أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

بايدن أم ترامب:

من هو المرشح الأمريكي المفضل لدى أوروبا؟

03 نوفمبر، 2020


لم يقتصر التحضير للانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر إجراؤها يوم 3 نوفمبر الجاري، على السلطات المحلية في الولايات الأمريكية؛ بل امتدت هذه التحضيرات للدول الأوروبية أيضًا، عن طريق مراكز البحوث واستطلاعات الرأي، وذلك لاستشراف رأي المواطنين الأوروبيين بشأن المرشح الأمريكي المفضل لديهم: "ترامب" أم "بايدن"؟. إلّا أن رصد الاتجاهات العامة في انتخابات معينة يُعتبر عملية أكثر تعقيدًا وديناميكية من قياسات الرأي المجتمعية فحسب. 

فبالإضافة لقياس الرأي العام، فإن الحكومات نفسها لها توجهات لا يتم الإعلان عنها صراحة لاعتبارات سياسية تتعلق بالحفاظ على علاقات متوازنة مع أي طرف يصل إلى سدة الحكم. فمعظم الحكومات الأوروبية -في النهاية- لها ظهير حزبي كبير، قد يتشابه في أفكاره وأولوياته مع الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، ومن ثم تنطبع هذه الأفكار على رغبات القادة السياسيين في تفضيل مرشح عن الآخر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وهنا تكمن الإشكالية في تحديد مدى تطابق أو تباين الآراء بين الاتجاهات العامة في الشارع الأوروبي وبين توجهات النخب الحاكمة في فترة معينة، لما لذلك من تأثير على شعبية هذه النخب داخليًّا.

مواقف الحكومات الأوروبية:

لا يُمكن بالطبع استنباط توجهات عامة لكل الحكومات الأوروبية، وذلك نظرًا لاختلاف الخلفية الحزبية للرؤساء ورؤساء الوزراء في الدول الأوروبية، وكذا اختلاف خبراتهم الشخصية تجاه الولايات المتحدة. ومن هنا، يمكن صياغة مجموعة من المؤشرات -التي تمثل مصالح أوروبية حيوية- التي يمكن تقدير توجهات الحكومات بناءً عليها، ومن ثمّ مقارنة مدى تطابقها وتباعدها عن الآراء الشعبية المعبر عنها سلفًا:

1- الاتحاد الأوروبي و"الناتو": فرؤساء الدول الأوروبية الداعمون بشدة للمشروع الأوروبي -على رأسهم "ماكرون" و"ميركل"- يرون توجهات "ترامب" تجاه الاتحاد الأوروبي والناتو تهديداً لمشروع التكامل الأوروبي والتعاون العسكري الأوروبي الأمريكي. حيث كان "ترامب" قد أعلن منذ دخوله البيت الأبيض، أن الاتحاد الأوروبي تم تنظيمه ككتلة "للاستفادة" من الولايات المتحدة، بل وأشار إلى الأمر باعتبارها تهديداً للأمن القومي، وذلك لتبرير التعريفات الحمائية على الاتحاد الأوروبي في مجال البضائع. أما بالنسبة لحلف الناتو فقد تساءل "ترامب" عن أهمية الدخول في حلف عسكري بالنسبة لأكبر قوة عسكرية في العالم، وأن أوروبا هي المستفيد الوحيد منه . لذا، فمن وجهة نظر فرنسا وألمانيا، فإن هذا الموقف يتعارض مع السنوات العديدة التي قضتها الإدارات الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة في تشجيع التكامل الأوروبي والدفاع المشترك بشكل أعمق. على العكس من ذلك، فإن "بوريس جونسون" في بريطانيا وحكومات دول الحياد كسويسرا والدول الأوروبية الأخرى غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (وعددهم 23)، لا يمثل لهم هذا العامل أي تأثير في تفضيل أي من المرشحين عن الآخر، وإن كانوا ينشغلون كثيرًا بموقف الرئيس الأمريكي من حلف الناتو.

2- المقاربة تجاه العمل متعدد الأطراف: لم يسبق لرئيس أمريكي أن انتقد الأمم المتحدة كإطار للعمل متعدد الأطراف كما فعل الرئيس "ترامب"، الذي حول الانتقادات أيضًا إلى إجراءات فعلية بتقليص مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية الأمم المتحدة. من هنا، فإنه بقدر ما تُولِيه بعض النخب الحاكمة في أوروبا للأمم المتحدة كإطار للتعاون والعمل المشترك، بقدر ما سيكون هناك تفضيل لمرشح دون آخر. ويظهر هذا المؤشر في تصريحات "ماكرون" في أغسطس الماضي، حيث قال إنه من المهم للغاية -في السياق الدولي- أن تتمكن الولايات المتحدة من لعب دورها كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكعضو مشارك بالكامل في القضايا متعددة الأطراف. كما أشار إلى أن أوروبا بحاجة إلى مشاركة الأمم المتحدة في حل النزاعات، وأن تكون الولايات المتحدة شريكًا في الأمن الجماعي لأوروبا.

3- المصالح الاقتصادية: كانت الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 1994. كما زاد هذا العجز في تجارة السلع مع الاتحاد الأوروبي إلى أكثر من عشرة أضعاف خلال العشرين عامًا المنصرمة (من 17 مليار دولار في عام 1997 إلى 178.5 مليار دولار في عام 2019)، في حين كان الميزان التجاري للخدمات يحقق فائضًا بالنسبة للولايات المتحدة منذ بدء التسجيل في عام 2003. خلال فترة ولاية "ترامب"، زادت الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة بنسبة 23.7٪، بينما زادت الصادرات الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 24.9٪. أما بالنسبة للاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي فقد انخفض في ظل إدارة "ترامب" عما كان عليه في الماضي. فعندما تولى "دونالد ترامب" منصبه، كان الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في الاتحاد الأوروبي قد بلغ 3.3 تريليونات دولار. أما في عام 2018، فانخفض هذا الرقم إلى 3.2 تريليونات دولار. في الوقت نفسه، وربما بسبب تضييق الخناق في المجال التجاري، زاد الاستثمار الأوروبي المباشر في الولايات المتحدة من 2.0 تريليون دولار في عام 2015 إلى 2.5 تريليون دولار في عام  2019. هنا تأتي الحسابات التجارية، فكل دولة أوروبية ستعقد مقارنةً بين عصر ما قبل "ترامب" وما بعد "ترامب" بالنسبة لميزانها التجاري والتكوين الرأسمالي بها، وبناءً عليه تحدد النخب الحاكمة تفضيلاتها بين المرشحين.



توجهات المواطنين الأوروبيين:

تتمثل أهم توجهات المواطنين الأوروبيين تجاه الانتخابات الأمريكية فيما يلي:

1- دعم "جو بايدن": وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة YouGov البحثية في أوروبا، فإن غالبية الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في سبع دول أوروبية كبيرة (حوالي 7391 بالغًا) يرغبون في أن يتفوق المرشح الرئاسي الديمقراطي "جو بايدن" على الرئيس "دونالد ترامب" في الانتخابات الأمريكية لعام 2020 ، في مؤشر قوي على انخفاض شعبية الرئيس الأمريكي في القارة الأوروبية. وتجدر الإشارة إلى أن الدول التي يشملها الاستطلاع هي: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والدنمارك، والسويد، وإسبانيا، وإيطاليا. وقد تباينت نسب تأييد "بايدن" من 58% إلى 80%، بينما انحصرت نسب تأييد "ترامب" بين 6% و20% حسب كل دولة. وقد جاءت نتائج الاستطلاع كالتالي بالشكل الموضح في الصورة التالية.


2- نزاهة العملية الانتخابية: في ضوء تصريحات الرئيس "ترامب" بأن بطاقات الاقتراع عبر البريد -التي تُستخدم على نطاق واسع خلال فترة انتشار الوباء- ستؤدي إلى تزوير كبير لأصوات الناخبين، ورفضه مرارًا وتكرارًا التصريح بأنه سيقبل بنتيجة الانتخابات؛ فقد قام الاستطلاع ذاته باستبيان آراء المواطنين بشأن مدى ثقتهم في نزاهة الانتخابات الأمريكية. هذا، وقد جاءت النتائج متوازنة إلى حدٍّ ما، حيث أدلى حوالي من 30 - 40% بآراء إيجابية بشأن مدى نزاهة الانتخابات الأمريكية (سواء توقعوا نزاهتها بالكامل أو بشكل كبير)، بينما أدلى حوالي من 37 - 50% بآراء سلبية بشأن مدى نزاهة الانتخابات (سواء توقعوا عدم نزاهتها بشكل كامل أو جزئيًّا). وقد جاءت نتائج مؤشر النزاهة على النحو التالي:


 

وإن هذه المؤشرات الأولية المعبرة عن تحفظ كبير تجاه الرئيس "ترامب" في أوروبا، والتي تتشكك أيضًا في نزاهة الانتخابات، لها بعض الشواهد والمؤشرات العملية السابقة على الأرض في دول أوروبية عديدة، وأهمها على سبيل المثال استقبال الرئيس "ترامب" باحتجاجات كبيرة أثناء زياراته إلى المملكة المتحدة في 2018، حيث قام نشطاء في لندن بصناعة بالون يصور "ترامب" على أنه طفل برتقالي عملاق، وفي قمة مجموعة العشرين في هامبورج بألمانيا التي عُقدت في عام 2017، صاحب وصول "ترامب" أعمال شغب عنيفة ولافتات منددة بسياسته الخارجية تجاه الدول المجاورة.

بالإضافة إلى تصريحات بعض التيارات الشعبية الداعمة للاتحاد الأوروبي -خاصة في فرنسا- والتي أشارت إلى أن المتوقع أن يؤدي وصول رئيس ليبرالي للبيت الأبيض في عام 2021 إلى تنشيط التحالف عبر الأطلسي، وإعادة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ، وإلغاء معظم التعريفات الجمركية التي فرضها "ترامب" على حلفاء الولايات المتحدة، وعلى الأقل تجنب تدليل الفصائل والقوى التي تسعى إلى تقويض وحدة الاتحاد الأوروبي (في إشارة للأحزاب اليمينية) .

السياسات الأوروبية المستقبلية:

على الرغم من الاهتمام الأوروبي الكبير بالانتخابات الأمريكية -سواء على المستوى الشعبي أو المستوى الحكومي-، وبالرغم من وجود مؤشرات أولية للتفضيلات السياسية للمواطنين الأوروبيين لمرشح أمريكي دون آخر؛ إلّا أن حسم الموقف -في النهاية- يعتمد على تفاعلات الداخل الأمريكي، وخاصة اهتمام الناخبين بقضايا مثل الهجرة والإرهاب التي أكسبت "ترامب" قواعد كبيرة في ولايته الأولى.

ويبقى التساؤل: هل ستتغير الأمور والتحفظات الأوروبية إذا أُعيد انتخاب "ترامب" في نوفمبر؟ في الواقع، تشير شعارات حملته "الحفاظ على أمريكا العظيمة" إلى فترة ولاية ثانية قد لا يكون فيها أي انحراف عن المسار الحالي للسياسة المتبعة. وعلى الرغم من أن أوروبا ربما لن تكون محور التركيز الرئيسي لفترة ولاية "ترامب" الثانية؛ إلا أن التهديد بفرض رسوم جمركية وقيود على السلع والمصنعين الأوروبيين سيبقى هاجسًا حاضرًا في أوروبا لمدة أربع سنوات أخرى. 

كما سيتعين على أوروبا أيضًا أن تصبح أكثر استقلالية، وربما أيضًا أكثر برجماتية في السباق الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين. أيضًا إذا فقد الجمهوريون أغلبيتهم في الكونجرس، فقد يصبح "ترامب" أكثر حرية في مجال التجارة، حيث ستظل السياسة الخارجية إحدى المسؤوليات الرئاسية الحصرية. من الناحية النظرية، يمكن لإدارة "ترامب" الثانية أن تحاول العمل مع الاتحاد الأوروبي لمعالجة المخاوف المشتركة بشأن الصين، لكن النهج الذي اتّبعته الإدارة الحالية على مدى السنوات القليلة الماضية يشير إلى أن هذا التكتيك لا يعتبر المفضل لديها. فيما قد يؤشر فوز "جو بايدن" بالرئاسة إلى مقاربة أكثر تصالحية مع أوروبا على الرغم من أن التحول الكامل في جميع سياسات عهد "ترامب" يبدو غير مرجح بل غير ممكن من الناحية العملية.