أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الجسر الخليجي:

آليات تعزيز الشراكة الأمريكية – الخليجية

05 ديسمبر، 2015


إعداد: محمد أحمد عبدالنبي


 ثمة من يرى أن هناك فجوة ملحوظة في العلاقات الأمريكية - الخليجية بدأت تظهر مع الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وازدادت مع اندلاع الثورات العربية في عام 2011، ثم وصلت هذه الفجوة إلى ذروتها مع توقيع الولايات المتحدة والقوى الغربية للاتفاق النووي الأخير مع إيران. وتطرح هذه التطورات عدة تساؤلات من قبيل: ما القضايا الخلافية التي تقف عقبة أمام تعزيز العلاقات الأمريكية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؟ وما الحلول المثلى لتحقيق التقارب بين الجانبين؟

وسعياً نحو الإجابة على تلك التساؤلات وغيرها، نشرت دورية Foreign Affairs مقالاً تحت بعنوان: "الجسر الخليجي.. كيفية تحسين العلاقات الأمريكية بدول مجلس التعاون الخليجي"، والذي أعده كلُ من "إيلان جولدين بيرج" Ilan Goldenberg، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، و"ميليسا ج. دالتون" Melissa G. Dalton، مدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن.

وقام الباحثان بشرح أبعاد الخلاف بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وتطوره، مع عرض أهم وسائل علاج هذه الخلافات من خلال التركيز على الوسائل الدبلوماسية والسعي لتفهم كل طرف لمصالح الطرف الآخر ولدوافعه.

أوجه الخلاف الأمريكي - الخليجي

أوضح الكاتبان أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 قد خلق حالة من الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، ثم جاءت الثورات العربية في مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة لتسهم في نشر وزيادة التوتر في كافة أنحاء المنطقة؛ حيث نتج عن هذه الثورات عدم استقرار عدد من الدول (تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، والعراق، وسوريا)، فضلاً عن زيادة التنافس في المنطقة بين الشيعة برعاية إيران، وبين السنة في دول الخليج العربية وغيرها.

وأشار الباحثان إلى وجود تباين في الإدراك الأمريكي والخليجي لهذه التطورات ورد الفعل المناسب إزائها؛ فعلى الرغم من سعي الجانبين لتحقيق الإستقرار في الدول التي شهدت انهيار أنظمتها الحاكمة، بيد أنهما قد اختلفا في وسائل تحقيق ذلك.

واستشهد الكاتبان في هذا الصدد بموقف الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي من الأحداث في كل مصر وسوريا على سبيل المثال، وذلك كالتالي:ـ

1- بخصوص الأحداث في مصر: رأت واشنطن أن سقوط نظام مبارك "فرصة تاريخية"، وأعربت عن رغبتها في التعامل مع حكومة الإخوان التي ترأسها الرئيس الأسبق محمد مرسي، ثم ترددت في أن تتعامل مع الحكومة المصرية الجديدة بقيادة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، واضعةً بعض القيود على المساعدات الأمريكية للقاهرة.

في المقابل، لم تبدِ غالبية دول مجلس التعاون الخليجي – باستثناء قطر- رغبة في تطوير العلاقات مع نظام الرئيس المعزول "محمد مرسي"، ثم قامت بضخ مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد المصري عقب تولي الرئيس السيسي حكم البلاد.

2- بشأن الصراع في سوريا: على الرغم من اتفاق الولايات المتحدة مع حلفائها الخليجيين على أن يتم استبدال نظام "بشار الأسد" بمجموعات من المعارضة المسلحة، إلا أنهما قد اختلفا حول مسألة دعم المجموعات السورية المسلحة. ففي الوقت الذي تقدم فيه دول الخليج العربية الدعم المالي والعسكري لجماعات المعارضة السورية (مثل "الجهاد الإسلامي" و"جيش الفتح"، على حد ذكر الكاتبين)، فإن واشنطن تعرب عن قلقها من تمويل وتسليح هذه الجماعات التي تخشى من ارتدادها عليها، لذا فقد سعت إلى تسليح وتدريب ما تُسميها "قوات المقاومة المعتدلة".

وأوضح الكاتبان أن الاختلاف الأمريكي - الخليجي في جانب منه يعود بسبب الدور الإيراني البارز في الدول الثلاث التي شهدت حروباً أهلية (سوريا، واليمن، والعراق)؛ حيث تدعم إيران الجماعات المعارضة للولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في تلك الدول (دعم نظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، والمليشيات الشيعية المتطرفة في العراق).

كما أن ثمة تبايناً في الرؤى الأمريكية والخليجية حول طبيعة التدخل الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، حيث ترى غالبية دول الخليج أن التدخل الإيراني من خلال وكلاء لها في بعض الدول يزيد من العنف والتطرف، وبالتالي فإن إيران هي سبب تفاقم الصراعات في دول المنطقة؛ بينما ترى واشنطن أن طهران تتدخل لتحقيق مصالحها الخاصة، وأنها ليست أساس كل المشاكل.

وقد أدى هذا التباين في الرؤى إلى اختلاف السياسات في سوريا واليمن والعراق؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه دول مجلس التعاون الخليجي لإزاحة نظام "الأسد" من السلطة - بسبب الدعم الإيراني له- عن طريق دعم الجماعات السنية المعارضة، فإن الولايات المتحدة لا تضع هدف التخلص من "الأسد" في الممارسة كأولوية لديها، وإنما التصدي لتنظيم "داعش".

ويظهر الاختلاف أيضاً في اليمن؛ فبينما تنظر دول مجلس التعاون الخليجي إلى المتمردين "الحوثيين" على أنهم "عملاء إيرانيين"، وأنه يستحيل أن يتقدموا على الأرض دون وجود دعم إيراني لهم، فإن الولايات المتحدة ترى أن التدخل الإيراني أقل أهمية وحسماً للوضع اليمني.

وأخيراً في العراق، فقد ظلت الإدارة الأمريكية تقنع حلفائها في الخليج لسنوات بقبول سيطرة الحكومة المركزية الشيعية في العراق، وأن يتم إدماج هذا البلد في شكله الجديد داخل النظام الإقليمي العربي، كما استخدمت واشنطن الحكومة العراقية كوسيط مع إيران في حربها ضد داعش". وفي المقابل، ساور دول مجلس التعاون الخليجي القلق بعد أن قامت الحكومة المركزية في بغداد بتهميش الأقلية السنية، واعتبرت دول الخليج أن القيادة العراقية الشيعية مدينة بالدعم الإيراني لها، وهو ما أدى في النهاية إلى ابتعاد دول خليجية عن العراق والإحجام عن دعم الاستراتيجية الأمريكية هناك.

شركاء غير مستقرين

أكد الكاتبان على وجود عدة عقبات أخرى تقف في طريق التعاون الأمريكي مع دول مجلس التعاون الخليجي، لعل من أبرزها: تفضيل كل دولة من دول الخليج التعاون الأُحادي وليس الجماعي مع الولايات المتحدة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى إهدار الجهود الأمريكية الهادفة إلى تشجيع دول مجلس التعاون على تقوية قدراتها الأمنية الجماعية.

ويُضاف إلى ذلك، الالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل، والذي يظهر عند تقديم دعم عسكري أمريكي لدول الخليج، حيث تلتزم واشنطن بمبدأ الحفاظ على التفوق النوعي العسكري لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط؛ وبالتالي، قد يرفض اللوبي الإسرائيلي من خلال الكونجرس الأمريكي إتمام بيع المعدات العسكرية الأمريكية لدول الخليج.

التوجه الأمريكي للتفاهم مع إيران

أشار الباحثان إلى وجود ميل لدى الرأي العام الأمريكي حالياً للانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط وعدم المغامرة فيه، وجعل دول المنطقة، وفي مقدمتها دول الخليج، تتحمل مسؤولية الدفاع عن نفسها، وذلك مقابل وجود رغبة أمريكية للتفاهم مع إيران، خاصةً بعد التوصل لإتفاق بشأن برنامجها النووي.

وقد اعتبرت دول مجلس التعاون الخليجي هذا الأمر بمثابة تغير جوهري في شكل العلاقات الأمريكية – الخليجية، ما دفع المسئولين في واشنطن إلى نفي هذه "الشكوك"، والتأكيد على عدم وجود أي توجه للتفاهم مع إيران أو التساهل معها، وهي التصريحات التي استقبلتها دول الخليج بعدم اكتراث، خاصةً أن النفي والتطمينات الأمريكية لم تتحول إلى واقع فعلي.

ورأى الكاتبان أن تلك التطورات أدت إلى مزيد من استقلالية القرار الخليجي، كما ظهر في قرار تشكيل التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن، وبدء دول الخليج إعادة تشكيل تحالفاتها العربية، وهو ما بدا واضحاً عندما أعلنت الجامعة العربية في قمتها المنعقدة في مارس 2015 عن توجهها لتشكيل قوة عسكرية عربية مُوحدة، هذا علاوة على تنويع علاقاتها الخارجية ومصاد سلاحها.

وعلى الرغم من الترحيب الأمريكي بتلك التغيرات في السياسات الدفاعية الخليجية، بيد أن ثمة مخاوف لدى واشنطن من أن تؤدي مثل هذه التطورات إلى تقليل التأثير الأمريكي في المنطقة.

كيفية تحسين العلاقات الأمريكية - الخليجية

أكد الكاتبان على إمكانية دعم وتقوية علاقات دول مجلس التعاون الخليجي بالولايات المتحدة، رغم كافة العقبات والمشاكل التي تعترض ذلك، وذلك من خلال القيام بالآتي:ـ

1- زيادة التعاون بين الجانبين الأمريكي والخليجي في المجالات التي يتفقان بشأنها، وأن يكون لديهما استعداد لتقديم تنازلات في القضايا المهمة التي تخص كل طرف.

2- أن تعمل دول مجلس التعاون الخليجي مع الولايات المتحدة لتدريب ودعم القوات المعارضة المعتدلة في مواجهة تنظيم "داعش" وكذلك نظام "الأسد" في سوريا. وأيضاً مواصلة الدعم الأمريكي - الخليجي لقوات القبائل السنية العراقية بالتنسيق مع حكومة بغداد، لكي تتمكن من محاربة تنظيم "داعش".

3- اشتراك دول مجلس التعاون الخليجي مع واشنطن في دفع الحكومة العراقية إلى تبني نهج سياسي يضمن أن يكون للسنة دوراً في مستقبل بلادهم، مع ضرورة تحفيز بغداد وإرسال رسالة طمأنة خليجية بإعادتها للنظام الإقليمي العربي مرة أخرى في حال تبنيها لهذا البرنامج الشامل.

4- تعزيز التعاون الاستخباراتي بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة في مجال محاربة الإرهاب والتطرف.

5- أهمية التواصل المستمر بين الجانبين الأمريكي والخليجي، وعقد لقاءات متعددة الأطراف لكي يتوصلوا لحلول تنهي الصراعات الإقليمية، وهو ما سيساعد واشنطن وشركائها الخليجيين على التوصل إلى توافق حول متى وكيف تُستخدم القوة في المنطقة، مع تقليل احتمالية التصرف العسكري الأُحادي من كل طرف.

6- إظهار الولايات المتحدة رغبتها في مجابهة الوكلاء الإيرانيين بالمنطقة، وإشراك واشنطن حلفائها الخليجيين في التصدي للنفوذ الإيراني. ويأتي ذلك بالتزامن مع إظهار دول مجلس التعاون الخليجي رغبتها للتخفيف من تشددها نحو إيران، وربما الدخول في شراكة دبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية.


* عرض مُوجز لمقال: "الجسر الخليجي.. كيفية تحسين العلاقات الأمريكية بدول مجلس التعاون الخليجي"، والمنشور في دورية   Foreign Affairs، عدد نوفمبر ـ ديسمبر 2015.

المصدر:

Ilan Goldenberg and Melissa G. Dalton, “Bridging the Gulf : How to Fix U.S. Relations With the GCC", Foreign Affairs, Volume 94, Number 6, (USA,  The Council on Foreign Relations, November/ December 2015).