أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

توسيع الخيارات:

لماذا جددت تركيا مساعي الانضمام للاتحاد الأوروبي؟

13 ديسمبر، 2018


بعد نحو ثلاثة أعوام من التوتر بين تركيا والدول الأوروبية بسبب التباين في التعامل مع ملفات داخلية وإقليمية عديدة، عادت قضية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لتكتسب أهمية وزخمًا خاصًا على الساحة التركية من جديد، حيث عقدت مجموعة العمل التركية المكلفة بمتابعة ملف الإصلاحات التي تقتضيها العضوية في الاتحاد، اجتماعها الخامس في أنقرة في 11 ديسمبر الجاري، مشيرة إلى أنها سوف تعلن الوثيقة الاستراتيجية الخاصة بالإصلاحات القضائية في سياق المفاوضات مع الاتحاد في يناير 2019.

واللافت في هذا السياق، هو أن تجدد مساعي الانضمام إلى الاتحاد يأتي في وقت ظهرت فيه مؤشرات توحي بأن تلك القضية باتت تواجه عقبات غير مسبوقة، على نحو بدا جليًا في تأكيد المفوضية الأوروبية، في 4 سبتمبر 2017، على أن "تركيا تتخذ خطوات ضخمة تبعدها عن أوروبا وتجعل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي مستحيلاً". وجاء ذلك بعد يوم واحد من تصريحات المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي قالت فيها أن "تركيا يجب أن لا تصبح أبدًا عضوًا في الاتحاد الأوروبي".

وهنا، يمكن القول إن تجدد مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يكتسب أهميته من توقيته، الذي يأتي في خضم ظروف وتطورات لا تبدو مواتية سواء بالنسبة لتركيا أو لأوروبا، على نحو قد يدفعهما إلى البحث عن بدائل أخرى.

متغيرات عديدة:

ربما يمكن تفسير حرص تركيا على تجديد هذه الجهود مرة أخرى بعد مرحلة التوتر التي اتسمت بها العلاقات مع الدول الأوروبية في ضوء حرص أنقرة على توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، بعد أن تعرضت لضغوط دولية قوية خلال المرحلة الماضية.

إذ توترت علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الأخيرة، بعد الخلاف الذي نشب حول قضية القس الأمريكي اندرو برونسون، والذي قامت السلطات التركية بالإفراج عنه، في 12 أكتوبر 2018، بعد الضغوط الأمريكية القوية التي فرضت تداعيات اقتصادية مباشرة على تركيا بدت جلية في التدهور المستمر لليرة التركية على خلفية العقوبات التي أقرتها واشنطن.

وقد كانت قضية برونسون العنوان الرئيسي للخلافات الحادة بين الطرفين، حيث تباينت مواقف أنقرة سواء حول التعامل مع التطورات الميدانية السورية، خاصة فيما يتعلق بالموقف من الميليشيات الكردية التي دعمتها واشنطن باعتبارها طرفًا يمكن الاعتماد عليه في الحرب ضد تنظيم "داعش"، أو حول مطالب أنقرة بتسليم فتح الله جولن الذي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب التي وقعت في منتصف يوليو 2016.

وفي مقابل ذلك، لم تصل العلاقات مع روسيا إلى مستوى يمكن الاعتماد عليه في مواجهة ضغوط واشنطن. بل يمكن القول إن التعاون الثنائي مع موسكو لا يعبر بالضرورة عن استراتيجية جديدة تتبعها أنقرة للتعامل مع التطورات الطارئة على الساحة الدولية، إذ أنه قد يدخل في إطار الخطوات التكتيكية التي يفرضها الوجود الروسي في سوريا، على المستويين السياسي والعسكري، والتوتر في العلاقات مع الدول الغربية.

وقد سمح التنسيق مع موسكو بالوصول إلى ما يسمى بـ"صفقة سوتشي"، في 17 سبتمبر 2018، والتي منعت تدخلاً عسكريًا كان متوقعًا من جانب النظام السوري وحلفائه في إدلب التي تحظى باهتمام خاص من جانب أنقرة. فضلاً عن أنه كان مدخلاً لإجراء مفاوضات حول شراء منظومة صواريخ "إس 400" الروسية، التي أثارت ردود فعل رافضة من جانب الدول الأوروبية، لدرجة دفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التهديد بفرض عقوبات جديدة على أنقرة، حيث أشارت وزارة الدفاع الأمريكية، في 7 ديسمبر 2018، إلى أن دخول تلك المنظومة الأراضي التركية سيفرض نتائج كارثية على العلاقات العسكرية بين الطرفين.

إلى جانب ذلك، ترى الحكومة التركية أن تجديد تلك المساعي يمكن أن يعزز قدرتها على مواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية، باعتبار أن التوتر في العلاقات بين الطرفين أدى إلى تراجع المساعدات التي تقدمها أوروبا إلى تركيا، حيث قررت المفوضية الأوروبية، في 27 سبتمبر 2018، تخفيض مساعداتها إلى أنقرة، بسبب عدم إحرازها أى تقدم في الوفاء بالمعايير المطلوبة للانضمام إلى الاتحاد، ووصلت نسبة التخفيض إلى 40% خلال الفترة من 2018 و2020، ما يعني أن ما سوف تحصل عليه أنقرة سيكون أقل بـ759 مليون يورو عما كان مقررًا من الأساس، حيث كانت الموازنة الأوروبية متعددة الأعوام قد حددت مساعدات إلى تركيا وصلت إلى 4.45 مليار يورو، خلال الفترة من 2014 وحتى 2020، لتعزيز قدرتها على الالتزام بتلك المعايير التي تمهد لانضمامها إلى الاتحاد.

مواجهة الأزمات:

في مقابل ذلك، ترى الدول الأوروبية أن التعاون مع تركيا يبقى خيارًا لا يمكن استبعاده رغم التوتر العالق بين الطرفين بسبب التباين في التعامل مع الملفات الخلافية. إذ أن هذا التنسيق ما زال يمثل، وفقًا للرؤية الأوروبية، متغيرًا للتعامل مع الارتدادات المستمرة للأزمات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

وبمعنى آخر، فإن استمرار موجات اللاجئين والمهاجرين فضلاً عن العمليات الإرهابية التي تقع داخل الدول والعواصم الأوروبية يفرض ضرورة مواصلة التنسيق مع تركيا وتحييد تأثير الملفات الخلافية عليه.

لكن هذه الطموحات الأوروبية تواجه عقبات عديدة. إذ لا يمكن تجاهل أن السياسة التركية في المنطقة لم تعزز من الجهود التي بذلت للوصول إلى تسوية للأزمة السورية، بل ساهمت في عرقلتها، خاصة بعد أن حرصت على الوصول إلى تفاهمات مع إيران التي تمثل أحد الأطراف الرئيسية المنخرطة في الصراع السوري إلى جانب نظام الأسد.

إلى جانب أن الدول الأوروبية لم تتجاهل علاقات تركيا مع التنظيمات الإرهابية والمسلحة في سوريا، والتي سعت من خلالها أنقرة إلى أن تتحول إلى رقم مهم في الترتيبات السياسية والأمنية التي جرى العمل على صياغتها في الأعوام الماضية.

كذلك، قد لا تعبر مساعي الانضمام عن توجه تركي مستقر، في ظل التغير المستمر في السياسة التركية، فضلاً عن إبداء اتجاهات أوروبية عديدة شكوكًا في مدى إمكانية التعويل على هذا الاتجاه في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، بشكل يضع حدودًا للمسارات المحتملة التي قد تتجه إليها تلك القضية خلال المرحلة القادمة.