أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

إشكاليات عديدة:

تحديات تأمين الحضور الأمريكي في العراق وسوريا

15 مارس، 2021


تحرص الولايات المتحدة بشكل لافت في الوقت الحالي على اتخاذ جملة من التدابير والتحركات التي تستهدف حماية وتأمين الحضور الأمريكي في الساحتين العراقية والسورية من المخاطر التي باتت تحدق بهذا الحضور، خاصةً من جانب الميليشيات الموالية لإيران. ويُشار في هذا الصدد إلى أن آخر أبرز التهديدات الموجهة للحضور الأمريكي كان الهجوم الذي تعرضت له قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار في 3 مارس الجاري، ومن قبله الهجوم على مدينة أربيل وكذلك القصف المتجدد للمنطقة الخضراء في بغداد. 

مؤشرات مختلفة: 

يمكن رصد أبرز المؤشرات الدالة على سعى واشنطن لاتخاذ تدابير حمائية لحضورها في العراق وسوريا، وذلك من خلال ما يلي: 

1- التطلع لنشر نظام صواريخ دفاعية: أشارت تقارير عديدة في 3 مارس الجاري إلى أنه من المرجح أن تقوم الولايات المتحدة بنشر نظام صواريخ دفاعية في سوريا والعراق. وأكدت تلك التقارير أن نظام الصواريخ الدفاعية الجوية قصير المدى "أفنجر" هو أفضل نظام متاح بسهولة لحماية القوات الأمريكية في سوريا والعراق من التهديد المتزايد الذي تشكله الطائرات بدون طيار. 

2- السعى لحصر الوجود العسكري في إقليم كردستان: تدرس وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، حسب تقارير عديدة، إمكانية إرسال قواتها التي تنتشر في عموم العراق بموافقة الحكومة المركزية، والمكونة من 2500 جندياً، إلى إقليم كردستان العراق. وأشارت إلى أنه يمكن للقنصلية الأمريكية الجديدة في أربيل أن تستوعب بعض الأفراد العسكريين، كما هو الحال حالياً في المنطقة الخضراء في بغداد. 

واستندت تلك التقارير للتخطيط الأمريكي لافتتاح مجمع القنصلية الأمريكية في أربيل في عام 2022. ويُشار في هذا الصدد إلى أن هذا المجمع، الذي تنفذه شركة "بل هاربرت" منذ عام 2018، سيتكلف حوالي 600 مليون دولار. وبعد انتهاء العمل في هذا المجمع، ستصبح القنصلية الأمريكية في أربيل أكبر قنصلية أمريكية في العالم، متجاوزة حتى السفارة الأمريكية الضخمة في الأردن. وستضمن القنصلية، بجناحها السكني وعدة مبان لوجستية، مساحة كبيرة لإيواء وحدة عسكرية.

3- الحرص الأمريكي على إظهار القوة الرادعة: حاولت الولايات المتحدة توجيه رسالة ردع ضد القوى المناوئة لها في الساحتين السورية والعراقية، وتجلى ذلك من خلال الضربات التي قام بها الجيش الأمريكي، في 25 فبراير الماضي، ضد مواقع ميليشيات عراقية موالية لإيران في شرق سوريا، والتي نفذتها مقاتلة إف-15، وأسفرت عن مقتل حوالي 17 مقاتل على الأقل، بحسب ما كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان. 

في سياق متصل، قالت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، في 6 مارس الجاري، أن "الولايات المتحدة سترد على هجمات قاعدة عين الأسد الجوية إذا وجدت ضرورة أهمية لذلك في الزمان والمكان المناسبين"، وأضافت أن "الولايات المتحدة غير مهتمة بتصعيد الوضع مع إيران وإنما حماية قواتها ومواصلة المهمة في العراق". 

عقبات قائمة: 

تعترض جهود واشنطن لضمان أمن حضورها ومصالحها في العراق وسوريا جملة من العقبات، والتي تتضح عبر ما يلي: 

1- تصاعد الاعتماد الإيراني على ميليشيات الظل: اتجهت إيران إلى استخدام أكثر من 12 جماعة مسلحة غامضة في العراق. وقد صعّدت تلك الجماعات من الهجمات ضد المصالح الأمريكية داخل العراق خلال العام الماضي. ووظفت إيران تلك الميليشيات للتغطية على قيام الميليشيات الحقيقية المعروفة بشن هجمات ضد الحضور الأمريكي في العراق. وقد اتضح الاعتماد الإيراني على الجماعات المجهولة بعد أن قامت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بشن ضربة عسكرية أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في 3 يناير 2020. 

وسعت طهران إلى توظيف ميليشيات الظل من أجل الضغط على واشنطن لتحقيق هدفين رئيسيين: أولهما، محاولة دفع الأخيرة للخروج من العراق، ويتسق مع ذلك مطالبة الرئيس الإيراني حسن روحاني لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خلال اتصالهما الهاتفي في 6 مارس الجاري بإخراج القوات الأمريكية من العراق. وثانيهما، توظيف تلك الميليشيات ضمن حملة الضغوط الإيرانية على واشنطن فيما يخص البرنامج النووي الإيراني. ومن الملاحظ أن استخدام إيران لميليشيات الظل في العراق أضاف المزيد من الاضطراب في الواقع الأمني العراقي المأزوم في الأصل، فضلاً عن تحويل العراق إلى ساحة صراع أمريكي- إيراني.

2- حرص واشنطن على تبني سياسة مرنة: وهو ما تعكسه الرسالة السرية التي وجهتها إدارة بايدن لإيران قبيل الضربات الأخيرة على سوريا، والتي كشفتها وسائل إعلام أمريكية في 4 مارس الجاري، حيث أكدت على أنه بعد 10 أيام من المداولات، أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن وزارة الدفاع بشن غارات جوية على هدفين داخل سوريا في 26 فبراير الماضي، لكن أحد مساعدي الرئيس الأمريكي أرسل تحذيراً عاجلاً في اللحظات الأخيرة وتحديداً قبل نحو 30 دقيقة من لحظة الصفر للضربات.

وأضافت أن الهدف من الهجوم كان توجيه إشارة لإيران بأن فريق البيت الأبيض الجديد سيرد على الهجوم الصاروخي في 15 فبراير في شمال العراق ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لكنه لم يكن يسعى إلى تصعيد المواجهة مع طهران. ويتسق هذا الأمر مع النهج الذي يتبعه بايدن مع إيران منذ بداية حكمه، حيث يحاول إبداء مرونة تجاه طهران، على أمل أن تقترب من وجهه النظر الأمريكية بخصوص البرنامج النووي. ومن الملاحظ حتى الآن أن سياسة التصعيد الرمزي التي تتبعها إدارة بايدن لم تُسفر عن جديد، ومن غير المتوقع أن تُثني طهران عن تهديد مصالح واشنطن في العراق وسوريا. 

3- الخلل الأمني في سوريا والعراق: تشهد الساحتان العراقية والسورية تصاعداً كبيراً في معدلات الانفلات الأمني. فعلى الصعيد العراقي، ما زالت ظاهرة تهديد المصالح الأجنبية قائمة بشكل حوّل هذا الأمر لأزمة مزمنة أمام الحكومة. 

وعلى الصعيد السوري، شهدت مناطق شمال شرق سوريا التي تتواجد فيها قوات أمريكية بصورة أساسية انفلاتاً أمنياً غير مسبوق، وهو ما يتضح من خلال الهجمات المجهولة المكثفة التي تقع في مناطق سيطرة الأكراد، فضلاً عن تداخل مساحات السيطرة بين الجيوش المختلفة في شمال شرق سوريا، خاصةً مع وجود حرص روسي حالي على مزاحمة الجيش الأمريكي في تلك المنطقة. 

في المجمل، من الواضح أنه على الرغم من تركيز واشنطن في الفترة الحالية على البحث عن حلول للتصدي للتهديدات التي تعترض الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، إلا أن ثمة إشكاليات عديدة قد تعرقل هذا الأمر، ويأتي على رأسها طريقة التعاطي الأمريكي مع الدور الإيراني.