أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

عقبات ماثلة:

فرص نجاح "إدارة الدولة" في تجاوز أزمة تشكيل الحكومة العراقية

06 أكتوبر، 2022


أعلن مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري تمديد الهدنة الأربعينية لمده أسبوعين إضافيين، حتى منتصف أكتوبر 2022، وذلك لمنح القوى السياسية الفرصة للاستجابة لمطالبه، وهو ما تزامن مع رفض البرلمان العراقي، في 28 سبتمبر استقالة رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، من منصبه، بالإضافة إلى زعم الإطار التنسيقي، في 25 سبتمبر، عن نجاحه في تأسيس تجمع سياسي جديد باسم "ائتلاف إدارة الدولة" مع القوى السنية والكردية. 

تطورات متلاحقة:

شهدت الساحة السياسية العراقية العديد من التحركات من قبل مختلف القوى السياسية خلال الأيام الأخيرة، في إطار التحرك للبحث عن مخرج للأزمة السياسية المستعصية منذ عام تقريباً، وهو ما يمكن الإشارة إليه في النقاط التالية:

1- تجديد الثقة في الحلبوسي: عقد البرلمان العراقي جلسة في 28 من سبتمبر، حيث صوّت 222 نائباً ضد استقالة رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، في حين أيده 13 نائباً فقط، كما تم انتخاب محسن المندلاوي، المقرب من الإطار التنسيقي، نائباً أول لرئيس المجلس، وذلك بدلاً من حاكم الزاملي عن التيار الصدري الذي استقال مع نواب كتلته في منتصف يونيو الماضي.

وقد هدف الحبلوسي من هذه الاستقالة إعادة تأكيد شرعيته، التي طالما شككت بها بعض قوى الإطار التنسيقي، أي أن الهدف من وراء هذه الخطوة هو تجديد ولايته بأصوات ائتلاف إدارة الدولة، المزمع الإعلان عنه، بدلاً من التحالف الثلاثي السابق الذي سبق وصوّت لصالح الحلبوسي. وقد تم الإبقاء على الحلبوسي، نظراً لغياب بديل له، إذ إن الغالبية العظمى من نواب السنة في البرلمان العراقي قد اجتمعوا في ائتلاف واحد، ولم يكن هناك أي اتجاه لطرح شخصية بديلة عنه. 

2- شروط الصدر لإنهاء الأزمة: جاء تمديد التيار الصدري لمهلة الهدنة غير المكتوبة إلى ما بعد انتهاء إحياء ذكرى وفاة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، إلى ما بعد منتصف أكتوبر مقرونة بثلاثة شروط، وهي تلك المتعلقة  ببقاء حكومة الكاظمي، وإعلان انتخابات جديدة وحل البرلمان، وأخيراً تعديل الفقرة 76 من الدستور المتعلقة بكيفية تسمية الكتلة الكبرى التي يحق لها تشكيل الحكومة، وتعديل قانون المحكمة الاتحادية لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية، وهي الشروط التي من شأنها أن تعقد الأزمة السياسية مرة أخرى، لاسيما في ضوء تحفظ التيار الصدري على تعديل قانون الانتخابات، وهو أحد أهم مطالب التنسيقي للذهاب لانتخابات مبكرة خلال عام.

3- ترويج التنسيقي لائتلاف جديد: روجت وسائل إعلام تابعة للتنسيقي، منذ 25 سبتمبر، لأنباء تفيد بتوقيع قوى سياسية وثيقة اتفاق للإعلان عن تحالف جديد يضمّ أبرز القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري، والقوى السنية ممثلة في تحالفي السيادة والعزم، والقوى الكردية الممثلة بالحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إضافة إلى حركة "بابليّون". وأشار التنسيقي إلى أن اسم التحالف الجديد هو "ائتلاف إدارة الدولة"، وذلك في بيان أصدرته في 28 سبتمبر بمناسبة استئناف مجلس النواب جلساته الاعتيادية. 

وأكد التنسيقي أن هدف التحالف هو إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية، والعمل كذلك على تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات المبكرة، وهو ما يعد بالون اختبار تم ترويجه من قبل التنسيقي وانتظار ردود الأفعال بشأنه، لاسيما رد فعل التيار الصدري، فضلاً عن باقي القوى السياسية الأخرى، سواء السنية أو الكردية.

وتزامن ذلك مع تلويح قيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق بإمكانية سحب مرشحهم لرئاسة الحكومة، محمد شيّاع السوداني، وهو ما أيده تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، في 25 سبتمبر، كما أبدى استعداده للاتفاق مع التيار الصدري على حل البرلمان، غير أن الحكيم أشار إلى اختلاف الطرفين حول آلية التطبيق. 

وكذلك اشار الخزعلي إلى إمكانية مشاركة التيار الصدري في الحكومة من خلال منحهم نصف وزراء حصة المكون الشيعي في الحكومة المقبلة، أي منحه ست وزارات، وهو ما يؤكد على إدراك التنسيقي استحالة تشكيل حكومة جديدة من دون التوافق مع التيار الصدري، خاصة أن أحد النواب المحسوبين على ائتلاف دولة القانون، أحد خصوم الصدر، أكد أنه لا يمكن أن تستقر الحكومة العراقية دون الصدريين.

4- عودة حراك تشرين: شهدت بغداد، في 1 أكتوبر، تظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف، وذلك بهدف إحياء الذكرى الثالثة لانطلاق ثورة "تشرين" (أكتوبر) ضد فساد النخبة الحاكمة وفشلها في إدارة البلاد. وجدد المتظاهرون شعاراتهم التي رفعوها عام 2019 "الشعب يريد إسقاط النظام". واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. كما شهدت الناصرية، وهي مدينة كبيرة في جنوب العراق، تظاهرة للمئات أيضاً لإحياء ذكرى الاحتجاجات.

تحديات قائمة:

تشير مجمل التطورات على الساحة السياسية العراقية إلى إمكانية حدوث العديد من التطورات خلال الفترة القادمة، وهو ما يمكن استعراضه في التالي:

1- استمرار صعوبات تشكيل الحكومة: على الرغم من الإعلان عن قيام تحالف إدارة الدولة، وزعم قوى التنسيقي وجود توافق مع السنة والأكراد، فإن ذلك الأمر لا يستجيب للواقع، والذي يؤكد أن للقوى السنية مطالب كثيرة، تأتي في مقدمتها عودة المهجرين إلى ديارهم، وإبعاد قوات الحشد الشعبي من المحافظات السنية، فضلاً عن حصول السنة على تمثيل مرضٍ في أجهزة الأمن والجيش العراقي، خاصة في المواقع المنتشرة في محافظاتهم، وأخيراً، إلغاء هيئة العدالة والمساءة واجتثاث البعث، وهي المطالب التي كانت قوى رئيسية في الإطار التنسيقي تعارضها وترفضها. ومن غير المتوقع أن يقبل السنة تشكيل الحكومة من دون تحقيق تقدم في القضايا سابقة الذكر. 

2- فشل الأكراد في التوافق: لم يتفق الأكراد حتى مطلع أكتوبر على مرشح موحد لرئاسة الجمهورية، ولايزال الحزب الديمقراطي الكردستاني يصر على أن يتم التوافق مع الاتحاد الوطني على مرشح واحد قبل الذهاب إلى عقد جلسة البرلمان، وهو ما يعني رفض الديمقراطي الكردستاني تكرار ما حدث في الدورة السابقة بطرح مرشح لكل منهما والاحتكام إلى انتخاب أعضاء البرلمان في هذا الخصوص. 

ومن جهة أخرى، فإنه تم الاتفاق بين الحزبين الكرديين على الاتفاق على تشكيل إدارة مركزية مشتركة لقطاع النفط في الإقليم، والضغط على الحكومة الاتحادية لضمان أن تكون الآبار التي تُكتشف، أو يتم استغلالها بعد إقرار الدستور العراقي تكون ملكاً للإقليم، ومن حقه، وتضمين المطالب الكردية في تشريعات محلية، خاصة بعدما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أعلى سلطة قضائية في البلاد، حكماً في فبراير 2022، اعتبرت فيه أن القانون الذي تبناه برلمان إقليم كردستان عام 2007 لتنظيم قطاع النفط والغاز مخالف للدستور، وما ترتب على ذلك من مغادرة بعض الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم، مثل شركة شلمبرجر الأمريكية. ولا شك أن هذا المطلب سوف يكون على رأس قائمة المطالب للحزبين الكرديين في مفاوضتهما مع التنسيقي لتشكيل الحكومة القادمة.  

3- إمكانية تقديم التنسيقي تنازلات: من المتوقع أن يقدم التنسيقي تنازلات للتيار الصدري لتمرير حكومته، وذلك عبر طرح مرشح آخر لرئاسة الحكومة يلقى قبولاً من قبل التيار الصدري، وتداولت عدد من المصادر اسم محافظ البصرة، أسعد العيداني، كمرشح محتمل لرئاسة حكومة العراق، لاسيما أنه مقرب من السيد مقتدى الصدر، فضلاً عن علاقاته الجيدة بمختلف قوى التنسيقي، علاوة على إمكانية قبوله إقليمياً ودولياً. ويهدف التنسيقي من ذلك إلى محاولة إقناع الصدر بالتنازل عن شرطه المتعلق ببقاء مصطفي الكاظمي على رأس الحكومة.

4- احتفاظ الصدر بورقة الشارع: التزم الصدر الصمت تجاه العديد من التطورات خلال الأيام الماضية، غير أنه لايزال طرفاً مؤثراً في المعادلة السياسية العراقية، خاصة بعد اعتراف خصومه من قوى الإطار التنسيقي بذلك. ويتمثل الخيار المضمون في يد الصدر هو اللجوء إلى الشارع، ومناصرة التظاهرات، التي بدأت تتجدد على استحياء في بغداد وبعض المدن العراقية.

ولا شك أن مثل هذا السيناريو سوف يعمل التنسيقي على تجنبه، خاصة في ظل الاضطرابات التي تشهدها إيران، الداعم الرئيسي للتنسيقي، على خلفية وقوع احتجاجات، وامتدادها على مدار أكثر من 17 يوماً، وتخللها وقوع مصادمات مسلحة سقط فيها عناصر من الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يؤشر على إمكانية تراجع اهتمام طهران بالأزمة العراقية لحين استعادة السيطرة على أوضاعها الداخلية. 

وفي الختام، يمكن القول إن التنسيقي تراجع خطوة وأعلن استعداده للتخلي عن السوداني، مقابل طرح اسم بديل، وذلك من أجل إقناع الصدر للتخلي عن الكاظمي، وليس من الواضح مدى استعداد الصدر للتجاوب مع مطالبه، خاصة أن ارتباك إيران داخلياً ينعكس سلباً على حلفائها في العراق، ممثلاً في التنسيقي. ومن جهة أخرى، فإن القوى السنية والكردية لن تذهب إلى تشكيل الحكومة مع التنسيقي من دون الحصول على ضمانات بتحقيق مطالبها، خاصة أن هناك قوى بارزة في التنسيقي كانت ترفض تقديم أي تنازلات لهما، وهو ما يعني أن استمرار أزمة تشكيل الحكومة العراقية لاتزال قائمة.