أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ثلاث أزمات:

المسارات المستقبلية للتحرك الإيراني إقليمياً

01 فبراير، 2015


إعداد: إسراء أحمد إسماعيل

نشر معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة (The American Enterprise Institute for Public Policy Research) دراسة في نوفمبر 2014، تحت عنوان: "داعش وإسرائيل والأسلحة النووية.. إيران تواجه أزمات"، للباحث "ماثيو ماكينيس" Matthew McInnis، يوضح خلالها الجوانب المتعلقة بالنظام السياسي الإيراني، والدوافع التي تقف وراء القرارات والتحركات الإيرانية، من خلال تناول موقف النظام الإيراني من ثلاث أزمات، وهي: (توغل تنظيم داعش في العراق، والصراع الأخير في غزة، والاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي)، وذلك بهدف محاولة التنبؤ بتحركات النظام الإيراني في الفترة المقبلة.

وتؤكد الدراسة أن تعقيد النظام السياسي في طهران يظهر في كونه يعتمد على الجمع بين العقيدة الأيديولوجية والقومية الفارسية، ولذلك فإن التحليل الدقيق لعملية صنع القرار الإيراني، خاصةً إبان الأزمات، يمكن أن يكشف عن الدوافع الثابتة وأنماط التفاعل الخاصة بالقيادة الإيرانية، الأمر الذي يتيح إمكانية التنبؤ بالتحركات الدبلوماسية والعسكرية الإيرانية المحتملة، ومن ثم مواجهتها.

إدراك عملية صنع القرار في إيران

يستدعي فهم النظام السياسي الإيراني دراسة متأنية للعلاقات بين كبار القادة، والهياكل الداخلية لصنع القرار، والمبادئ الأيديولوجية التي يتبناها النظام، والبيانات الرسمية التي يصرح بها المسؤولون الإيرانيون.

وفي هذا الإطار توجد خمسة عوامل حاسمة لفهم الدوافع التي تحرك النظام الإيراني، وهي:

1- الحفاظ على النظام: أكثر من مجرد الدفاع عن الحدود وردع المعتدين المحتملين، حيث تخشى طهران عدم الاستقرار الداخلي، وغيره من التهديدات التي قد تشكل خطراً على الهيكل السياسي للنظام.

2- استمرار الثورة الإيرانية: تعتمد طهران في الحفاظ على شرعيتها، ومواجهة ما تعتبره خصومها المجاورين، وضمان نفوذها في الخارج على "الحرس الثوري الإيراني" IRGC ، الذي يضم شبكة من الحلفاء السياسيين والمعروفة باسم "شبكة المقاومة" Resistance Network، تشمل جماعات عسكرية تخوض حروباً بالوكالة، وجماعات إرهابية. وتتمثل مهمة هذه الشبكة الأساسية في الحفاظ على الدولة الثورية ومواجهة سياسات الغرب وإسرائيل والدول العربية المنافسة لإيران.

3- تحقيق القوة الاقتصادية: أظهر الاقتصاد الإيراني القدرة على الاستمرار بالرغم من فرض العقوبات الاقتصادية، والعزلة النسبية، ولكن تحقيق النمو الاقتصادي يتطلب قاعدة اقتصادية متينة لضمان الاستقرار الداخلي، ودعم الأمن وتحقيق أهداف سياستها الخارجية.

4- احتلال مركز الصدارة في المنطقة: يرغب النظام الإيراني في أقصى قدر من حرية العمل في الشرق الأوسط، في إطار سعيه ليصبح الزعيم السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة.

5- قيادة العالم الإسلامي: ترى إيران نفسها زعيماً للعالم الإسلامي، ذلك فضلاً عن التزامها بحماية الشيعة والمواقع الشيعية الدينية الهامة في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يتسبب في إحداث توترات وحالة انعدام الثقة مع المسلمين السنة في المنطقة، ويقوِّض كثيراً من الطموحات الإيرانية.

ويرى  McInnis أن دراسة وتفسير تحركات النظام السياسي الإيراني تتطلب أيضاً معرفة القائمين على عملية صنع القرار في إيران، خاصةً المرشد الأعلى "علي خامنئي" والدائرة المحيطة به،  والرئيس "حسن روحاني"، والحرس الثوري الإيراني، أخذاً في الاعتبار أن صنع القرار من قِبل القيادة العليا يتم بشكل توافقي ويتركز في يد المجلس الأعلى للأمن القومي، ولا أحد يستطيع أن ينحرف عن المبادئ التوجيهية لـ"خامنئي".

ولذلك يرى الكاتب أنه لا ينبغي أن تتأثر آراء المراقبين بسبب الخصومات الشخصية، أو المواقف السياسية الصاخبة التي تحدث أحياناً بين "الإصلاحيين" و"المعتدلين" و"المتشددين". ففي نهاية المطاف، يحافظ النظام على تماسك واتساق سياساته التي تعكس إرادة المرشد الأعلى.

وعلى الرغم من تخفيف بعض العقوبات المتعلقة ببرنامج الأسلحة النووية الإيرانية بعد الاتفاق على خطة العمل المشترك في جنيف في نوفمبر 2013، إلا أن العام الماضي حمل بعض المصاعب أمام طهران، بسبب الضغوط الواقعة عليها من جميع الجبهات.

وفي ظل محاولة فهم النظام السياسي الإيراني وتوقع تحركاته المستقبلية، يقدم الكاتب ثلاثة نماذج تالية يعتبرها بمثابة "دراسات حالة" تكشف عن كيفية تعاطي النظام مع أزمات السياسة الخارجية المعقدة، وكيفية اتخاذ طهران لخيارات سياسية متسقة مع أهدافها الاستراتيجية، ومع الخطوط الحمراء الداخلية التي تم تحديدها لتحقيق مصالح النظام الأيديولوجية والقومية.

تغول تنظيم "داعش" في العراق

سمح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق للنفوذ الإيراني بالتمدد خلال الأعوام اللاحقة على الغزو من خلال شبكة المقاومة التي أسستها طهران، وتمددت ليس فقط في العراق، ولكن أيضاً في اليمن وأفغانستان وأفريقيا، بيد أن الثورات العربية غيَّرت هذا المسار، حيث رحبت إيران بسقوط نظلم مبارك في مصر أوائل عام 2011، ولكن من ناحية أخرى أخطأت في الحكم على الوضع في سوريا. وبالنسبة للعراق، فقد مثّل توغل "داعش" في شمال العراق خلال يونيو 2014 مفاجأة لإيران.

وفي ضوء ذلك يشير الكاتب إلى خمسة أهداف رئيسية تسعى طهران لتحقيقها، وهي:

1- تسعى الجمهورية الإيرانية إلى منع امتداد الصراع العراقي إلى الأراضي الإيرانية، ويتضح ذلك في إنشاء خط حدودي يمتد إلى 100 كيلومتر إلى الغرب من الحدود الإيرانية مع العراق.

2- تعطي طهران الأولوية للدفاع عن الشيعة والأماكن المقدسة في جميع أنحاء العراق.

3- لدى إيران مصلحة ثابتة في أن يتولى السلطة في بغداد حكومة صديقة لطهران، وبالتالي فإن سيطرة تنظيم "داعش" على أي جزء من العراق يعد مسألة غير مقبولة أمنياً لإيران.

4- تحتاج طهران تحديداً "فيلق القدس" لموازنة جهودها في سوريا مع جهودها في العراق، حيث تمثل الأخيرة أولوية عليا.

5- تحاول طهران تحديد كيفية إدارة أي مساعدات تقدمها واشنطن إلى بغداد في مواجهة تنظيم "داعش". فعلى الرغم من مواجهة عدو مشترك، بيد أنه لايزال ثمة خلاف استراتيجي بين واشنطن وطهران في المنطقة.

ووفقاً لرؤية McInnis، يُمثل الفشل فيما يتعلق بأي من هذه الأهداف خطراً غير مقبول على أمن إيران، ولذلك فهي مستعدة لتوسيع دورها في العراق لحماية مصالحها الوطنية. كما يرى الكاتب أن إيران ستعمل على ألا تخرج واشنطن من هذه الأزمة في موقف أقوى مما هي عليه، سواء في بغداد أو في المنطقة بشكل عام؛ وبالتالي فهي قد ترحب بتدخل أمريكي قصير الأجل، ولكنها سوف تقاوم بشدة أي شكل من أشكال استئناف الوجود العسكري الأمريكي الدائم في العراق.

تداعيات الصراع في غزة

تعتبر حركة "حماس" عنصراً حاسماً في سياسة إيران ضد إسرائيل، وفي الثاني عشر من يونيو 2014 خطف نشطاء "حماس" ثلاثة إسرائيليين، الأمر الذي تسبب في قيام تل أبيب في 7 يوليو بما أسمته عملية "الجرف الصامد". وتميز رد الفعل الرسمي الإيراني بالرصانة، فخلال الفترة التي سبقت هذه العملية أعرب المرشد الأعلى أحياناً عن غضبه إزاء الغارات الجوية الإسرائيلية، وبعد بدء العملية تمثلت الغالبية العظمى من تعليقاته في إدانة الحملة الإسرائيلية.

وفي محاولة لتفسير تأخر رد الفعل الإيراني، يرى الكاتب أن حجم العملية الإسرائيلية كان غير مؤكد، بالإضافة إلى أن عملية مكافحة تنظيم "داعش" في العراق كانت قد بدأت لتوها، وكان "الحرس الثوري" منشغلاً في تسهيل نقل القوات الحليفة له من سوريا إلى العراق. لكن بعد السابع عشر من يوليو تغير الموقف الإيراني بعد أن بدأت القوات الإسرائيلية في غزو بري لقطاع غزة، فبعد أربعة أيام من الغزو، أصدر "خامنئي" وعدد من كبار المسؤولين بيانات قوية بشأن الحاجة إلى دعم الكفاح المسلح ضد إسرائيل.

وطبقاً للدراسة، تتمثل أسباب تغير الموقف الإيراني إزاء احتدام الصراع في غزة في الآتي:

1- كان من الضروري للنظام الإيراني أن يؤكد التزامه الأيديولوجي باعتباره زعيم المقاومة ضد إسرائيل.

2- تعرض شبكة المقاومة الإيرانية مرة أخرى للخطر بسبب عدم القدرة على مواجهة وردع إسرائيل والولايات المتحدة بعد الأزمات السورية والعراقية.

3- كان أداء "حماس" أقوى من المتوقع ضد إسرائيل، حيث أثبتت جدارتها، ولذلك فإنه على الرغم من التوترات الأيديولوجية والسياسية بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن طهران تحتاج إلى حلفاء أقوياء.

4- لا يمكن لإيران أن تسمح لدولة أخرى بالمنطقة مثل السعودية، أو لجماعات متطرفة مثل تنظيم "القاعدة" أو "داعش"، بملء الفراغ الذي قد تسببه حالة عدم اليقين في غزة والضفة الغربية، حيث إن ضعف حركة "حماس" قد يترك غزة والضفة أكثر عُرضة للتدخل من قبل منافسي إيران وأعدائها.

ولذلك، فمن المتوقع في الأشهر المقبلة أن تبحث طهران عن سُبل لدعم القدرات المالية والعسكرية لحركة "حماس"، الأمر الذي قد ينطوي على العمل مع قطر وتركيا، كما أنه من المرجح أيضاً – وفقاً للدراسة-  أن يحاول "الحرس الثوري" زيادة ترسانات الصواريخ وغيرها من الأسلحة، وتكوين ميليشيات فلسطينية من المتطوعين على غرار قوات التعبئة الشعبية المعروفة بـ"الباسيج". وبالنسبة لحماس، فقد تتخذ موقفاً متحفظاً من المواجهة مع إسرائيل، الأمر الذي قد يمثل تحدياً أمام طهران، يدفعها إلى محاولة إنعاش قدراتها في الأراضي الفلسطينية.

سعي إيران نحو التوصل لاتفاق نووي

اعتمدت حملة الرئيس "روحاني" في الانتخابات الرئاسية عام 2013 - إلى حد كبير - على محاولة إيجاد علاقات أقل حدة مع الغرب، وتخفيف العقوبات الاقتصادية. وكانت المفاجأة في اتفاق المرشد الأعلى - بشكل جزئي - مع توجهات روحاني، ويرجع ذلك بالأساس إلى الأسباب الآتية:

1- الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي نتجت عن العقوبات التي فُرضت على البلاد منذ عام.

2- تمتع الرئيس الجديد بثقة المرشد الأعلى، كمفاوض في إطار الاتفاق الدولي حول برنامج إيران النووي.

3- إدراك طهران أن الخطر الناجم عن تنامي الجماعات السنية المتطرفة والصراع الطائفي الناتج عن الحرب في سوريا، أصبح أكثر تهديداً للنظام الإيراني من الحاجة إلى وجود رادع نووي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، أخذاً في الاعتبار أنه من غير المرجح استخدام الأسلحة النووية في مكافحة الجماعات المتطرفة مثل "داعش" و"القاعدة".

4- إدراك القيادة الإيرانية وجود رغبة قوية للرئيس الأمريكي أوباما في الخروج من مأزق البرنامج النووي.

5- انخفاض القيمة الاستراتيجية النسبية للأسلحة النووية الإيرانية المُحتمل تصنيعها، في مقابل تحسين قدرات الردع التقليدية، خاصةً ما يتعلق بالدفاع البحري والصواريخ البالستية.

6- وصول البرنامج النووي الإيراني لمستوى من الكفاءة الفنية التي لم يعد من الممكن التراجع عنها.

ختاماً، يتساءل الكاتب ما الذي يمكن أن تتوقعه واشنطن من طهران في الفترة المقبلة؟ موضحاً أن طهران ستعمل على الأرجح على زيادة قوتها الرادعة، كما سيسعى "الحرس الثوري" إلى البحث عن طرق جديدة لمواجهة برنامج الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "القبة الحديدية"، حيث تسبب أداؤه الفعَّال خلال الصراع الأخير في غزة في إثارة قلق طهران، كما توقع الكاتب أن تلجأ إيران بشكل متزايد إلى الأعمال الهجومية، مثل الهجمات الالكترونية ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

* عرض موجز لدراسة بعنوان: "داعش وإسرائيل والأسلحة النووية.. إيران تواجه أزمات"، والصادرة في نوفمبر 2014 عن "معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة AEI".

المصدر:

Matthew McInnis, ISIS, Israel, and nukes: Iran faces crises (Washington, The American Enterprise Institute for Public Policy Research, November 2014).