أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

تثبيت النفوذ:

الدوافع الروسية وراء مبادرة إعادة اللاجئين السوريين

21 أغسطس، 2018


أثارت المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين إلى سوريا جدلاً واسع النطاق حول مدي وجود سياقات مهيأة لضمان أمن العائدين إلى سوريا في ظل استمرار الصراعات الداخلية، وتعثر عملية التسوية، وانتشار الميليشيات المسلحة، فضلاً عن احتدام الحرب بالوكالة بين الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في سوريا والمخاوف من ممارسات الثأر بين الفرقاء السياسيين، وتركيز النظام السوري على تأكيد تثبيت سيطرته على العديد من المناطق.

مبادرات العودة: 

يكاد خطاب "عودة اللاجئين السوريين" بالنسبة للتعامل السياسي الروسي مع المسألة السوري أن يحتل مكان خطاب "محاربة الإرهاب" الذي ظلت موسكو تستخدمه لسنوات في تناولها للمسألة السورية. حيث كانت وما تزال روسيا تستميت في سبيل اعتبار أي واحدة من هاتين المسألتين جوهر القضية السورية، الذي يجب على القوى الدولية والإقليمية، وحتى مُختلف القوى السياسية السورية، أن تُجمع عليها في وعيها وتعريفها للمسألة السورية. 

وفي يوليو 2018 أصدرت مُختلف المؤسسات الروسية العديد من التقارير والتصريحات والتحركات في ذلك الاتجاه. إذ أكدت وزارة الدفاع الروسية أن أكثر من 1.2 مليون نازح سوري في الداخل عادوا إلى ديارهم خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى 300 ألف لاجئ من دول أخرى. فيما أوضح رئيس المركز الوطني الروسي لإدارة الدفاع، الفريق أول ميخائيل ميزينتسيف، أثناء وخلال الاجتماع الذي عقدته اللجنة المشتركة بين الوزارات الروسية الخاصة بعودة اللاجئين السوريين أن هناك أكثر من 6.5 ألف لاجئ عادوا إلى وطنهم خلال شهر.  كذلك أعلن ممثل الخارجية الروسية في اللجنة "نيكولاي بورتسيف" أثناء الاجتماع أن ما يقدر بحوالي 80% من اللاجئين السوريين المتواجدين في سوريا، أعلنوا عن استعدادهم للعودة إلى ديارهم.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة بأن الاستراتيجية الروسية تقسم اللاجئين السوريين إلى ثلاثة أقسام: اللاجئون السوريون في كُل من لُبنان والأردن، الذين يُقدرون بحوالي ثلاثة ملايين لاجئ، واللاجئون في تُركيا الذين يُقدرون بحوالي أربعة ملايين لاجئ، والنازحون في الداخل السوري الذين يُقدرون بحوالي ستة ملايين لاجئ.

وتُدرك موسكو أنها لا تستطيع أن تكون فاعلة في ملف اللاجئين السوريين في تُركيا، لأسباب تتعلق بالقرار الاستراتيجي للحكومة التُركية، التي تسعى لأن تستخدم هؤلاء اللاجئين مثلاً كخزانٍ استراتيجي للقوى المُسلحة السورية الرديفة لتُركيا، وفي خلق توازن سياسي مع الدول الأوربية في الملف السوري، عبر تهديد هذه الدول بإغراقها باللاجئين السوريين...الخ، لذا تعتقد روسيا بأن ملف اللاجئين السورين في تُركيا لا يُمكن له أن يُحل قبل تحديد مصير منطقة إدلب. 

كذلك تعلم روسيا بأن ملف اللاجئين السوريين في الداخل السوري لا يحتاج إلى استراتيجية مركزية، وأن هؤلاء سوف يُعيدون تمركزهم في مُختلف المناطق السورية وفق مُقتضيات الأحوال السورية، الاقتصادية والأمنية والتنموية على حدٍ سواء، ولهذا تركز الاستراتيجية الروسية على عودة اللاجئين من كل من لبنان والأردن.

محفزات دافعة: 

تهدف موسكو لتحقيق مجموعة من الأهداف من وراء إعادة اللاجئين وهو ما يمكن الإشارة إليه فيما يلي: 

1-تثبيت سيطرة النظام: تسعى موسكو من خِلال إصرارها على عودة اللاجئين للإيحاء بأن سوريا تحت سُلطة النِظام صارت آمنة تماماً، وأنها لم تعد بؤرة للصراع السياسي والعسكري بين مُختلف القوى، حيث أن كل من النظام السوري وموسكو يخشيان من فكرة "الحل السياسي" والذي يعني تقاسم النفوذ بين العديد من القوي السياسية في حكم سوريا، وهو ما سيؤدي لضعف سلطة ونفوذ النظام السوري.

2-تفادي المساءلة الدولية: تدرك روسيا بأن  ملاحقة ومُحاكمة المُنخرطين السوريين في جرائم الإبادة السورية تحتاج إلى قرار سياسي دولي، وأن العديد من القوى الدولية ستظل تستخدم  هذا الملف ضد النِظام السوري في مرحلة ما بعد نهاية محاربة داعش، ومن ثم تري الاستراتيجية الروسية أن عودة اللاجئين وخلق نوعٍ من الاستقرار المضبوط سيُنتج أداة وملفاً في يد النِظام السوري، يستطيع عبره مساومة القوى الدولية  لو واجهت هذا النِظام بأي شكل من اشكال المُحاسبة، التي قد تُطيح بالاستقرار من جديد، وبذلك تعيق تدفق ملايين اللاجئين السوريين مُجدداً، وعودة دورة العُنف، أو بعبارة أخري يمكن القول أن أحد أسباب الإصرار على عودة ملايين اللاجئين أن النظام السوري يستطيع التهديد بهم  عبر تهجيرهم من جديد لو تعرض مُستقبلاً لتهديدات حقيقية من قِبل القوى الدولية. 

3-تطبيع العلاقات:  تُدرك كل من روسيا وتركيا بأن اللاجئين السوريين في دول اللجوء يُشكلون أزمات سياسية وديموجرافية واقتصادية لهذه الدول، وأن مُختلف القوى السياسية في هذه الدول، بالذات في لُبنان، أنما تتصارع فيما بينها لدفع هذا الحمل "الثقيل" عن كاهلها، ولأجل ذلك، فأن هذه الاستراتيجية تهدف لخلق نوع من المساومة مع هذه الدول، تقوم على تسهيل روسيا والنِظام السورية لعملية عودة اللاجئين، مُقابل أن تُقدم هذه الدول تسهيلات للنِظام السوري، وأن تُعيد القوى السياسية اللبنانية المُناهضة للنِظام السوري عملية "تطبيع" علاقاتها مع النظام، ولا تعترض على مسألة إعادة العلاقات اللبنانية السورية إلى سابق عهدها. كذلك على الأردن أن يفعل، بالضبط من خلال رفعه لمظلة حمايته لأعداد كبيرة من المُعارضين السوريين، ودعمه لبعض القوى والفصائل السورية. 

4- عمليات إعادة الإعمار: تسعى روسيا لأن تُجلب مبالغ مالية ضخمة للنِظام السوري ومؤسساته من خلال عملية إعادة الإعمار، فمن جهة  ترغب موسكو في أن توحي للولايات المُتحدة والدول الأوروبية بأن حجبها لتقديم الأموال اللازمة لإعادة الإعمار في سوريا سوف يزعزع أحوال القواعد الاجتماعية السورية، خصوصاً ملايين اللاجئين الذين عادوا إلى بُنى تحتية وأحوالٍ اقتصادية شبه مُهترئة، وأن ذلك قد يؤدي لانضمام أعداد كبيرة منهم إلى التنظيمات المُتطرفة، تعرف روسيا حيوية ودور ذلك، في ظل أوضاعٍ اقتصادية مريرة يعاني منها حُلفاء النِظام السوري، خصوصاً إيران. 

5- تحجيم حركات المقاومة: ترى هذه الاستراتيجية بأن ملايين السوريين، سواء في مُخيمات أو مُدن دول الجوار، يُمكن أن يتحولوا إلى حالة مُركبة شديدة التعقيد بالنسبة للنِظام السوري، شبيهة بحالة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، الذين ظلوا لأكثر من نصف قرن كخزان بشري لدعم حركات مقاومة إسرائيل، بعبارة أخري، فأن بقاء قُرابة نصف الشعب خارج القبضة المباشرة للنِظام السوري، أنما تحد آليات وقُدرة هذه النِظام على ضبط هذه القواعد والهيمنة المُطلقة عليهم. 

تحديات معقدة: 

تحاول استراتيجية عودة اللاجئين الإيحاء بأنها موجة إيجابية تسعى لمساعدة السوريين في تحسين أحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإنهاء الصراع السوري المُسلح. لكنها في المُحصلة لا تُراعي عدد من المخاوف الأساسية للاجئين السوريين خصوصاً في الأردن ولبنان، في حال قسرهم على العودة، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 

1-الثأر السياسي: تحاول هذه الاستراتيجية الإيحاء بأن فكرة الأمان إنما تكمن في نهاية الحرب والاشكال الأخرى من الصراع المُسلح، بينما يتوجس اللاجئون السوريون من حالات التعنيف والتغييب القسري والاعتقال التي يُمكن أن تمارسها أجهزة النِظام السوري، كنوع من الثأرية الطائفية والسياسية من هذه القواعد الاجتماعية، التي قد تصل درجة أخذهم كرهائن لابتزاز ذويهم الناشطين في الشأن العام، لاسيما بعد خرق النظام للعديد من الاتفاقيات التي صكها الروس نيابة عنهم، ومن ثم فأن الشعور بالأمان يُشكل الحافز الأول لأية عودة طوعية للاجئين السوريين، خصوصاً الأمان من حملات الثأر السياسي والطائفي الذي قد يطالهم. 

2-انهيار البني التحتية: لا توضح استراتيجية العودة للاجئين السوريين من لُبنان والأردن آليات توفير سياق مناسب يسمح للعائدين بالحصول الحصول على أعمال ومصادر رزق مُناسبة، ولا تُبدي هذه الاستراتيجية أية اهتمام بذلك، خصوصاً وأن هؤلاء سيعودون إلى بيئات سُكانية وبنى تحتية مُحطمة تماماً، لاسيما فيما يتعلق بقطاعي التعليم والصحة العامة، وهو ما قد يعني أن ملايين السوريين سيتحولون لعمالة رخيصة لخدمة بعض رجال الأعمال الذين لازالوا مستمرين في سوريا.

3- هواجس التغيير الديموجرافي: لا يمتلك هؤلاء اللاجئون أية ضمانات واضحة حول حقوقهم المواطنية الطبيعية/التقليدية، مثل العودة إلى المناطق التي كانوا يسكنونها من قبل، دون أن يكون جزء من أية لعبة للتغيير الديموجرافي، وطبعاً لأن يتمكنوا من استعادة ممتلكاتهم، بالذات من القوى التي استولت عليها عبر العُنف، وتوحي القوانين والمراسيم التي اصدرتها السُلطات السورية في الفترات الأخيرة بعكس ذلك تماماً، خصوصاً تلك التي تتعلق بإعادة رسم وتخطيط المناطق العُمرانية، التي قد تسحب يد الكثير من المواطنين السورين من مُمتلكاتهم، وفي مستوى أكثر راديكالية دفعهم لتغيير أماكن سُكناهم وإقامتهم.