أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مرآة كاشفة:

كيف تعكس أزمات البنوك المركزية تفاعلات الشرق الأوسط؟

15 أبريل، 2021


تعتبر الأزمات التي شهدتها بعض البنوك المركزية، خلال الأشهر القليلة الماضية، مرآة كاشفة للتفاعلات التي جرت في منطقة الشرق الأوسط، والتي تتمثل في مطالبة أعضاء مجلس النواب الليبي بتغيير هوية محافظ البنك المركزي، واستخدام المتمردين الحوثيين معلومات البنك المركزي اليمني في انتهاك السرية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا بسبب العقوبات الغربية على نظام الأسد ووباء كوفيد-19، وتحميل الرئيس ميشال عون البنك المركزي مسئولية الانهيار المالي، وإصرار القيادات السلطوية على الإمساك بمفاصل الهياكل المالية على نحو يثير الشكوك في استقلالية البنوك المركزية مثلما هو الحال في تركيا، وتصدير صورة استيعاب إيران صدمة الضغوط الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أو تجاوز سياسة الضغوط القصوى.

وقد تعددت الأزمات التي واجهتها البنوك المركزية الوطنية بما يكشف عن التفاعلات التي تشهدها دول الإقليم، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، وذلك على النحو التالي:  

إزاحة الكبير

1- مطالبة أعضاء مجلس النواب الليبي بتغيير هوية محافظ البنك المركزي: وهو الصديق الكبير الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان وبقى في منصبه لمدة عشر سنوات، إذ تمكنت الأخيرة عبر ذراعها السياسي (حزب العدالة والبناء) من السيطرة على مفاصل الدولة الهشة بطبيعتها ومناصبها السيادية ومن بينها البنك المركزي. غير أنه بعد تشكيل السلطة الليبية الجديدة، ظهرت ضغوط من مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح لإقالة الصديق الكبير تنفيذاً لمخرجات الاتفاق السياسي القاضي بإعادة تسمية شخصيات جديدة لشغل المناصب السيادية.

وقد شهدت فترة شغل الكبير المنصب تجاوزات مالية بما يعزز من هيمنة فصيل الإخوان عبر صرف رواتب لميلشيات وعقد صفقات سلاح مشبوهة والتلاعب بالأموال المجمدة. وفي هذا السياق، تقوم شركة استشارية دولية بالمراجعة المالية لحساب مصرف ليبيا المركزي بما يحدد مصير هذا المحافظ. ووفقاً لبيان أصدرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في 7 أبريل الجاري، فإن الشركة ستصدر توصيات حول تحسين نزاهة ووحدة النظام المصرفي في البلاد، إضافة إلى خطوات توحيد المصرف المركزي، وتعزيز المساءلة والشفافية.

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة أبعاداً مفسرة للمطالبة بإزاحة محافظ البنك المركزي الليبي، الصديق الكبير من منصبه، تتجاوز ما أعلنه مجلس النواب بشأن رفض إقرار الميزانية الجديدة، وهى تكريس الدور السياسي للبرلمان، إذ أن الأخير تدخل في عملية اختيار الوزراء، فضلاً عن دوره في إقرار موازنة الحكومة. إلى جانب تأكيد عملية المحاصصة الإقليمية، إذ توصلت الأطراف الليبية إلى أن يكون منصب محافظ البنك المركزي من نصيب إقليم "برقة" مقابل أن تكون وزارة المالية من نصيب إقليم "فزان" كنوع من التوازن في المحاصصة الخاصة بالمناصب الحكومية والسيادية في الملف الاقتصادي. 

وكذلك هناك عامل يتعلق باستمرار حالة الصراع السياسي مع الإخوان وتحديداً بين البرلمان ومجلس الدولة الاستشاري، إذ أن الأخير يقوده الإخواني خالد المشري الذي أعلن أنه لن يرفض الموازنة لأنه لا يريد عرقلة عمل الحكومة على الرغم من تحفظاته على بعض بنودها، لكن في خلفية هذا المشهد يؤكد مجلس الدولة على دعمه لمحافظ البنك المركزي الإخواني. علاوة على تصاعد الغضب ضد أداء محافظ البنك المركزي وخاصة من وزارة الداخلية التي كشفت عن حجم هائل من الفساد المالي والإداري لديه، مما قد يؤدي إلى عرقلة خطة الإصلاح. فضلاً عن الحفاظ على مصداقية المؤسسات المالية الليبية. 

رقابة غائبة

2- استخدام معلومات البنك المركزي لانتهاك السرية: استخدمت ميلشيا المتمردين الحوثيين وحدة جمع المعلومات في البنك المركزي بصنعاء لتنفيذ خطتها الرامية إلى انتهاك السرية التي تتسم بها المصارف، الأمر الذي يفتح باباً للتلاعب في الودائع. وقد أدى ذلك إلى توقف لجنة مكافحة غسل الأموال، ما فاقم من خطر القيام بعمليات غسيل الأموال وتمويل الميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية.

تأزم سوري

3- تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا: وفي هذا السياق، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، في 13 أبريل الجاري، قراراً بعزل حاكم مصرف سوريا المركزي حازم قرفول، وفقاً لوكالة الأنباء السورية الرسمية، والذي كان عُيِّن في سبتمبر 2018 في هذا المنصب. ولم تكشف وسائل الإعلام الرسمية عن سبب محدد لإقالة قرفول الذي فرضت عليه واشنطن عقوبات اقتصادية في سبتمبر 2020. وتشير غالبية التحليلات إلى أن سوريا تواجه أزمة اقتصادية خانقة، زادت من حدتها العقوبات الغربية على نظام الأسد وتأثيرات كوفيد-19. يضاف إلى ذلك الانهيار الاقتصادي الحادث في لبنان، حيث يودع عدد من رجال الأعمال السوريين أموالهم في المصارف اللبنانية. وهنا، يحاول النظام السوري الحد من تراجع قيمة العملة الوطنية بما أدى إلى ارتفاع التضخم، وتعقيدات لا أول لها من آخر فيما يتعلق بحصول المواطن السوري على الخدمات الرئيسية.

انهيار لبنان

4- تحميل الرئيس ميشال عون البنك المركزي مسئولية الانهيار المالي: اتهم الرئيس اللبناني ميشال عون في كلمة للشعب اللبناني، في 7 أبريل الجاري، البنك المركزي اللبناني ورئيسه رياض سلامة بالمسئولية عن الانهيار المالي، إذ قال: "إن حاكم مصرف لبنان المركزي رفض الإجابة على 73 سؤالاً من 133 أرسلتها شركة ألفاريز أند مارسيل الاستشارية لإجراء التدقيق، وذلك بحجة أنها مخالفة لقانون النقد والتسليف أو لأن لا جواب لديه"، وأضاف: "للمصرف المركزي أقول: إنك تتحمل المسئولية الأساسية لأنك خالفت قانون النقد والتسليف، وكان لزاماً عليك أن تنظم العمل المصرفي وتأخذ التدابير لحماية أموال الناس في المصارف." 

ضغوط أردوغان 

5- إصرار القيادة السلطوية على الإمساك بمفاصل الهياكل المالية: وهو ما ينطبق على حالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اتخذ قراراً، في 20 مارس الفائت، بإقالة محافظ البنك المركزي ناجي إقبال، بعد أقل من خمسة أشهر على تعيينه، بسبب موافقته، في 18 مارس الفائت، على رفع سعر الفائدة إلى 19 في المئة، وتعيين شهاب قاوجي أوغلو خلفاً له لاسيما بعد تراجع قيمة العملة الوطنية (الليرة) وتزايد أعراض هشاشة الاقتصاد، خاصة في ظل أزمة كوفيد-19، وما يرتبط بذلك من ارتفاع معدلات التضخم. 

ويرفض الرئيس أردوغان علناً أسعار الفائدة المرتفعة، لأنها تزيد من التضخم وفقاً لتصوره، إذ سبق أن وصفها بأنها "أب وأم كل الشرور". ولعل ذلك يؤثر على مصداقية واستقلالية البنك المركزي التركي في ظل هيمنة الرئيس على وضع السياسات النقدية، لاسيما بعد تحول البلاد إلى النظام الرئاسي منذ عام 2017، إذ يسعى الرئيس أردوغان إلى إعادة إدارة الاقتصاد ليصبح القرار الاقتصادي خاضعاً لمؤسسة الرئاسة، في الوقت الذي يتم إضعاف المؤسسات الرئيسية مثل البنك المركزي. كما تواجه تركيا أزمة مالية أخرى، تتعلق بتراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي.

وتجدر الإشارة إلى أن هدف أردوغان هو خفض سعر الفائدة لتكون بمعدل 5 في المئة بحلول الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2023. ولذا جاءت إقالة ناجي إقبال بعد طرحه، في 12 مارس الفائت، حزمة إصلاحات اقتصادية جديدة، أكد فيها تصميم حكومته على الارتقاء بالبلاد إلى مصافي الدول العشر الكبرى اقتصادياً، من خلال العمل على منح استقلالية أكبر للمؤسسات المالية التركية حتى تتمكن من تحسين الأداء الاقتصادي ومعالجة المشكلات الرئيسية التي أضرت بالمستوى المعيشي للمواطنين وفي مقدمتها ارتفاع معدل التضخم.

ولم يكن قرار عزل محافظ البنك المركزي التركي السابق هو الأول من نوعه. ففي 7 نوفمبر الماضي، عزل الرئيس أردوغان رئيس البنك المركزي مراد أويصال من منصبه على خلفية التدهور الحاد في قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية الأخرى، وعين ناجي أقبال، رئيس إدارة الاستراتيجية والموازنة بالرئاسة خلفاً له. وفي يوليو 2019، أقال أردوغان محافظ البنك المركزي الأسبق مراد جتينقايا. ولعل تلك الإقالات المتتالية تعكس ضغوط أردوغان على محافظي البنك المركزي لتخفيض أسعار الفائدة. وقاد ذلك في أحد أبعاده إلى تخلص المستثمرين الأجانب من الأصول التركية.

سياسة طهران

6- تصدير صورة استيعاب إيران لصدمة الضغوط الأمريكية: أكد محافظ البنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي في تصريح عبر تطبيق "كلوب هاوس"، في 10 أبريل الجاري، على أن "الضغوط التي فرضت على إيران خلال الأشهر الـ32 الماضية، خلقت مشاكل أكثر جدية، ولكننا بدعم من قائد الثورة والحكومة، وهمم الشعب قد تجاوزنا هذه المرحلة الصعبة جداً والضغوط القصوى". وأضاف أن "أحداثاً سيئة جداً وقعت في العام الإيراني الماضي منها تفشي جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط العالمية إلى ما دون 10 دولارات وقطع صادرات السلع بسبب كورونا والانخفاض الشديد في سعر البنزين وانخفاض الطلب على المنتوجات البتروكيمياوية والصلب".

سياقات مختلفة:

خلاصة القول، إن هناك حالات مختلفة تعكس أزمات البنوك المركزية في عدد من الدول مثل ليبيا واليمن وسوريا ولبنان وتركيا وإيران، يحمل بعضها أزمات داخلية وبعضها الآخر مشكلات خارجية، على نحو يعقد من الوضع الاقتصادي الضاغط في بؤر الصراعات العربية المسلحة أو القوى الإقليمية الشرق أوسطية، وهو مسار من المتوقع استمراره خلال العام الجاري لأنه لا توجد مؤشرات على تصحيح الأوضاع المختلة في تلك الدول.