أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

حسابات الرئاسة الأميركية

03 مايو، 2017


في مقابلة جرت مع وكالة «رويترز» منذ أيام انتقد الرئيس الأميركي اتفاقية الدفاع مع المملكة العربية السعودية معتبراً أنها تصب في صالح الرياض فقط وقال: «السعودية لا تعامل الولايات المتحدة بعدالة لأن واشنطن تخسر كماً هائلاً من المال للدفاع عن المملكة»، وكان من قبل سواء خلال حملته الانتخابية أو في تصريحات متفرقة بعد تنصيبه قد أطلق آراءً مؤداها أن دول الخليج لا تمتلك شيئاً سوى المال، وأنه ينوي تكليفها بمصاريف بناء مناطق آمنة في سوريا! وترد على هذا المنطق المعوج دون شك ملاحظات عديدة لعل أهمها أن الاتفاقية التي يتحدث عنها وغيرها من الاتفاقيات المماثلة لم يوقعها مسؤولون أميركيون ذوو غفلة حتى يبرموا اتفاقيات تفضي إلى خسارة «هائلة» من المال لبلدهم، وإنما هي اتفاقيات مبنية على مصالح متبادلة، فلا تعقد الولايات المتحدة أو أي دولة اتفاقية مع السعودية أو غيرها من باب التفضل، وإنما لأن هذه الاتفاقيات تحقق مصلحة أميركية كما تحقق مصالح الأطراف الآخرين، وحتى لو افترضنا أن الولايات المتحدة تخسر مالاً كما قال ترامب، وهو افتراض غير صحيح، فإنها تسترد أضعاف هذا المال من أرباح شركاتها وبالذات النفطية العاملة في الخليج، ناهيك عن أرباح التجارة مع دوله، وبالذات تجارة السلاح، وبالتالي فلا مجال للمن في علاقة دولية تقوم على المصالح المتبادلة.

ما يثير الانزعاج من تصريحات ترامب ليس مضمونها المباشر فحسب، وإنما دلالتها كمؤشر على نموذج تفكير الرؤساء الأميركيين، وهو نموذج محفوف بالمخاطر علينا على رغم اختلاف توجهات هؤلاء الرؤساء وانتماءاتهم الحزبية. وإذا اكتفينا برؤساء القرن الحادي والعشرين فسنكتشف أن كلاً منهم قد آذانا على نحو أو آخر بطريقة تفكيره والحسابات التي بُنيت عليها وكان هذا الأذى هائلاً في بعض الأحيان، فقد بنى الرئيس جورج بوش الابن غزوه العراق على معلومات كاذبة كانت كل المؤشرات تفيد بزيفها، واعتذر لاحقاً عن هذا الخطأ الفادح أو المتعمد، ثم تسبب بالسياسة التي اتبعها في إدارة العراق في غرس الفيروس الطائفي في جسده وقد عاش قروناً بسُنته وشيعته العرب دون أن يحدث ما حدث، ناهيك عما أدت إليه سياسة تفكيك الدولة العراقية من فراغ كانت إيران جاهزة تماماً لملئه وهو ما أدى إلى الأوضاع الراهنة، ثم خلفه أوباما الذي خلناه رئيساً مثقفاً منصفاً، وخاصة بعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة، وتصور بعضنا أن أصوله الأفريقية ستجعله أقرب إلى فهم قضايانا فإذا به كغيره يتبع الأسس المستقرة للسياسة الأميركية في أهم قضايانا وهي القضية الفلسطينية، بل لقد زاد عن التزامه بمألوف الانحياز الفادح لإسرائيل انحيازه لحركة «الإخوان المسلمين» في خصومتها مع النظام المصري بعد أن أطاح الشعب المصري بحكمهم في يوليو 2013، ثم مثل موقفه من إيران إضافة جديدة لسياسته المرفوضة، وإذا كانت للاتفاق النووي معها مبرراته من منظور السلم والأمن الدوليين، فإن دعوته إلى «التعايش» مع إيران لم تنمّ سوى عن غفلة كاملة عن مشروع الهيمنة الإقليمية الذي تتبناه إيران، ولم يكتف بهذا، بل زاد عليه «عقيدة أوباما» التي ذهب فيها إلى فقدان الشرق الأوسط أهميته بما سوغ له انسحابه من المنطقة بعد أن عاثت السياسة الأميركية فيها فساداً، وهي رؤية بُنيت على قصر نظر لا يقل فداحة عن خليفته الذي يتحدث عن «مظلومية» أميركية من جراء اتفاقيات الدفاع مع دول المنطقة.

والمشكلة أن أحداً لا يستطيع أن يتجاهل الولايات المتحدة ورئيسها ناهيك عن كونه يعلن في كل لحظة عن دعمه لنا ضد الإرهاب، ولكن هذا الدعم يبدو أنه قد يكون محملاً بمواقف سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل قبولها، ولا مفر من أن تكون لنا سياسة مرسومة سلفاً للتعامل مع السياسات الأميركية ومفاجآتها الطائشة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد