أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

أسباب هيكلية:

لماذا تواجه وسائل الإعلام معضلة في "صناعة الخبر"؟

03 فبراير، 2017


 على الرغم من أن عملية نقل الأخبار وتداولها تُعد من الوظائف الأساسية لوسائل الإعلام المختلفة، إلا أن الإفراط في الاعتماد عليها، وعدم تحقيق التوازن بينها وبين باقي الوظائف التي يفترض أن تقوم بها وسائل الإعلام، لا سيما تلك المتصلة بصناعة الخبر والتحليل، من خلال شبكة واسعة من المراسلين والمتابعين للأحداث حول العالم؛ وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تتصاعد فيها حدة الصراعات في بعض الدول، يضع عقبات عديدة أمام قدرة تلك الجهات على الارتقاء بمستواها المهني.

وقد خضعت عملية نقل وتداول الأخبار سابقًا لضوابط وقيود ملزمة حدّت من النقل العشوائي للمواد الإعلامية دون الإشارة إلى المصدر أو التحقق من صحة المنشور. غير أن حالة السيولة التي شهدتها وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، عقب ظهور المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي، قد انعكست على عملية تداول المعلومات، حيث لم تلتزم بعض وسائل الإعلام بقواعد نقل المعلومة وتداولها وبحقوق الملكية الفكرية في بعض الأحيان، بما انعكس بدوره على دقة وموضوعية المحتوى الإعلامي الذي تقدمه.

ظاهرتان رئيسيتان:

واللافت في هذا السياق، هو أن معضلة صناعة الخبر ارتبطت بظاهرتين: الأولى، هى ظاهرة "المواطن الصحفي" أو "صحافة المواطن"، التي برزت خلال الأعوام الماضية كبديل للمراسلين الصحفيين والتليفزيونيين في نقل حقائق وانفرادات ‏حول أحداث مهمة وقعت بشكل مفاجئ ولم يستطع المراسلون رصد بداياتها.

وقد تمثلت أهم هذه الأحداث التي أبرزت دور "المواطن الصحفي" في تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وزلزال "تسونامي" عام 2004، وتفجيرات مدريد عام 2005، إلى جانب أحداث ما عُرف بالثورة الخضراء في إيران عام 2009، ثم التطورات السياسية والأمنية التي شهدتها بعض الدول العربية منذ بداية عام 2011.

وقد عملت العديدُ من وسائل الإعلام على استثمار هذه الطفرة في التغطية الخبرية للأحداث، لا سيما في الدول التي تشهد صراعات داخلية أو أزمات مزمنة، على غرار سوريا، من خلال الاستعانة بالمواد الإعلامية المصورة بواسطة المواطنين وشهود العيان؛ حيث تناقلت المواقع الإخبارية تلك المواد بكثافة، وأفردت لها مساحات ثابتة، كما استحدثت قنوات تليفزيونية تقنيات تسمح لها بالحصول على هذه المواد من قبل صانعيها.

أما الظاهرة الثانية، فهى الاعتماد على المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في ظل تفوق وسائل الإعلام الحديثة على وسائل الإعلام التقليدية في سرعة التقاط الخبر، إذ لجأت بعض القنوات التليفزيونية إلى إعادة بث بعض المواد الإعلامية المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث باتت الاستعانة بمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي من الفقرات الرئيسية الإخبارية في ‏عدد من القنوات، لا سيما إذا كانت تخص إحدى المناطق المتعذر الوصول إليها من قبل المراسلين، سواء ‏كان ذلك بسبب تصاعد حدة المواجهات المسلحة، أو لمنع السلطات التصوير والتواجد الصحفي.

وعلى الرغم من أن نقل القنوات التليفزيونية والمواقع الإلكترونية الخبرية للمحتوى المنشور على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الشخصية، من أخبار ومقاطع فيديو وآراء خاصة للناشطين على هذه المواقع، قد ساهم في مواكبتها لسرعة الأحداث وتطوراتها المتسارعة، إلا أنه ‏وضعها في مأزق نشر أخبار غير محققة وغير مدققة.

عوامل مختلفة:

 تتعدد دوافع انتشار ظاهرة تناقل المعلومات بين وسائل الإعلام المختلفة، واعتماد أغلبها على إعادة نشر أخبار صنعتها وكالات إخبارية أخرى، وتتمثل أهم هذه العوامل فيما يلي:

1- تأثير رأس المال على الأداء الإعلامي: بعد اتجاه رأس المال الخاص إلى امتلاك وتمويل وسائل ‏الإعلام المختلفة، سواء صحف أو قنوات تليفزيونية، زادت التوقعات التي تشير إلى إمكانية أن يساهم ذلك في رفع المستوى المهني لوسائل  الإعلام، إلا أن العكس هو الذي حدث في بعض الحالات، حيث ساهم رأس المال الخاص، في بعض الأحيان، في تقييد الإعلام ‏وربطه بمصالح وتوجهات مالكيه، ليصبح الإعلام الخاص مُعبِّرًا عن تلك المصالح بشكل كبير.

 فضلا عن ذلك، فإن تراجع تمويل خطط تطوير الأداء، وعدم الاستعانة بشبكة واسعة من المراسلين الصحفيين والتليفزيونيين، كان له تأثير سلبي أيضًا على الأداء المهني لبعض وسائل الإعلام.

2- عزوف الصحفيين عن تغطية مناطق الصراع: وذلك لعدم توافر عوامل الأمان لهم من قبل مؤسساتهم الإعلامية، وهو ما يبدو جليًا في العديد من بؤر التوتر والصراع بالمنطقة، نظرًا للخطورة التي تنطوي عليها مهمة تغطية الأحداث في هذه المناطق، في الوقت الذي تتراجع فيه قدرة المؤسسات الإعلامية المقروءة والمرئية على توفير سبل الحماية اللازمة لصحفييها ومراسليها في هذه المناطق، سواء بالتنسيق مع الجهات المختصة، أو حتى مع أطراف الصراع، لتوفير الحماية لهؤلاء من استهداف الجماعات المسلحة، حتى إن بعض المؤسسات الإعلامية لا توفر السترات والخوذ الواقية أو التعريفية للصحفيين، في الوقت التي تصاعد فيه استهداف المسلحين لهم في عدد من مناطق الصراع، وعلى رأسها سوريا.

 ففي هذا السياق، أشار "المركز السوري للحريات الصحفية" التابع لرابطة الصحفيين السوريين، في ديسمبر 2016، إلى مقتل 350 صحفيًا سوريًا منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011. فيما كشف تقرير لجنة حماية الصحفيين، الذي صدر في ديسمبر 2016، أن 48 مراسلا على الأقل قتلوا خلال عام 2016 أثناء تغطيتهم للصراعات المسلحة في بعض الدول، لا سيما في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان والصومال، وقد جاءت سوريا في المرتبة الأولى للعام الخامس على التوالي، حيث قتل 14 صحفيًا في عام 2016.

واللافت هنا أن التقرير أشار إلى أن 26 صحفيًّا قُتلوا بسبب المواجهات المسلحة وتبادل إطلاق النار أثناء تغطيتهم الصراعات، فيما تم استهداف 18 صحفيًّا انتقامًا منهم لتغطيتهم للأحداث.

وهنا يظل الصحفي والمراسل القادر على الدخول لمناطق الصراع هو المصدر الرئيسي للأخبار من هذه المنطقة، سواء كان متعاونًا مع أكثر من مؤسسة إعلامية، أم يعمل لحساب مؤسسة واحدة، تتحول هى بدورها إلى مصدر الخبر الذي تتناقله عنها باقي وسائل الإعلام الأخرى.

غير أن وجود المراسل أو الصحفي في مناطق الصراع غالبًا ما يكون مشروطًا بتغطية أخبار الطرف الذي يوفر له الحماية إن لم يكن وجوده تحت حماية قوات أو منظمات حمائية دولية، وهو أمر يدفع الصحفي والمراسل، في بعض الأحيان، إلى اجتزاء الأخبار والانحياز، حيث لا يتوفر له تغطية أخبار الطرف أو الأطراف الأخرى المنخرطة في الصراع، مما يؤدي في النهاية إلى انتشار وتناقل أخبار مجتزأة عن هذه البؤرة الصراعية.

3- اتجاه الصحفيين إلى متابعة التطورات الدولية: تجنبًا للإجراءات العقابية والملاحقات القضائية في بعض الدول: حيث أدى تراجع مستويات حرية الصحافة والإعلام في العديد من الدول، خلال السنوات الماضية، إلى تقلص اهتمام الصحفيين المحليين بمتابعة الأخبار المحلية، والاتجاه إلى التطورات الطارئة على  الساحة الدولية، بشكل ساهم في زيادة معدلات نقل وتداول الأخبار العالمية من الصحف الأجنبية، وذلك برصد وتحليل محتواها الخبري الذي بات أحد أهم أبواب الصحف المحلية، المطبوعة أو الإلكترونية، إلى جانب كونها فقرة ثابتة في عدد من البرامج التليفزيونية الإخبارية أيضًا.

ففي هذا الإطار، كشف تقرير لجنة حماية الصحفيين لعام 2016 أن عدد الإعلاميين الذين تعرضوا لعقوبة الحبس حول العالم قد بلغ 259 إعلاميًّا، حيث جاءت تركيا في المرتبة الأولى عالميًّا وذلك بعدد 81 صحفيًّا، في حين حلت الصين في المرتبة الثانية بعدد 38 صحفيًّا.

كما تسببت البيئة غير المواتية لحرية الإعلام وضمان حقوق الإعلاميين في بروز ظاهرة هجرة الصحفيين المحليين من عدد من دول المنطقة، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الهيئات المعنية بالدفاع عن حقوق الصحفيين في العراق حذرت من ظاهرة هجرة الصحفيين العراقيين ‏إلى الخارج، تجنبًا لمخاطر العمل الصحفي في البلاد. 

هذه العوامل في مجملها تشير في النهاية إلى أن مشكلة صناعة الخبر يبدو أنها سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة، في ظل استمرار تصاعد حدة الصراعات في بعض الدول، مثل سوريا، وارتفاع معدلات استهداف الصحفيين والمراسلين من جانب التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة.