أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تعقيدات متعددة:

إشكاليات الحكم المحلي في بؤر الصراعات العربية

16 مارس، 2019


يواجه عمل أو تطوير أداء أجهزة الحكم المحلي أو الإدارة المحلية أو المجالس القروية أو البلديات في دول الصراعات العربية حزمة من التحديات، تتمثل في استمرار اشتعال الصراعات الداخلية المسلحة ذات الأبعاد الإقليمية، وتعزيز شرعية بعض النظم السياسية، وصراع السلطة بين الحكومتين المركزية والمحلية، وتصاعد حدة الصراعات السياسية الحزبية، والدمار الحاد في مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية، وتنامي العجز المالي للمجالس المحلية في ظل انخفاض مستوى التزام الجهات المانحة للدعم وضعف تنمية المجالس لمواردها الذاتية، فضلاً عن استمرار النزاع بين الحكومة الشرعية والميلشيات المسلحة، وتدفق الهجرة غير النظامية التي فرضت أعباءً مضاعفة على عاتق الهيئات المحلية المنهكة أصلاً. 

وقد ساهمت بيئة الصراعات المسلحة داخل الدول العربية المأزومة في تراكم التحديات التي تعرقل قيام المحليات بأدوارها، على مدى الأعوام الثمانية الماضية، وذلك على النحو التالي:

"طاحونة" العنف:

1- استمرار اشتعال الصراعات المسلحة: والتي تنخرط فيها أطراف محلية وقوى إقليمية، وأجهزة استخبارات دولية، وهو ما يؤدي إلى إضعاف وجود أو فعالية المجالس المحلية والأجهزة البلدية، حيث نقلت القوى الداخلية صراعاتها إلى المجالس المحلية ولحق بالأخيرة الدمار الذي يصيب مؤسسات الدولة، بالتوازي مع نقص الإمكانيات المتعلقة بإمدادات المياه والكهرباء والوقود، الأمر الذي يفسره تهريب أسطوانات الغاز لبيعها في السوق السوداء في عدد من المناطق الليبية مثل سبها، وهو ما تزامن مع ضبط مواد غذائية منتهية الصلاحية، على نحو أدى إلى سحب الثقة من وزير الحكم المحلي بالحكومة المؤقتة محمد الفاروق عبدالسلام منذ أيام قليلة.

إلى جانب ذلك، برزت في حالات أخرى، مثل الحالة السورية، هياكل سلطة موازية ومنافسة داخل المجتمعات المحلية، وسيطرت على المناطق، دون الحلول مكان السلطات الرسمية، في الوقت الذي تعثرت تجارب المجالس المحلية للمعارضة السورية في حلب وإدلب وحمص، على نحو قاد في نهاية المطاف إلى تراجع الثقة في قدرة القيادة المركزية للمعارضة ومجالس المحافظات على توفير الأموال والمساعدات بشكل فعَّال للمحليات الواقعة في نطاق صلاحياتها.

"شرعنة" الأسد:

2- تعزيز شرعية النظم السياسية: وهو ما تثيره عدد من الدول الغربية التي انتقدت تنظيم فعاليات مشتركة بين جهات إنمائية عالمية والنظام السوري. فقد عقد البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ووزارة الإدارة المحلية والبيئة بسوريا "الورشة الوطنية حول الحكم المحلي"، في 20 و21 فبراير 2019، انطلاقًا من القانون "107" الذي تأثر تنفيذه بالوضع في سوريا منذ عام 2011، بحيث اعتبر المشاركون في هذه الورشة أن الحكم المحلي داخل سوريا يحظى بأولوية خلال المرحلة المقبلة. 

وقد شارك في هذه الورشة وزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد ومدير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ديفيد أكوبيان، فضلاً عن ممثلي رؤساء مجالس محلية انتخبوا في عام 2018، وكان بينهم رؤساء مجالس محلية في مناطق استعادت قوات الجيش النظامي السوري السيطرة عليها مثل الزبداني وحمص وحلب. وهدفت هذه الورشة إلى مناقشة خيارات للامركزية لتحقيق خدمات أفضل للسوريين، لا سيما أن التقديرات تشير إلى أن هناك 12,8 مليون سوري داخل البلاد يحتاجون لخدمات تعليم وصحة وغذاء.

ويكمن سبب انتقاد عدد من الدول الكبرى لانعقاد مثل هذه الورش في أنها تستبق الحل السياسي، لا سيما أن موقف النظام والمعارضة المسلحة والأكراد مختلف إزاء تطوير نظام الحكم المحلي. فالنظام السوري يدعم مسألة تنفيذ القانون "107" الخاص بالإدارات المحلية، في حين تطالب قوى ومنصات المعارضة باللامركزية على نحو ما جرى في مفاوضات جنيف، ويدعو الأكراد إلى تبني نظام الإدارة الذاتية. 

ووفقًا لوجهة نظر الاتجاه المناهض للتعامل مع الأسد في تلك المرحلة، فإن تلك الورش تضفي شرعية على النظام السوري برئاسة الأسد، بطريقة تتجاوز المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار المناطق المنهارة. ولعل ذلك يفسر انعقاد المؤتمر الثالث للدول المانحة الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في بروكسل خلال الفترة (12-14 مارس الجاري).

المركز والأطراف: 

3- صراع السلطة بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية: على نحو ما هو قائم بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، خاصة بعد إجراء الاستفتاء على انفصال الإقليم عن العراق. ولعل ذلك يفسر عرقلة تدفق التمويل من بغداد إلى إقليم كردستان حتي يفي بالتزامات خدمية لقاطني هذا الإقليم.

تنافس سياسي:

4- تصاعد حدة الصراعات السياسية الحزبية: فرغم أن المفوضية العليا للانتخابات العراقية حددت نهاية عام 2019 موعدًا لانتخابات مجالس المحافظات، إلا أن الصراعات الحزبية في بغداد انعكست بصورة مباشرة على انتخابات المحافظين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصراعات السياسية والحزبية سبق أن أدت إلى تأجيل الانتخابات المحلية التي كان يفترض أن تجري في أواخر عام 2018، وهو ما ساهم في توسيع نطاق الخلافات وإعادة تشكيل التحالفات فيما بين الأحزاب والقوى السياسية.

فعلى سبيل المثال، لايزال الجدل في العاصمة بغداد يدور بين طرفين هما ائتلافى "الفتح" و"سائرون" بشأن انتخاب محافظين اثنين، حيث يدعي كل طرف قانونية موقفه. فبعد انتخاب محافظ من التيار الصدري وهو فاضل الشويلي، طعن اتئلاف "الفتح" في شرعيته وتمكن عبر ذلك من انتخاب محافظ جديد هو فلاح الجزائري. وينتظر المرشحان رأى المحكمة الإدارية لحسم هذا الصراع الحاد، بعد تقدم كل طرف بتظلم. 

كما يثار الجدل حول منصب أمين بغداد، لا سيما بعد إعلان النائب في مجلس النواب العراقي عن تيار "الحكمة" عبدالحسين عبطان تقديم استقالته من عضوية البرلمان تمهيدًا لترشحه لمنصب أمين بغداد بدلاً من الأمينة الحالية ذكرى علوش التي تم ترشيحها من قبل ائتلاف "دولة القانون". وتكمن أبعاد هذا الجدل في أن عبطان ينتمي لمحافظة أخرى غير بغداد (النجف).

وتمتد الخلافات الحزبية إلى محافظتى البصرة وواسط، إذ يبقى أسعد العيداني محافظًا للبصرة رغم فوزه بعضوية مجلس النواب وسط خلافات داخل مجلس المحافظة بشأن ذلك. كذلك الحال بالنسبة لادعاء ثلاثة محافظين أحقيتهم في إدارة محافظة واسط، ولم يحسم القضاء العراقي هذا الصراع الحزبي. ويتجدد الصراع أيضًا بشأن منصب محافظات كركوك وكربلاء والنجف. ولعل تلك المنافسات المحلية في مجالس المحافظات تعبر عن الصراع على السلطة والنفوذ، بشكل يؤدي إلى تراجع أولوية تقديم الخدمات للمواطنين وفقدان فرصة تصحيح مسار عمل المحليات.

"الأرض المحروقة": 

5- الدمار الحاد في مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية: وهو ما يشير إليه الوضع في مدينة سنجار في شمال العراق (التي تقع في بقعة جغرافية حساسة تمتد على حدود إقليم كردستان العراق مع سوريا وإيران وتركيا) بعد طرد مقاتلي تنظيم "داعش" منها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، إذ لم تنفذ عملية لإعادة إعمار المدينة، بل لازال ينتشر بها الألغام وتشح فيها المياه وينقطع عنها التيار الكهربائي، ولم يعد إليها من النازحين سوى ثُلث السكان (وجميعهم إيزيديون). 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدد السكان بلغ نحو 100 ألف نسمة، ينتمون إلى مختلف الأعراق (إيزيديون وسنة وشيعة ومسيحيون، وعرب وأكراد وتركمان وغيرهم). وربما يكمن سبب ذلك فيما تعرضوا له من إبادة جماعية على أيدي مقاتلي التنظيم الإرهابي. كما يحجم السكان عن العودة بسبب توترات يثيرها وجود فصائل مسلحة متنافسة، بخلاف المشكلات البيروقراطية المتعلقة بالموافقة على ميزانية مخصصة لمحافظة نينوى.

"عسكرة" المحليات:

6- تنامي العجز المالي للمجالس المحلية: أثر استيلاء المتمردين الحوثيين على السلطة بشكل كبير على تمويل أنشطة المجالس المحلية، حيث تراجعت قدرتها على تقديم الخدمات في معظم مناطق البلاد. فقد مارس الحوثيون سطوتهم على المستوى المحلي من خلال تدشين "اللجان الشعبية" لضمان قيام المجالس المحلية بتوزيع الإيرادات وتوجيه المساعدات الإنسانية الخارجية بما يتسق مع الأجندات التي وضعها قادتهم وكوادرهم.

لذا، كان نقص التمويل ملحوظًا في مناطق سيطرة الحوثيين، نظرًا لإصرارهم على إعادة توجيه الأموال التي تصل إلى تلك المجالس لخدمة أغراض أخرى، في حين تشير العديد من الكتابات إلى أن تعدد مصادر الدخل المختلفة للسلطات المحلية في حضرموت أدى إلى الاستمرار في العمل بدرجة أعلى من الاستقلالية من حيث قدرتها على دفع مرتبات الموظفين، وتمويل تطوير وصيانة الكهرباء والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي.

كما تفاوضت محافظة مأرب مع الحكومة الشرعية في منتصف عام 2017 للإبقاء على ما يصل من 20% من عائدات النفط المستخرج من المحافظة، والتي كانت الحكومة المركزية سابقًا تحتكرها لصالحها. وقد أدى ذلك إلى جذب آلاف النازحين داخليًا نحوها نظرًا للنشاط الاقتصادي بها، بحيث أصبحت محافظة مأرب نموذجًا فعالاً للحكم المحلي في اليمن، تدعمه وحدة الأهالي وتوافر الموارد وتماسك الأمن المدعوم من قوات التحالف العربي.

الإتجار بالبشر:

7- تدفقات الهجرة غير النظامية: والتي تضررت منها الوحدات المحلية الليبية في مرحلة ما بعد انهيار نظام معمر القذافي، لا سيما في ظل الصراع الحاد على السلطة ما بين حكومتى الشرق والغرب، وتمدد الميلشيات المسلحة العابرة لحدود ليبيا الرخوة، على نحو ساهم في تشكل جماعات مصالح اقتصادية داعمة لعدم الاستقرار واستمرار الفوضى بالبلاد، وخاصة جماعات الإتجار بالبشر، التي تهدف إلى تسفير أفراد من ليبيا ودول جوارها إلى أوروبا، وهو ما يفسر دعم الاتحاد الأوروبي والبرنامج الأنمائي للأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" لأى جماعات محلية تحاول مواجهة هذا التدفق.

وعلى الرغم من المشكلات التي تواجه الأجهزة المحلية والبلدية في دول الصراعات العربية، إلا أن بعض تلك الأجهزة قد يمارس دورًا ما في تقليص حدة الحرب وآثارها على السكان، والتوسط بين الجماعات المسلحة لوقف إطلاق النار، وتوفير ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية عبر خطوط الاشتباك الساخنة، فضلاً عن تدبير بعض الحلول لمشكلات خدمية في حال توافر موارد ذاتية خاصة بهذا المجلس المحلي، على نحو تشير إليه بعض الحالات في اليمن وليبيا. 

خبرات متباينة:

خلاصة القول، لقد تنامت بنى وأنماط للحكم المحلي في دول الصراعات العربية، خلال الأعوام الماضية، وتشكلت وفق سياقات متباينة في هياكلها التنظيمية ومرجعياتها القانونية وأهدافها السياسية، فضلاً عن تباين الموارد المالية التي تدعمها، واتسم أغلبها بضعف الإدارة في توفير الخدمات الأساسية للسكان المحليين وانتشار مظاهر الفساد وعدم الشفافية والافتقار إلى آليات المحاسبة، في حين راكم عدد محدود منها خبرات في إدارة شئون مناطقها، على الرغم من مخاطر البيئة التي تنشط فيها بحيث يمكن تقاسم السلطة عبر صيغة لامركزية، تساهم في استعادة الاستقرار وإعادة البناء في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع.