أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الشروق:

كيف تهدد حرب التكنولوجيا بين واشنطن وبكين التقدم العالمى؟

26 يونيو، 2024


 يشهد العالم حاليا حربا تكنولوجية متصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، بينما تشارك فيها أوروبا أيضا، لكن على استحياء، ولاسيما مع تراجع جهودها للحفاظ على التفوق التكنولوجى بسبب حالة من الركود لديها فى هذا المجال. وبينما تسعى تلك القوى الكبرى فى تلك الحرب إلى حماية نفسها من التبعية التكنولوجية، فإن ذلك قد يقود إلى تهديد التقدم والرفاهية فى العالم عبر تشظيه إلى عوالم تقنية متنافسة.

فى هذا السياق، طرح الكاتب الألمانى فولفجانج هيرن كتابا فى العام 2024 بعنوان: «الحرب التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة والموقف الأوروبى تجاه المنافسة»، يناقش خلاله الدور التاريخى لتلك القوى الكبرى فى دعم مسيرة التقدم التكنولوجى، وأهم المجالات التكنولوجية التى تتصارع حولها خاصة الحوسبة الكمومية، والذكاء الاصطناعى، والتكنولوجيا البيولوجية وغيرها، كما تطرق إلى مخاطر هذا الصراع وجدوى التعاون بين القوى فى المجال التكنولوجى.

تتبَّع الكتاب فى بدايته الإسهامات المعرفية والتكنولوجية للولايات المتحدة والصين وأوروبا؛ إذ أشار إلى أن واشنطن أسست للتطور التكنولوجى العالمى الحديث عندما انطلقت منها الثورة الصناعية الثانية عبر اكتشاف الكهرباء، والثورة الصناعية الثالثة ببدء استخدام الكمبيوتر. تلا ذلك ابتكارات كالإنترنت والرقائق الإلكترونية. ويرجع هذا النجاح الأمريكى إلى توافر عناصر المعرفة (الجامعات والجهات البحثية) ورأس المال. أما الصين فقد أسهمت فى التطور التكنولوجى تاريخياً خلال الفترة بين (960 - 1279 ميلاديا) من خلال اختراع الورق، وفن الطباعة، ومسحوق البارود والبوصلة المغناطيسية، ثم تلا تلك الفترة هبوط سريع لأسباب منها، حروب الأفيون، ونهاية الإمبراطورية، والحروب الأهلية، إلى أن قامت الصين بتكثيف الجهود لتحقيق تعافٍ بطىء بداية من 1978، ثم الصعود بقوة خلال العقدين الأخيرين.

بدورها، شهدت القارة الأوروبية الثورة الصناعية الأولى منذ مائة عام، كما حققت السبق فى العلوم الطبيعية والطب آنذاك، لكن هناك تراجعا ملحوظا حاليا فى مجالات تكنولوجية عدة عند المقارنة مع الصين والولايات المتحدة، وطال ذلك صناعات أوروبية رائدة، كصناعة السيارات؛ إذ تتخلف الشركات الرائدة، كفولكس فاجن فى مجالى القيادة الذاتية والآلية.

طرح الكتاب عدة مجالات تكنولوجية تظهر فيها الصراعات بين القوى الكبرى، وهى على النحو الآتى:

الذكاء الاصطناعى: تهدف تطبيقات الذكاء الاصطناعى إلى محاكاة العقل البشرى فى أنماط تفكيره ومعالجته للبيانات؛ مما يجعل أداء المهام المعقدة منوطا به. وتوفر الولايات المتحدة الدعم للشركات المعنية فى هذا المجال، وكان ثمرة ذلك إطلاق (ChatGPT) فى عام 2022 الذى يمكن استخدامه للحصول على إجابات عالية الجودة والدقة حول شتى الموضوعات. فى المقابل، حظرت الصين ذلك التطبيق، وأنشأت آخر مُحاكٍ له يسمى «إيرنى بوت Ernie Bot» تم إطلاقه عام 2023. أما الجهود الأوروبية للاستثمار فى الذكاء الاصطناعى فبدت مخيبة للآمال؛ إذ قدمت وزيرة البحث الألمانية خطة عمل تهدف إلى استثمار قرابة 1.6 مليار يورو بحلول عام 2025 فى ذلك المجال.

الرقائق الإلكترونية: تستخدم أشباه الموصلات أو الرقائق الإلكترونية فى صناعة مختلف الأجهزة ذات التقنية المنخفضة والمرتفعة، بدءا من الغسالات حتى الصواريخ، وهى تُعد اختراعا أمريكيا ظهر فى خمسينيات القرن العشرين، لكن هناك شركتين تحتكران حاليا هذا المجال، هما: سامسونج فى كوريا الجنوبية و(TSMC) فى تايوان، ولا يمكن لكل من بكين وواشنطن وأوروبا منافستهما، على الأقل على المدى القريب.

التحول الرقمى: يهدف التحول الرقمى إلى تضمين التقنيات التكنولوجية فى العمليات والتفاعلات التجارية والاجتماعية. وتهيمن واشنطن وبكين على هذا المجال، فالأولى هى المؤسس الرئيسى لعمالقة الإنترنت الأربعة جوجل وآبل وفيسبوك وأمازون، بينما أسهمت الثانية بثلاثة عمالقة منافسين، هم: بايدو، وعلى بابا، وتنسنت، فيما تتذيل أوروبا قائمة الشركات الرائدة مثل: زالاندو وأوتو.

توليد الطاقة: تسعى الدول لاستغلال التكنولوجيا فى توفير طرق واعدة آمنة لتوليد الطاقة منها، الاندماج النووى (إنتاج شمس اصطناعية) الذى تستند فكرته على دمج نواتين ذريتين خفيفتين من نظائر الهيدروجين كالديوتيريوم والتريتيوم لإنتاج نواة ذرية واحدة أثقل لعنصر جديد هو الهيليوم، كما يحدث على سطح الشمس. ويصاحب هذا الاندماج انبعاث كميات طاقة تبلغ 4 أضعاف نظيرتها التى تنتج عن تفاعلات الانشطار النووي.

وعلى الرغم من صعوبة استخدام الاندماج فى توليد الطاقة فى المستقبل القريب حتى عام 2050، فإن الدول لا تدخر جهدا لتطوير هذه التقنية؛ إذ قامت الصين بتطوير عدة مفاعلات للاندماج النووى آخرها «توكاماك» التجريبى المتقدم والمصمم لتوفير درجات حرارة تصل إلى 120 مليون درجة مئوية عام 2022. وتهتم الولايات المتحدة أيضا بدعم الأبحاث المرتبطة بذلك المجال، وعقد الشراكات كما جرى مع اليابان فى العام الحالى لتسريع جهود تطوير الاندماج النووي. وتبذل أوروبا جهودا ملموسة أيضا فى هذا المجال من خلال المشروع الأوروبى اليابانى المشترك «جيه تى ــ 60 إس إيه» عام 2022.

التكنولوجيا الحيوية والطب: وهى تطبيقات تكنولوجية تختص بالرعاية الصحية الرقمية والأطعمة الجينية والمقص الجينى (CRISPR)، وهو يشير إلى تقنية تستخدم لقص وتعديل الحمض النووى بشكل مستهدف؛ إذ يمكن إدخال الجينات، أو إزالتها، أو تعطيلها، سواء فى النباتات أم الحيوانات أم البشر؛ مما يجعل استخدامه عرضة للمساءلة الأخلاقية، خاصة إذا ما تم تطبيقه على البشر. 

ولا توجد حتى الآن قوانين مقيدة لاستخدام تلك التقنية فى الولايات المتحدة والصين؛ إذ تستخدمها الصين فى مجال الزراعة لضمان إنتاج الأطعمة الجينية وتوفير الغذاء المطلوب لشعبها، بينما أجازت الولايات المتحدة استخدام أول علاج ناتج عن تلك التقنية لمرض فقر الدم المنجلى أواخر العام الماضى، بينما يواجه استخدام تلك التقنية فى أوروبا قواعد قانونية صارمة وفقاً لحكم محكمة العدل الأوروبية 2018.

براءات الاختراع والعنصر البشرى: تأتى الولايات المتحدة على رأس القائمة فى هذا المجال، بما لديها من جامعات ومراكز بحثية ورأس مال، بينما قدمت الصين قرابة 3 ملايين براءة اختراع فى عام 2023، لم يتم قبول سوى 10% منها. وتُعد ألمانيا قوة أوروبية فى مجال براءات الاختراع، إلا أنها تشهد تراجعاً فى الآونة الأخيرة وفقا لتقرير الحكومة الألمانية عن استراتيجية المستقبل للبحث والابتكار.

ولأن العنصر البشرى الحلقة الأهم فى تطوير التكنولوجيا وتسجيل براءات الاختراع، تسلك القوى الكبرى سبلاً عدة لإعداد العنصر البشرى، خاصة فى مجالات الرياضيات وعلوم الحاسوب والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا، لكنها تعانى فجوة هائلة بين العرض والطلب. إلا أن الصين لديها ميزتان تنافسيتان، هما تخرج أعداد هائلة كل عام من الجامعات، وانتهاج سياسة نشطة فى إرسال الطلاب والعلماء إلى الخارج للدراسة والتدريب ثم استدعاؤهم مرة أخرى عند الحاجة إليهم.

ووفقا للكتاب، لا يمكن حصر الصراع التكنولوجى بين القوى الكبرى على المجالات السابقة فقط؛ إذ هنالك مجالات أخرى واعدة. ففى المجال العسكرى يمكن تصنيع طائرات قتالية مُحاربة من دون طيار والروبوتات العسكرية ذاتية التشغيل التى تتخذ القرار فى ساحة الحرب ذاتيا دون الحاجة لتدخل الإنسان. على الصعيد الحضرى، يمكن إنشاء مدن ذكية تعتمد على إنترنت الأشياء للقيام بوظائفها بسرعة ودرجة عالية من الدقة، كتسهيل حركة المرور فى تلك المدن وترشيد الطاقة المستخدمة والرصد البيئى لأية مخاطر بيئية محتملة.

ختاما، يشدد الكاتب على الأهمية الحتمية للتعاون التكنولوجى بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا خاصة فى الظروف التى يعانيها الكوكب الآن من تغير المناخ وأزمات الطاقة والهجرة، ولاسيما أن استمرار الحرب التكنولوجية سيؤدى إلى ارتفاع عالمى فى الأسعار وانخفاض فى معدلات الرفاهية وتراجع الإنتاج الإجمالى العالمى بنسبة 7% وفقا لحسابات الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى.

فمن المتوقع أن تؤدى الحرب التكنولوجية الراهنة بين بكين وواشنطن إلى التشظى التقنى، إذ قد ينشأ عالمان تكنولوجيان مختلفان، أحدهما أمريكى والآخر صينى، كما حدث ذلك بالفعل مع الإنترنت، وهو ما سينتج عنه ازدياد التكلفة للمستهلكين والمنتجين وتباطؤ التطور المرجو لمنع التبادل المعرفى والتقنى بين العالمين.

وبينما يتفهم الكاتب حاجة الدول لحماية اقتصادها وتقدمها التكنولوجى من السقوط فى فخ التبعية، فإنه يرى أن الحل هو اتباع نهج يهدف لتقليل تلك المخاطر بتنويع العلاقات مع فاعلين دوليين عدة وتكوين التحالفات وليس قطع العلاقات التجارية والتقنية، كما حدث بين الولايات المتحدة والصين فى الحرب التجارية التى شنها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب.

*لينك المقال في الشروق*