أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

أهداف مختلفة:

لماذا انتشرت ظاهرة "تسييس النقود" في دول الصراعات؟

05 يونيو، 2017


أدى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في دول الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط إلى تصاعد استخدام أوراق البنكنوت والأشكال الأخرى من النقود كأداة للنفوذ السياسي والاقتصادي بها. وفي الواقع، فإن ثمة عوامل عديدة ساعدت على انتشار هذه الظاهرة في دول مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن، يتصل أبرزها بحالة الانقسام والصراع السياسي بالدول السابقة، والتي واكبها انقسام مماثل على صعيد المؤسسات الاقتصادية أيضًا، إلى جانب حدوث تدهور مالي كبير في تلك الدول، بشكل دفعها، في بعض الأحيان، إلى البحث عن موارد مالية بديلة عبر الاقتراض وطبع النقود أيًا كانت التكاليف الاقتصادية المحتملة، فضلا عن انتشار التنظيمات الإرهابية فيها مثل "داعش"، والتي سعت إلى تأسيس قاعدة مالية قوية تمكنها من ممارسة أنشطتها الإرهابية وتعزيز سيطرتها على بعض المناطق. 

وكنتيجة للظروف السابقة، قامت بعض الأطراف السياسية المختلفة في تلك الدول بإصدار أوراقها النقدية المستقلة في إشارة ليس فقط إلى الانقسام السياسي، ولكن أيضًا إلى "الفوضى النقدية" التي تشهدها تلك الدول. كما حاول تنظيم "داعش"، في عام 2014، تأسيس سلطة نقدية عبر إصدار العملة الخاصة به. 

ولكن مع تضييق الخناق على مصادر تمويل التنظيم، أشارت بعض الشواهد إلى اتجاهه نحو استخدام العملات المزورة لتغطية أوجه إنفاقه، فضلا عن العملات الإلكترونية (البيتكوين) كوسيلة دفع يصعب تتبعها في تمويل أنشطته. ومن دون شك، فإن حالة الفوضى النقدية السابقة سوف تفرض تداعيات سياسية واقتصادية عديدة، حيث أنها ستؤدي، على الأرجح، إلى تكريس حالة الانقسام السياسي في دول الصراعات، وتقويض الثقة في العملات المحلية، وتوفير مصادر لتمويل الإرهاب صعبة التتبع. 

بيئة متوترة:

تصاعد استخدام البنكنوت وأشكال النقود الأخرى كأداة للنفوذ السياسي والاقتصادي في دول الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعود إلى اعتبارات عديدة تتمثل في: 

1- مؤسسات موازية: شهدت دول الصراعات مثل ليبيا وسوريا انقسامًا سياسيًا على مدار السنوات الماضية، أدى إلى انقسام موازٍ على صعيد المؤسسات المالية والاقتصادية في البلاد. ففي ليبيا، ساهم تدهور الأوضاع السياسية في تشكيل ثلاث حكومات بالبلاد هى حكومة الوفاق الوطني بجانب حكومتين في شرق وغرب البلاد. وكنتيجة لذلك، تكونت على مدار العامين الماضيين مؤسسات اقتصادية موازية لمنافسة المؤسسات الأخرى القائمة.

2- تمويل الإرهاب: بعد تصاعد نشاطها في بعض دول الشرق الأوسط، حرصت التنظيمات الإرهابية منذ عام 2014 على تأسيس قاعدة مالية قوية تمكنها من تمويل أنشطتها الإرهابية داخل المنطقة وخارجها. وقد تمكنت من تأمين أموال وفيرة من إنتاج النفط والتجارة غير المشروعة في الأراضي العراقية والسورية، وبما دعم من نفوذها في الفترة الماضية. وفي عام 2015، وصل حجم عائداتها المالية، بحسب بعض التقديرات، إلى نحو 2.4 مليار دولار، ولكن مع تضييق الخناق على مصادر تمويلها، تراجعت هذه الموارد بشكل كبير مما اضطرها للبحث عن موارد مالية بديلة أكثر أمانًا مثل العملات الإلكترونية. 

3- تدهور مالي: صاحب التوتر الأمني والسياسي في الدول السابقة تراجع اقتصادي ومالي واسع، حيث واجهت الحكومات صعوبات في تعبئة الموارد العامة فيما عانت البنوك المحلية من شح كبير في السيولة المحلية. ففي ليبيا، ظل عجز الموازنة مرتفعًا في السنوات الماضية ليصل إلى ذروته في عام 2016 عند مستوى 52.7% وتم تمويل معظمه بالاقتراض من البنك المركزي الليبي. 

مؤشرات عديدة:

ثمة مؤشرات عديدة تكشف عن انتشار ظاهرة "تسييس النقود" في منطقة الشرق الأوسط، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- ازدواج البنكنوت: تحولت أوراق البنكنوت إلى أداة جديدة استخدمتها بعض الميليشيات للتعامل مع التطورات السياسية والميدانية التي تشهدها دول الصراعات. ففي اليمن، أصدر الحوثيون، في مايو 2017، أوراقًا نقدية جديدة من أجل مواجهة أزمة السيولة النقدية بالمناطق الخاضعة لسيطرتهم، وجاءت هذه الأوراق النقدية على شكل أوراق تموينية وشيكات نقدية فئة 5000 ريال لسد العجز الحاصل في السيولة النقدية، وهى الأوراق النقدية التي لا تحمل صفة قانونية بحسب محافظ البنك المركزي اليمني منصر القعيطي.

2- عملات مستقلة: أعلن تنظيم "داعش"، في نوفمبر 2014، صك عملة معدنية بالذهب والفضة والنحاس خاصة به ليتم التعامل بها في المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا والعراق. ولكن هذه الخطوة لن تفرض، على ما يبدو، تداعيات مباشرة على التنظيم، لا سيما مع تضييق الخناق على مصادر تمويله في العامين الماضيين. 

3- العملات المزيفة: تسبب اضطراب الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط في انتشار ظاهرة تزييف العملات المحلية والأجنبية، وخاصة في دول الصراعات، وهو ما يؤكده، على سبيل المثال، تحذير مصرف سوريا المركزي، في غضون عام 2012، من وجود كميات من العملة المزورة الأجنبية في الأسواق السورية. وفي هذا السياق، حرصت بعض التنظيمات الإرهابية على استغلال الأوضاع السابقة في استخدام تزوير العملات كمصدر لتوفير عوائد مالية جديدة، حيث لجأ تنظيم "داعش" الى تزوير الدينار العراقي من أجل معالجة تفاقم أزمته المالية بحسب بعض المسئولين العراقيين. وثمة شواهد عديدة تكشف عن انخراط العديد من الميليشيات المسلحة والإرهابية في التجارة غير المشروعة بجانب تجارة العملات المُزورة. 

4- البيتكوين: اتجه تنظيم "داعش" مؤخرًا إلى استخدام عملة "البيتكوين" الإلكترونية لتمويل عملياته، حيث أنها أكثر صعوبة في التتبع من قبل الجهات الرقابية نظرًا لاعتمادها على الشفرات الإلكترونية. وفي هذا السياق، أشارت وكالة مكافحة غسل الأموال بإندونيسيا، في يناير 2017، إلى أنه تم استخدام البيتكوين وخدمات "باى بال" للدفع الإلكتروني من قبل تنظيم "داعش" فى الشرق الأوسط لتمويل الأعضاء المنتسبين له فى إندونيسيا.

نتائج محتملة: 

يبدو أن حالة الفوضى النقدية في دول الصراعات، كما هو مذكور سابقًا، سوف تؤدي، على الأرجح، إلى عدد من النتائج على الصعيد السياسي والاقتصادي. إذ أنها ستساهم في اتساع مساحة الخلافات بين الأطراف السياسية في دول الصراعات، وبما قد يعوق الجهود الدولية والإقليمية لتسوية القضايا الإقليمية المختلفة. كما أنها ستتسبب في انخفاض الثقة في العملات المحلية، وهو ما يمكن أن يحدث اضطرابًا في المعاملات المالية والاقتصادية. ويتوازى مع ذلك تزايد التحذيرات من إمكانية تحول النقود الإلكترونية إلى منصة جديدة للتنظيمات الإرهابية قد تمكنها من تمويل عملياتها بسهولة وهو ما يحتم في الوقت نفسه تشديد الرقابة عليها. 

وختامًا، يمكن القول إن تصاعد ظاهرة "تسييس النقود" هو أحد ملامح الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة، والتي ستفرض بدورها كثيرًا من التداعيات السلبية على اقتصاداتها.