أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

القمة الأمريكية - الأفريقية.. فجوة التوقعات ومعضلة المصداقية

19 ديسمبر، 2022


استضافت العاصمة الأمريكية، واشنطن، قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 2022، وبمشاركة الرئيس جو بايدن وما يقرب من 50 من القادة الأفارقة. وتعد القمة الأفريقية - الأمريكية هي الثانية من نوعها بعد القمة الأولى التي عُقدت في عام 2014، بضيافة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما.

دوافع مختلفة:

تبدو الدوافع الأمريكية لاستضافة القمة الأفريقية الثانية، وبعد انقطاع لمدة ثمانية أعوام، متعددة ومتباينة، ومن أهمها ما يلي:

1- سعي واشنطن لاستعادة دورها القيادي العالمي: يرغب الرئيس بايدن في أن يبدو مختلفاً عن سلفه دونالد ترامب فيما يتعلق بالدور القيادي الأمريكي في العالم. فبعد أربع سنوات رفع فيها الرئيس السابق ترامب شعار "أمريكا أولاً"، جاء بايدن بسياسة استعادة الدور الأمريكي في العالم، وتعزيز مصداقية الولايات المتحدة بين أصدقائها وحلفائها. وبعد أن تحرك بايدن في أوروبا وآسيا وغيرها من مناطق العالم استناداً لهذا التوجه، جاء الوقت لأن يمتد إلى أفريقيا مُتمثلاً في هذه القمة التي تتبنى هدف استعادة الشراكة مع القارة الأفريقية.

2- استعداد بايدن للانتخابات الرئاسية المقبلة: ثمة دافع آخر له بُعد داخلي أمريكي، ويرتبط باستعداد بايدن لإعلان ترشحه لولاية ثانية في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وما يرتبط به من مخاطبة كتل انتخابية متعددة. وكما وجه بايدن رسالة إلى الكتلة الانتخابية المهتمة بقضايا البيئة من خلال مشاركته في قمة المناخ الأخيرة "كوب 27" التي عُقدت بمدينة شرم الشيخ المصرية في نوفمبر الماضي، فإن استضافته للقمة الأمريكية - الأفريقية تستهدف أيضاً توجيه رسالة إلى الكتلة الانتخابية من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، والذين يشكلون جزءاً أساسياً من القاعدة الانتخابية لمرشحي الحزب الديمقراطي، وساهموا بشكل كبير في وصوله البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية السابقة.

3- حدوث مراجعات في الرؤية الأمريكية للقارة الأفريقية: بعد سنوات من النظر إلى أفريقيا على أنها تفتقد الأهمية الاستراتيجية وتمثل مجموعة من المشاكل تعد عبئاً على أي ارتباط أمريكي بهذه القارة، نجد أن الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن بدأت تنظر إلى أفريقيا على أنها تمثل "فرصة وليس مشكلة". وبدأ الحديث عن الإمكانيات الاقتصادية الضخمة للقارة السمراء، بالإضافة إلى رصيدها من مخزون المعادن النادرة وذات الأهمية في الصناعات الاستراتيجية، وما تملكه من غابات واسعة يُعول عليها في مواجهة التحديات البيئية الكونية، بالمساهمة في امتصاص الانبعاثات الملوثة للبيئة. علاوة على ما ذكره وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، بأنه بحلول عام 2050 سيكون واحد من كل أربعة أشخاص على هذا الكوكب أفريقياً، و"أنهم سيحددون المصير ليس فقط لهذه القارة، بل مصير العالم".

4- التنافس بين القوى الدولية في أفريقيا: يرتبط هذا الدافع بتبني الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدءاً من إدارة أوباما، لاستراتيجية تقوم على فكرة "عودة التنافس بين القوى الكبرى"؛ أي التنافس بين الولايات المتحدة وكلٍ من الصين وروسيا. وبالتالي بدأت الولايات المتحدة في النظر بقلق كبير إلى النفوذ المتزايد لهاتين القوتين في أفريقيا. واتضح لإدارة بايدن أن الصين أصبحت الشريك التجاري الأكبر للعديد من الدول الأفريقية، حيث مثّل حجم التجارة الصينية مع القارة الأفريقية في عام 2021 حوالي 261 مليار دولار، مقارنةً بـ 64 مليار دولار هي حجم التجارة الأمريكية مع القارة الأفريقية، بالإضافة إلى امتداد الاستثمارات الصينية في مجالات مثل الطاقة والبنية التحتية. واستطاعت بكين ترجمة هذه الاستثمارات الاقتصادية إلى نفوذ دبلوماسي تمثل في انعقاد قمة صينية - أفريقية كل ثلاث سنوات، بالإضافة الى المساندة التصويتية الأفريقية للمواقف الصينية في العديد من المحافل الدولية.

وعلى الرغم من قيام واشنطن بإطلاق تحذيرات للدول الأفريقية حول ما وصفته بالنوايا الحقيقية للصين في القارة ومخاطر الدخول معها في شراكات اقتصادية قد تنتهي بديون ثقيلة أو سيطرة صينية على البنية التحتية الأفريقية؛ بيد أن معظم هذه الدول لم تستجب لتلك التحذيرات؛ نظراً لحاجتها للاستثمارات الصينية، مع غياب أي بديل أمريكي لتمويل مشروعات بديلة أو الدخول في شراكات تنموية مع أفريقيا في مرحلة ما قبل القمة الأمريكية - الأفريقية الثانية.

واكتشفت الولايات المتحدة أيضاً أن روسيا استطاعت هي الأخرى دعم نفوذها في عدد من الدول الأفريقية من خلال التعاون العسكرى وصادرات السلاح. ونظمت روسيا قمة مع الدول الأفريقية عُقدت في مدينة سوتشي في أكتوبر 2019، ومن المُقرر أن تُعقد القمة الروسية - الأفريقية القادمة في عام 2023. ورفض الكثير من الدول الأفريقية إدانة روسيا وتبنت موقفاً محايداً تجاه الحرب الأوكرانية. كما اتضح لواشنطن أن نفوذ حلفائها الغربيين في أفريقيا مثل فرنسا وبريطانيا قد تضاءل بشكل كبير، وليس قادراً على ملء فراغ الغياب الأمريكي، أو موازنة تصاعد النفوذ الصيني أو الروسي في القارة الأفريقية. وبالتالي مثّلت كل العوامل السابقة دافعاً للولايات المتحدة للعودة إلى القارة الأفريقية، واستضافة القمة الأمريكية - الأفريقية الثانية.

أما بالنسبة للدول الأفريقية، فقد تراوحت دوافعها للمشاركة في هذه القمة ما بين اختبار صدق النوايا الأمريكية ومدى المصداقية في التعاون مع أفريقيا، والسعي للاستفادة من أجواء التنافس بين القوى الكبرى لتحقيق مصالحها الخاصة؛ أي الانفتاح على التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة ولكن دون التخلي بالضرورة عن التعاون مع الصين وروسيا. علاوة على نظر الدول الأفريقية إلى القمة الأمريكية الثانية على أنها فرصة لطرح قضاياها المتعلقة بالأمن والصراعات والغذاء والمناخ، وغيرها.

نتائج القمة:

أعلنت الولايات المتحدة، في 8 أغسطس 2022، وأثناء زيارة وزير خارجيتها أنتوني بلينكن لجنوب أفريقيا، عن استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا حملت عنوان "استراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء"، حيث تضمنت أربعة أهداف تمتد لخمس سنوات، وهي دعم المجتمعات المفتوحة، وتقديم مكاسب ديمقراطية وأمنية، والعمل على تحقيق الانتعاش بعد جائحة كورونا وإتاحة الفرص الاقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه والتحول المُنصف للطاقة.

وامتداداً لهذه الاستراتيجية، أعلن البيت الأبيض أن القمة الأمريكية - الأفريقية الثانية تركز على تعزيز الشراكات مع دول القارة عبر مجموعة واسعة من القطاعات التي تمتد من الأعمال التجارية إلى الصحة والسلام والأمن، وإيجاد أرضية مشتركة بين الجانبين.

وفي ختام أعمال هذه القمة، أعلن البيت الأبيض في 15 ديسمبر 2022 عن عدد من المبادرات للتعاون مع أفريقيا، أهمها التخطيط لاستثمار ما لا يقل عن 55 مليار دولار في القارة الأفريقية على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وإنشاء منصب ممثل رئاسي خاص لتنسيق الجهود بشأن تنفيذ مبادرات القمة، وكشف الرئيس بايدن عن نيته تسمية السفير جوني كارسون، مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الأفريقية، لهذا المنصب.

كما تم الإعلان عن مبادرات أخرى، منها توفير أكثر من مائة مليون دولار لتوسيع مبادرة القادة الأفارقة الشباب بهدف دعم الابتكار والتميز للشباب الأفارقة، ودعم الولايات المتحدة للاتحاد الأفريقي للانضمام إلى مجموعة العشرين كعضو دائم، وإعلان مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC) عن استثمارات جديدة بقيمة 369 مليون دولار في جميع أنحاء أفريقيا في مجالات الأمن الغذائي والبنية التحتية للطاقة المتجددة والمشاريع الصحية، ودعم مبادرة التحول الرقمي مع أفريقيا (DTA) لتوسيع الوصول الرقمي ومحو الأمية عبر القارة من خلال استثمار أكثر من 350 مليون دولار. 

كذلك أكدت الإدارة الأمريكية نيتها استثمار 1.33 مليار دولار سنوياً من 2022 إلى 2024 لسد الفجوة في العاملين بقطاع الصحة في القارة السمراء. وأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي عن شراكة استراتيجية للتحول إلى أنظمة غذائية مرنة وأسواق متنوعة لسلاسل التوريد. كما أعلن الرئيس بايدن عن 2 مليار دولار من المساعدات الإنسانية الطارئة الجديدة لأفريقيا، وعن خطط الولايات المتحدة لتوفير أكثر من 150 مليون دولار في شكل تمويل جديد لمعالجة التكيف مع المناخ وتحفيز الاستثمار في البنية التحتية للطاقة النظيفة في القارة.

حدود التوقعات:

مما لا شك فيه أن استضافة واشنطن للقمة الأمريكية - الأفريقية الثانية، والمبادرات التي أعلنتها إدارة الرئيس بايدن في ختام القمة، تمثل نقطة تحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه القارة السمراء، بالرغم من أن المساهمات المالية المرتبطة بالمبادرات الأمريكية تعد متواضعة، ولن تُلبي الاحتياجات التنموية المتزايدة لأكثر من 50 دولة أفريقية. كما أن أغلب هذه المساهمات ترتبط بموافقة الكونجرس الأمريكي، ولا يوجد ضمان لاستمرار هذه المبادرات أو تمويلها إذا تغيرت الإدارة في البيت الأبيض أو الأغلبية الحزبية في الكونجرس. وبالتالي فإن استعادة مصداقية الولايات المتحدة في القارة الأفريقية سوف ترتبط بتنفيذ هذه المبادرات في أرض الواقع، ومدى استمرارها في المستقبل.