أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ضوابط الفعالية:

تداعيات "الازدواجية الأمريكية" في تطبيق العقوبات المالية

03 فبراير، 2020


عرض: محمد محمود السيد - باحث في العلوم السياسية

على مدار العقدين الماضيين، برزت "العقوبات المالية" كإحدى أهم أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، للتصدي للتهديدات الأمنية، التي تتراوح بين انتشار أسلحة الدمار الشامل، والإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان، والجريمة عبر الوطنية. وقد أثبتت هذه الأداة فاعلية كبيرة لدى صنّاع القرار في واشنطن، لأنها مكّنتهم من ممارسة ضغوط سريعة، مقابل تداعيات محدودة للغاية على المصالح التجارية الأمريكية.

لكن المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة تتجاهل التداخل والتعارض بين العقوبات المالية المُصمَّمة لأهداف غير مالية، وتلك المُصمَّمة لحماية النظام المالي الدولي. فالخلط بين الاثنين يرسل إشارات مضطربة إلى الخصوم وكذلك الحلفاء، ويُقوِّض مصداقية واشنطن والتزامها بدعم القواعد المصرفية الدولية. وتتأسس العقوبات المالية الأمريكية على مجموعة مختلفة من السلطات القانونية والتنظيمية والتنفيذية. 

في ورقته التحليلية المنشورة في دورية The Washington Quarterly (عدد شتاء 2020)، بعنوان: "معضلة العقوبات المالية"، يستعرض "آرون أرنولد"، الباحث في "مركز بيلفر للعلوم والشئون الدولية" التابع لجامعة هارفارد، التطور التاريخي لفكرة العقوبات المالية لدى الولايات المتحدة، وصولًا إلى قانون باتريوت 2001، واستخدام العقوبات لأغراض السياسية، بعيدًا عن فكرة صيانة وحماية النظام المالي والمصرفي العالمي.

مصدر القوة

تنبع مصدر قوة العقوبات المالية الأمريكية من مصدرين أساسيين، هما على النحو التالي:

المصدر الأول: هو "هيمنة الدولار"، أو مركزية الدولار الأمريكي، فهو يشكل 62% من جميع احتياطيات العملات الأجنبية في البنوك المركزية على مستوى العالم، ويمثل كذلك 90% من حجم تداول العملات الأجنبية، وفقًا لصندوق النقد الدولي. مما يجعل الدولار الأمريكي العملة الأكثر استخدامًا في جميع أنحاء العالم.

وقد أشار محافظ بنك إنجلترا إلى أن الولايات المتحدة تمثل 10% من التجارة العالمية، و15% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وأكثر من 50% من فواتير التجارة العالمية. 

ومن الناحية القانونية والتنظيمية، فهذا يعني أن السلطات الأمريكية تمتلك قدرًا كبيرًا من القوة والتأثير على منْ يُسمح له باستخدام الدولار الأمريكي، وكيفية استخدام تلك الدولارات، وأين تتم تلك المعاملات.

المصدر الثاني: يتمثل في دور الولايات المتحدة، كقائد وشريك استراتيجي، في حماية النظام المالي العالمي من الاحتيال والانتهاكات؛ مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وقد تطور هذا الدور جزئيًّا بسبب الاستخدام الواسع النطاق للنظام المالي الأمريكي، فضلًا عن جهودها المتضافرة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي لعدم تسييس النظام المالي العالمي، بحيث كان يُنظر لها بصفتها وسيطًا نزيهًا. وبحلول بدايات القرن الحادي والعشرين، كانت الولايات المتحدة قد رسخت نفسها كزعيم وحامٍ للنظام المالي العالمي.

السيطرة الاقتصادية الأمريكية

منذ أواخر السبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، زادت العولمة من سرعة وتكرار المعاملات المالية عبر الحدود، ووجد المتهربون من الضرائب ومُهربي المخدرات والأسلحة على حد سواء ملاذًا في بعض الدول ذات القواعد واللوائح المصرفية الضعيفة، والتي تفضل السرية على الشفافية، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تنظر إلى حماية النظام المالي الدولي كأحد الشواغل الرئيسية لأمنها القومي.

لذلك، اتّجه الكونجرس إلى إقرار سلسلة من الإصلاحات لزيادة الرقابة والشفافية والمساءلة داخل النظام المصرفي الأمريكي. وبدأت هذه الجهود بـ"قانون السرية المصرفية" عام 1970، والذي سعى إلى زيادة الشفافية المصرفية المحلية ومكافحة التهرب الضريبي، حيث يطلب القانون من البنوك الأمريكية وغيرها من المؤسسات المالية الاحتفاظ بسجلات مفصلة لعملائها ومعاملاتهم. ويشترط القانون على البنوك تحديد أي نشاط مشبوه والإبلاغ عنه لـ"جهاز مكافحة الجرائم المالية" التابع لوزارة الخزانة، وهي الوكالة المسئولة عن جمع وتحليل المعلومات المالية وإرسالها إلى أجهزة إنفاذ القانون الفيدرالية والولائية والدولية.

وفي عام 1986، قام الكونغرس بتجريم جريمة غسل الأموال، مما ساعد على سد ثغرات قانون السرية المصرفية. وقد جاء استجابةً للمخاوف العامة المتزايدة بشأن الجريمة المنظمة وتزايد العنف المرتبط بتجارة المخدرات الدولية.

وفي عام 1992، جرت تحقيقات واسعة في الجرائم المالية التي ارتكبها بنك الاعتماد والتجارة الدولي (BCCI)، ومعها بدا واضحًا أن التشريعات المحلية الأمريكية وحدها لم تكن كافية للتصدي لعمليات غسل الأموال والملاذات الضريبية الخارجية. الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى إقرار سلسلة من التشريعات الجديدة لمكافحة غسل الأموال، والتي ركزت على تعزيز قانون سرية البنك، ولكن الأمر الأكثر أهمية، هو إعلان الرئيس "بيل كلينتون" عام 1995 أن عمليات غسل الأموال وغيرها من الجرائم المالية هي تهديد مباشر للأمن القومي، مما سمح لوكالات إنفاذ القانون الأمريكية بتجميد الأصول المالية ذات الصلة بعمليات تهريب المخدرات داخل الولايات المتحدة.

ويشير الكاتب إلى أن هذه التشريعات والإجراءات لم تجعل من الولايات المتحدة رائدة في الجهود العالمية لمكافحة غسل الأموال، ولكن ما منحها هذه المكانة هو سعيها لبناء إجماع دولي حول التهديدات التي يتعرض لها النظام المالي الدولي بسبب ضعف الأنظمة التنظيمية والمصرفية، حيث فرضت رؤيتها هذه على صندوق النقد الدولي، ومجموعة الدول الصناعية السبع، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وتمكنت من خلالهم من وضع معايير وقواعد دولية لتسيير النظام المالي والمصرفي، بل وفرضت التزامات مُحددة على معظم دول العالم.

ويرى "أرنولد" أنه بحلول نهاية القرن العشرين، كانت الساحة مهيأة لعصر جديد من "الحكم الاقتصادي الأمريكي"، حيث كانت الولايات المتحدة رائدة -بحكم الأمر الواقع- في الجهود العالمية لمكافحة غسل الأموال، وكانت بنوكها هي الجهات الفاعلة الرئيسية في عمليات التمويل الدولية، لتسيطر واشنطن على معظم أوراق اللعب في النظام المالي العالمي.

التوغل في النظام المصرفي العالمي

كل ما سبق لم يكن سوى تمهيد لمرحلة جديدة، تحوّلت فيها قواعد ولوائح مكافحة غسل الأموال إلى أداة للسياسة الخارجية الأمريكية، وتحديدًا في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث صدر قانون "باتريوت" أو قانون "مكافحة الإرهاب"، وهو خاص بتسهيل إجراءات التحقيقات والوسائل اللازمة لمكافحة الإرهاب، مثل إعطاء أجهزة الشرطة صلاحيات من شأنها الاطلاع على المقتنيات الشخصية للأفراد ومراقبة اتصالاتهم والتنصت على مكالماتهم.

وركّز الباب الثالث من هذا القانون على معالجة مواطن الضعف الوطنية والدولية في مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومنح الولايات المتحدة القدرة على مواجهة ومكافحة الجرائم المالية التي تقع خارج نطاق الولاية القضائية الأمريكية. 

وأحد الأحكام الأكثر قوة ضمن هذا الباب، هي المادة 311، التي تمنح وزير الخزانة الأمريكي سلطات تتعلق بمكافحة غسل الأموال خارج الولايات المتحدة، بل وتطبيق واحد أو أكثر من "التدابير الخاصة" في هذا الصدد.

وتُشرع المادة 311 لعملية قانونية مكونة من ثلاث مراحل. المرحلة الأولى، يقر "جهاز مكافحة الجرائم المالية" بأن هذا البنك أو تلك الدولة متورطة في عمليات غسل أموال، ويطرح الأدلة التي تفيد بتعاون هذه الجهة مع جماعات إجرامية منظمة أو منظمات إرهابية أو كيانات متورطة في نشر أسلحة الدمار الشامل، وكذلك يتم النظر للقواعد المالية داخل الدولة محل الاتهام، وإذا ما كانت تسمح بعمليات غسل الأموال أو توفير خدمات مصرفية خارجية أو لديها مستويات عالية من الفساد.

المرحلة الثانية، يصدر "جهاز مكافحة الجرائم المالية" توصيات بواحد أو أكثر من "التدابير الخاصة" ضد الدولة أو المؤسسة المالية المعنية. وتتراوح هذه التدابير الخاصة من مطالبتها بإجراء تدقيق إضافي لمعاملاتها وعملائها وصولًا إلى مطالبتها بإغلاق أنواع معينة من الحسابات. وتبدأ المرحلة الثالثة إذا لم تُغير الدولة أو المؤسسة المالية المستهدفة سلوكها، حيث يُصدر الجهاز عقوباته تجاه هذه المؤسسة أو تلك الدولة، وتصبح كافة البنوك الأمريكية مُلزمة بتنفيذ هذه العقوبات.

وبين ديسمبر 2002 وفبراير 2018، قام "جهاز مكافحة الجرائم المالية" بتفعيل المادة 311 من قانون باتريوت 27 مرة؛ خمس حالات منها كانت ضد دول (بورما، وإيران، وناورو، وكوريا الشمالية، وأوكرانيا)، و22 حالة كانت ضد مؤسسات مالية. على سبيل المثال، قام الجهاز في ديسمبر 2011 بتفعيل المادة 311 ضد أوكرانيا، بسبب أوجه قصور كبيرة في مكافحة غسل الأموال، ووجود مستويات عالية من الفساد، بالإضافة إلى عدم التعاون مع وكالات إنفاذ القانون الأمريكية. وخوفًا من العزلة السريعة عن الأعمال المصرفية العالمية، اتخذت أوكرانيا خطوات فورية لعلاج أوجه القصور فيها، مما دفع "جهاز مكافحة الجرائم المالية" في أبريل 2012 إلى التراجع عن معاقبة النظام المصرفي الأوكراني، مُشيرًا إلى جهودهم في إصلاح التشريعات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال. وفي حالتين فقط، تم تفعيل العقوبات المالية في مرحلتها الثالثة، وذلك ضد بورما عام 2004، وكوريا الشمالية عام 2016.

نقطة التحول

منذ أوائل الخمسينيات وعلى مدار عقود، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية واقتصادية شاملة ضد كوريا الشمالية. خلال هذه الفترة، تطورت أنظمة العقوبات الأمريكية -أحادية الجانب- لمعالجة التهديدات الأمنية المختلفة الناشئة من كوريا الشمالية، بما في ذلك الأسلحة النووية، وانتشار الصواريخ الباليستية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتهريب المخدرات، والانتهاكات الإقليمية، وغسل الأموال. وشملت هذه العقوبات حظرًا على المعاملات التجارية والمالية، ومبيعات الأسلحة، والوصول إلى المساعدات الأجنبية، وفرض قيود على سفر مواطنيها.

في عام 2005، وعلى خلفية المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية، اقترحت وزارة الخزانة الأمريكية تفعيل المادة 311 ضد بنك صغير في جزيرة ماكاو يُدعى "بانكو دلتا آسيا"، حيث تم اتهام البنك بغسل العائدات غير القانونية، بما في ذلك الدولار الأمريكي المزيف، نيابةً عن نظام كوريا الشمالية. وتم تصنيف البنك على أنه يفتقر إلى قواعد وإجراءات مكافحة غسل الأموال، بل ويمثل تهديدًا للنظام المالي العالمي، وحُظر على المؤسسات المالية الأمريكية إجراء أي معاملات منظمة مع هذا البنك، ثم جمدت السلطات في ماكاو 25 مليون دولار أمريكي مرتبطة بحسابات كوريا الشمالية في البنك. وسرعان ما اتخذت البنوك الدولية نفس الإجراءات وقطعت علاقاتها مع البنك، مما أجبره في نهاية المطاف على الاختيار بين التعامل مع كوريا الشمالية أو مواجهة الحصار الأمريكي المُشدد.

وأدى ما سبق إلى فرض مزيد من الحصار على النظام الكوري الشمالي، مما أشعره بمزيد من العزلة. وعلى الفور قام النظام بتقديم مبادرات إلى الولايات المتحدة من أجل استعادة المبلغ المُجمَّد (25 مليون دولار) مقابل العودة إلى المفاوضات النووية السداسية. وفي نهاية المطاف، قرر الرئيس "بوش الابن" -حينئذ- إعادة كوريا الشمالية إلى المحادثات السداسية. 

وفي عام 2008، رفعت إدارة "بوش" كوريا الشمالية من قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، وأزالت القيود التجارية المفروضة عليها. وذلك دون الإشارة إلى قيامها بأي إصلاحات أو تعديلات على تشريعاتها وأنظمتها المصرفية والمالية.

من وجهة نظر الكاتب، فإن رفع العقوبات المالية والمصرفية عن كوريا الشمالية مقابل التنازلات النووية دون مطالبتها بمعالجة نظامها المصرفي، بعث برسالة معيبة إلى دول العالم، وهي أن العقوبات المالية والمصرفية التي تُشرف الولايات المتحدة على تشريعها وتنفيذها، إنما تُستخدم كأداة سياسية وليست كوسيلة لإصلاح وصيانة النظام المالي العالمي.

تناقض نظام العقوبات المالية

في نوفمبر 2011، تحرك "جهاز مكافحة الجرائم المالية" لعزل النظام المالي الإيراني، كونه ساحة لعمليات واسعة من غسل الأموال. حيث أشار إلى وجود العديد من أوجه القصور النظامية داخل النظام المالي للبلاد، مؤكدًا أنه في السنوات الأخيرة قطعت العديد من المؤسسات المالية الدولية علاقاتها مع البنوك والكيانات الإيرانية، بسبب وجود مجموعة متزايدة من المعلومات العامة حول سلوكهم غير المشروع والمضلل، الذي يُسهِّل دعم الحكومة الإيرانية للإرهاب وسعيها للحصول على صواريخ نووية وباليستية. وبناءً على ذلك، حظر "جهاز مكافحة الجرائم المالية" على البنوك الأمريكية فتح أو إدارة حسابات مصرفية لصالح أو نيابة عن أي بنك إيراني.

وخلال الشهور التالية، وجّهت المؤسسات العالمية الكبرى ضربات متتالية إلى قطاعي البنوك والتمويل الإيرانيين. ففي فبراير 2012، أصدرت مجموعة العمل المالي FATF تحذيرها الأقوى ضد طهران، مُطالبةً أعضاءها باتخاذ تدابير مضادة نشطة ضد المعاملات المرتبطة بها. وفي مارس 2012، قامت منظمة SWIFT -وهي المُزوِّد العالمي لخدمات الرسائل المالية ومقرها بلجيكا- بحظر البنوك الإيرانية من خدماتها.

بحلول نهاية عام 2012، كانت الولايات المتحدة قد نجحت في تنظيم قائمة سوداء عالمية للقطاع المصرفي الإيراني، والتي حرمت البلاد من جميع القنوات المالية والمصرفية العالمية المشروعة، حيث كانت أكبر البنوك الإيرانية -بما في ذلك بنوك سيباه، وملي، وميلات، وتجارات- كلها مُدرجة في هذه القائمة السوداء.

ومع التوصل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA (الاتفاق بين مجموعة دول 5+1 وإيران) والتي حاصرت برنامج إيران النووي في مقابل تخفيف العقوبات، سارع الرئيس الإيراني "حسن روحاني" إلى تأمين استثمارات أجنبية مباشرة أكبر لبلاده، بما يضمن مزيدًا من التكامل الاقتصادي. وفي النهاية، رفع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عقوباتهما، بينما ظلت معظم العقوبات المالية الأمريكية سارية.

يرى "أرنولد" أن العقوبات المالية الأكثر صرامة كانت قائمة بسبب النظام المالي الإيراني الخاطئ، وليس برنامجها النووي. ومع ذلك، لم تتضمن الصفقة النووية أي أحكام تُلزِم طهران بإجراء إصلاحات جوهرية على نظامها المالي. ففي يونيو 2016، قامت مجموعة العمل المالي FATF بتعليق عقوباتها ضدها، بهدف إعطائها مُتنفَّسًا لإصلاح أوجه القصور في نظامها المالي من أجل الاستفادة من تخفيف العقوبات، وهو أمر يشير إلى درجة عالية من الالتباس والتناقض، وكأنه اعتراف ضمني بالأخطاء الكامنة في خلط بعض العقوبات المالية بالأهداف السياسية.

صدع في مصداقية العقوبات الأمريكية

مع الوقت قد تتلاشى شهية المجتمع الدولي لما يعتبره الكثيرون عقوبات أمريكية متهورة. ففي يوليو 2019، أمرت محكمة برازيلية شركة بتروبراس -شركة النفط الحكومية- بتزويد السفن الإيرانية بالوقود، بعد أن كانت عالقة في ميناء باراناغوا لأكثر من 50 يومًا. وكانت شركة بتروبراس قد رفضت في الأصل تزويد السفن بالوقود خوفًا من العقوبات الأمريكية. وهي سابقة، تكرارها يعني توسيع الصدع الموجود في جدار العقوبات الأمريكية.

ويعتقد الكاتب أنه لا يوجد طريق مباشر وواضح لعلاج هذا الصدع، ومع ذلك فهناك خطوات يمكن للإدارة والكونجرس اتخاذها لضمان استعادة واشنطن لثقة حلفائها وشركائها التجاريين فيما يتعلق بالالتزام بالمعايير المصرفية العالمية. وأهم هذه الخطوات هو ضبط أنظمة العقوبات، بحيث تكون مرتبطة بمطالب واضحة ومحددة تجاه الدولة المُستهدَفة، دون أي يكون لها أهداف سياسية.

إن العقوبات المالية -كأداة فعّالة- ستكون جانبًا مهمًّا من جوانب فن الحكم الأمريكي في السنوات القادمة. ومع ذلك، من الضروري أن تحتفظ الولايات المتحدة، ليس فقط بقدرتها على نشر العقوبات، ولكن أيضًا بمصداقيتها والتزامها بدعم القواعد المصرفية الدولية، بغرض حماية النظام المالي العالمي، دون التأثر بالأهداف السياسية.

المصدر:

Aaron Arnold, “A Financial Sanctions Dilemma”, The Washington Quarterly, Winter 2020, pp. 57–71.