفريقيا المقرر عقدها في أواخر يوليو 2023. ولا يستبعد من هذا المنظور الحرص على تنظيم الجولة الخامسة من الحوار الاستراتيجي الخليجي الروسي، في يونيو 2022، أي بعد أربعة أشهر فقط من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو المنظور الذي يضاف إليه ما يتعلق بالخصوصية الخليجية التي تنبع من الأهمية الجيوسياسية التي تعاظمت مع المتغيرات التي فرضتها الحرب وأزمة الطاقة الدولية، والتي من شأنها الإسهام بشكل مؤثر في التخفيف من العزلة الروسية من جانب، وتعزيز نفوذ روسيا كفاعل مؤثر في الشرق الأوسط.

دلالات مهمة:

تحمل الجولة السادسة للحوار على هذا المستوى مجموعة من الدلالات المهمة، كالتالي:

1- تحرك خليجي جماعي: بدا من خلال التحركات الأخيرة لدول مجلس التعاون الخليجي في علاقاتها مع القوى الكبرى تحديداً أن هناك موقفاً جماعياً بأن تصاغ السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون مع القوى الكبرى بشكل جماعي على الرغم من التباينات المحدودة داخل مجلس التعاون إزاء العديد من القضايا الإقليمية والخليجية. 

ويمكن برهنة ذلك بالنظر إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قد آثرت التعامل مع القوى الكبرى الثلاث (الولايات المتحدة – روسيا – الصين) من خلال ما يمكن تسميته بدبلوماسية القمم؛ وهو الأمر الذي ظهر مع الجولة الخامسة للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا في يونيو 2022، ثم القمة الأمريكية الخليجية التي عُقدت في مدينة جدة، في يوليو 2022، وأعقبتها قمة جدة للأمن والتنمية بحضور الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ثم عقد القمة الخليجية الصينية، في ديسمبر 2022، وأعقبتها قمة عربية صينية. 

وظهر هذا المفهوم في البيان الختامي للجولة السادسة للحوار الاستراتيجي الخليجي الروسي بتأكيد الوزراء أهمية الحوار الاستراتيجي بين "منظومة" مجلس التعاون وروسيا. ذلك بالإضافة إلى الاتفاق في ختام الحوار على تبني خطة عمل مشتركة للفترة 2023 – 2028، في إطار تنفيذ مذكرة التفاهم التي تم توقيعها خلال الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بين الجانبين في نوفمبر 2011. 

وتتضمن الخطة تعزيز الحوار السياسي بين الجانبين، ومواصلة الاتصالات المنتظمة بين وزراء الخارجية، وبين كبار المسؤولين والخبراء من دول المجلس وروسيا لتبادل وجهات النظر بصفة منتظمة حول القضايا السياسية الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ومتابعة وتيرة الإنجاز في تنفيذ خطة العمل المشترك.

2- الاقتصاد كمحرك للعلاقات: يمكن القول إن أهم ما جذب الاهتمام لضرورة التعاون الخليجي الروسي في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هو حيوية دور الطرفين في معادلة الطاقة الدولية، وأزمة الطاقة التي فرضتها الحرب على العالم وخاصة الدول الأوروبية. 

وظهر هذا التعاون بين الجانبين بشكل جلي في تنسيقهما المشترك عالي المستوى في إطار مجموعة "أوبك بلس" التي تبنت قرارات بخفض الإنتاج، وذلك للحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مقبولة. 

ويُعد منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي جانباً آخر من جوانب الاهتمام بالجوانب الاقتصادية للعلاقات بين الجانبين، ولاسيّما مع اختيار روسيا دولة الإمارات العربية المتحدة كضيف شرف للنسخة الأخيرة من المنتدى، فضلاً عن انعقاد قمة قازان "روسيا والعالم الإسلامي"؛ انطلاقاً من رغبة روسيا في توسيع شراكاتها الاقتصادية والتجارية لتخفيف الضغوط الواقعة عليها واستبدال هؤلاء الحلفاء الجدد بمن أدت إلى الحرب إلى توقف العلاقات الاقتصادية معهم وفي مقدمتهم الدول الأوروبية. 

فقد تجاوز إجمالي التجارة بين روسيا ودول الخليج 11 مليار دولار في عام 2022، ارتفاعاً من 3.7 مليار دولار في عام 2011، وهو أحد العوامل الرئيسة التي أدت إلى عدم تأثر الاقتصاد الروسي بشكل كبير جراء العقوبات الغربية المفروضة على موسكو. 

ولهذا كله، عكس البيان الختامي للحوار الاستراتيجي الخليجي الروسي الرغبة المشتركة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بالاتفاق على تهيئة بيئة ملائمة لزيادة التبادل التجاري والاستثمار وتطوير سلاسل إمدادات الطاقة، واستخدام جميع الفرص والاحتياطيات المتاحة لتحقيق ذلك.

3- دعم الدور الخليجي: تمارس دول خليجية أدوار وساطة متعددة في الفترة الأخيرة على المستويين الإقليمي والدولي، مثل جهود حل الأزمات في السودان وسوريا واليمن، أو تقريب وجهات النظر بين إيران والدول العربية، أو بين روسيا وأوكرانيا في اتفاقات تبادل الأسرى. 

ومن المحتمل أن يسهل الحوار الاستراتيجي الخليجي الروسي دعماً روسياً لهذه الأدوار الخليجية، وخاصة على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، سواءً على مستوى تبادل الأسرى، أو بأن يكون لها دور في اتفاقية تصدير الحبوب التي رفضت روسيا تمديدها، وصولاً إلى أدوار إنهاء النزاع بشكل عام. 

ولا يمكن، في هذا الإطار، إغفال دعوة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لحضور القمة العربية الأخيرة التي استضافتها المملكة العربية السعودية، ما يشير إلى أن بإمكان دول الخليج الاستفادة من العلاقات التي نسجتها مع مختلف الأطراف الدولية لتسهيل ممارستها لهذه الأدوار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو ما أشار إليه البيان الختامي للحوار بترحيب الوزراء بجهود دول مجلس التعاون في الوساطة بهدف تهيئة الظروف لحل سياسي للأزمة في أوكرانيا، وفقاً للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وعبروا عن الأمل بأن تؤدي هذه الجهود إلى سلام عادل وشامل ومستدام، واستعادة الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة. وأكدوا أهمية وصول الأغذية والأسمدة دون عوائق إلى الأسواق العالمية وكذلك المساعدات الإنسانية، وذلك للمساهمة في توفير الأمن الغذائي للدول المتضررة. 

وفي المقابل، يمكن أن تهيئ دول الخليج مناخاً ملائماً لروسيا لأداء دور في بعض قضايا المنطقة، بدليل تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بعد الحوار بأنه أبلغ الوزراء الخليجيين بمبادرة روسية لعقد اجتماع تشاوري يتضمن روسيا وجامعة الدول العربية ومجموعة من الدول الإقليمية المشاركة بنشاط في الشرق الأوسط لاستئناف عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين.

وفي الختام، من المرجح أن تسفر الجولة السادسة من الحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا عن تعزيز أوجه التعاون الثنائي على مختلف المستويات، انطلاقاً من إدراك الطرفين الأهمية الاستراتيجية لكل منهما للآخر في معادلة موازين القوة الدولية المتغيرة، وفي إطار رغبة كلا الطرفين الواضحة في أن يسلك العالم مساراً مغايراً نحو التعددية القطبية. ولعل تحديد مكان إقامة الجولة السابعة للحوار العام المقبل في الدوحة دليل على حرص الطرفين على انتظام هذه الجولات وأداء أدوار متقدمة في القضايا المختلفة خلال الفترة المقبلة.