أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

أولويات متراجعة:

لماذا تقلص إدارة ترامب وجودها العسكري في الساحل الأفريقي؟

23 فبراير، 2020


استنادًا إلى شعار" أمريكا أولًا" ووعود الرئيس "ترامب" المتكررة بوضع حدٍّ لحروب الولايات المتحدة التي لا تنتهي، وافق البنتاجون على خطة لتقليص عدد القوات الأمريكية التي تقوم بمهام مكافحة الإرهاب في إفريقيا بنسبة 25٪ تقريبًا. وطبقًا لبعض الخبراء فإن العدد الإجمالي للقوات الأمريكية المخصصة للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" سوف ينخفض بنحو 10٪. وإذا كان عددُ القوات المتأثرة غير معروف على وجه الدقة، فإن هناك ما يقرب من 7200 من أفراد وزارة الدفاع المكلفين تابعين للقيادة الإفريقية في الوقت الحالي. ومن الواضح تمامًا أن الاستراتيجية الأمنية لإدارة الرئيس "ترامب" تبتعد تدريجيًّا عن دوامة الحرب العالمية على الإرهاب، كما يظهر في الانسحاب من سوريا، والدخول في عملية تفاوضية مع حركة طالبان الأفغانية، وذلك لصالح التركيز على احتواء النفوذ المتنامي لكلٍّ من الصين وروسيا. 

ومع ذلك فإن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا -تحديدًا- يواجه انتقادات واسعة من جانب الكونجرس وخبراء مكافحة الإرهاب داخل أمريكا وخارجها. ولعل السؤال المطروح والحالة هذه يرتبط بمستقبل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل التي أضحت بؤرة جديدة للجماعات الإرهابية المعولمة. وما هي حدود الحركة التي تمتلكها إدارة "ترامب" في ظل استراتيجية صراع القوى من أجل التجارة والنفوذ في إفريقيا؟

سياسة "اللا مبالاة": 

عندما يتعلق الأمر بإفريقيا في ظل إدارة "ترامب"، فإن عدم اليقين له ما يبرره. بالكاد تطرقت سياسة "ترامب" التي تتدثر بثياب الانعزالية إلى إفريقيا، ولو لمامًا. وكان هناك قلق حقيقي من أن إفريقيا يمكن أن تسقط مجازًا من الخريطة في فترة رئاسة "ترامب". على المستوى الشخصي، هل يمتلك الرئيس "دونالد ترامب" سياسة واضحة المعالم بشأن إفريقيا. وإذا كان الأمر كذلك: فما هي؟ الإجابة على هذا السؤال مثيرة للاهتمام وكاشفة. لا يبدو أن الرئيس "ترامب" يُولِي الكثير من الاهتمام لإفريقيا. بغض النظر عن بعض تعليقاته الساخرة التي تحمل مضمونًا عنصريًّا عن إفريقيا أثناء لقائه مجموعةً من أعضاء مجلس الشيوخ في يناير 2018؛ فإن تحليل المضمون لأحاديثه وتعليقاته تُظهر إهماله الواضح للقارة. فهو لم يقم بأي جولة إفريقية، ولا يبدو مستعدًّا للقيام بذلك. وخلال فترة رئاسته التقى عددًا قليلًا جدًّا من القادة الأفارقة. 

استغرق الرئيس "ترامب" سنة ونصف السنة لتعيين مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية، وأخذ الأمر منه فترة أطول للعثور على سفير في جنوب إفريقيا، وهو واحد من المناصب الدبلوماسية العليا في إفريقيا. ولا عجب في أن لا أحد يبدو أنه يعرف السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا على وجه اليقين. كانت المرة الأولى التي صدرت فيها وثيقة متماسكة بعد عامين من ولاية الرئيس، عندما حدد "جون بولتون"، مستشار الأمن القومي آنذاك، استراتيجية الولايات المتحدة الإفريقية. كان التحول الرئيسي هو الابتعاد عن سياسة "باراك أوباما"، والتشديد على الموقف العدائي الشديد تجاه كلٍّ من الصين وروسيا في إفريقيا. وتُعيد إدارة "ترامب" إلى الأذهان بعض جوانب سياسة الاحتواء زمن الحرب الباردة، حيث ترى ضرورة وقوف الولايات المتحدة أمام "هدف الصين النهائي المتمثل في تعزيز الهيمنة الصينية على العالم".

ولا شك أن عدم اهتمام الرئيس "ترامب" بإفريقيا ‏ربما يُعطي الدبلوماسيين والخبراء المحترفين مجالًا أكبر للحركة. لقد رفضت اللجنة الفرعية لإفريقيا التابعة للكونجرس -على سبيل المثال- قبول التخفيضات المتسارعة في الإنفاق على وزارة الخارجية أو برامج الأمم المتحدة لإفريقيا التي طلبها البيت الأبيض. كما توجد معارضة شديدة من أعضاء الكونجرس، سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين، لخطط البنتاجون سحب جزء من القوات العاملة في منطقة الساحل الإفريقي. فهل تصبح استراتيجية إدارة "ترامب" في المنطقة أشبه بالطيار الآلي أو أنها تسير بقوة الدفع الذاتي؟

الانتشار الأمريكي في الساحل:

أثار الكمين الذي نصبته جماعة إرهابية تابعة لداعش للقوات الأمريكية في النيجر في أكتوبر 2017، الكثير من التساؤلات -حتى من قبل أعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ- حول حقيقة الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الساحل. في ذلك الوقت، كان للجيش الأمريكي مهام في حوالي 20 دولة إفريقية، ركزت على مساعدة الجيوش الإفريقية في مواجهة التطرف العنيف. ومن المعروف أن أفريكوم قد وسعت من أنشطتها منذ نشأتها عام 2007. في أبريل 2018، قدّر البنتاجون أنه في نيجيريا والنيجر ومالي وحدها، كان لدى الولايات المتحدة ما يزيد على 1000 من الأفراد العسكريين. ولا شك أن إعادة التنظيم الاستراتيجي للبنتاجون من استراتيجية مكافحة الإرهاب إلى مواجهة تهديدات القوى العظمى، التي أُعلن عنها في 2018؛ سوف تؤثر على أعداد القوات في الساحل. في دراسة استقصائية لمكان الوجود العسكري الأمريكي الحالي في الدول الأكثر تضررًا من الجماعات الإرهابية يتضح الآتي:

1- النيجر: في عام 2013، بلغ عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين في النيجر حوالي 100، كانت مهمتهم المعلنة هي توفير الدعم لجمع المعلومات الاستخبارية، وتسهيل تبادل المعلومات الاستخباراتية مع القوات الفرنسية العاملة في مالي ومع شركاء آخرين في المنطقة. وارتفع الوجود العسكري الأمريكي في النيجر بشكل تدريجي من 100 إلى حوالي 800 جندي. وفي نوفمبر 2017، وقّعت الولايات المتحدة والنيجر مذكرة تفاهم، تمنح البنتاجون إذنًا بالطيران العسكري انطلاقًا من منشآت النيجر لدعم عمليات مكافحة الإرهاب. ومن المعروف أن القاعدة الجوية في أغاديز المخصصة للطائرات بدون طيار تتمتع بموقع مركزي، ولديها القدرة على توفير دعم مستمر لعمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة.

2- الكاميرون: في عام 2015، أعلن الرئيس "أوباما" نشر 300 من الجنود الأمريكيين، بدعم من طائرات استطلاع في الكاميرون، وذلك للقيام بعمليات استخباراتية واستطلاعية لدعم فرقة العمل المتعددة الجنسيات التي تحارب "بوكو حرام"، والتي تضم قوات من نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد وبنين. تتمركز القوات الأمريكية في قاعدة القوات الجوية الكاميرونية في غاروا، وتستخدم طائرات بدون طيار لجمع المعلومات حول نشاط المتشددين في المناطق المحيطة.

3- نيجيريا: في مايو 2014، أرسل البنتاجون ووزارة الخارجية ومكتب التحقيقات الفيدرالي مجموعة صغيرة من خبراء الدفاع وإنفاذ القانون إلى العاصمة أبوجا لإسداء المشورة للمسئولين النيجيريين من أجل استعادة الفتيات اللائي اختطفتهن "بوكو حرام". وشملت المساعدة اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية. وفي أبريل 2018، قامت مجموعة مؤلفة من 12 جنديًّا أمريكيًّا بمهمة محدودة لتدريب الجنود النيجيريين في مجمع عسكري شمال أبوجا.

4- تشاد: في مايو 2014، نشرت الولايات المتحدة 80 من القوات الجوية في تشاد في مهمة محدودة للمساعدة في البحث عن الفتيات النيجيريات المختطفات من قبل "بوكو حرام". واعتبارًا من أواخر عام 2017، كانت القوات الأمريكية تدير قاعدة للطائرات بدون طيار في تشاد، والتي تعاونت مع الحكومة التشادية في عمليات مكافحة الإرهاب ضد "بوكو حرام".

5- مالي: في عام 2017، تمثلت عملية فريق القبعات الخضراء من القوات الخاصة الأمريكية في توفير معلومات استخبارية حول جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والجماعات المسلحة في مالي، وتقديمها للسفارة الأمريكية في باماكو، من أجل حماية أفرادها من الهجمات. كما تم تكليفهم كذلك بتقييم ما إذا كان ينبغي تدريب القوات المالية لأغراض مكافحة الإرهاب.

عوامل الشد والجذب:

يبدو أن الرئيس "ترامب" عازم على تحقيق وعوده التي تقدم مصلحة أمريكا العليا على ما عداها، وهو ما يدفعه إلى تبني سياسة العزلة والتركيز على الداخل. ولكن يظل هاجس الأمن -في الوقت نفسه- محوريًّا وحساسًا وفقًا لمنطق المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية. وعليه فإنه لا يتردد في التدخل العسكري في حالة الشعور بالخطر أو التهديد المباشر. ويعني ذلك أن "ترامب" لا يرى إفريقيا سوى أنها ساحة لكسب النفوذ والسيطرة واحتواء النفوذ الصيني والروسي المتصاعد. وانطلاقًا من هذه الرؤية تصبح الأولوية هي مواجهة صراع القوى العظمى وليس الحرب على الإرهاب.

إن مبادرة الرئيس "ترامب" (إفريقيا تزدهر)، التي تهدف إلى توفير 60 مليار دولار لتشجيع الاستثمار الخاص، لم تحقق نجاحًا كبيرًا وملموسًا بعد، وربما تكون ردًّا على المبادرة الصينية التي خصصت نفس المبلغ لإفريقيا. وعليه فإن الشكوى الأمريكية المستمرة من الصين تزعج الحكومات الإفريقية التي ترى أن إدارة "ترامب" تبدو غير راغبة أو غير قادرة على تقديم بدائل قابلة للتطبيق. وعليه، من غير المرجح أن تفضي جولة وزير الخارجية "بومبيو" الإفريقية إلى تغيير المزاج أو السياسة داخل البيت الأبيض. وسوف يستمر الأفارقة في تفادي لا مبالاة الرئيس الأمريكي بالتعاون مع كلٍّ من الصين وروسيا والحلفاء الدوليين الآخرين، ولا سيما في جهود محاربة الإرهاب.

وفقًا لمدركات وقناعات الرئيس "ترامب" يمكن تخفيض الموارد العسكرية الأمريكية المخصصة لمحاربة الإرهاب في الساحل؛ بيد أن موقف الكونجرس وعوامل الشد الأخرى قد تقف حائلًا دون تنفيذ هذا القرار، ومن ذلك:

1-ضغوط الحلفاء: لقد تحول هدف البنتاجون من ‏محاولة إضعاف وهزيمة الجماعات الإسلامية المتطرفة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا إلى مجرد محاولة لاحتوائها مع ‏تزايد تهديداتها العنيفة. ولا شك أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة -وعلى رأسهم فرنسا- يشعرون بالقلق ‏ الشديد إزاء إعلان الولايات المتحدة خفض عدد القوات في القارة لمواجهة الصين وروسيا في أماكن أخرى من العالم. وفي المقابل، أعلنت فرنسا أنها ستزيد عدد قواتها في الساحل إلى أكثر من 5000، كما بدأت بدعم قدراتها العسكرية على الأرض، ولا سيما استخدام الطائرات بدون طيار. وتحث فرنسا باستمرار الولايات المتحدة على وقف خططها الرامية لتقليص وجودها العسكري في الساحل.

2-تصاعد تهديدات الإرهاب: لا يزال تهديد الجماعات الإرهابية المتطرفة في منطقة الساحل متزايدًا، وكذلك التهديد ‏الدائم لحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة في الصومال، وهو ما أسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين في هجوم غير مسبوق ضد القوات ‏الأمريكية في قاعدة ماندا باي الجوية في منطقة لامو القريبة من الحدود مع الصومال في يناير 2020. ولعل ذلك التطور النوعي في استراتيجيات الجماعات المتطرفة، وقدرتها على تحقيق إصابات مباشرة لأهداف أمريكية، سيؤدي إلى أن يَخلُصَ تقرير للبنتاجون إلى القول بضرورة وجود التزام أمريكي مستمر لدعم الجهود الوطنية والدولية لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل. ومن جهة أخرى، تشير أفريكوم إلى أن الوضع الأمني في بوركينا فاسو تحديدًا يتدهور بشكل أسرع من أي مكان ‏آخر في الساحل. حيث تتعرض بوركينا فاسو لموجة عاتية من الهجمات المتطرفة مع تحرك العناصر الإرهابية عبر الحدود الهشة من مالي المجاورة. 

3-اللجوء لخيارات بديلة: لمواجهة هذا التردد الأمريكي والعجز الفرنسي، صرح رئيس مالي "إبراهيم بوبكر كيتا" بأن حكومته على ‏اتصال الآن بزعماء أكثر الجماعات تطرفًا في المنطقة، وهي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ‏المرتبطة بتنظيم القاعدة، وهو ما يعني أن دول الساحل وغرب إفريقيا المضطربة تستكشف ‏خيارات مختلفة، بما في ذلك المفاوضات مع الإرهابيين، للحد من ‏التهديد. وطبقًا لبعض التقارير الاستخباراتية فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ‏ لديها ما بين ألف وألفي ‏مقاتل، وهدفها هو توحيد جميع الجماعات الإرهابية في ‏الساحل والقضاء على النفوذ الغربي في المنطقة.

ختاماً أيًّا كان الأمر فإن الدور المحوري للرئيس في صنع السياسة الخارجية ينعكس على مسألة تحديد الأولويات وقضايا الحركة الخارجية. وعليه عندما لا تبدو الإدارة الأمريكية مهتمة بمنطقة معينة فإن الأمور تتراجع. لقد أصبح وكأن إفريقيا لا تعني شيئًا مهمًّا لأمريكا، باستثناء المكان الذي يجب أن تواجه فيه الصين وروسيا.‏ فإذا كانت أمريكا تضع يدها اليوم في يد طالبان للتوصل إلى اتفاق سلام في أفغانستان، فهل يُمكن أن تشهد عهدة "ترامب" الثانية -حال فوزه- مفاوضات مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي أو مع "بوكو حرام" في نيجيريا أو مع الشباب المجاهدين في الصومال؟