أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رؤية من الداخل:

كيف ترى واشنطن سيناريوهات العلاقات الصينية - الأمريكية؟

29 نوفمبر، 2022

رؤية من الداخل:

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الدكتور كريم القاضي، الباحث الزائر بمركز الدراسات الاستراتيجية في كلية فليتشر، جامعة تافتس الأمريكية، يوم 21 نوفمبر 2022، للحديث عن أهم التحديات التي تتعامل معها السياسة الخارجية الأمريكية، وخصص القاضي مداخلته لعرض ملامح مستقبل علاقات الولايات المتحدة بالصين، خاصة بعد تصاعد الخلاف بينهما حول تايوان، وتحول مسألة العلاقات الأمريكية – الصينية للقضية الأولى على أجندة اهتمام دوائر صنع القرار في واشنطن ومراكز البحوث الأمريكية بصفة عامة.

 في هذا الإطار استهدف النقاش استشراف تأثير السيناريوهات المحتملة للعلاقة بين بكين وواشنطن على مستقبل النظام الدولي، وأيضاً على علاقة الولايات المتحدة بدول الشرق الاوسط، استناداً إلى متابعة الباحث للنقاشات الجارية في الدوائر الأمريكية الرسمية وغير الرسمية. وأشار القاضي في مستهل حديثه، إلى أن هناك وجهة نظر صينية تفسر انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان على أنه استعداد لحربها مع الصين، وهو ما يعكس تخوفاً صينياً بأن واشنطن قد تتبنى سياسات عدائية تجاه بكين في المرحلة القادمة والتي باتت تتسم بمنافسه قوية بين الدولتين.

وأوضح القاضي البعد التاريخي للعلاقات بين الدولتين منذ عام 1945، ومجالات الخلاف والتعاون بينهما، ثم قام بتفصيل بعض سيناريوهات العلاقة بينهما مستقبلاً، فضلاً عن توضيح بعض عوامل القوة والضعف عند كلا الطرفين، وأخيراً مناقشة تداعيات تلك العلاقة على منطقة الشرق الأوسط.

البعد التاريخي للعلاقة:

مرت العلاقات الأمريكية – الصينية، وفقاً للقاضي بعدد من المراحل، تراوحت بين العداء والتعاون والتحالف خلال الحقبة الأخيرة من الحرب الباردة، ويمكن تفصيل تلك المراحل على النحو التالي: 

1- مرحلة العداء 1945-1971: اتسمت العلاقات الأمريكية بالحزب الشيوعي في الصين في بداياتها بطبيعة عدائية، وذلك تحديداً خلال الحرب الأهلية الصينية التي امتدت خلال الحرب العالمية الثانية ثم واصلت بعدها حتى عام 1949، حيث كانت واشنطن تؤيد الحزب القومي الصيني المناوئ للحزب الشيوعي الحاكم الآن، وانهزم الحزب القومي في نهاية الحرب الأهلية، وفر إلى تايوان مؤسساً نظام حكم مستقلاً هناك. وقد حدث خلال تلك المرحلة العدائية أن حاربت الصين الشيوعية الولايات المتحدة عام 1950 عندما عبرت قوات الولايات المتحدة خط عرض 38 لملاحقة قوات كوريا الشمالية، التي كانت قد اجتاحت كوريا الجنوبية في أغسطس 1950.

2- مرحلة الانفتاح على الصين 1972-1978 ثم التحالف معها من 1979 إلى 1989: تميزت تلك الفترة بسياسة أمريكية تسعى لتحييد الصين في حرب الولايات المتحدة في فيتنام، ثم سعت بعدها واشنطن إلى استغلال خلاف الصين مع الاتحاد السوفييتي، وعملت على التقارب مع بكين إلى أن توجت واشنطن مجهودها الدبلوماسي بتحالف أمريكي-صيني ضد موسكو. 

3- مرحلة الانفتاح الثاني 1991-2017: بدأت هذه المرحلة في أعقاب نهاية الحرب الباردة وانتهاء التحالف القائم بين الدولتين، وهيمن على تلك المرحلة سؤال تم طرحه في دوائر صنع القرار في واشنطن عن كيفية التعامل مع الصين، وتمثلت وجهة النظر السائدة وقتها في أنه يجب على واشنطن تشجيع دمج الصين في الاقتصاد العالمي وانضمامها الى منظمة التجارة العالمية وحثها على التحول الى نظام السوق الحر، وذلك اعتقاداً من واشنطن بانه عندما تصبح الصين أكثر ثراء ستتحول الى  دولة ديمقراطية، وهو ما سيحولها تدريجياً إلى دولة صديقة لواشنطن على المدى الطويل.

 4- مرحلة التنافس 2017: ثم تحدث القاضي عن المرحلة الحالية التي تتسم بشدة التنافس بين البلدين، والتي بدأت مع تولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دفة القيادة في الولايات المتحدة واستمرت مع إدارة الرئيس بايدن الحالية، وهو ما وضح في اندلاع حرب تجارية بين البلدين، فضلاً عن تقييد حصول الصين على بعض منتجات التكنولوجيا الأمريكية وحظر بعض شركات الصين من العمل في السوق الامريكي. 

مجالات التعاون والصراع:

وأوضح القاضي خلال حديثه بعض أسباب تنافس الولايات المتحدة مع الصين وعددها فيما يلي:

1- شكل النظام الدولي: تسعى الولايات المتحدة إلى إدامة قيادتها للنظام الدولي، والحفاظ على قدرتها على تشكيله والتأثير عليه، في حين أن الصين أيضاً تسعى إلى تأكيد مكانتها في النظام الدولي الجديد، بما يعنيه ذلك من تغير بعض القيم الدولية التي رسختها الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. 

2- الهيمنة الإقليمية على شرق آسيا: ارتباطاً بما سبق، تسعى الصين إلى فرض هيمنتها على جنوب شرق آسيا استناداً الى واقعها الجديد، العسكري والاقتصادي وحجمها السكاني، بينما تسعى واشنطن للحيلولة دون ذلك، نظراً لأن ثقل النظام الاقتصادي العالمي يتمركز في جنوب شرق آسيا وارتباط مصالح الولايات المتحدة الچيوسياسية بتلك المنطقة، واستناداً أيضاً إلى رغبة حلفاء واشنطن في المنطقة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان على بقاء الولايات المتحدة كضامن لأمن الاقليم، وهو ما ترفضه بكين وتسعى إلى تغييره.

3- سرعة نمو الاقتصاد الصيني مقارنة بالأمريكي: تنمو بكين بوتيرة سريعة يصعب على الولايات المتحدة مجاراتها مما يهدد مكانة واشنطن الدولية، فالصين تستفيد من نظام اقتصاد السوق الدولي الحر، غير أنها لا تفتح أسواقها أمام الدول الأخرى، وتفرض قيوداً على ولوج المنتجات الأجنبية إلى اقتصادها الكبير وسوقه المقدر بنحو مليار وأربعمائة مليون نسمة. ويمثل هذا البعد أحد أهم أسباب حدة التنافس بينهما، فقد ارتفع حجم الناتج القومي الإجمالي للصين من حوالي 420 مليار دولار في عام 1980 إلى حوالي 14.6 تريليون دولار في عام 2020، كما ارتفع نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من حوالي 430 دولار إلى حوالي 10400 دولار خلال الفترة نفسها. وبينما ارتفع نصيب الصين من الاقتصاد العالمي من حوالي 10% في عام 2005 إلى 16% في عام 2015، فإنه يتوقع أن يصل إلى حوالي 19% بحلول 2025. وفي المقابل من المتوقع تراجع نصيب الولايات المتحدة من الاقتصاد العالمي من حوالي 19% في عام 2005 إلى حوالي 15% في عام 2025، أي أن حجم الاقتصاد الصيني سيفوق نظيره الأمريكي. وترتب على ما سبق أن أصبحت الصين في عام 2020 الشريك التجاري الأول لأغلب الاقتصادات الكبرى في العالم، بعدما كانت واشنطن تحتل هذه المكانة عام 2000. 

 وعلى الرغم من حالة التنافس بين البلدين، فإن القاضي أشار أيضاً إلى احتياجهما إلى التعاون معاً في عدة مجالات مهمة ذات طابع استراتيجي، مثل منع تنافسهما من جر الاقتصاد العالمي إلى حالة الركود، والتعاون للحد من أزمة الاحتباس الحراري، واحتواء كوريا الشمالية، فضلاً عن منع انتشار السلاح النووي بين الدول، كما هي الحال مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 

مستقبل العلاقة بين الدولتين: 

فيما يتعلق بمستقبل العلاقة بين الجانبين، فقد أشار القاضي إلى أن مراكز الفكر تناقش عدة سيناريوهات لعل من أهمها سيناريو الحرب. وأكد القاضي أن مثل هذا السيناريو مستبعد، حيث تتحاشى الصين وأمريكا الدخول في صراع مسلح، نظراً لكلفته العالية، ليس فقط على اقتصاد البلدين، ولكن على الاقتصاد العالمي. كما أن كلتا الدولتين تمتلكان أسلحة نووية، وهو ما يخلق حالة ردع متساوٍ بين الطرفين يحد من فرص اندلاع حرب مباشرة بينهما، غير أن هناك مخاوف واقعية من تطورات غير محسوبة بين الجانبين قد تفضي بهم إلى حرب شاملة، وهو ما تتحسب له الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار أشار القاضي إلى دراسة لـ "راند" حول سيناريو حدوث حرب في مضيق تايوان، والتي هدفت لقياس التفوق العسكري أو اليد العليا في مثل هذا الصراع، ويلاحظ أنه على الرغم من احتفاظ واشنطن بتفوق عسكري على الصين، غير أن الأخيرة حققت تطوراً في بعض قدراتها العسكرية على حساب الولايات المتحدة خلال الفترة الممتدة من عام 1996 الى 2017. ويكشف هذا التقرير عن عدم استبعاد واشنطن اللجوء الي خيارات عسكرية في مستقبل علاقاتها بالصين.

 وفيما يتعلق بمصادر قوة البلدين، عبّر القاضي عن قناعة الولايات المتحدة بأنها لاتزال تتمتع بتفوق على الصين في عدة مجالات أبرزها التفوق العسكري والتكنولوجي. كما أن التنوع الديموغرافي في الولايات المتحدة وأنماط الحياة المنفتحة فيها تجعلها سوقاً واسعة للأفكار وجاذبة للعقول، فضلاً عن تأمين واشنطن من احتياجاتها من الطاقة، نظراً لأنها أصبحت أكبر منتج عالمي للنفط ولديها احتياطات من الغاز الصخري. كما لا ينبغي إغفال أن واشنطن تتمتع بعدد أكبر من الحلفاء مقارنة بالصين، أغلبهم من الدول الغنية والديمقراطية. 

أما فيما يتعلق بالصين فلها نقاط قوة أيضاً، مثل تعداد سكانها الكبير، الذي يعظم من نفوذها الاقتصادي بين الدول، كما أن موقعها الجغرافي القريب من مراكز ثقل الاقتصاد العالمي في جنوب شرق آسيا يكسبها ميزة استراتيجية مقارنة بالولايات المتحدة، أضف إلى ذلك الاستقرار السياسي، الذي تتمتع به بكين، الذي يسمح للسياسات التي يتم التوافق عليها أن تنفذ بحزم ومن دون إبطاء، وذلك على عكس الإدارات الأمريكية التي توالت على الحكم في واشنطن مؤخراً، إذ كان من الواضح أن هناك استقطاباً وتبايناً واضحاً في سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فعلى سبيل المثال، انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، وكذلك الاتفاق النووي الإيراني، كما انتقص ترامب من أهمية حلف الناتو. وعلى الرغم من أن أداء الديمقراطيين كان جيداً نسبياً في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2022، فإنه ليس هناك ضامن أن الرئيس الأمريكي القادم لن يتراجع عن بعض السياسات الحالية التي انتهجتها إدارة الرئيس بايدن.

علاقات الولايات المتحدة بالصين قد تصبح الزاوية التي ترى بها واشنطن علاقاتها مع دول العالم:

وذكر القاضي أن الولايات المتحدة تعيد صياغة استراتيجيتها تجاه أقاليم العالم المختلفة، وفي القلب منها الشرق الأوسط. فقد عادت واشنطن تدرك أهمية الشرق الأوسط، ليس فقط باعتباره ساحة مهمة في الحرب على الإرهاب، ولكن لأهميته في تنافسها الچيوسياسي مع الصين. ولذلك تسعى واشنطن للتأكيد لدول المنطقة على أنها الحليف الموثوق به الذي تستطيع مظلته الأمنية أن تحفظ أمن الإقليم وتحد من الصراع داخله. كما تسعى واشنطن لإيجاد مسافة بين دول المنطقة وبين روسيا والصين، وهو ما تتحفظ عليه دول المنطقة، نظراً لأنهم يسعون لإقامة علاقات متوازنة مع الدول كافة بلا استثناء وتنويع علاقاتهم الاستراتيجية.

 وفي الختام، أكد القاضي أنه ليس من الضروري أن تصبح الصين القوى المهيمنة على النظام الدولي، ويكفي أن تكون قوة موازنة للولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما يُعدُ إحدى خصائص النظام المتعدد الأقطاب، كما كانت عليه الحال قبل الحرب العالمية الثانية، غير أنه لا شك أن العلاقات بين الدولتين ستفرض واقعاً جديداً على دول العالم، ومنها دول الشرق الأوسط، ونمط جديد من التفاعلات الدولية.