أعاد القرار الجديد الذي اعتمده مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 19 يونيو الجاري، والذي يطالب إيران بالسماح لمفتشي الوكالة بدخول موقعين نوويين والرد على بعض الأسئلة التي طرحتها بخصوص بعض الأنشطة النووية، البرنامج النووي الإيراني إلى مرحلة ما قبل الوصول لخطة العمل المشتركة.
إذ يفرض هذا القرار الجديد مزيداً من الضغوط الدولية التي تتعرض لها إيران، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن الطرف الذي قام بطرحه للتصويت، وإنما بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على نحو يوجه رسالة لإيران بأن هناك تقارباً ملحوظاً في المواقف الأمريكية والأوروبية تجاهها.
ورغم أن هناك دعوات داخلية عديدة لوقف العمل بالاتفاق النووي، كرد على قرار الوكالة، فإن طهران لم تكشف بعد عن الخيارات التي يمكن أن تستند إليها في هذا السياق، خاصة أن لكل منها تكلفة قد لا تستطيع تحملها في الوقت الحالي.
ضغوط مستمرة:
يطرح صدور هذا القرار، الذي تقدمت به كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 19 يونيو الجاري، وحصل على تأييد 25 دولة من إجمالي 35 (امتنعت 7 دول عن التصويت وعارضته الصين وروسيا وغابت دولة عن الاجتماع) في هذا التوقيت، دلالات عديدة ترتبط بموقع إيران على الساحة الدولية، لاسيما اتجاهات علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- تجدد الشكوك: تمثلت إحدى نتائج الوصول لخطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي) بين إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، في إغلاق الملف الخاص بوجود جانب عسكري للبرنامج النووي الإيراني، في إطار الجهود التي بذلتها إيران في هذه الفترة من أجل تبديد الشكوك التي حامت حول أنشطتها النووية، والتي دعمها الكشف عن معلومات خاصة بمنشآت تجري فيها إيران أنشطة نووية بعيداً عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن هنا، فإن فتح هذا الملف مجدداً يكشف أن عدم الثقة أصبح سمة رئيسية في العلاقات بين إيران والوكالة، وأن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من التوتر خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد الإجراءات التصعيدية المتعددة التي اتخذتها إيران منذ منتصف عام 2019 للرد على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق وفرض عقوبات أمريكية جديدة عليها وعدم قدرة الدول الأوروبية على رفع مستوى التعاملات الثنائية لاحتواء تداعيات ذلك.
2- دور الاستخبارات: باتت المعلومات الاستخباراتية تفرض أزمات متعددة لإيران، خاصة أنها ساهمت، إلى حد كبير، في الكشف عن أنشطتها النووية السرية، وساعدت في تكريس حالة عدم الثقة في علاقاتها مع الوكالة. وهنا، فقد ادعت إيران أن ما قضى به القرار الأخير الذي اعتمده مجلس محافظي الوكالة لا يبدو أنه ينفصل عن ما تروج له إسرائيل من معلومات عن برنامجها النووي قالت أنه تم الحصول عليها من الأرشيف النووي الإيراني الذي نجحت في الوصول إليه.
ومن هنا، يمكن تفسير رد فعل إيران بعد اعتماد القرار الأخير، إذ اتهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بـ"خدمة خصمى إيران اللدودين: الولايات المتحدة وإسرائيل".
وكان لافتاً في هذا السياق أيضاً، حرص إيران على انتقاد التجربة الصاروخية التي أجرتها فرنسا، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوي، في 20 يونيو الجاري، أن "هذه التجربة تتناقض مع التزامات هذا البلد وتمثل انتهاكاً للمادة السادسة من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي ولا تتوافق مع تعهد باريس بنزع السلاح النووي".
ويمكن القول إن هذه الخطوة التي قامت بها إسرائيل ليست الأولى من نوعها. إذ سبق أن اضطرت إيران، على سبيل المثال، في يونيو 2009، إلى الإعلان عن منشأة تخصيب اليورانيوم في فوردو، بعد أن نجحت بعض أجهزة الاستخبارات في كشفها، ما سبب إحراجاً لإيران على المستوى الدولي وألقى مزيداً من الأضواء على إمعانها في الالتفاف على مطالب المجتمع الدولي وعدم التعامل بشفافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
3- الاقتراب الأوروبي من السياسة الأمريكية: بات واضحاً أن الدول الأوروبية تتجه تدريجياً نحو الاقتراب من السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية إزاء إيران، وهى السياسة التي سبق أن حاولت اتخاذ خطوات إجرائية من أجل احتواء تداعياتها على علاقاتها الثنائية مع إيران دون أن تنجح في ذلك.
وبالطبع، فإن ذلك يوجه رسالة لإيران مفادها أن إمعانها في اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية، خاصة فيما يتعلق بتعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو تجاوزها لكمية ومستوى اليورانيوم المخصب، من شأنه دفع تلك الدول إلى تأييد الإجراءات العقابية الأمريكية، وربما التوجه مستقبلاً نحو تبني موقف مشترك من الملفات الخلافية العالقة مع إيران.
وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا حرصت على تأكيد أن رفع الحظر المفروض على الأسلحة في 18 أكتوبر 2020 من شأنه أن يفرض تداعيات سلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة.
إذ كتب وزراء خارجية الدول الثلاث في خطاب مشترك أن "رفع الحظر المقرر في أكتوبر المقبل الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأسلحة التقليدية والذي وضع بموجب القرار 2231 يمكن أن تكون له آثار كبيرة على الأمن والاستقرار الإقليميين".
وهنا، فإن إيران لن تستطيع مواصلة اتباع السياسة السابقة التي كانت تعتمد على التباينات في المواقف الأوروبية والأمريكية تجاهها من أجل توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها وتقليص حدة الضغوط التي تفرضها العقوبات الأمريكية.
خيارات محدودة:
إن ما سبق في مجمله يوحي بأن مساحة المناورة باتت محدودة أمام إيران في ظل الضغوط الأمريكية والأوروبية التي تتعرض لها. إذ أن استجابتها لمطالب الوكالة الدولية تعني أن الجهود الإسرائيلية والأمريكية أنتجت معطيات جديدة على الأرض في غير صالحها وربما يتكرر مثل هذا السيناريو في مراحل لاحقة.
أما إذا قررت الاستجابة لضغوط تيار المحافظين الأصوليين، وربما الحرس الثوري، وقررت تصعيد الموقف واتخاذ مزيد من الإجراءات الخاصة برفع مستوى أنشطتها النووية، فإن ذلك قد يكون كفيلاً بانهيار الاتفاق النووي، بكل ما يمكن أن ينتجه ذلك من عواقب وخيمة عليها.