أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مظالم القوميات:

هل تؤدي احتجاجات إثيوبيا إلى إصلاح أم إسقاط السلطة؟

14 أكتوبر، 2016


 جاء تجدد الاحتجاجات الشعبية التي تقودها أكبر قوميتين في إثيوبيا (الأورومو والأمهرة) خلال شهر أكتوبر 2016 ليثير تساؤلات حول مدى قدرة هذه الاحتجاجات على الاتساع لتتحول إلى ما يسميه البعض "ربيعًا حبشيًّا" يُغيِّر منظومة السلطة في هذا البلد. بل إن مستقبل النظام الإثيوبي بات على المحك، لا سيما مع التساؤل أيضًا حول حدود قدرته على احتواء هذه الاحتجاجات، والاتجاه للإصلاح السياسي ومعالجة مظالم القوميات، خاصة في ضوء انتقادات أمريكية لإعلان أديس أبابا عن حالة الطوارئ لمواجهة الاحتجاجات الشعبية.

أسباب الاحتجاجات:

يواجه نظام "الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية" الذي يحكم إثيوبيا منذ عام 1991، احتجاجات شعبية على فترات متقطعة شهدت تصاعدًا في شهر نوفمبر الماضي، واجتاحت أكثر من 130 مدينة إثيوبية ردًّا على الخطة التي وضعتها الحكومة الفيدرالية لتوسيع العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا) على حساب أراضي جماعة الأورومو؛ مما سيؤدي إلى تمزيق الجماعة العرقية بين أقاليم أخرى، وسيؤثر على خصوصيتها الثقافية وقوتها.

وعلى الرغم من إلغاء الحكومة للخطة الاستراتيجية لتوسيع العاصمة، فإن احتجاجات الأورومو استمرت، وتبعتها احتجاجات جديدة في شهر يوليو الماضي انطلقت في مناطق الأورومو والأمهرة في تحالف غير مسبوق بين الجماعتين، وامتدت المظاهرات إلى أكثر من 200 مدينة وقرية. وقد تصاعدت الاحتجاجات بعد مقتل 55 شخصًا على الأقل في حادث تدافع، إثر إطلاق الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص لتفريق محتجين أثناء الاحتفال بمناسبة ثقافية تخص جماعة الأورومو في الثاني من أكتوبر الجاري.

ومع أن الأسباب السابقة هي المفجرة للاحتجاجات في مدن ولايتي الأوروميا والأمهرة، فإن قوة واستمرار هذه الاحتجاجات، بما تحمله من تهديدات للنظام الحاكم؛ يعود إلى ميراث من الاستبداد الذي مارسته الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية (EPRDF) الحاكمة بزعامة جماعة التيجري على الجماعات الإثنية الأخرى المكونة للدولة الإثيوبية خلال سنوات حكمها. 

فقد تعرضت هذه الجماعات إلى حرمان من حقوقها السياسية والاقتصادية، وخاصة جماعة الأورومو الذين يمثلون 40% من السكان، حيث تعرضوا للاضطهاد منذ عهد الإمبراطور هيلاسلاسي، وكذلك جماعة الأمهرة الذين يمثلون 25% من السكان، والذين كانوا يتمتعون بسلطات واسعة سواء في عهد الإمبراطور أو في أثناء حكم الدرك العسكري (1974-1991).

وقد فشلت الجبهة الثورية في تطبيق نموذج "الفيدرالية الإثنية" الذي اعتمده دستور البلاد عام 1994، كنظام يسمح بمعالجة أزمة الاندماج الوطني في الدولة الإثيوبية، بتقسيم البلاد إلى تسع ولايات، بالإضافة إلى العاصمة، وفقًا للجماعات الإثنية الرئيسية في البلاد، مع إعطاء كل جماعة الحق في تقرير مصيرها والانفصال عن الدولة الإثيوبية وفقًا لشروط حددها الدستور. 

واستهدف هذا النموذج الفيدرالي الحد من سيطرة جماعة إثنية واحدة على المفاصل السياسية والاقتصادية للبلاد، وإشراك كافة الجماعات الإثنية في الحكم؛ إلا أن الجبهة الثورية ابتعدت كثيرًا عن هذه المبادئ، وعملت كأسلافها على تمكين جماعة إثنية واحدة هي جماعة التيجري (6% من السكان) دون غيرها.

كما اعتمدت الجبهة الثورية على نموذج من الديمقراطية الشكلية الذي تظهر خلاله مشاركة مجموعة من الأحزاب المعبرة عن الجماعات الإثنية الأخرى في الائتلاف الحاكم، إلا أن هذه الجماعات تدين بولائها للجبهة الثورية الحاكمة، ولا تعبر بالضرورة عن مطالب القوميات الممثلة لها، وهي أربعة أحزاب تشارك في الائتلاف الحاكم هي: المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو (OPDO)، وحركة أمهرة الوطنية الديمقراطية (ANDM)، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا (SEPDM)، وجبهة تحرير شعب التيجراي (TPLF). 

فالمنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو OPDO، أنشأتها الجبهة الحاكمة في ولاية تيجري خارج إقليم أوروميا، ولا تعبر عن مطالب جماعة الأورومو مثل جبهة تحرير الأورومو التي يُصنفها النظام الحاكم باعتبارها منظمة إرهابية، والتي كانت جزءًا من الائتلاف الحاكم حتى عام 1992، حيث عادت إلى الكفاح المسلح مرة أخرى، وكذلك حزب الأمهرة -وهو من أكبر المدافعين عن النظام الفيدرالي- والذي يفتقد الشرعية والقدرة على التأثير على أفراد جماعته.

أساليب مواجهة الاحتجاجات:

في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة، لجأ النظام الحاكم في إثيوبيا لعدد من الأساليب التي عبرت عن المأزق الذي أصبحت تواجهه الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي، ومن هذه الأساليب:

1- الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة المحتجين في مناطق في أوروميا وأمهرة ومناطق أخرى في إثيوبيا، حيث زادت أعداد المعتقلين، خاصة من المعارضين والصحفيين، ووصلت أعدادهم إلى ألف معتقل، كما وصلت أعداد القتلى إلى 400 شخص، مما يشير إلى فقدان الجبهة الثورية لتحكمها عند استخدامها القوة مع خصومها من الأورومو والأمهرة.

2- نقل الأزمة الداخلية إلى الخارج باتهام إريتريا ومصر بدعم جبهة تحرير الأورومو، وتقديم التدريب والتمويل لها لزعزعة الاستقرار في إثيوبيا. وهذا الاتهام يستخدمه النظام الحاكم ليبرر تصعيده للعنف ضد المعارضين له.

3- إلقاء اللوم في هذه الأحداث على المعارضة في البلاد وخارجها لتنظيم ما أسمته "احتجاجات غير مصرح بها من قبل القوى المعادية للسلام"، وأعلنت أن المتظاهرين كانوا يحملون أسلحة ومتفجرات، وأنهم عناصر إرهابية.

4- كما قام النظام بقطع الإنترنت، فمنع المحتجين من الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

5- إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في البلاد، والتي تتيح سلطات استثنائية للأجهزة الأمنية مثل اعتقال المتظاهرين، وفرض قيود على حرية التعبير.

وواجهت الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية انتقادات شديدة لطريقة تعاملها مع الاحتجاجات، وأيضًا للتعصب تجاه وسائل الإعلام والمجتمع المدني، واعتقال الآلاف من الطلاب والناشطين بوسائل التواصل الاجتماعي، وقادة الأحزاب المعارضة والمؤيدين، واتهام العشرات في إطار قانون مكافحة الإرهاب (ATP) الذي تم تشريعه في عام 2009 وتتخذه إثيوبيا ذريعة لوضع قيود على حرية التعبير، والتنكيل بالمعارضين للنظام الحاكم، وقد تم احتجاز المئات دون توجيه اتهامات.

وفي هذا السياق، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرًا في يونيو 2016 أكدت خلاله أن أكثر من 400 محتج من الأورومو قُتلوا في نوفمبر عام 2015، واعتقل الآلاف من قبل قوات الأمن الإثيوبية خلال الاحتجاجات. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الإثيوبية قد أعلنت رفضها استقبال لجنة أممية للتحقيق في فض الشرطة للاحتجاجات التي شهدتها العاصمةُ أديس أبابا وإقليما أوروميا وأمهرة مطلع أغسطس الماضي، وأسفر عن سقوط قتلى.

الدعم الغربي لأديس أبابا:

عملت إثيوبيا خلال السنوات الأخيرة على إجراء مجموعة من الإصلاحات والمشروعات التنموية التي ضاعفت من معدلات النمو الاقتصادي فأصبحت من بين الدول الأسرع نموًّا في العالم، على الرغم من كونها لا تزال من أفقر دول العالم. كما حرصت على لعب دور حيوي في مختلف القضايا، سواء الإقليمية أو الدولية، فأصبحت الحليف الاستراتيجي للدول الغربية في شرق إفريقيا، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فهي شريك رئيسي في الحرب على الإرهاب، وهي الراعي والمنفذ للاستراتيجية الأمريكية في شرق إفريقيا.

وعلى الرغم من كون إثيوبيا تعد ثاني أكبر متلقٍّ للمساعدات الدولية بين الدول الإفريقية جنوب الصحراء، حيث تتلقى الحكومة الإثيوبية نحو 3.5 مليارات دولار سنويًّا من الجهات المانحة الدولية - فإن هذه المساعدات توجه لدعم النظام الحاكم. فإثيوبيا -وفقًا للعديد من تقارير المنظمات الدولية- تحتل مرتبة متقدمة في انتهاكات حقوق الإنسان، وتقييدها لحرية الرأي، واستخدامها أساليب قمعية في التعامل مع عناصر المعارضة، سواء بالتعذيب أو النفي أو الإعدام.

ويتغاضى المسئولون الأمريكيون عن التقارير الحقوقية الغربية التي تتناول إثيوبيا كدولة بوليسية تمتلك جهازًا للمراقبة والتحكم يتخلل المجتمع بأسره، وصولا إلى مستوى الأسرة، وتشير إلى استخدام السلطات الإثيوبية لقانون مكافحة الإرهاب الذي تم تشريعه في عام 2009 لتقييد حرية الرأي وحرية التجمع. 

ورغم تلك الحقائق تدعم الولايات المتحدة إثيوبيا بكل الوسائل باعتبارها شريكًا استراتيجيًّا في مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا، وتصف النظام الحاكم في إثيوبيا بـ"الديمقراطي المنتخب"، وقد قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 3 مليارات دولار للنظام الإثيوبي في عام 2015.

وقد أدت الحملة القمعية التي قادها النظام وأودت بحياة 200 من المعارضين في عام 2005، إلى إحراج المانحين الدوليين، فأعلن البنك الدولي في عام 2006 عن إمكانية تقديم المساعدات للحكومات المحلية بدلا من الحكومة الفيدرالية، إلا أن هذه الاستراتيجية لم تنفذ ولم تصل المساعدات إلى مستحقيها. 

كما قامت السلطات الإثيوبية باعتقال ما لا يقل عن 5 آلاف من الأورومو بين عامي 2011 و2014، وذكرت منظمة العفو الدولية أن مئات الأشخاص منذ نوفمبر عام 2015 قُتلوا في احتجاجات منطقة أوروميا التي تحيط بالعاصمة أديس أبابا. وقد وجهت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرًا انتقادات للسياسة الأمريكية تجاه إثيوبيا، ووصفتها بأنها تُخفي ما تقوم به إثيوبيا من جرائم.

ما بين الإصلاح والسقوط:

أمام هذا الدعم الدولي -لا سيما الأمريكي- للنظام الإثيوبي، يثور تساؤل مفاده: هل يمكن للاحتجاجات الشعبية في إثيوبيا أن تؤدي إلى إسقاط النظام الحالي؟.

الإجابة تتوقف على هذا التساؤل بناء على اعتبارين؛ أولهما قدرة الاحتجاجات على الاستمرار والاتساع إلى مناطق أخرى داخل البلاد. ففي حالة تَمَكَّنَ المتظاهرون من الإصرار على مطالبهم واجتذاب شرائح أكبر من المجتمع، رغم عمليات القتل والاعتقال ضدهم، فإن توسع الاحتجاجات ربما يؤدي إلى إسقاط نظام الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية، لا سيما إذا أدركنا أن قوميتي الأورومو والأمهرة يشكلان قرابة 60% من سكان البلاد.

ويتعلق ثانيهما بإمكانية تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن النظام الحاكم في إثيوبيا. ففي إطار ضغوط معينة قد تضطر واشنطن إلى تغيير تحالفاتها لمنع الإضرار بمصالحها في إقليم شرق إفريقيا، ويبدو أن زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخرًا لإثيوبيا تأتي في إطار المحاولات الدولية لتقليل الخسائر الناجمة عن الاحتجاجات، وإبداء النصح للحكومة الإثيوبية للخروج من المأزق. إذ طالبت ميركل السلطة في أديس أبابا بتوسيع المشاركة السياسية. 

بل إنه في ظل تصاعد المطالب الحقوقية داخل الولايات المتحدة لوقف مساعدات واشنطن لإثيوبيا، وخاصة العسكرية، أعربت الخارجية الأمريكية عن قلقها من تزايد معدلات العنف في إثيوبيا، وحذرت من مخاطر حالة الطوارئ التي أعلنتها إثيوبيا لمواجهة احتجاجات أكتوبر الجاري، وإن كانت قد رحبت -في الوقت نفسه- بوعد مسئولي الحكومة بحل مشكلات المتظاهرين من الأورومو والأمهرة.

لكن الحكومة الإثيوبية مع استشعار تهديد استمرار تلك المظاهرات على مفاصل الدولة قد تسعى إلى احتوائها، وهذا هو المتوقع تحت ضغوط من حلفائها في الخارج، بإجراء مجموعة من الإصلاحات لتفادي استمرار الفوضى، وسقوط الدولة في صراعات داخلية تُهدد الإنجازات التي حققتها الجبهة الشعبية الديمقراطية خلال سنوات حكمها للبلاد. ولعل رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين قد وعد خلال شهر أكتوبر الجاري في كلمة أمام البرلمان بتعديل النظام الانتخابي الذي يُقيد من تمثيل المعارضة، وقال إنه يرغب في سماع "أصوات بديلة"