أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قلب الموازين:

أبعاد ودلالات زيارة وزير الخارجية الصيني إلى إثيوبيا

08 ديسمبر، 2021


قام وزير الخارجية الصيني، وانج يي، بزيارة رسمية إلى إثيوبيا، في مطلع ديسمبر 2021، والتي تعد الأولى لمسؤول صيني رفيع المستوى منذ بداية الصراع الراهن، بين حكومة أديس أبابا برئاسة، آبي أحمد، وجبهة تحرير التيجراي، في نوفمبر 2020، وهو ما أضفى على هذه الزيارة أهمية كبيرة، خاصةً أنها تأتي بعد أسبوعين فقط من جولة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى القارة الأفريقية.

متغيرات دولية وإقليمية

أكد وزير الخارجية الصيني، وانج يي، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره الإثيوبي، دمقي مكونن، أن زيارته إلى أديس أبابا تستهدف في الأساس تأكيد الدعم الصيني للحكومة الإثيوبية برئاسة، آبي أحمد، وتأتي زيارة الوزير الصيني إلى إثيوبيا في ختام جولته بالقارة الأفريقية، والتي جاءت في الأساس للمشاركة في المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني – الإفريقي "فوكاك"، وقد ارتبطت زيارته إلى أديس أبابا بالمتغيرات التالية:

1- مساعٍ أمريكية للانخراط في أفريقيا: سبقت زيارة وزير الخارجية الصيني إلى إثيوبيا جولة أخرى قام بها نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، للقارة الأفريقية منتصف نوفمبر الماضي، والتي شهدت ثلاث محطات رئيسية، هي كينيا ونيجريا والسنغال، حيث استهدفت جولة بلينكن تعزيز النفوذ والحضور الأمريكي في أفريقيا، ومحاولة بلورة استراتيجية جديدة لواشنطن بغرض مواجهة تنامي النفوذين الصيني والروسي بالقارة. 

2- تفاقم حدة الصراع القائم في إثيوبيا: تشهد إثيوبيا تصاعداً مضطرداً في حدة الصراع القائم بين القوات التابعة للحكومة المركزية، والقوات التي تقودها جبهة تحرير التيجراي، خاصة بعدما باتت الأخيرة على تخوم العاصمة أديس أبابا، فضلاً عن قيامها بالهجوم على الطريق الذي يربط أديس أبابا بجيبوتي، حيث يأتي عبر هذا الخط أغلب صادرات إثيوبيا من العالم الخارجي، وذلك قبل أن تتمكن القوات الإثيوبية من تأمين هذا الطريق.

3- ضغوطات غربية على أديس أبابا: تواجه حكومة آبي أحمد ضغوطات غربية متزايدة بسبب الصراع الراهن مع جبهة تحرير التيجراي، والذي أفرز أزمة إنسانية حادة، دفعت الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى التهديد بفرض عقوبات على الحكومة الإثيوبية، فضلاً عن اتجاه الاتحاد الأوروبي إلى التلويح بالأمر ذاته. 

في المقابل، شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً واضحاً في وتيرة التواصل بين أديس أبابا وكل من بكين وموسكو، والذي انعكست نتائجه في تدخل الصين وروسيا والهند لرفض مقترح إيرلندا في مجلس الأمن الدولي بشأن فرض عقوبات على أديس أبابا، وهو المقترح الذي كانت تدعمه واشنطن وعدد من الدول الغربية. 

من ناحية أخرى، أشارت بعض التقارير إلى قيام الولايات المتحدة قبل أسبوع بإرسال ثلاث سفن عسكرية بالقرب من إثيوبيا، بدعوى مساعدة سفارة واشنطن في أديس أبابا ورعاياها في حال تدهورت الأوضاع الأمنية، غير أن البعض رأى في هذه الخطوة رسالة تهديد أمريكية غير مباشرة، وألمحت تقارير بأن تصريحات وزير الخارجية الصيني، وانج يي، بشأن رفض بلاده أي تدخلات خارجية في إثيوبيا جاءت رداً على التحركات الأمريكية الأخيرة.

دوافع الزيارة الصينية

في ظل التطورات السابقة، تأتي زيارة وزير الخارجية الصيني إلى إثيوبيا بغرض تحقيق بعض الأهداف، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تأكيد استمرار الدعم لأديس أبابا: أعلن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أثناء زيارته إثيوبيا، أن بلاده ستواصل دعم أديس أبابا لتحقيق السلام والاستقرار. ولم يقتصر الدعم الصيني على المواقف الدبلوماسية، بل وصل ذلك إلى الدعم العسكري، فقد قدمت بكين دعماً عسكرياً إلى أديس أبابا، تمثل في صواريخ صينية، فضلاً عن نوعين من أنظمة راجمات الصواريخ المتعددة الثقيلة، "كالت إيه 200" و"نورينكو إيه آر 2".

2- قطع الطريق أمام حلفاء واشنطن: نشر الموقع الإخباري الحكومي الصيني "سي جي تي إن" (CGTN) خبراً، في 1 ديسمبر، عن عقد واشنطن لقاء عبر الإنترنت لممثلين عن "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية" التي تقودها قوات جبهة تحرير التيجراي، وذلك نقلاً عن قناة سبوتنيك الروسية.

وأشار الموقع الصيني إلى إن فيكي هودلستون، الدبلوماسية الأمريكية السابقة لإثيوبيا، قالت في هذا الاجتماع إنها تأمل في أن ترى التيجراي تحقق "نجاحاً عسكرياً" في حربها ضد الحكومة الإثيوبية، وهو ما قد يؤشر إلى وجود تحركات أمريكية تستهدف دعم التحالف المناوئ لحكومة آبي أحمد، بهدف الإطاحة به وتأسيس مرحلة انتقال سياسي تتم بموجبها إقامة حكومة جديدة.

ويلاحظ أن زيارة وزير الخارجية الصيني إلى إثيوبيا، في 1 ديسمبر، جاءت بالتزامن مع هذا التسريب، وهو ما قد يكون مؤشراً على اتجاه بكين لدعم إثيوبيا عسكرياً رداً على الموقف الأمريكي.  

3- استغلال توتر العلاقات الأمريكية – الإثيوبية: وجهت حكومة آبي أحمد انتقادات حادة خلال الفترة الأخيرة للولايات المتحدة والدول الأوروبية، ملمحة إلى وجود أطراف خارجية تستهدف زعزعة استقرار أديس أبابا. 

وفي هذا السياق، يبدو أن بكين تسعى لاستغلال التصدعات المتزايدة في علاقات إثيوبيا بالولايات المتحدة لتعزيز نفوذها وحضورها المباشر في القرن الأفريقي عبر أديس أبابا، وهو الأمر الذي ربما عززته تصريحات السفير الصيني لدى إثيوبيا، تشاو تشي يوان، والذي ألمح إلى أن بلاده ستواصل دعمها لأديس أبابا، منتقداً الولايات المتحدة لتدخلها في شؤون الدول الداخلية.

4- حماية سوق أفريقية مهمة لبكين: تمثل أديس أبابا أهمية استراتيجية بالنسبة للصين، سواء باعتبارها بوابة رئيسية للسوق الأفريقية الواعدة، والتي تحظى باهتمام خاص بالنسبة لبكين، أو بسبب السوق الإثيوبية ذاتها والتي تنطوي على استثمارات صينية كبيرة، ولا تريد بكين خسارة هذا السوق الحيوي حال انهيار الدولة، أو سقوط العاصمة، والذي قد يمهد الطريق أمام اندلاع حروب أهلية.

وتأتي بكين في المرتبة الأولى من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إثيوبيا، بما يتجاوز حاجز الـ 60% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في أديس أبابا في عام 2019. كما موّلت الصين الطريق السريع الواصل بين أديس أبابا وميناء جيبوتي، فضلاً عن خط السكة الحديدي بينهما، وبالتالي ففي ظل وجود القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، أضحى هذا الطريق يمثل بوابة بكين نحو شرق ووسط أفريقيا، ومن ثم فقد تمثل هيمنة جبهة تحرير التيجراي على هذا الطريق تهديداً مباشراً للمصالح الصينية.

كذلك، انخرطت الشركات الصينية خلال الفترة الممتدة من 2008 وحتى 2018 في أكثر من ألف مشروع استثماري داخل إثيوبيا. وعلى الرغم من انتهائها من نحو 600 مشروع، بيد أن الكثير منها لا تزال قيد التنفيذ، فضلاً عن اتجاه هذه المشروعات إلى التزايد، في ظل وجود أكثر من 500 شركة صينية تعمل في أديس أبابا، بقيمة استثمارات تتجاوز الـ 1.5 مليار دولار. وتبلغ إجمالي القروض الصينية لإثيوبيا، حتى عام 2018، حوالي 13.7 مليار دولار. 

كما ساعدت بكين الحكومة الإثيوبية لإطلاق أول قمر صناعي إثيوبي "إترس – 1" (ETRSS – 1) في ديسمبر 2019، فضلاً عن إعلان البلدين في فبراير 2021 عن توقيع اتفاقية تستهدف تعزيز التعاون التكنولوجي بينهما، من دون الإفصاح عن أية تفصيلات تتعلق بهذا الاتفاق.

تحولات ميدانية لافتة

يلاحظ أن زيارة وزير الخارجية الصيني إلى أديس أبابا قد رافقها تطورات ميدانية ودلالات سياسية لافتة، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تقدم القوات الحكومية: شهدت الأيام الأخيرة تطورات ملفتة على جبهة القتال في إثيوبيا، إذ إنه بعد عدة أسابيع من تواصل زحف التيجراي نحو العاصمة الإثيوبية، ووجود تقديرات رجحت قرب احتمالات سقوط حكومة آبي أحمد، بدأت الكفة تتأرجح منذ أواخر نوفمبر الماضي، مع استعادة القوات الحكومية الإثيوبية السيطرة على بعض المدن التي كانت استولت عليها جبهة التيجراي. 

وتوازت هذه التطورات مع زيارة وزير الخارجية الصيني إلى أديس أبابا، وهو ما قد يشير إلى أن هذا التقدم من قبل القوات الإثيوبية جاء بدعم مباشر من قبل الصين، أو، على الأقل، محاولة من جانبها للاستفادة من هذه المتغيرات لتعزيز مكاسبها عبر التلويح باتجاهها للانخراط بشكل أوسع في دعم حكومة آبي أحمد في مواجهة التيجراي.

2- دعم سلطة آبي أحمد: جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني إلى إثيوبيا، وتصريحاته التي أكد من خلالها على دعم بلاده لحكومة أديس أبابا ورفض أي ضغوطات مفروضة عليها لتعكس مؤشراً مهماً بشأن تراجع احتمالات سقوط نظام آبي أحمد نسبياً، خاصة في ظل الحديث عن استعادة قواته والميليشيات المتحالفة معه لمزيد من المدن في إقليم العفر، وهو الأمر الذي قد يرتب حالة من الجمود الميداني التي تتطلب مفاوضات دبلوماسية لاحقة.

3- ترسيخ تباين الموقف الصيني: شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات مكثفة من قبل الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، لسحب رعاياها من إثيوبيا، عمدت بكين إلى الاحتفاظ بمواطنيها العاملين في إثيوبيا، كما جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني لتعزز مدى تباين السياسة الصينية، في محاولة لتعزيز موثوقية بكين كحليف استراتيجي للدول الأفريقية، بخلاف الموقف الأمريكي والأوروبي المتأرجح، كما أكد الوزير الصيني على مدة ثقة بلاده في قدرة الحكومة الإثيوبية في فرض الأمن والاستقرار.

وفي الختام، يمكن القول إن التطورات الميدانية في إثيوبيا قد تؤشر إلى تحوّل القارة الأفريقية لساحة رئيسة للتنافس الصيني – الأمريكي، بشكل سوف يؤثر على خريطة النفوذ في منطقة القرن الأفريقي على الأقل، بيد أن الأمر لا يرجح أن يفضي بسهولة عن طرفين أحدهما رابح والآخر خاسر، إذ إن كلاهما يتوقع أن يسعى إلى توسيع الآليات التي يعتمد عليها في تعزيز نفوذه في المنطقة، وهو ما قد يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية هناك.