أخبار المركز
  • د. إبراهيم غالي يكتب: (الكابوس النووي القادم في آسيا والعالم)
  • د. محمود سلامة يكتب: (استجابة ثلاثية: بدائل تقليل الخسائر التعليمية في صراعات الشرق الأوسط)
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)

الصناعة والمكافحة:

كيف يُغير الذكاء الاصطناعي مشهد الجريمة الاقتصادية؟

10 يوليو، 2024

image

ثمة لحظات تقنية تصنع تحوُّلات جوهرية في تاريخ البشرية؛ إنها تلك اللحظات التي تؤرخ لإطلاق أو اكتشاف تقنيات مُبتكرة، أو بدء انتشارها واستخدامها واسع المدى؛ الأمر الذي ينعكس لدرجة هائلة على الصناعات والمجتمعات فتغيِّر العالم بأسره. من بين اللحظات التقنية الفائتة اختراع يوهانس غوتنبرغ آلة الطباعة في عام 1455، وظهور أول حاسب آلي شخصي عام 1974. وعلى ذات المِنوال، تصف كتابات عدة عام 2023 بأنه "لحظة الذكاء الاصطناعي".

بينما يُتابع العالم عن كثب الاستخدام المُتنامي للتقنيات والتطبيقات المؤيدة بالذكاء الاصطناعي، يُشير ساندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة "جوجل" الأمريكية إلى "أننا نقف على عتبة لحظة الذكاء الاصطناعي، الذي سيُحدث ثورة في جميع مناحي الحياة". إنها نقطة التحوُّل المحورية التي تصف التقدم المُتسارع والانتشار المُتنامي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، لتُعيد هيكلة اقتصادات البلدان، وتُغيِّر نمط العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. بيد أن هذه المكاسب اللامحدودة يواجهها على طرف نقيض مزيد من المساحات القابلة لنشوء الجريمة الاقتصادية فتُصبح أكثر تطوراً وخطورة.

لقد أضحى للذكاء الاصطناعي دور رئيس في اتساع نطاق الجريمة السيبرانية ودرجة تعقدها، حتى إن تقديرات حديثة تتوقع ارتفاع تكلفتها عالمياً لتُسجل 20 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2026، بعد أن بلغت 6 تريليونات دولار في 2021؛ يواكب ذلك أيضاً بزوغ عهد جديد لجرائم الاحتيال المؤيدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ يُنذرنا سيدارت فينكاتارا ماكريشنان، في مقاله بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية منشورة في 19 يناير 2024، بأن "الذكاء الاصطناعي يُبشر بالجيل القادم من عمليات الاحتيال المالي".

وبالتوازي، تطورت جريمة "غسل الأموال"، التي تتراوح تكلفتها السنوية ما بين 1.4 و3.5 تريليون دولار، والتي صارت مؤيدة بالذكاء الاصطناعي؛ لأنه يُسهم في تسهيل عملية إخفاء الأصول المالية غير المشروعة، وتمويه طبيعة المعاملات لتجنب اكتشافها من قِبل السلطات التنظيمية والقانونية. اللافت للانتباه أن دينامية الساحة الدولية للجريمة الاقتصادية المؤيدة بالذكاء الاصطناعي لا تقتصر على هذه الجرائم الثلاث فقط –الجريمة السيبرانية والاحتيال وغسل الأموال– ولكنها تمتد لغالبية فئاتها الأخرى.

وهكذا، يشهد العالم سباقاً محموماً للتسلح بتقنيات الذكاء الاصطناعي، عبر عنه فاتسا ناراسيمها، الرئيس التنفيذي لشركة "كومبلاي أدفانتج" البريطانية (ComplyAdvantage) في مطلع عام 2024 قائلاً: "لقد أضحى الذكاء الاصطناعي أداة لكل من المُجرمين والمؤسسات؛ إذ يستخدمه المُجرمون لابتكار أساليب جديدة للاحتيال على العُملاء، بينما تستفيد منه المؤسسات للتغلب على المُحتالين وحماية عملائها". ولعل ذلك يطرح تساؤلاً حول طبيعة هذا السِّجال، والمقومات التي يُمكن أن تُعين الفريق الأخير للتفوق على الأول. تلك هي الإشكالية التي تطرحها هذه الدراسة مُستندة إلى منهج التحليل الاستقرائي ومراجعة الأدبيات والكتابات السابقة، مع إشارة خاصة لعدد من النماذج ودراسات الحالة.

جاءت الدراسة في ستة أقسام؛ اختص القسم الأول منها بتبيان ماهية الجريمة الاقتصادية المُؤيدة بالذكاء الاصطناعي، واستعرض القسم الثاني المشهد الراهن لها وتداعياتها الرئيسة. ثم ألقى القسم الثالث الضوء على جريمة الاحتيال المالي المؤيدة بالذكاء الاصطناعي كدراسة حالة. وانتقل القسم الرابع إلى مناقشة دور الذكاء الاصطناعي في مكافحة الاحتيال المالي، في حين ألقى القسم الخامس الضوء على عدد من التحديات والفرص المستقبلية لمكافحة الجريمة الاقتصادية. وأخيراً، قدَّمت الدراسة بعض الملاحظات الختامية في القسم السادس.