أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المصري اليوم:

نورهان شريف تكتب: انقسام أيديولوجى.. اتجاهات التحول المحتمل فى انتخابات أمريكا اللاتينية 2024

24 يونيو، 2024


يستعد المشهد السياسى فى أمريكا اللاتينية لتحوّل كبير فى عام 2024؛ إذ ستشهد القارة ستة انتخابات رئاسية فى كل من فنزويلا، والسلفادور، وبنما، وجمهورية الدومينيكان، والمكسيك، والأوروجواى. وتسلط الانتخابات المقبلة الضوء على التفاعل بين الحكومات اليسارية واليمينية، وهو ما أسهم فى تشكيل الهوية السياسية للقارة اللاتينية.

لا تقتصر أهمية هذه الانتخابات على الدول التى ستُجرى فيها فقط، بل تشمل المنطقة ككل؛ إذ قد تُعيد تعريف المشهد السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى أمريكا اللاتينية. كذلك، من المرجح أن تؤثر النتائج فى الاستقرار الإقليمى والعلاقات الدولية؛ مما يؤكد أهمية كل صوت يتم الإدلاء به فى هذه الدول.

يسعى هذا التحليل إلى استكشاف التبعات التى تحملها هذه الانتخابات على السياسات المحلية لكل دولة، وأيضًا على موقع أمريكا اللاتينية على الساحة الدولية.

بين المَدَّيْن «الوردى» و«الأزرق»

يمكن الإشارة إلى التسلسل التاريخى للمشهد السياسى لدول أمريكا اللاتينية على النحو التالى:

الجغرافيا السياسية: أدت العوامل الجيوسياسية دورًا مهمًّا فى المشهد الانتخابى فى أمريكا اللاتينية، فخلال الحرب الباردة، تصاعدت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، ما أثّر فى ديناميكيتها السياسية بشكل كبير، فبدءًا من الثورة الكوبية فى أواخر الخمسينيات، إلى الحروب الأهلية فى أمريكا الوسطى حتى أواخر الثمانينيات، يمكن القول إن تأثير القوى العالمية كان واضحًا- مثل دور الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى والصين- فى تشكيل النتائج الانتخابية والاستقرار السياسى فى المنطقة.

توسع «المد الوردى»: يُشير مصطلح «المد الوردى» إلى موجة الحكومات اليسارية، التى اجتاحت أمريكا اللاتينية فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، والتى شهدت زعماء مثل هوجو تشافيز فى فنزويلا، وتميزت حكوماتهم بسياسات يسارية اجتماعية؛ وهو ما أدّى إلى خفض مستويات الفقر بشكل كبير فى جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، ورغم الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية؛ فإن هذه السياسات كانت منقوصة، وظهرت العديد من التحديات المرتبطة بالكفاءة وعدالة التوزيع، فضلًا عن تراجع الديمقراطية ومعايير الحكم الرشيد والحريات السياسية.

التحول إلى «المد الأزرق»: فى أعقاب «المد الوردى»، ظهر «المد الأزرق» للحكومات المحافظة فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، مدفوعًا بالركود الاقتصادى وفضائح الفساد واسعة النطاق. وكان قادة مثل: ماوريسيو ماكرى فى الأرجنتين، وجايير بولسونارو فى البرازيل، يرمزون إلى هذا التحول؛ إذ شهدت هذه الفترة اندفاعًا نحو المزيد من السياسات الموجهة نحو السوق والابتعاد عن السياسات التى تعتمد على الدور المتدخل للدولة فى حال «المد الوردى».

إعادة النظر فى التحالفات

أحدثت الانتخابات الأخيرة فى أمريكا اللاتينية خلال عام 2023 تحولات سياسية كبيرة بشكل يعكس المشهد السياسى المتنوع فى المنطقة. واتسمت تلك التحولات بتفاعل بين التأثيرات المحلية والعالمية، وهو ما عكس مشهدًا تمت من خلاله إعادة النظر فى التحالفات التقليدية، مع نشأة سياسات جديدة، ويمكن إبراز ذلك على النحو التالى:

هيمنة اليسار رغم التحديات: فى البرازيل، تسلّم اليسارى، لولا دا سيلفا، رئاسة البرازيل، للمرة الثالثة، فى الأول من يناير 2023، بعد أن قضى ولايتيْن رئاسيتيْن بين 2003 و2011، مُحققًا بذلك فوزًا على منافسه اليمينى المتطرف، جايير بولسونارو. وفى جواتيمالا، جرى تنصيب الاشتراكى الديمقراطى برناردو أريفالو رئيسًا للبلاد فى يناير 2024، وذلك على الرغم من سلسلة عقبات وضعتها فى طريقه نخب سياسية واقتصادية مُتحالفة مع الطبقة الحاكمة فى جواتيمالا ومتهمة بالفساد.

وفى تشيلى، أدى رفض الميثاق الدستورى المقترح إلى انخفاض معدلات تأييد الرئيس اليسارى جابرييل بوريتش؛ ما قد يفتح الباب أمام مرشحى اليمين المتطرف لتحقيق مكاسب. وفى فنزويلا، أدى توجيه الرئيس اليسارى نيكولاس مادورو باستغلال الموارد النفطية فى منطقة إيسيكويبو المتنازع عليها إلى تصعيد التوترات مع غُيانا؛ ما أدى إلى مخاوف من تأزم الخلافات وإمكانية تحولها إلى حرب.

عودة اليمين: أدّت نتائج الانتخابات فى دول مثل: الأرجنتين والإكوادور إلى ظهور زعماء جدد على الساحة السياسية؛ إذ تولى خافيير مايلى، المعروف بآرائه التحررية، الرئاسة فى الأرجنتين، فى نوفمبر من عام 2023، ووعد بالتحول نحو المزيد من السياسات التى تحركها السوق. وبالمثل، فى الإكوادور، فاز رجل الأعمال الشاب دانيال نوبوا، (35 عامًا)، «المرشح المفضل لدى المستثمرين»، بانتخابات الرئاسة، ليصبح أصغر رئيس فى تاريخ بلاده، مُتغلبًا على منافسته الاشتراكية، لويزا غونزاليس، بنسبة 52% مقابل 48%. ولا تعكس هذه الانتخابات التفضيلات المتغيرة للناخبين فحسب؛ بل تمهد الطريق أيضًا لإصلاحات اقتصادية وسياسية محتملة فى هذه الدول.

انتخابات حاسمة للمستقبل

من المتوقع أن تشهد أمريكا اللاتينية فى عام 2024 تحولًا سياسيًّا كبيرًا، يتسم بتقلص الانقسام بين الأيديولوجيات اليسارية واليمينية. ويعكس هذا التحول اتجاهًا يتم من خلاله تحدى التحالفات السياسية التقليدية؛ مما يؤدى إلى مشهد سياسى أكثر تعقيدًا. وقد أدّى ظهور حركات وأحزاب سياسية جديدة إلى تشكيل تحدٍّ للنظام السياسى القائم، وغالبًا ما تنشأ هذه الحركات من عدم الرضا العام عن الحكم الحالى، وتسعى إلى معالجة قضايا مثل: الفساد، وعدم المساواة الاجتماعية، والافتقار إلى التنفيذ الفعال للسياسات. ويؤدى صعود هذه الكيانات السياسية الجديدة إلى إعادة تشكيل الخطاب السياسى؛ مما يجعل الانتخابات المقبلة فى عام 2024 حاسمة بالنسبة للاتجاه المستقبلى للمنطقة. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الانتخابات على النحو التالى:

السلفادور.. إعادة انتخاب «أروع ديكتاتور فى العالم»: بدأت السلفادور السباق الرئاسى لعام 2024 بإجراء انتخاباتها فى 4 فبراير؛ إذ أُعيد انتخاب نجيب أبوكيلة، البالغ من العمر 42 عامًا، والذى ارتفعت شعبيته فى أعقاب حملته على الجريمة وعنف العصابات، والتى حوّلت السلفادور من واحدة من أكثر الدول المعروفة بالعُنف فى العالم إلى واحدة من أكثر الدول أمنًا فى أمريكا اللاتينية. ويصف «أبوكيلة» نفسه بأنه «أروع ديكتاتور فى العالم»؛ بسبب حملته الوحشية على العصابات، التى تم فيها اعتقال أكثر من 1% من سكان البلاد. كما يواجه «نجيب» انتقادات من حقوقيين بحجة أن الخطوات التى اتخذها طوال ولايته الأولى تُضعف نظام الضوابط والتوازنات فى البلاد.

ورغم أن الدستور فى السلفادور يمنع الترشح لفترة رئاسية ثانية متتالية، فقد سمحت المحكمة الدستورية، (التى يهيمن عليها أنصاره)، للرئيس بالترشح لفترة ثانية، بشرط أن يتنحى خلال المدة التى تسبق الفترة الرئاسية الثانية. وبالفعل، تنحى «أبوكيلة» شكليًّا عن منصب الرئيس قبل عدة أسابيع من أجل تلبية ذلك الشرط، وتم تنصيبه رسميًّا رئيسًا لجمهورية السلفادور فى الأول من يونيو لهذا العام.

بنما.. فوز مرشح اللحظة الأخيرة: فى 5 مايو، فاز المحامى المحافظ، خوسيه راؤول مولينو، بالانتخابات الرئاسية فى بنما بحصوله على 34% من الأصوات، متفوقًا على ثمانية مرشحين. وقد حلَّ «مولينو» مكان الرئيس السابق ريكاردو مارتينيلى مرشحًا عن حزب «تحقيق الأهداف» اليمينى، بعدما خسر مارتينيلى استئنافًا تقدّم به ضد إدانته بغسل أموال.

وكان مولينو قد ترشح فى الأصل لمنصب نائب الرئيس للرئيس السابق ريكاردو مارتينيلى، وبعد أن حكمت المحكمة على مارتينيلى بالسجن لمدة 11 عامًا بتهمة غسل الأموال، انتقل مولينو إلى قمة القائمة.

جمهورية الدومينيكان.. إعادة انتخاب محارب الفساد: فى 19 مايو، تمت إعادة انتخاب لويس أبى نادر، (لبنانى الأصل)، بولاية جديدة من أربعة أعوام. وتُشير هذه النتيجة إلى تأييد سياساته الاقتصادية، ومحاربة الفساد، وتشدّده حيال الهجرة من هاييتى المجاورة؛ إذ قام ببناء جدار خرسانى بطول 164 كيلومترًا على طول الحدود مع هاييتى لمنع المهاجرين غير النظاميين من الدخول، وذلك إثر توليه منصبه فى عام 2020، وفى عام 2023، قام بترحيل أكثر من 250 ألف مهاجر.

المكسيك.. انتخاب أول رئيسة فى تاريخ البلاد: يوم 2 يونيو، أعلن الحزب الحاكم فى المكسيك فوز مرشّحة اليسار الحاكم فى المكسيك، كلاوديا شينباوم، بالانتخابات الرئاسيّة بفارق شاسع عن مُنافستها اليمينيّة؛ إذ حصلت شينباوم، البالغة من العمر 61 عامًا، على 57.8% من الأصوات فى مقابل 29.1% للسيناتورة السابقة المُنتمية إلى يمين الوسط زوتشيتل غالفيز.

وبهذا الفوز، تكون شينباوم أوّل رئيسة فى تاريخ البلد الذى يقوّضه عنف عصابات المخدّرات. جدير بالذكر كذلك أن هذه الانتخابات كانت هى الأكثر دموية فى تاريخ المكسيك الحديث، وذلك بعد مقتل نحو 38 مرشحًا فى سلسلة من الاغتيالات، وانسحاب المئات من السباق الرئاسى، فوفقًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، هدفت الجماعات المسلحة إلى تعيين قادة من اختيارها فى المكاتب المحلية حتى تتمكن من استغلال تلك الأوضاع بشكل أفضل. وبعد أن كان تركيز هذه العصابات مُنْصَبًّا إلى حد كبير على شحن المخدرات إلى الولايات المتحدة، أصبحت الآن تقوم أيضًا بتهريب المهاجرين، والفوز بعقود للشركات التى تسيطر عليها، وذلك بالإضافة إلى طموحها لاختيار رؤساء الشرطة ومديرى الأشغال العامة فى المدن؛ إذ إن الانتخابات شملت أكثر من 20 ألف منصب، بما فى ذلك الرئاسة الوطنية وحكام تسع ولايات.

فنزويلا.. تعطش للتغيير: فى 28 يوليو من هذا العام، ولأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان، سوف يصوت الفنزويليون فى الانتخابات الرئاسية مع وجود مرشح من المعارضة، وتأتى هذه الانتخابات فى ظل أزمة اقتصادية وديمقراطية صعبة دفعت أكثر من سبعة ملايين فنزويلى إلى ترك البلاد، فى واحدة من كبرى عمليات النزوح فى العالم، كما أدّى توجيه الرئيس نيكولاس مادورو باستغلال الموارد فى منطقة إيسيكويبو المتنازَع عليها إلى تصعيد التوترات مع غُيانا؛ ما شكل تهديدًا لسيادتها ومؤسساتها الديمقراطية.

وفى مفاجأة للشعب الفنزويلى، سمح مادورو لمرشح المعارضة، غونزاليس أوروتيا، الذى يتمتع بدعم واسع النطاق، بالترشح بشكل رسمى. ورغم أن هذا المنافس غير معروف إلى حد كبير؛ فإنه يتقدم فى العديد من استطلاعات الرأى؛ مما يسلط الضوء على تعطش الفنزويليين للتغيير. ومع ذلك، يبقى هناك تشكك كبير حول مدى ديمقراطية ونزاهة عملية التصويت.

الأوروجواى.. عودة مرتقبة لليسار: تشهد الأوروجواى انتخابات رئاسية فى 27 أكتوبر 2024؛ إذ سيتم التصويت لاختيار الرئيس، ونائب الرئيس، وجميع مقاعد مجلس الشيوخ الثلاثين، وجميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 99 مقعدًا. وفى حالة عدم حصول أى من المرشحين على نسبة 50%+1 من الأصوات، فسيتم حسم الانتخابات فى جولة ثانية بين المرشحين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات فى 24 نوفمبر.

وقد أشار استطلاع أجرته مؤسسة «إيكويبوس كونسولتوريس»، فى نهاية عام 2023، إلى أن حزب «الجبهة العريضة»، اليسارى المعارض فى الأوروجواى، قد يحصد 45% من الأصوات مقابل 38% للأحزاب الثلاثة الكبرى المُشكِّلة للائتلاف الحاكم بقيادة لويس لاكال بو (الحزب الوطنى).

تأثيرات دولية محتملة

تؤدى الانتخابات فى أمريكا اللاتينية دورًا محوريًّا فى تشكيل العلاقات الدولية، وما يترتب على ذلك من عواقب بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمى، والسياسة العالمية، والتنمية الاقتصادية.

ويمكن لنتائج هذه الانتخابات أن تشكل المشهد السياسى فى أمريكا اللاتينية؛ ما يؤدى إلى تحولات فى السلطة والعلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى. كما أن احتمال حدوث تغييرات فى أيديولوجيات الحكومات من اليسار إلى اليمين، أو العكس، يمكن أن يؤثر فى التحالفات الإقليمية والتعاون مع الدول الأخرى.

الاستقرار الإقليمى: إن انتخابات أمريكا اللاتينية لها تأثير مباشر فى الاستقرار الإقليمى؛ إذ تحدد نتائجها فى كثير من الأحيان المسار المستقبلى للتحالفات والصراعات السياسية. ويمكن أن تكون للتحولات السياسية فى بلد ما آثار غير مباشرة على الدول المجاورة؛ ما يؤدى إلى تغييرات فى العلاقات الدبلوماسية والاتفاقيات التجارية. وتؤدى المنظمات الإقليمية، مثل: منظمة الدول الأمريكية (OAS) واتحاد دول أمريكا الجنوبية (UNASUR)، دورًا حاسمًا فى التوسط فى النزاعات وتعزيز الحوار بين الدول الأعضاء. وكثيرًا ما يتوقف استقرار هذه المنظمات على نتائج الانتخابات الرئاسية داخل المنطقة. كما تُخلف انتخابات أمريكا اللاتينية أيضًا تأثيرات فى القضايا العابرة للحدود الوطنية، مثل: الاتجار بالمخدرات، والهجرة، والحفاظ على البيئة. وتتأثر قدرة البلدان على العمل معًا لمواجهة هذه التحديات المشتركة بالديناميكيات السياسية الناتجة عن الانتخابات. ومن خلال تعزيز الحكم الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان، تستطيع دول أمريكا اللاتينية أن تسهم فى الاستقرار والتعاون الإقليميين.

السياسة العالمية: تتمتع انتخابات أمريكا اللاتينية بالقدرة على التأثير فى القضايا العالمية مثل: تغير المناخ وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية؛ إذ تؤدى دول مثل: البرازيل والمكسيك والأرجنتين دورًا رئيسيًّا فى صياغة جدول الأعمال العالمية. لذا، فإن انتخاب قادة ذوى أيديولوجيات تقدمية أو محافظة يمكن أن تكون له آثار على التعاون العالمى والتعددية. كذا، فإن الموارد الطبيعية للمنطقة، وإمكانات السوق، والأهمية الجيوسياسية تجعل من المشهد الانتخابى فى أمريكا اللاتينية موضع اهتمام. ومن المتوقع أن يراقب الفاعلون العالميون، بما فى ذلك الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبى، عن كثب، الانتخابات فى أمريكا اللاتينية بحثاً عن آثارها على المصالح الاستراتيجية والشراكات الاقتصادية.

الاقتصاد العالمى: تؤدى الاعتبارات الاقتصادية دورًا مهمًّا فى تشكيل نتائج الانتخابات فى أمريكا اللاتينية وتأثيرها فى العلاقات الدولية؛ إذ إن الموارد الطبيعية للمنطقة وحجم السوق والسياسات الاقتصادية تجعلها فاعلًا رئيسيًّا فى الاقتصاد العالمى. ومن الممكن أن يؤدى انتخاب قادة ذوى أجندات اقتصادية مختلفة إلى تحولات فى الاتفاقيات التجارية، والاستثمارات الأجنبية، وأنظمة السوق. وتمتد العواقب الاقتصادية المترتبة على انتخابات أمريكا اللاتينية إلى ما هو أبعد من المنطقة؛ إذ تؤثر فى الأسواق العالمية وتدفقات الاستثمار. ويرتبط استقرار اقتصادات أمريكا اللاتينية ارتباطًا وثيقًا بأنماط التجارة الدولية والأسواق المالية. ويمكن أن تؤدى نتائج الانتخابات إلى تغييرات فى ثقة المستثمرين، وتقييمات العملة، وتقييمات الديون السيادية.

العلاقات مع القوى الدولية: تؤثر انتخابات أمريكا اللاتينية بشكل كبير فى العلاقات الدولية للمنطقة؛ ما يؤثر فى العلاقات مع كل من القوى العظمى حول العالم والدول المجاورة، فعلى سبيل المثال، تواجه إدارة بايدن، التى تتصارع مع أزمة الهجرة والاستقطاب السياسى، تحديات فى إعادة التعامل مع أمريكا اللاتينية؛ وهو الأمر الذى تزيد من تعقيده القيود المفروضة على المساعدات الأمريكية. وفى الوقت نفسه، يسعى الاتحاد الأوروبى إلى تعزيز التحالفات مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى، مع التركيز على إحياء العلاقات من خلال مجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى (CELAC)، وتعزيز التعاون عبر مختلف القطاعات.

نحو اضطراب أم استقرار؟

من المتوقع أن يكون عام 2024 عامًا مضطربًا بالنسبة لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى؛ إذ يواجه المشهد السياسى العديد من التحديات، بما فى ذلك التراجع الديمقراطى والاضطرابات الاجتماعية، التى لا تزال تشكل مصدر قلق كبير، ففى الإكوادور وكولومبيا، يشكل تصاعد العنف المرتبط بعصابات المخدرات الدولية تحديات أمنية كبيرة؛ ما يهدد استقرار المنطقة وسلامتها. وفى بيرو، لا يزال المشهد السياسى مضطربًا؛ إذ تواجه الرئيسة دينا بولوارتى معركة مستمرة بسبب عزل الرئيس السابق بيدرو كاستى؛ ما يعكس اتجاهًا أوسع لعدم الاستقرار السياسى فى المنطقة.

كذلك، تمثل الانتخابات المقبلة فى فنزويلا منعطفًا حاسمًا؛ إذ من المحتمل أن تفتح الانتخابات فى فنزويلا الباب أمام تغييرات ديمقراطية، على الرغم من أن التزام النظام بعملية انتخابية تنافسية حقيقية يظل موضع شك. وفى الوقت نفسه، وعلى ضوء تشكيل حكومة جديدة فى يونيو من هذا العام، تواجه هاييتى مهمة شاقة تتمثل فى محاولة استعادة الأمن بعد سيطرة العصابات المسلحة على أجزاء واسعة من العاصمة بورت أو برنس.

وتسلط هذه السيناريوهات الضوء على الطبيعة الهَشّة للحكم فى أمريكا اللاتينية؛ إذ غالبًا ما تؤدى التحولات السريعة فى السلطة السياسية إلى تغييرات كبيرة فى السياسات المحلية، والتى يمكن أن تؤثر فى كل شىء، بدءًا من البرامج الاجتماعية حتى الاستراتيجيات الاقتصادية؛ ما يؤثر بشكل مباشر فى حياة المواطنين. علاوة على ذلك، أدت فضائح الفساد فى مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية إلى تآكل ثقة عامة الناس فى المؤسسات الديمقراطية بشدة.

ولا يمكن المبالغة فى أهمية هذه الانتخابات ونتائجها نظرًا لقدرتها على التأثير فى الاستقرار الإقليمى، والنمو الاقتصادى، والتحالفات الجيوسياسية. ومع تأرجح بندول الأيديولوجيات السياسية، تظل الرغبة فى معالجة الفساد، وعدم المساواة الاجتماعية، والحكم غير الفعّال، ثابتة. ومن الممكن أن تحفز نتائج انتخابات 2024 بالفعل التحول نحو تحسين الحكم، وتعزيز التعاون الإقليمى، والمشاركة الأكثر قوة مع الشركاء العالميين.

* باحثة بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة*

*لينك المقال في المصري اليوم"