أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مُخلَّفات الحرب

تحديات إزالة الألغام في الشرق الأوسط

08 أبريل، 2021


‎تمثل الألغام والعبوات الناسفة والذخائر غير المتفجرة، المضادة للأفراد والمركبات، أو البحرية، محلية الصنع أو المستوردة، وخاصة ذات الأوزان الصغيرة، أحد مصادر التهديد "غير المرئية" التي تواجه أمن الدول واستقرار المجتمعات في الشرق الأوسط، وبصفة خاصة في بؤر الصراعات المسلحة العربية، وهو ما يتزامن مع الاحتفال باليوم الدولي للتوعية بمخاطر الألغام في 4 أبريل، الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر 2005 للمساعدة في الأعمال المتعلقة بالألغام.

‎وتتمثل أبرز المعوقات التي تواجه الجهود المحلية والإقليمية والدولية لإزالة الألغام في الإقليم في سيطرة الميلشيات المسلحة على مناطق واسعة من الدول، واستمرار عمليات تهريب تكنولوجيا تصنيع الألغام، وغياب المعرفة الدقيقة بخرائط الألغام المنتشرة في ربوع البلاد، وتعدد مصادر الألغام في الدول المترامية الأطراف، وتعقيدات قضايا الانتقال في مراحل ما بعد الصراعات والحروب، وانتشار فيروس كوفيد-19، وغياب المخصصات المالية لإزالة الألغام من مناطق داخل الدولة باعتبارها الأكثر تضرراً.

‎وعلى الرغم من أن الألغام مصدر تهديد حاد لأمن بعض دول الشرق الأوسط في فترات زمنية مختلفة، لكنها تزايدت خلال العقد الأخير. ويمكن القول إن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه جهود إزالة الألغام في دول الشرق الأوسط، وتحديداً في اليمن والسودان وليبيا ولبنان وسوريا والعراق، وذلك على النحو التالي:

‎تكتيك الميلشيا

‎1- سيطرة الميلشيات المسلحة على مناطق واسعة من الدول: وهو ما ينطبق على جماعة الحوثيين في اليمن التي قامت بزراعة ألغام في مناطق مختلفة بالبلاد، خلال مدى زمني يتجاوز ستة أعوام، إذ كشف تقرير حديث صادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في اليمن بالاشتراك مع البعثة الأممية العاملة في الحديدة عن مقتل 348 يمنياً بألغام الميلشيا الحوثية خلال عام 2020، دون أن يتهم الميلشيا بشكل صريح لاسيما أن بعض وكالات الأمم المتحدة قدمت مساعدات للحوثيين في برامج نزع الألغام وليس زرعها.

‎فقد قامت الميلشيا بزراعة تلك الألغام في الساحل الغربي وخطوط التماس الأخرى مع القوات الداعمة للحكومة الشرعية. ولعل ذلك يتفق مع تأكيد المشروع السعودي لنزع الألغام "مسام" في 5 أبريل الجاري أنه نزع خلال الأسبوع الأخير من مارس الماضي 2277 لغماً وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة، موضحاً أنه تمكن منذ بدء المشروع من نزع 230592 لغم وعبوة ناسفة وذخيرة غير منفجرة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل برنامج "مسام" والبرنامج الوطني للتعامل مع الألغام في جميع أنحاء البلاد، إلا أن انتشار الألغام لا زال يمثل تهديداً للأمن والسلم في اليمن.

‎الألغام البحرية

‎2- استمرار عمليات تهريب تكنولوجيا تصنيع الألغام: لم يقتصر تهديد الألغام على تلك الأرضية، بل امتد ليشمل الألغام البحرية. وفي هذا السياق، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في 13 مارس الماضي: "إن ميلشيا الحوثي عرضت، ضمن ما أسمته الصناعات العسكرية، نماذج من الألغام البحرية المصنعة في إيران، استخدمت في هجمات إرهابية طالت ناقلات نفط وسفناً تجارية في البحر الأحمر مؤخراً"، مؤكداً أن "هذه الألغام تؤكد استمرار الحرس الثوري الإيراني في تهريب الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية والخبراء لميلشيا الحوثي، واتخاذه الأراضي اليمنية منطلقاً لتهديد الملاحة التجارية والتحكم بالممرات الدولية".

‎الزرع العشوائي  

‎3- غياب المعرفة الدقيقة بخرائط الألغام: يتمثل أحد التحديات التي تواجه محاولات نزع الألغام في عدم قدرة الجهات المعنية بالمواجهة في دولة ما على معرفة كل أماكن الألغام، لأنه في بعض الأحيان يتم زرع الألغام بشكل عشوائي، وهو ما يظهر جلياً في بؤر الصراعات المسلحة مثل اليمن وسوريا وليبيا، الأمر الذي يجعل عملية نزعها أو الوصول إليها صعبة للغاية. فضلاً عن قيام بعض أطراف الصراع باستيراد أو تصنيع الألغام، بشكل مستمر، لإلحاق خسائر بشرية ومادية تؤلم الخصوم. فعلى الرغم من مرور أعوام على دحر تنظيم "داعش" في عدة مدن ليبية، لازالت مُخلَّفاته من قذائف وألغام تمثل خطراً.

‎وفي هذا السياق، حذرت منظمة "اليونيسيف" من أن أكثر من نصف مليون شخص مُعرَّضون للخطر بسبب مُخلَّفات الحرب في ليبيا، وقدّرت أن من بين هؤلاء المُعرَّضون للخطر 63 ألف نازح و123 ألف عائد للمناطق التي نزحوا منها، و145 ألف مواطن مقيم، و175 ألف مهاجر.

‎ويأتي ذلك رغم الجهود المبذولة من الوكالات الدولية المعنية بإزالة الألغام. وفي هذا السياق، قالت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشئون الإنسانية في ليبيا جورجيت غانيون في 5 أبريل الجاري أنه "تم نشر فرق من الشرق والغرب بشكل سريع والانتهاء من إزالة الألغام على طول 120 كيلومتراً من الطريق الساحلي، بما في ذلك إزالة 7,5 طن من مُخلَّفات الحرب القابلة للانفجار، لتسهيل إعادة فتح الطريق". كما أكدت على أنه "سيكون لهذا العمل تأثير إيجابي على الحياة اليومية للمدنيين، مثل عودة الخدمات الأساسية والوصول إلى الأسواق وحرية التنقل الآمن".

‎أنماط متنوعة

‎4- تعدد مصادر الألغام في الدول المترامية الأطراف: وهو ما ينطبق على الحالة العراقية، إذ أن ما يزيد التهديد هو الكميات الضخمة التي لا يمكن حصرها من الألغام. فلاتزال الملايين من الألغام الأرضية من مُخلَّفات الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988) تمثل تهديداً لسكان عشرات من القرى الحدودية في محافظة السليمانية شمال العراق. فضلاً عن الألغام التي تركها مقاتلو تنظيم "داعش" في عدد من المدن مثل البصرة والموصل، مع الأخذ في الاعتبار الجهود التي تبذل لنزع الألغام، وأبرزها ما أعلنته وزارة البيئة العراقية في 26 مارس الماضي بشأن تطهير 32 مليون متر مربع من الألغام والمُخلَّفات الحربية في البصرة والموصل.

‎وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الجهود "التطوعية" التي تبذلها الفرق النسائية، اللاتي يرتدين سترات سميكة ضد الرصاص ويضعن دروعاً واقية للوجه، في الحقول الوعرة بمحافظة البصرة، بهدف إزالة الألغام الأرضية، على الرغم من المقاومة المجتمعية لعمل المرأة العراقية في هذا المجال، إذ أن مجرد ذكر كلمة "ألغام" يثير الذعر في أوساط قوى المجتمع. يضاف إلى ذلك جهود الدعم والإسناد التي تقدمها الحكومة الفرنسية في مجال رفع الألغام من العراق، وخاصة إزالة الأجهزة المتفجرة من مُخلَّفات الحرب في محافظة نينوى وفقاً لتصريحات بير لودهامار كبير مديري برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بإزالة الألغام في 4 مارس الماضي.

‎خطاب المظلومية

‎5- استمرار سياسات القوى الإقليمية المزعزعة للاستقرار في استدعاء خطاب المظلومية: ولعل ذلك يفسر محاولة توظيف طهران وجود ألغام داخل أراضيها من بقايا مُخلَّفات الحرب مع العراق، على الرغم من سلوكها الداعم للفوضى في الشرق الأوسط، والذي قد يؤدي إلى تراجع الدعم الإقليمي والدولي لها لنزع الألغام. إذ قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي في 5 أبريل الحالي أن "إيران تحولت إلى أكبر ضحية لمخاطر الألغام"، لافتاً إلى أن "42 ألف كيلومتر مربع من مساحة إيران قد تلوثت خلال سنوات الحرب المفروضة (1980- 1988) بـ20 مليون نوع من الألغام والمتفجرات المصنوعة في دول تتشدق بحقوق الإنسان".

‎وأضاف حاتمي: "إن الدول التي ساعدت الحكومة العراقية في جميع المجالات، بما في ذلك الألغام المختلفة خلال سنوات الحرب ضد إيران، وما بعدها، رفضت مساعدة بلادنا في حل هذه المشكلة وامتنعت عن تقديم الدعم التكنولوجي لشعب إيران المحب للسلام". ولعل الخطاب الإيراني يركز على "المظلومية" التي تتعلق بمزاعم حول ما لحق بإيران من تأثيرات بالغة نتيجة انتشار الألغام، والتي أصابت الرجال والنساء والأطفال خلال سنوات الحرب مع العراق وما بعدها، الأمر الذي ألحق خسائر اقتصادية واجتماعية وبيئية بإيران.

‎متاهة الانتقال

‎6- تعقيدات قضايا الانتقال في مراحل ما بعد الصراعات والحروب: وربما ذلك ينطبق بدرجة كبيرة على حالة السودان. إذ ثمّن رئيس المجلس الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان التقدم الذي أحرزه السودان في برنامج مكافحة الألغام، موضحاً أن هذا الأمر سيسهم في دفع مسيرة التنمية وإعادة الإعمار في المناطق التي تزخر بالموارد الطبيعية والثروات المتعددة، وهو ما جاء على هامش تصريحاته بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام. وأكد البرهان أن "البشرية عانت كثيراً من مآسي الحروب، التي لم تتوقف عند الخسائر البشرية والمادية، وإنما امتدت بعد توقف الحرب مُخلِّفة وراءها خطراً يهدد الإنسانية، هو الألغام ومُخلَّفاتها، والتي فتكت بأرواح الملايين، وخلَّفت وراءها العاهات ووقفت عائقاً أمام التنمية المستدامة، والاستفادة من الأراضي بسبب الخوف من خطر الألغام حتى بعد توقف النزاعات".  

‎تأثير كورونا

‎7- تفشي انتشار كوفيد-19: أصدر مدير عام دائرة شئون الألغام بالعراق خالد رشاد في 5 يونيو 2020 أوامر لدائرته والمنظمات الإنسانية المساندة بالتوقف عن مسح المناطق في المحافظات المحررة حتى انتهاء جائحة كوفيد-19، وبصفة خاصة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالي التي تنتشر بها الألغام "المرتجلة"، وهى نوع خاص من الألغام قام مقاتلو "داعش" بتصنيعها في البيوت والمدارس والأبنية الخدمية (وخاصة الماء والكهرباء) وتتصف تركيبتها بالتعقيد مما يصعب من عملية تفكيكها.  

‎مخصصات غائبة

‎8- غياب المخصصات المالية لإزالة الألغام من مناطق داخل الدولة: يظل العامل المالي أحد المعوقات الرئيسية التي تواجه الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لإزالة الألغام من بعض المناطق، وهو ما تعاني منه محافظة البصرة في العراق، إذ لم تخصص لها مبالغ مالية إضافية بحكم أنها الأكثر تضرراً من الألغام مقارنة بغيرها من المحافظات، مع الأخذ في الاعتبار أن العراق تعد من أكثر دول العالم تلوثاً بالألغام والمُخلَّفات الحربية.

‎وفي هذا السياق، قال بير لودهامر كبير مديري برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بإزالة الألغام، في تصريحات أوردتها وسائل إعلام حكومية عراقية في 12 أكتوبر 2020، أن "المساحة الملوثة بالألغام والمُخلَّفات الحربية في العراق تبلغ مليارين و987 مليوناً و275 ألفاً و90 متراً مربعاً، بضمنها 257 مليوناً و378 ألفاً و865 متراً مربعاً في إقليم كردستان العراق حسب الأرقام المقدمة من قبل الحكومة".

‎عوائق متعددة:

‎خلاصة القول، إنه على الرغم من انضمام معظم دول الشرق الأوسط لاتفاقية أوتاوا المتعلقة بحظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام، وتوسيع وجود المنظمات غير الحكومية الدولية المتعلقة بمكافحة الألغام، واستخدام مداخل غير تقليدية لاكتشاف ونزع الألغام مثل الطائرات المسيرة، لاتزال الألغام تمثل خطراً للأمن والاستقرار في الإقليم، من حيث وفاة وإصابة العناصر المدنية، وخاصة النساء والأطفال، وتضرر كلي وجزئي للمنشآت العامة والخاصة، سواء كانت سكنية أو تجارية أو تعليمية أو صحية أو معالم أثرية أو خزانات مياه أو طرق رئيسية أو جسور.

‎وتظل هناك مجموعة من التحديات التي تعوق الوصول إلى الألغام وتفكيكها، أبرزها ارتفاع التكلفة المالية لإزالة الألغام في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي تواجه الدول المتضررة من بقاءها، وصعوبة تحديد الأماكن المليئة بالألغام وبقايا مُخلَّفات الحروب وبصفة في المناطق الحدودية التي قد لا تلق اهتماماً من الحكومات لأسباب مختلفة. علاوة على انتشار كوفيد-19 الذي يخصم من قدرة الشركات والمنظمات والوكالات المعنية بإزالة الألغام على مواصلة مهامها في أعمال المسح والرفع من المناطق التي تضم قدراً كبيراً من الذخائر والألغام والمتفجرات، ونقص المخصصات المالية.