أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تكتلات عملاقة:

مُحفزات الاندماج والاستحواذ الاقتصادي في الخليج

07 أكتوبر، 2016


أصبح الاندماج والاستحواذ بين المؤسسات الاقتصادية توجهاً عالمياً خلال الفترات الأخيرة، حيث يتم عن طريق نقل جزء من أو كل الملكيات أو حقوق الانتفاع في الممتلكات أو الأسهم أو الحصص أو الالتزامات بين الشركات والكيانات الاقتصادية المختلفة. وتساهم مثل هذه العمليات في تعزيز فرص النمو والتوسع الاقتصادي، ولاسيما في ظل التباطؤ الذي تشهده معظم الأسواق في العالم.

ولم تكن دول مجلس التعاون الخليجي بعيدة عن مثل هذه التوجهات، حيث شهدت أعداد وقيم عمليات الاندماج والاستحواذ بها زيادة ملحوظة. إذ ارتفع عدد العمليات بها من حوالي 197 عملية اندماج واستحواذ بقيمة نحو 23 مليار دولار في عام 2006، لتصل إلى نحو 423 عملية بقيمة 40 مليار دولار العام الماضي، مع توقعات بارتفاع قيم العمليات لتبلغ 50.1 مليار دولار لعدد 395 عملية بنهاية عام 2016، وفقاً لتقديرات معهد الاندماجات والاستحواذات والاتحادات.

نماذج خليجية

بدايةً، يشير الاندماج إلى التحام كامل بين شركتين في شركة دامجة واحدة فقط، بحيث ينتهي وجود الشركة المندمجة، وتنتقل أصول وخصوم الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة. ويُقصد بالاتحاد، وهو أحد أشكال الاندماج، تحالف شركتين أو أكثر لتشكيل كيان جديد كلياً، بحيث تزول الشركتين أو أكثر، ويستمر الكيان الجديد في العمل. أما الاستحواذ، فيتمثل في قيام شركة بشراء حصة الأغلبية في شركة أخرى بدون دمج أصول الشركتين المعنيتين وبدون زوال الصفة القانونية لأي منهما.

وثمة نماذج عديدة على عمليات الاندماج والاستحواذ في دول الخليج العربية، ويمكن عرض أبرزها وفقاً لتصنيفين، أولهما داخل حدود الدولة، والأخر عمليات عابرة للحدود، كالتالي:

1- أبرز عمليات الاندماج والاستحواذ الوطنية داخل حدود دول الخليج:

يسعى كل من بنك الخليج الأول (شركة مساهمة عامة) وبنك أبو ظبي الوطني (شركة مساهمة عامة) لتنفيذ صفقة اندماج متكافئ بهدف إنشاء أكبر بنك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث الأصول. إذ سيبلغ إجمالي أصول البنك الدامج نحو 175 مليار دولار، وإجمالي حقوق المساهمين 24.5 مليار دولار، وستبلغ قيمته السوقية حوالي 29.1 مليار دولار. ومن المقرر أن يحتفظ البنك الموحد بالعلامة التجارية "بنك أبو ظبي الوطني"، ومن المرجح أن يصبح الاندماج نافذاً في الربع الأول من عام 2017. ويُتوقع أن ينتج عن هذا الاندماج ما يلي:

  • بنك رائد في الإمارات من حيث الأصول، بشبكة علاقات عالمية تلبي متطلبات العملاء المستهدفين، وسيستفيد البنك من تواجده الدولي في 19 دولة، ويجمع بين أفضل الخدمات المصرفية للأفراد والشركات، ويمتلك مقومات النمو في إدارة الثروات العالمية.
  • انخفاض في التكاليف بمقدار 500 مليون درهم سنوياً.
  • امتلاك قدرات كبيرة من خلال توحيد رأس المال والسيولة القوية، لاغتنام فرص النمو الاستراتيجي.
  • تمويل المشروعات التنموية بشكل يفيد الاقتصاد الإماراتي، وينعكس بشكل إيجابي على الأنشطة التجارية والاستثمارية في الدولة.
  • ومن المتوقع أن تؤدي هذه الصفقة إلى مزيد من عمليات الاندماج في المستقبل داخل القطاع المصرفي الإماراتي، لتحسين الكفاءة والإنتاجية، ومواجهة تباطؤ الاقتصاد في ظل تراجع الأسعار العالمية للنفط.

وفي إطار المساعي إلى تنويع مصادر الدخل وخلق كيانات أكثر قوة ودمج الخبرات ومنع الازدواجية في الاستثمارات المتشابهة وخاصةً قطاع النفط، قررت أبوظبي، في نهاية يونيو 2016، دمج الذراعين الاستثماريين التابعين لها، وهما الاستثمارات البترولية الدولية IPIC و"مبادلة" للتنمية. إذ يصل إجمالي أصول الشركتين إلى 135 مليار دولار، فيما تبلغ ديونهما 42 مليار دولار.

ومن المتوقع أن يكتمل هذا الاندماج بين الطرفين بحلول نهاية عام 2017، حيث سيساهم في دعم نمو قطاعات متعددة؛ من بينها الطاقة والتكنولوجيا وصناعة الفضاء والصحة، إضافة إلى الصناعات والقطاع العقاري والاستثمارات المالية.

وفي ذات السياق، تعيد كل من الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات (سبكيم) وشركة الصحراء للبتروكيماويات، النظر في خطة اندماجهما، بعد أن توقفت في عام 2014.

2- عمليات الاندماج والاستحواذ العابر للحدود في دول الخليج:

تزايدت عمليات الاندماج والاستحواذ العابر للحدود في ظل العولمة وثورة المعلومات والاتصالات. فقد بلغ عدد عمليات الاندماج والاستحواذ العابر للحدود لشركات مستهدفة في الكويت نحو 17 عملية بقيمة حوالي 867.5 مليون دولار في عام 2015، وفي المملكة العربية السعودية 17 عملية بقيمة 753.1 مليون دولار تقريباً في إطار تشجيع المملكة للاستثمار الأجنبي. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة الأعلى من حيث عدد عمليات الاندماج والاستحواذ العابر للحدود الذي استهدف شركات موجودة بها، حيث بلغ 46 عملية بقيمة نحو 450 مليون دولار العام الماضي، وذلك طبقاً لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD .

فيما وصل عدد عمليات الاندماج والاستحواذ التي نفذتها شركات قطرية في الخارج العام الماضي إلى 26 عملية بقيمة 8.8 مليار دولار، ونفذت شركات إماراتية 63 عملية بالخارج بقيمة حوالي 5.2 مليار دولار، كما نفذت شركات سعودية 19 عملية اندماج واستحواذ في الخارج بقيمة نحو 3.3 مليار دولار، وذلك حسب تقديرات UNCTAD .

مُحفزات الاندماج والاستحواذ

هناك أسباب عديدة تدفع الدول إلى اللجوء لعمليات الاندماج والاستحواذ الاقتصادي، وفي مقدمتها ما يلي:

1- فتح أسواق جديدة: تواجه شركات رأس المال الخاص المهتمة بالتواجد والتوسع في منطقة الخليج العربي بعض العقبات المرتبطة بالقوانين المحلية والقيود على الملكية الأجنبية. ولهذا تتجه بعض شركات رأس المال الخاص الدولية إلى الشراكة مع شركات رأس المال الخاص المحلية من خلال الاندماج والاستحواذ، لأن ذلك يضمن لها سوقاً جديدة تستطيع من خلاله زيادة مبيعاتها.

2- زيادة القدرات الإدارية والتقنية: فقد يكون الاندماج الاقتصادي مع كيان أخر يقدم نفس السلع والخدمات ويملك القدرات الإدارية والمهارات التقنية الأفضل نسبياً، هو الحل المطلوب. ويتميز الاندماج والاستحواذ العابر للحدود بشكل خاص بنقل المعرفة والأساليب التقنية الحديثة. وفي هذا الصدد، تتطلع دول الخليج العربية إلى الاستثمارات التي تستطيع نقل الخبرة الفنية والتكنولوجيا الجديدة إليها، وبالتالي تفتح الباب أمام المزيد من عمليات الاندماج والاستحواذ. فعلى سبيل المثال، أعلنت "مبادلة" للتنمية، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، وشركة "آي بي إم IBM" عن اتفاقية شراكة العام الماضي بهدف توفير تكنولوجيا الحوسبة المعرفية على امتداد المؤسسات في المنطقة وذلك في مجالات الرعاية الصحية والتجزئة والأعمال المصرفية والتمويل والتعليم. وتُمكن هذه التكنولوجيا من إبرام شراكة جديدة بين البشر وأنظمة الحاسبات بهدف تحسين التجربة البشرية والارتقاء بها. ووفقاً لنتائج باروميتر الثقة في رأس المال عام 2016، فإن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت شهدت زيادة في مشروعات التكنولوجيا الأكثر تعقيداً والأكثر خبرة فنية التي تأتي إليها.

3- زيادة الإيرادات وتنويعها: يتحقق ذلك عن طريق زيادة قدرة الكيان الاقتصادي على تعزيز الموقف المالي والتنافسي من خلال زيادة النصيب السوقي نتيجة القدرة التسويقية الأعلى نسبياً للكيانات الكبيرة أو تحقيق التنويع في السلع والخدمات المقدمة.

4- تخفيض التكلفة: من خلال الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير (وفورات الحجم) وتخفيض التكلفة المصاحبة لإنتاج عدد أكبر من المنتجات أو الخدمات.

5- التوجه نحو برامج الإصلاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار الأجنبي: تجدر الإشارة هنا إلى أن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تتضمن فتح أسواق المملكة أمام الاستثمار الأجنبي، ومن المتوقع تقديم حزمة من القوانين التي يمكن أن تُحسن عمليات الاندماج والاستحواذ.

6- توفر أدوات جديدة للتمويل: فظهور أدوات استثمارية جديدة مثل الصكوك، ساعد الشركات على استخدام طريقة شراء شركات أخرى بقدر كبير من الديون وقدر ضئيل من حقوق الملكية، لإتمام الصفقة.

تحديات

تواجه عمليات الاندماج والاستحواذ عدة تحديات أو عقبات يتعين أخذها في الاعتبار، لتلافي سلبياتها، ومنها:

1- قد يؤدي الاندماج والاستحواذ إلى ظهور تكتلات اقتصادية وشركات احتكارية مما يضعف من المنافسة، ولذا اتجهت معظم دول الخليج إلى إصدار تشريعات وقوانين لحماية المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية، بما يضمن تأكيد حرية التجارة وتفعيل المنافسة المشروعة ومنع أي ممارسات يكون من شأنها تقييد حرية المنافسة أو الإضرار بها، ومنع الاندماجات والاستحواذات الاحتكارية.

2- قد يصاحب الاندماج والاستحواذ إعادة تنظيم وهيكلة الكيانات المندمجة، والذي قد يشمل أيضاً إعادة هيكلة للعاملين، وخفض عددهم نتيجة دمج الأقسام المتماثلة التي تؤدي نفس الوظيفة. وفي هذا الصدد، فإن المستثمرين في بعض الدول يتحققون من مدد خدمة الموظفين قبل اتمام عمليات الاندماج والاستحواذ بسبب ارتباطها مع التزامات أصحاب العمل بدفع مكافأة نهاية الخدمة، والتي يمكن أن تشكل مبالغ كبيرة.

ختاماً، يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي باتت سوقاً واسعة لعمليات الاندماج والاستحواذ، مدفوعة في ذلك بالعديد من العوامل، ومنها السعي إلى إيجاد كيانات اقتصادية عملاقة ذات تقدم تقني ورأسمالي وتكنولوجي يمكنها من المنافسة وتعزيز فرص النمو من خلال الاستفادة من مزايا الحجم الكبير، وزيادة الإيرادات، وتنويع الأنشطة ومصادر الدخل، والقدرة على النفاذ إلى أسواق جديدة.